جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-07@03:24:32 GMT

رسالة لسفراء واشنطن في المنطقة

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

رسالة لسفراء واشنطن في المنطقة

 

د. عبدالله باحجاج

في هذه الرسالة نطرح على سفراء واشنطن في منطقتنا، تساؤلات عاجلة؛ أبرزها الآتي: هل تفكرون في مصالح بلادكم الاستراتيجية في المنطقة على مدى العشرين سنة المقبلة؟ هل تنقلون في تقارير صادقة لواشنطن حالة الغضب الشعبي وتحوله المتنامي إلى الكراهية؟ ألَا تخشون من تأطير "الغضب/ الكراهية" وانتقالها إلى المساس بالمصير الوجودي لواشنطن في المنطقة؟

كمتابعٍ لانعكاسات الانحياز الأعمى من واشنطن للصهاينة، ومنحهم الضوء الأخضر المفتوح لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في غزة، فإنَّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تفكر في مصالحها ومستقبل وجودها في المنطقة، أو أنها تراهن على ديمومة العلاقة التاريخية مع الأنظمة السياسية فحسب.

وهنا نؤكد أنه ليس هناك ضمانة؛ فالشعوب في المفهوم الدستوري هي أحد الأركان الأساسية للدول، ولن يكون من مصلحة الأنظمة الوقوف ضد شعوبها طويلًا، وإن فعلت، فلن يكون في ذلك استقرارها. والمتأمل في مواقف بعض الأنظمة منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة وحتى الآن، التماهي الفريد من نوعه مع شعوبها، وفي المقابل نجد العكس.

كما إن على واشنطن أن لا تستبعد من حساباتها سيناريو استنهاض الجماعات الآيديولوجية في كل دول المنطقة، فكل جماعة ترى واشنطن الآن عدوة ومُجرِمة، وتتحمل تبعات المذابح الدموية في غزة، وإذا ما طال العدوان واستمرت المذابح وتعددت واتسعت، فليس هناك ضمانات بعدم الانتقال إلى الفعل، خاصة وأن هذه الجماعات قد أصبح نجاح الجماعات المسلحة الآيديولوجية في أفغانستان والعراق وغزة واليمن يشكل لها حالة إلهام- كما أوضحنا ذلك في مقالنا السابق المعنون باسم "المرحلة التالية.. تجاهل التحولات السيكولوجية للشعوب"- وربما هذا يتوقف كذلك على قدرة الأنظمة على احتواء الحالات الوجدانية لهذه الجماعات، وأن تكون مواقفها مُنسجمة معها، وبخلاف ذلك، فإن بلورة حالة الإلهام سالفة الذكر لن تتأخر طويلًا.

الرئيس بايدن وإدارته في حالة اللامبالاة لانعكاسات وحشية العدوان الصهيوني ومذابحه على سيكولوجيات شعوب وجماعات المنطقة، وعلى دور بلاده في هذه المذابح، ويبدو أن السفارات الأمريكية لم تنقل هذه الانعكاسات، أو أنها تنقل، لكن ليس كما هو واقع. ولو كانت تنقل الواقع بصفة مجردة، لدقّت ناقوس الخطر على مستقبل المصالح الأمريكية؛ بل الوجود الأمريكي في المنطقة، وحتى داخل فلسطين المحتلة بخلاف غزة، لم تقدر التقارير الأمريكية تطورات الأوضاع حق قدرها. فمثلًا، الأوضاع في الضفة الغربية بسبب الحملات الصهيونية في تنفيذ الاغتيالات والقمع، وتدهور الحالة الاقتصادية ووضعها الإنساني، فإن مستقبل السلطة الفلسطينية يشهد تهديدًا وجوديًا غير مسبوق، وكل السيناريوهات في الضفة قائمة الآن، كما إن كل الاحتمالات قائمة على الجبهة اللبنانية، وكما قلنا في مقال سابق، إن المنطقة مرشحة للانفجار.

وثمة تساؤل آخر.. وهو: ماذا تتوقعون من انعكاسات آنية ومستقبلية في فلسطين وغزة خاصة، ومن ثم في محيطها الإسلامي والعربي عامة؟

إن المذابح والإبادات الجماعية تُشكِّل الذهنيات العامة، وهي الآن في طَوْر التشكُّل والتلوُّن، ومن ثم الظهور، ولنا في شهادات منظمة الصحة العالمية ما نقدمه هنا كاستدلال على الانعكاسات السيكولوجية على الشعوب الإسلامية والعربية؛ حيث تصف مشاهد مروعة للقصف الصهيوني الوحشي على مخيم المغازي قبل أيام، نختار منها مشهد طفل وممرض فقدا عائلتيهما بأكملهما في القصف.. وبحسب وزارة الصحة في غزة فقد استُشهِد ما لا يقل عن 70 شخصًا وبجانب 100 جريح في القصف الصهيوني، ووُضِعَت عشرات الجثث داخل أكياس بيضاء بجوار بعضها البعض على الأرض بانتظار دفنها.

وتلكم المشاهد المُروِّعة تتكرر كتداعيات للعدوان منذ أكثر من 88 يومًا، فهل لدى إدارة بايدن رؤية بانعكاساتها على مستقبل خارطة العنف والكراهية في المنطقة؟ ومما يعجل بهذا المستقبل المظلم فتاوى الحاخامات اليهود باستباحة قتل الأطفال والنساء في غزة دون رحمة، زاعمين أنَّ ذلك من تعاليمهم التلمودية! وهم لا يقذفون بهذه المواقف في البحار أو في مجتمع مغلق؛ بل في محيطات اجتماعية تفاعلية عبر العالم، ستسهم في صناعة مرحلة العشرين سنة المقبلة. ونرى أن السفارات الأمريكية في المنطقة لا تقوم برصد دقيق وتحليل عميق للتطورات وتفاعلاتها ومستقبل نتائجها كما يجب، ولو فعلت لرأينا نتائج لن يختلف عليها أحد؛ أبرزها:

أن المنطقة تتغير فيها الكثير من المفاهيم والرؤى بصورة راديكالية، وتشهد تحولات كبيرة خلال 88 يومًا فقط، مثل: التقاء آيديولوجيات المنطقة، وعودة تديين الصراع مع الكيان الصهيوني، وبروز النصوص الإسلامية كالجهاد، وإزالة الكيان، والنصر المحتوم، كما أصبحت المنطقة معها تعود سيكولوجيًا وعاطفيًا إلى المربع الأول قبل أكثر من 50 سنة ماضية. واللافت هنا، أن تديين الصراع قد أصبح يؤطِّر ذهنيات الأجيال الإسلامية والعربية الجديدة، وهذا كفيل بفشل مساعي الصهاينة بتغيير المناهج وحذف المفاهيم والمصطلحات التي تعاديهم.. إلخ.

ينبغي أن يعلم سفراء واشنطن في المنطقة أن الانحياز الأعمى للرئيس بايدن وإدارته، ووقوفهم السافر مع الصهاينة في مذابحهم، قد استعدَتْ الأجيال الجديدة، ونخشى على مناعة المنطقة من العنف والإرهاب، وأن تتبخر نتيجة هذا الغباء الأمريكي. وما نرصدُهُ من تأييد شعبي لجماعة أنصار الله في اليمن بعد استهدافهم الكيان الصهيوني بالصواريخ، وضرب السفن الصهيونية وتلك المُتجهة إليهم، وهذا يعد أكبر المؤشرات على انتهاء حقبة المناعة، وستتسارع كلما طال أمد العدوان ووحشيته ومذابحه.

وربما تشعر مؤسسة "إيماكنت إسبو" الصهيونية، بالقلق من تلكم التحولات الكبرى في المنطقة؛ لأن مستقبل جهودها في تغيير المناهج الدراسية يشهد الآن انتكاسة تاريخية، بعدما نجحت في دول بعينها بامتياز، وهذه المؤسسة مُتخصصة ومسؤولة عن تغيير المناهج ووضع مناهج جديدة. وهنا نصر آخر لطوفان الأقصى، يتجلى لنا في إفشال مساعي الصهاينة، والانتصار لمسار تديين الصراع مع العدو؛ فالضمانة الآن الأجيال الجديدة التي أصبح صوتها أعلى من الأجيال الحالية، وهى التي ستشكل مرحلة العشرين سنة المقبلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معركة واحدة بين معسكرين لا أكثر

يمانيون../
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من موضع أن الابتلاءات في هذه الحياة ليست إلا لفرز الناس بين فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير في الآخرة، وليميز الخبيث من الطيب في الدنيا، وليعلم الله المؤمن من المنافق. ولولا هذه الابتلاءات لكان الناس أمةً واحدةً لا فرق بين الصالح والطالح، وهذا يتنافى مع مقتضى عدل الله. يقول تعالى:
﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 179).

وفي زمننا الراهن، ما أكثر الابتلاءات وما أشدّها، لكنها في النهاية تصب في البوتقة نفسها، إذ أصبحت مؤامرات اليهود علنية، معلنين حربهم على الأمة الإسلامية دون مواربة، ولم يعد التقرب منهم مجرد تطبيع سياسي، بل هو إعلان ولاءٍ لهم في حربهم على الإسلام والمسلمين. ولم يعد الصراع مذهبيًا كما كان يُصوَّر في الماضي، بل هو صراع دينيّ محض بين المسلمين واليهود، ولا طرف ثالث في هذا الصراع. قال الله تعالى:
﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120).

1. استعراض تاريخي للصراع: جذور المواجهة بين المسلمين والصهاينة
لم يكن الصراع بين الأمة الإسلامية واليهود وليد القرن العشرين، بل هو امتداد لصراع بدأ منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عندما حارب اليهود الإسلام في المدينة المنورة، وخانوا العهود، وتحالفوا مع المشركين ضد المسلمين. وقد وثّق القرآن الكريم تآمرهم المتكرر على المسلمين، وبيّن طبيعة غدرهم وخداعهم، كما في قوله تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْا بِهِۦ ثَمَنًۭا قَلِيلًۭا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ (آل عمران: 187).

وقد استمر هذا الصراع عبر العصور، حيث تورط اليهود في إشعال الفتن داخل الأمة الإسلامية، وكان لهم دور كبير في الحروب الصليبية، وفي دعم القوى الاستعمارية في العصر الحديث، مما أدى إلى زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي كمشروع استعماري يهدف إلى تمزيق الأمة ونهب مقدراتها.

2. الأبعاد الاقتصادية والسياسية للصراع: كيف تستفيد الأنظمة العميلة من علاقتها بالصهاينة؟
لم يكن دعم الأنظمة العربية للصهاينة مجرد خيانة سياسية، بل هو جزء من شبكة مصالح اقتصادية كبرى، حيث تعمل هذه الأنظمة على تسليم مقدرات الأمة للصهاينة مقابل الحماية والدعم السياسي. وقد برزت أنظمة مثل السعودية والإمارات كنماذج واضحة لهذه العمالة، حيث أصبحت ثروات النفط تُستخدم لتمويل مشاريع التطبيع، ودعم الاقتصاد الصهيوني، بينما تعاني الشعوب الإسلامية من الفقر والتهميش.

كما أن الاقتصاد الصهيوني يعتمد بشكل كبير على الدعم الذي يحصل عليه من الأنظمة الموالية له، سواء عبر الاستثمارات المباشرة، أو عبر صفقات الأسلحة، أو حتى عبر تعطيل أي مشاريع تنموية في العالم الإسلامي قد تؤدي إلى استقلال الأمة اقتصاديًا.

3. دور الإعلام في تشكيل الوعي وتضليل الجماهير
الإعلام هو سلاح استراتيجي يستخدمه الصهاينة وعملاؤهم للسيطرة على العقول وتضليل الجماهير. فمن خلال الإعلام، يتم تسويق فكرة أن الصراع في فلسطين هو “نزاع سياسي” وليس صراعًا دينيًا، ويتم الترويج للسلام مع العدو على أنه “خيار استراتيجي”، بينما يتم تشويه صورة المقاومة ووصفها بـ”الإرهاب”.

وقد نجحت الدعاية الصهيونية، عبر وسائل الإعلام العالمية والعربية العميلة، في حرف بوصلة العداء عن الصهاينة نحو دول وشعوب إسلامية، بهدف تفكيك وحدة الأمة وإضعافها.

4. خطوات عملية للمواجهة: كيف يمكن للأمة أن تواجه المشاريع الصهيونية؟
لمواجهة المشروع الصهيوني وعملائه، لا بد من تبني استراتيجيات شاملة على مختلف المستويات:

المستوى الثقافي والتوعوي: تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الصراع، وفضح المشاريع الصهيونية، ورفع الوعي لدى الشعوب الإسلامية حول خطورة التطبيع وأثره على الأمة.
المستوى الاقتصادي: دعم المشاريع الاقتصادية الإسلامية المستقلة، ومقاطعة الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وإنشاء بدائل محلية تعزز استقلال الأمة.
المستوى السياسي والعسكري: دعم محور المقاومة بكل أشكاله، وإفشال خطط الأنظمة العميلة التي تحاول شق الصف الإسلامي وتمرير المشاريع الصهيونية.
5. استشراف المستقبل: موازين القوى والتحرير القادم
إن موازين القوى في العالم بدأت تتغير، وبدأت المقاومة الإسلامية تحقق انتصارات كبيرة في الميدان، مما يؤكد أن زوال الكيان الصهيوني لم يعد مجرد حلم، بل هو حقيقة تقترب يومًا بعد يوم.

فقد أثبتت المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن أن العدو الصهيوني لم يعد يملك اليد العليا، وأنه أصبح محاصرًا في كيانه المؤقت، يعيش في حالة رعب دائم من المقاومة والصواريخ والمسيرات. كما أن انهيار بعض الأنظمة العميلة قد يكون مقدمة لمرحلة جديدة من المواجهة، قد تؤدي إلى زوال الكيان الصهيوني تمامًا، خاصة إذا بدأ السقوط من الداخل العربي نفسه، كما هو متوقع بسقوط آل سعود، الذين يمثلون الحامي الأول للكيان الصهيوني في المنطقة.

الخاتمة: معسكران لا ثالث لهما
إن معركة الحق والباطل ليست جديدة، بل هي سنة كونية ماضية، وقد قضى الله أن يكون العالم منقسمًا بين فريقين: فريق يسير في طريق الهداية والنور، وآخر يتبع سبيل الضلال والعدوان. وإن الأمة الإسلامية اليوم أمام تحدٍّ عظيم، يستدعي منها التمسك بالقرآن الكريم وسنة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، والاعتصام بحبل الله المتين بعيدًا عن التفرقة والتخاذل. قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).

إن تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين ليست مجرد قضايا سياسية، بل هي مقياس لصدق الانتماء لهذا الدين، فمن خذل فلسطين، فقد خذل الأمة بأكملها، وسار في ركب أعدائها. وإن أي وحدة إسلامية لا تعني الإعراض عن الصراع الحقيقي ضد الأمة، بل أن تتجه إلى عدوها الفعلي المتمثل في المعسكر الصهيوني وعملائه. ففلسطين كانت وستبقى البوصلة، وبها يُعرف العدو من الصديق، ومن يقف ضد تحريرها، فإنما هو في صف الصهاينة، ولو رفع شعارات الإسلام زورًا وبهتانًا.

السياسية || محمد الجوهري

مقالات مشابهة

  • معركة واحدة بين معسكرين لا أكثر
  • ماكرون: مستقبل أوروبا يجب أن يتحدد بها وليس في واشنطن أو موسكو
  • ما مستقبل التكنولوجيا في المنطقة العربية؟
  • خواطر رمضانية
  • واشنطن: تعليق تبادل المعلومات الاستخبارية هو رسالة بسيطة لزيلنسكي
  • ريال مدريد يحسم موقعة البرنابيو ودياز يوجه رسالة نارية لسيميوني
  • أولى جلسات الحكومة غداً: تعيين قائد الجيش والتمديد الموقت لسفراء من خارج الملاك
  • مؤشر الديمقراطية يكشف تراجع الدول العربية عن العام الماضي.. أين وصلت؟
  • واشنطن: مبعوث ترامب يعود للشرق الأوسط خلال أيام
  • الخارجية الأمريكية: مبعوث واشنطن للشرق الأوسط يعتزم العودة للمنطقة خلال أيام