جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@11:11:00 GMT

رسالة لسفراء واشنطن في المنطقة

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

رسالة لسفراء واشنطن في المنطقة

 

د. عبدالله باحجاج

في هذه الرسالة نطرح على سفراء واشنطن في منطقتنا، تساؤلات عاجلة؛ أبرزها الآتي: هل تفكرون في مصالح بلادكم الاستراتيجية في المنطقة على مدى العشرين سنة المقبلة؟ هل تنقلون في تقارير صادقة لواشنطن حالة الغضب الشعبي وتحوله المتنامي إلى الكراهية؟ ألَا تخشون من تأطير "الغضب/ الكراهية" وانتقالها إلى المساس بالمصير الوجودي لواشنطن في المنطقة؟

كمتابعٍ لانعكاسات الانحياز الأعمى من واشنطن للصهاينة، ومنحهم الضوء الأخضر المفتوح لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في غزة، فإنَّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تفكر في مصالحها ومستقبل وجودها في المنطقة، أو أنها تراهن على ديمومة العلاقة التاريخية مع الأنظمة السياسية فحسب.

وهنا نؤكد أنه ليس هناك ضمانة؛ فالشعوب في المفهوم الدستوري هي أحد الأركان الأساسية للدول، ولن يكون من مصلحة الأنظمة الوقوف ضد شعوبها طويلًا، وإن فعلت، فلن يكون في ذلك استقرارها. والمتأمل في مواقف بعض الأنظمة منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة وحتى الآن، التماهي الفريد من نوعه مع شعوبها، وفي المقابل نجد العكس.

كما إن على واشنطن أن لا تستبعد من حساباتها سيناريو استنهاض الجماعات الآيديولوجية في كل دول المنطقة، فكل جماعة ترى واشنطن الآن عدوة ومُجرِمة، وتتحمل تبعات المذابح الدموية في غزة، وإذا ما طال العدوان واستمرت المذابح وتعددت واتسعت، فليس هناك ضمانات بعدم الانتقال إلى الفعل، خاصة وأن هذه الجماعات قد أصبح نجاح الجماعات المسلحة الآيديولوجية في أفغانستان والعراق وغزة واليمن يشكل لها حالة إلهام- كما أوضحنا ذلك في مقالنا السابق المعنون باسم "المرحلة التالية.. تجاهل التحولات السيكولوجية للشعوب"- وربما هذا يتوقف كذلك على قدرة الأنظمة على احتواء الحالات الوجدانية لهذه الجماعات، وأن تكون مواقفها مُنسجمة معها، وبخلاف ذلك، فإن بلورة حالة الإلهام سالفة الذكر لن تتأخر طويلًا.

الرئيس بايدن وإدارته في حالة اللامبالاة لانعكاسات وحشية العدوان الصهيوني ومذابحه على سيكولوجيات شعوب وجماعات المنطقة، وعلى دور بلاده في هذه المذابح، ويبدو أن السفارات الأمريكية لم تنقل هذه الانعكاسات، أو أنها تنقل، لكن ليس كما هو واقع. ولو كانت تنقل الواقع بصفة مجردة، لدقّت ناقوس الخطر على مستقبل المصالح الأمريكية؛ بل الوجود الأمريكي في المنطقة، وحتى داخل فلسطين المحتلة بخلاف غزة، لم تقدر التقارير الأمريكية تطورات الأوضاع حق قدرها. فمثلًا، الأوضاع في الضفة الغربية بسبب الحملات الصهيونية في تنفيذ الاغتيالات والقمع، وتدهور الحالة الاقتصادية ووضعها الإنساني، فإن مستقبل السلطة الفلسطينية يشهد تهديدًا وجوديًا غير مسبوق، وكل السيناريوهات في الضفة قائمة الآن، كما إن كل الاحتمالات قائمة على الجبهة اللبنانية، وكما قلنا في مقال سابق، إن المنطقة مرشحة للانفجار.

وثمة تساؤل آخر.. وهو: ماذا تتوقعون من انعكاسات آنية ومستقبلية في فلسطين وغزة خاصة، ومن ثم في محيطها الإسلامي والعربي عامة؟

إن المذابح والإبادات الجماعية تُشكِّل الذهنيات العامة، وهي الآن في طَوْر التشكُّل والتلوُّن، ومن ثم الظهور، ولنا في شهادات منظمة الصحة العالمية ما نقدمه هنا كاستدلال على الانعكاسات السيكولوجية على الشعوب الإسلامية والعربية؛ حيث تصف مشاهد مروعة للقصف الصهيوني الوحشي على مخيم المغازي قبل أيام، نختار منها مشهد طفل وممرض فقدا عائلتيهما بأكملهما في القصف.. وبحسب وزارة الصحة في غزة فقد استُشهِد ما لا يقل عن 70 شخصًا وبجانب 100 جريح في القصف الصهيوني، ووُضِعَت عشرات الجثث داخل أكياس بيضاء بجوار بعضها البعض على الأرض بانتظار دفنها.

وتلكم المشاهد المُروِّعة تتكرر كتداعيات للعدوان منذ أكثر من 88 يومًا، فهل لدى إدارة بايدن رؤية بانعكاساتها على مستقبل خارطة العنف والكراهية في المنطقة؟ ومما يعجل بهذا المستقبل المظلم فتاوى الحاخامات اليهود باستباحة قتل الأطفال والنساء في غزة دون رحمة، زاعمين أنَّ ذلك من تعاليمهم التلمودية! وهم لا يقذفون بهذه المواقف في البحار أو في مجتمع مغلق؛ بل في محيطات اجتماعية تفاعلية عبر العالم، ستسهم في صناعة مرحلة العشرين سنة المقبلة. ونرى أن السفارات الأمريكية في المنطقة لا تقوم برصد دقيق وتحليل عميق للتطورات وتفاعلاتها ومستقبل نتائجها كما يجب، ولو فعلت لرأينا نتائج لن يختلف عليها أحد؛ أبرزها:

أن المنطقة تتغير فيها الكثير من المفاهيم والرؤى بصورة راديكالية، وتشهد تحولات كبيرة خلال 88 يومًا فقط، مثل: التقاء آيديولوجيات المنطقة، وعودة تديين الصراع مع الكيان الصهيوني، وبروز النصوص الإسلامية كالجهاد، وإزالة الكيان، والنصر المحتوم، كما أصبحت المنطقة معها تعود سيكولوجيًا وعاطفيًا إلى المربع الأول قبل أكثر من 50 سنة ماضية. واللافت هنا، أن تديين الصراع قد أصبح يؤطِّر ذهنيات الأجيال الإسلامية والعربية الجديدة، وهذا كفيل بفشل مساعي الصهاينة بتغيير المناهج وحذف المفاهيم والمصطلحات التي تعاديهم.. إلخ.

ينبغي أن يعلم سفراء واشنطن في المنطقة أن الانحياز الأعمى للرئيس بايدن وإدارته، ووقوفهم السافر مع الصهاينة في مذابحهم، قد استعدَتْ الأجيال الجديدة، ونخشى على مناعة المنطقة من العنف والإرهاب، وأن تتبخر نتيجة هذا الغباء الأمريكي. وما نرصدُهُ من تأييد شعبي لجماعة أنصار الله في اليمن بعد استهدافهم الكيان الصهيوني بالصواريخ، وضرب السفن الصهيونية وتلك المُتجهة إليهم، وهذا يعد أكبر المؤشرات على انتهاء حقبة المناعة، وستتسارع كلما طال أمد العدوان ووحشيته ومذابحه.

وربما تشعر مؤسسة "إيماكنت إسبو" الصهيونية، بالقلق من تلكم التحولات الكبرى في المنطقة؛ لأن مستقبل جهودها في تغيير المناهج الدراسية يشهد الآن انتكاسة تاريخية، بعدما نجحت في دول بعينها بامتياز، وهذه المؤسسة مُتخصصة ومسؤولة عن تغيير المناهج ووضع مناهج جديدة. وهنا نصر آخر لطوفان الأقصى، يتجلى لنا في إفشال مساعي الصهاينة، والانتصار لمسار تديين الصراع مع العدو؛ فالضمانة الآن الأجيال الجديدة التي أصبح صوتها أعلى من الأجيال الحالية، وهى التي ستشكل مرحلة العشرين سنة المقبلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تفريغ الطوفان من زخمه

خطة ترامب بالتهجير بدت غير قابلة للتطبيق على الأرض، ومع الإفراط في تداولها بدت كأنها خطة تمويه لأمر آخر لم ينكشف للكثيرين. القائلون بجهل ترامب بالتاريخ يغفلون علمه بالتجارة وهو يفكر كتاجر، لذلك لا نراه يعرض في السوق سلعة غير قابلة للبيع، أو على الأقل هناك صاحب سلعة لا يشاركه الصفقة وأعني الفلسطيني صاحب الأرض وموضوع التهجير، لقد دفع ثمن الأرض دوما وفضل الموت فوقها على الهجرة إلى أمكنة قد يكون فيها رفاه كبير.

خطة التهجير تمويه لأمر أهم من التهجير ولترامب فيه شركاء ما زالوا يواصلون الكذب على الجمهور الطيب. هناك انتصار عظيم في غزة والمنتصرون يستعرضون قوتهم بما يعني أنهم مستعدون للمزيد من المواجهة، أي أن عدوهم يفكر ألف مرة الآن في العودة إليه محاربا، لكن لا يجب أن يتمتع الفلسطيني بنصره ويجب إذلاله وتجريده من سلاحه. كيف يمكن تفريغ الانتصار من زخمه ليثقل بهزيمة نفسية؟ ومن سيتكفل بالمهمة القذرة؟

ترامب وشركاؤه
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء. انتصار الطوفان وقد كملته حماس باستعراض قوة؛ حسّن المزاج النفسي للشعوب وحرّض خيالها على أمر، فإذا كان جيش العدو قابلا للهزيمة فإن شرطة هؤلاء أهون وأقل تسليحا. إن ترامب وشريكه العربي يعرفان أن عروشهم على فوهات براكين، والطوفان أيقظ كل البراكين.

لقد ناصروا العدو لكي لا تصلهم أمواج الطوفان أو نيرانه، لكن رغم ذلك انتصرت حماس والمقاومة (الأطروحة والأشخاص)، وشركاء ترامب العرب الآن واقفون في صف المهزوم ويحتاجون غسل العار، وهذا ما يعرفه ترامب. كيف نقلل من حجم النصر فتظهر حماس قاصرة وعاجزة فيثور عليها جمهورها (ثم تقول الأنظمة لشعوبها انظروا إن حماس فاشلة ولا يمكن الاقتداء بها أو إن رجال حماس شجعان لكنهم عاجزون عن الإدارة فلا تتبعوهم)؟

خطة ترامب بالتوافق مع الأنظمة نرسل تهديدا بالتهجير، ولا نتابع التهديد بأي إجراء ميداني كنقل قوات عسكرية. نمنح فرصة للأصدقاء (وبرقابهم عار غزة) ليتسلطنوا بالتهديدات التي نعرفها ولا تزعجنا، نغطي في مرحلة أولى الحديث عن بقعة الضوء الكبيرة التي أرسلها الطوفان إلى كل مكان. هكذا ننقل الحديث بسرعة عن مفاعيل الطوفان إلى كيفية التصدي للتهجير (هذا جزء من الخطة)، وصار الحديث عن كرم السيسي أهم من معاناة من يتلقى المساعدة (حتى الآن تم التنظيف بنجاح، فالسيسي صار بطلا قوميا بمال قطري).

هاتوا المال وانسوا التهجير

هذا جانب آخر من رسائل التهديد بالتهجير؛ الآن وقد خفتم من الفلسطيني عليكم القيام بأمور مهمة وإلا.. (نعود إلى التهجير).

المال مقابل عدم التهجير هذا حديث التاجر وهو موجه للسعودية بالخصوص، فهي ليست عند ترامب أكثر من "كدس فلوس" يمكن له أن يغرف منه بقدر ما يشاء.

يمكن أيضا التخفف من عبء مساعدات مصر والأردن، فلا شيء يلزم ترامب بمساعدة جيش لا يحارب أو ليس له عدو ولا معركة. ليس لإسرائيل عدو في مصر (وفي الأردن) غير شعب مصر، وهذا تتكفل به شرطة مدربة ومسلحة تسليحا كافيا، ولو بدون مساعدة أمريكية. لقد وضع ترامب وعلى طريقة قائد عصابة؛ المسدس على بعض الجماجم وليس في نيته قتلها لأنه يعرف أن لها في جيوبها ما به تفتدي وستفتدي، وتظن نفسها غنمت سلامتها من فلسطيني مهاجر.

محاصرة الطوفان

الطوفان لا يخيف ترامب بقدر ما يخيف الجوارَ العربي، إن لديه علما بعمق الموجة التحررية التي أطلقها الطوفان، وقد عمل الجوار أثناء المعركة على قهر الشعوب فلا تتعاطف ولا تشارك، ولكن الفكرة لا يمكن حصارها. إنه يتخيل الصورة التالية؛ حماس منتصرة وباقية في غزة فاعلا وحاكما، أي نجاح في القتال ونجاح في الحكم وبمال يرسلونه للتغطية على خيانة المعركة. وترجمة هذه الصورة أن نصر الطوفان سيتوسع ويمتد بالقوة إلى الشعوب المقهورة، متى وكيف؟ هذه أسئلة تشغل الجوار، لذلك يحتاط لها بتفريغ النصر من قوته بوضع مطلب نزع سلاح المقاومة على طاولة تفاوض وتهجير المقاتل، كما حصل لقوات فتح من بيروت العام 1982.

التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته
إن مقاومة أثر الطوفان وتقليل مكاسب المقاومة أو محوها نهائيا، مطلب يلتقي فيه العدو مع النظام العربي الرسمي. وهذا ليس جديدا، فقد كان الفلسطيني وقضيته مزعجا لهذه الأنظمة، إنها لا تفلح في تجاهل الفلسطيني لأن الشعوب متعاطفة معه ولكنها لا تريد له أن ينتصر لأن نصره يمتد لها فيسقطها، فضلا على أنه ما دام الملف مفتوحا فيمكنها العمل دوما مثل نظام البعث السوري وإن بمفردات مختلفة (تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو).

يوشك نصر الطوفان أن يقلب المعادلة، فلا تجد هذه الأنظمة ذريعة لقمع شعوبها باسم المعركة القومية، وتوشك أن تفقد سبب وجودها القائم على خدمة العدو وحمايته من هزيمة.

لقد اتضحت صورة المستقبل بنصر الطوفان؛ العدو قابل للهزيمة وتغيير المنطقة ممكن جدا، بما يعني نهاية الأنظمة العربية التي عاشت من كسر جناح الفلسطيني خدمة للعدو حتى صار بقاؤها مرتهنا ببقاء العدو. هذه حقيقة قديمة ظهرت في كل معارك الفلسطيني، ولكن الطوفان جلّاها وأخرجها إخراجا قويا ومقنعا وواعدا بأمل حقيقي.

التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته.

مقالات مشابهة

  • مواجهة مستقبل غير مؤكد.. أمريكا الآن خصم واضح وعدو جديد لأوروبا
  • الأنظمة الاقتصادية والاقتصاديون الميكافيليُّون
  • بلا مجاملة
  • محمود الجارحي يكتب.. رسالة من آية عادل: بعتذر أنني أوجعت قلوبكم
  • اجتماع خلال أسبوعين.. روسيا: لم نتلق موافقة واشنطن على تعيين سفير جديد لديها حتى الآن
  • روسيا: لم نتلق موافقة واشنطن على تعيين سفير جديد لديها حتى الآن
  • تفريغ الطوفان من زخمه
  • تسونامي ترامب قادم .. والعالم على أبواب تغييرات مرعبة
  • بالفيديو.. هذا ما نعرفه عن انفجارات تل أبيب حتى الآن
  • رسالة من الرئيس السيسي لدونالد ترامب في مدريد.. ماذا قال؟