لجريدة عمان:
2025-03-16@06:25:06 GMT

متحف الجماجم البشرية

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

من إيجابيات طوفان الأقصى، أنه عرّى كثيرًا من الأنظمة والشخصيات العربية، وكذلك الدول الغربية والمنظمات التي تتشدق بحُريّة الإنسان وحقوقه ليل نهار. والواقع أنّ بعض هذه الأنظمة وهذه الشخصيات، وكذلك مواقف الدول الغربية كانت معروفة، إلا أنّ البعض كان على بصره غشاوة؛ فما فعله طوفان الأقصى هو أنه أزاح الغبار عن البعض فأصبح مكشوفًا للكل على حقيقته، ومن ذلك مواقف الدول الغربية بالذات، التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتُكبت في غزة، فما حدث ما كان ليتم لولا الدعم الأمريكي والغربي وتواطؤ عربي معيب، مع صمت دولي مريب.

لقد فضح أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس وممثلها في لبنان، المواقف الغربية العدوانية تجاه غزة، في أحد مؤتمراته الصحفية التي يعقدها في بيروت بصفة شبه يومية منذ السابع من أكتوبر الماضي، وحمّل فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن، المسؤولية الكاملة في المشاركة في عملية الإبادة التي تجري في غزة، كما اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحشد الدعم ضد المقاومة الفلسطينية، مقابل دعم الاحتلال الصهيوني في جرائمه. ومن أبرز ما جاء في هذا المؤتمر الصحفي مطالبة أسامة حمدان، الرئيس الفرنسي أن يعيد جماجم المقاتلين الجزائريين، التي تحتفظ بها فرنسا في متاحفها، قبل التحدث عن الحرية وحقوق الإنسان، وأنه «لا يتصور أن تحتفظ دولةٌ تدّعي احترام حقوق الإنسان بجماجم بشر في متاحفها»، في إشارة لتناقض مواقف هذه الدولة مع سلوكها.

أعاد أسامة حمدان، قصة الجماجم البشرية إلى الواجهة، ولم يتجن على فرنسا؛ فالقصةُ حقيقية وليست ضربًا من الخيال؛ إذ أنشأت فرنسا متحفًا أسمته «متحف الإنسان» أو «متحف التاريخ الطبيعي»، ولكنه في الواقع يسيء إلى الإنسان قبل أن يسيء لفرنسا نفسها، إذ وصفه البعض -حسب تقرير قناة «الغد» التلفزيونية- بـ«متحف العار»، حيث بنى شهرته على جماجم المقاومين الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي لبلادهم، ويضم فيه 18 ألف جمجمة للثوار المسلمين، الذين قطَعت رؤوسهم، وكانت تلك الجماجم تزيّن قصور حكام فرنسا، ومنها قصر الإمبراطور نابليون الثالث، الذي شيّده بالأموال التي نهبها الجيش الفرنسي من الجزائر، ووضع رؤوس الثوار الجزائريين الذين حاربوا مع الأمير عبد القادر الجزائري في مدخله، زينة يتفاخر بها على ملوك أوروبا. وإمعانًا في إهانة الجزائريين الذين قدّموا أكثر من مليون شهيد في سبيل تحرير بلادهم، استخدم قادة الجيش الفرنسي جماجم قادة المقاومة الجزائرية لتزيين قصورهم أيضًا، كأدلة على الانتصارات التي حققوها.

لم تختلف النظرة الفرنسية لشعوب الشرق عن النظرة الغربية عمومًا، إذ كان الهدف من تجميع هذه الجماجم في هذا المتحف، إثبات أنّ العنصر الفرنسي هو الأرقى والأفضل، وأنّ له الحق في أن يحكم العالم، وأن يحصل على كلّ الثروات. وما فعلته فرنسا هو ما فعله الاستعمار البريطاني البغيض في كلّ بقعة وصل إليها، وما فعله الألمان والبلجيك والهولنديون والبرتغاليون والإسبان وغيرهم.

بعد تصريح أسامة حمدان، تجولتُ في مواقع الإنترنت المختلفة لمتابعة قصة هذا المتحف، ومن أبرز ما شاهدتُ تقريرا في قناة «الحرة» عن المتحف الذي أنشأه عالم فرنسي متخصص في الأنثروبولوجيا، يدعى بول ريفييه، عام 1937، جمع فيه الجماجم من قصور الملوك والقادة الفرنسيين، واختار لهذا المتحف موقعًا متميزًا بالقرب من برج إيفل، وحصل على دعم كبير من الحكومة الفرنسية، وسوّغ ريفييه إنشاء المتحف بأنه يهدف إلى إثبات أنّ العنصر الأوروبي هو أصل البشرية.

لقد أثار ملف «جماجم المقاومين الجزائريين» جدلًا بين فرنسا والجزائر، إذ رفضت السلطات الفرنسية عرض قانون يسمح بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين إلى الجزائر، رغم أنه حظي بموافقة أغلبية النواب، بسبب حساسية القضية في العلاقات الجزائرية الفرنسية، وفي السنوات الأخيرة تحولت قضية الجماجم إلى ما سُمّي بـ «حرب الذاكرة» بين البلدين، في وقت تصر فيه الجزائر على إعادة الجماجم، كخطوة رمزية قد تكون بداية لاعتراف رسمي من فرنسا «بجرائم الاستعمار». وحسب صحيفة «الشروق» الجزائرية، عن النائب الفرنسي، كارلوس مارتنيز بيلونغو، صاحب مقترح مشروع قانون إعادة جماجم المقاومين إلى الجزائر، فإنّ السلطات الفرنسية رفضت عرض المشروع على النواب، رغم أنه حظي بموافقة قرابة ثمانين منهم حتى الآن، وذلك لحساسية الملف وتجنبًا لإعادة التوتر في علاقاتها مع الجزائر بعد عودة الدفء إليها؛ ففرنسا تعتبر طرح قضية تسليم الجماجم حساسة لدرجة أنها قد تعصف بالعلاقات الفرنسية الجزائرية، وهو ما يفسر رفض السلطات الفرنسية مناقشة القانون المقترح، ومع ذلك سلمت فرنسا للجزائر 24 جمجمة، تبين فيما بعد أنها تعود للصوص، وهو ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

كان أسامة حمدان محقًا في معرض كلامه عن الرئيس الفرنسي وتشدقه بالحرية وحقوق الإنسان؛ فالاحتفاظ بتلك الجماجم في ذلك المتحف جريمة عنصرية ضد الإنسانية، ودليل على التاريخ الأسود لتعامل أوروبا مع الشعوب العربية، وظلم فرنسا وهمجيتها وتاريخها وعارها الذي ستظل الشعوب العربية تذكره.. ولكنه بالمقابل فإنّ هذا المتحف -بما ضم من جماجم أولئك الأحرار- يدل على بسالة الشعوب العربية في رفض الاستعمار، وأنّ الأمة قادرة على المقاومة والتحدي وتحقيق الانتصارات؛ وأنّ هذه الانتصارات لا تأتي إلا بالتضحية بالأرواح والدماء، فأصحاب تلك الجماجم هم أبطال تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، الذي جثم على صدور الجزائريين أكثر من مائة وثلاثين سنة، حاول فيها محو كلّ ما هو جزائري وعربي وإسلامي، ولكنه في النهاية استسلم وذهب، ولم يحتفظ إلا بتلك الجماجم.

وما يفعله الفلسطينيون حاليًا من تقديم التضحيات أمرٌ مؤلم، لكنه طريق التحرير؛ فالعبرة تكون في النهاية وإن طال المشوار، وسيأتي يوم نقول فيه: إنّ ما قدّمه الفلسطينيون في غزة من تضحيات كان سببًا في زوال الكيان الصهيوني. ومهما يكن فإنّ المستعمِرين والمحتلِين يعرفون حق المعرفة أنّهم ظلمة، وأنّ أرواح ودماء الشهداء حق، ويصدق على ذلك بيت الشاعر أحمد شوقي:

دم الـــثــوار تــعــرفـه فــرنـسـا

وتــعــلـم أنـــــه نـــــور وحــــق

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم في الشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أسامة حمدان هذا المتحف متحف ا

إقرأ أيضاً:

25 ألف زائر لجناح متحف المستقبل بمهرجان «ساوث باي ساوث» في تكساس

دبي: «الخليج»
استقطب جناح متحف المستقبل في مهرجان «ساوث باي ساوث ويست» بولاية تكساس الأمريكية أكثر من 25 ألف زائر على مدار 5 أيام. وشهد الجناح اهتماماً بارزاً من الحضور والزوار والوسائل الإعلامية الأمريكية والعالمية، ليكون أكثر الأجنحة استقطاباً للزوار في أكبر تجمع سنوي عالمي للمهتمين بقطاعات التكنولوجيا والإبداع والفنون والابتكار.
واستضاف جناح متحف المستقبل 20 فعالية من الجلسات الحوارية والتجارب التفاعلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي حول علاقة الإنسانية والطبيعة والتكنولوجيات المستقبلية من أبرزها عرض «أحلام الأرض»، وهو عمل فني رقمي مبتكر بالتعاون مع الفنان العالمي رفيق أناضول، والذي يتميز بأسلوبه البارز في تحويل البيانات البيئية الحقيقية إلى روايات بصرية ديناميكية.
وشارك في الفعاليات أكثر من 40 متحدثاً وخبيراً إماراتياً وعالمياً شاركوا خبراتهم في مجالات استكشاف الفضاء ومستقبل الغذاء، والفنون والآداب وصناعة السينما، والذكاء الاصطناعي والفنون الإبداعية، وممارسات استشراف المستقبل وغيرها من المواضيع المهمة.
كما كانت مؤسسة دبي للمستقبل الراعي الرسمي لمسار «2050» خلال مهرجان «ساوث باي ساوث ويست»، ونظمت جلسات نقاشية عدة في جناح متحف المستقبل وأجنحة أخرى عدة والقاعات الرئيسية للمهرجان.
واستضاف جناح متحف المستقبل أكثر من 130 إعلامي وصانع محتوى عالمي، وسجل أكثر من 115 تغطية إعلامية في أبرز وسائل الإعلام الأمريكية حول مشاركة مؤسسة دبي للمستقبل، ومتحف المستقبل في المهرجان.
ومن أبرز الجلسات التفاعلية التي نظمها المتحف جلسة بعنوان «العيش على سطح القمر» والتي شهدت حواراً استثنائياً مع رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، ورائدة الفضاء الكندية شونا باندايا حول استكشاف الفضاء، وإمكانات الحياة خارج كوكب الأرض.
كما شهدت الجلسة الحوارية بعنوان «الغذاء من عمق الصحراء» إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور الذين تعرفوا على إمكانات الصحراء الكامنة التي يمكن الاستفادة منها في الحصول على الغذاء، شاركت خلالها الشيف الإماراتية ميثة طارق الورشو إلى جانب نخبة من المتحدثين العالميين.
كما استضافت جلسة بعنوان «مستقبل السرد القصصي» التي أدارتها بثينة كاظم مؤسسة سينما عقيل، كل من المخرج الإماراتي محمد سعيد حارب مخرج مسلسل الصور المتحركة الإماراتي الشهير «فريج» ومخرجة الأفلام الإماراتية وكاتبة السيناريو ميثة العوضي، والتي ناقشت دور الشرق الأوسط في تغيير مشهد السينما العربية.
كما استضافت الجلسات النقاشية نخبة من الشخصيات المؤثرة عالمياً مثل المنتج السينمائي العالمي جيانلوكا شقرا، والمؤلفة جيسي كاروري سيبينا، والكاتبة تريسي بريور والكاتبة سارة حمدان وغيرهم الكثير.
وخلال المهرجان، قدّم جناح متحف المستقبل تجارب تفاعلية متنوعة تضمنت تجربة تذوّق شوكولاتة دبي الشهيرة من FIX Dessert Chocolatier وشاي الكرك التقليدي من Project Chaiwala.
الجدير بالذكر أن مهرجان «ساوث باي ساوث ويست» العالمي السنوي الذي انطلق لأول مرة في عام 1987 في الولايات المتحدة الأمريكية، يتضمن عدداً من المؤتمرات والمهرجانات والفعاليات المتخصصة في مختلف مجالات التكنولوجيا والأفلام والموسيقى والتعليم والثقافة. وقد شهدت دورة العام 2024 مشاركة أكثر من 300 ألف شخص.

مقالات مشابهة

  • الشمبانيا الفرنسية في مرمى نيران حرب الرسوم بين أوروبا وواشنطن
  • وزير الداخلية الفرنسي يهدد بالاستقالة إذا لينت باريس موقفها في ملف الجزائر
  • الخارجية الفرنسية: من المهم ألا ينتقل التوتر الأمني من سوريا إلى لبنان والعراق
  • الرئيس الفرنسي يستقبل نظيره اللبناني في باريس.. 28 مارس
  • مسجد إيفري كوركورون الكبير.. أحد معالم التراث الثقافي الوطني الفرنسي
  • عُمان عبر الزمان يحتفي بتدشين الهوية البصرية والعملة والطابع
  • 25 ألف زائر لجناح متحف المستقبل بمهرجان «ساوث باي ساوث» في تكساس
  • متحف الحضارة يستقبل وزراء ومسئولين من المشاركين في القمة العربية
  • وزير الداخلية الفرنسي: النظام الجزائري لا يحترم شعبه وشرعنا رسمياً في منع المسؤولين الجزائريين من دخول فرنسا
  • الجمعية الوطنية الفرنسية توافق على مصادرة الأصول الروسية المجمدة