أسرى قطاع غزة يواجهون مصيرًا مجهولًا..
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
لم يتمكن من السيطرة على مشاعره كان يبكي بشدة بسبب هول ما رأى من إهانة وامتهان للكرامة أثناء اعتقاله وهو برفقة أسرته وهم قادمون لجنوب قطاع غزة عبر الممر الآمن الذي حدده جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على قطاع غزة للسماح لأهالي شمال قطاع غزة للنزوح حيث المنطقة الإنسانية كما ادعى الاحتلال.
تم الإفراج عنه بعد اعتقال استمر لأكثر من شهرين ذاق فيهما أشد صنوف العذاب من قبل جيش الاحتلال الذي يسعى لممارسة سياسته الانتقامية تجاه المدنيين الفلسطينيين.
توقف عن الكلام لبرهة ثم نظر لوجوه الجالسين وقال: لقد تم اقتيادي بعد تعريتي برفقة العديد من المواطنين من منطقة جنوب وادي غزة باتجاه ما يسمى بمعبر إيرز بيت حانون عبر عربة عسكرية كنا مقيدين بالسلاسل طوال الوقت، تعرضنا للضرب المبرح منذ لحظة دخولنا العربة حتى وصلنا إلى مكان الاستجواب بمنطقة صحراء النقب، كان النهار يشرف على الانتهاء، البرد قارس للغاية، الكل يرتجف، والبعض كان ينزف من أنفه نتيجة تعرضه لضربات متتالية في الوجه، قضينا ليلة عصيبة لم نرَ لها مثيلًا في حياتنا لقد مارس الاحتلال علينا الإهانات والشتائم المستمرة بالإضافة لمنعنا من قضاء حوائجنا بالشكل المطلوب.
توقف عن الكلام ثم استطرد قائلًا جلسنا جميعًا على الأرض مقيدين بالسلاسل في الأيدي والأرجل ليلة كاملة حتى بدأ النهار بالبزوغ، كنا نسمع إطلاق نار متقطع بعد مناداة بعض أسماء المعتقلين أيقنا حينها أن هناك إعدامات ميدانية للبعض.
مر الوقت ببطء ومع ذلك لم نسلم من تلقي الضربات المتتالية باستخدام الأدوات الحادة من عصي وقطع حديدية سمعت اسمي وحين حاولت رفع يدي قام أحدهم بسحبي بعنف لمكان بالخارج برفقة أربعة رجال آخرين، طُلب منا الوقوف صفًا كنت أتوسط الرجال الأربعة، رفع اللثام عن وجهي فرأيت جيشًا مدججًا بالسلاح البعض منهم يتحدث العربية بطلاقة سمعت اسمي للمرة الثانية، سألني أحدهم عن طبيعة عملي فأبلغته بأنني أعمل موظفا لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، حينها طلب مني بطاقتي الخاصة بالعمل فقلت له إنني فقدتها بسبب قصف بيتي بشمال غزة.
طلب مني أحد الجنود التحقق من كلامي من خلال جهاز حاسوب يحمله بيده، تركني واقفًا بعد أن طلب مني عدم الالتفات للخلف.
سمعت سحب السلاح للمرة الثانية تلاه إطلاق نار كثيف، التفت دون وعي مني فوجدت الرجال الأربعة غارقين في دمائهم أرضًا لقد تم إعدامهم من نقطة الصفر بطريقة متعمدة.
وقعت أرضًا من هول ما شاهدت فإذا بالجنود ينهالون عليّ بالضرب المبرح من كل حدب وصوب.
بعدها جاء أحد الضباط وقال لي إذًا أنت تعمل لدى السلطة الوطنية الفلسطينية وأنت معتقل (إرهابي) سابق، لقد تم الإفراج عنك في صفقة اتفاقية أوسلو بعد أن قضيت أكثر من عشر سنوات هل هذا صحيح؟.
أخبرته نعم.
فقال لو كان الأمر غير ذلك لكنت ضمن من تم إعدامهم.
فقلت له أعدمني أريد أن أرتاح فهذا شرف لي أن أموت شهيدًا، فانهالوا عليّ بالضرب مرة أخرى، تم وجدت نفسي بعدها مُلقى في الساحة التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف من المدنيين المُعتقلين جميعهم من قطاع غزة.
بعد أيام قليلة تم تصنيف المعتقلين فكان الجيش يقوم باقتياد البعض لمعتقلات أخرى وإعدام البعض ممن لهم علاقة مباشرة بالمقاومة الفلسطينية بعد التحقيق والتعامل معهم بشكل غير إنساني.
قضينا شهرين متتاليين لا نتلقى سوى بعض الطعام القليل الذي بالكاد يكفي للبقاء على قيد الحياة، أما فيما يتعلق بالأغطية فكانوا يتركوننا طوال الليل دون أغطية فقط كان يُسمح لنا بالنوم لساعات محدودة كنا نصحو بعدها على الضرب والاعتداءات والتنكيل وفي أحيان كانوا يقومون بإشعال الموسيقى الصاخبة المزعجة وتركها لساعات حتى لا نستطيع النوم كنوع من الاستفزاز.
أنهى حديثه وهو يستقبل الطبيب الذي جاء للاطمئنان عليه بعد أن خرج من مستشفى أبو يوسف النجار برفح وتوجه بعدها للعيش مع أسرته داخل خيمة النزوح في منطقة حي السلطان.
إن ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي تجاه المعتقلين يتنافى مع قرارات الشرعية والقوانين الدولية والإنسانية لأسرى الحرب حيث تنظر الأعراف إلى المعتقلين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، بوصفهم أشخاصًا يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، والهدف من اعتقالهم، أو أسرهم، ليس نزع صفة الإنسانية عنهم، وإنما الحيلولة دون مشاركتهم في القتال.
الدول المتحاربة ودول الاحتلال لطالما انتهكت القانون الدولي الذي أسهمت في صياغته وتعاقدت عليه، وتعدُّ دولة الاحتلال الإسرائيلي من أكثر تلك الدول انتهاكًا للقانون الدولي بسبب طبيعتها العنصرية، وطول فترة احتلالها للأراضي الفلسطينية التي تعد أطول مدة لاحتلال في التاريخ الحديث. ووفق نادي الأسير الفلسطيني (غير الحكومي) يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى 6 سبتمبر الماضي، نحو 4650، بينهم 40 أسيرة، ونحو 200 طفل، إضافة إلى 520 أسيرًا إداريًا (من دون تهمة، أو محاكمة). بدوره طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال للكشف عن مصير عشرات النساء اللاتي اعتقلهن من منازلهن ومن مراكز اللجوء، وإنهاء حالة الإخفاء القسري التي تطال قرابة 3 آلاف من المعتقلين/ات الفلسطينيين من قطاع غزة، وضمنهم أطفال قاصرون.
أما فيما يتعلق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، فقد وجهت نداءً عاجلًا للعالم والمؤسسات الحقوقية الدولية للضغط على الاحتلال للكشف عن مصير معتقلي غزة، ووقف جريمة (الإخفاء القسري) بحقّهم، جاء ذلك في ضوء تصاعد المعطيات حول جرائم مروعة تنفّذ بحقّ معتقلي غزة، وكان آخرها معطيات نشرتها صحيفة (هآرتس) العِبرية بعد مرور 73 يومًا على بداية العدوان والإبادة الجماعية في غزة، أشارت فيه إلى استشهاد عدد من معتقلي غزة في معسكر (سديه تيمان) في منطقة (بئر السبع)، بعد السابع من أكتوبر، دون معرفة عددهم بشكل دقيق، وظروف استشهادهم.
وبيّنت الهيئة والنادي، أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، تواصل تنفيذ جريمة (الإخفاء القسري) بحقّهم والتي تشكّل مخالفة صارخة للقانون الدولي، ويرفض الإفصاح عن أي معطيات بشأن مصيرهم.
لكن إسرائيل تعامل أسرى ومختطفي قطاع غزة باعتبارهم «مقاتلين غير شرعيين»، وهو قانون غامض صدر عام 2002 لا يضمن الحق في مراجعة قضائية حقيقية وسلامة إجراءات التقاضي. وينصّ القانون على احتجاز الأسرى من قطاع غزة في معسكر «سديت يمان» التابع للجيش بالقرب من بئر السبع لمدة 10 أسابيع. ووفقًا لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، يسمح القانون لرئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي بسجن أي شخص على أنه «مقاتل غير شرعي»، وأن إطلاق سراحه سيُضر بالأمن القومي الإسرائيلي. وتتوسع إسرائيل في تحديد هذه الشريحة من المقاتلين غير الشرعيين، حيث اعتبرت عمال قطاع غزة المتبقين في الضفة الغربية جزءًا من هذه الشريحة. ولا يخرج الأسرى الفلسطينيون في المعتقلات الإسرائيلية عن هذه المعادلة، فمنذ السابع من أكتوبر، علّقت إسرائيل زيارات الصليب الأحمر لهم، ومنعتهم من زيارات محاميهم وعائلاتهم، وقلّصت من الوجبات الغذائية الممنوحة لهم، ووفقًا لشهادات الأسرى المحررين مؤخرًا، فإن غالبية الأسرى يتعرضون للضرب المبرح يوميًا، ويخضعون للتفتيش العاري، وتمارس عليهم سياسات التجويع والإهانات والشتائم المستمرة. وليس أدل على هذه الشهادات من استشهاد ستة شهداء فلسطينيين من الحركة الأسيرة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
في ضوء الصور الصادمة والمروعة والشهادات التي خرجت من مواطنين جرى اعتقالهم من غزة مؤخرًا، فإنّ مستوى التخوفات على مصيرهم تتصاعد يومًا بعد يوم، ولا تستبعد المؤسسات إقدام الاحتلال على تنفيذ عمليات إعدام ميداني بحقّ معتقلين من غزة
وكما رأى العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كيف أقدم جيش الاحتلال على نشر صور ومشاهد مروعة، حول عمليات اعتقال المئات من شمال ومدينة غزة وهم عراة، خلال الاجتياح البري، وكيف تم احتجازهم في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية، والتي تكفي لأن تكون مؤشرًا لما هو أخطر وأكبر على صعيد مستوى الجرائم التي تنفّذ بحقّهم.
في الواقع، علينا جميعًا أن نتحرك لإسناد وإنقاذ الحركة الأسيرة قبل فوات الأوان، يجب أن يتم العمل على تجريم قانون المقاتل غير الشرعي دوليًا، ويجب أن يتم الضغط على إسرائيل دوليًا لوقف تعليق عمليات الصليب الأحمر في المعتقلات الإسرائيلية، كما يجب أن يتم توثيق شهادات الأسرى قانونيًا واللجوء للمحاكم الوطنية والدولية من أجل إدانة إسرائيل والمطالبة بجبر الضرر الواقع على الأسرى والتعويض.
وفي ضوء كل ذلك لا بد وأن نجدد مطالبتنا للجنة الدولية للصليب الأحمر ولهيئة الأمم المتحدة، وكافة المؤسسات الدولية، بمراجعة دورها اللازم في ضوء كثافة الجرائم التي يصعّد الاحتلال من تنفيذها بحقّ الأسرى والمعتقلين، ومنهم معتقلو غزة، في سبيل الضغط على الاحتلال لوقف جرائمه المستمرة والمتصاعدة بحقّهم.
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی قطاع غزة فی ضوء
إقرأ أيضاً:
2000 شهيد في العملية البرية للاحتلال الإسرائيلي خلال 32 يومًا
وثّقت مستشفيات شمال قطاع غزة، استشهاد أكثر من 2000 فلسطيني في العملية البرية المستمرة للاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة لليوم 32 على التوالي، والتي فصلت شمال القطاع عن مدينة غزة، وتدمير 90 % من المنازل والمنشآت الفلسطينية فيه.
وأكد مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، استشهاد العديد من الجرحى، بسبب نفاذ الأدوية والوقود، واعتقال الكوادر الطبية، إضافة لقصف الاحتلال للمستشفيات وحصارها، وتدمير سيارات الإسعاف، مما أدى لعدم القدرة على انتشال الشهداء والجرحى.
أخبار متعلقة في يوم واحد.. 58 شهيدًا في قصف الاحتلال على قطاع غزةوسط أزمات إنسانية متفاقمة.. "مجلس الأمن" يبحث قضايا السودان