ترجمة ـ قاسم مكي -

إذا كنت إنسانا عاديا يحاول قراءة الأخبار الاقتصادية خصوصا تلك التي تتعلق بالتضخم فقد تشعر في الوقت الحالي باختلاط الأمور في ذهنك.

ربما شاهدتَ تقارير تشير إلى أن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 3.1% خلال العام الماضي وهو ما يبدو خبرا سيئا. وتشير أيضا إلى أن معدل التضخم الأساسي الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة بلغ 4%.

وهذا يبدو خبرا أسوأ.

مع ذلك يقول معلقون عديدون إن معركة البنك المركزي الأمريكي (بنك الاحتياط الفيدرالي) ضد التضخم انتهت على نحو أو آخر وأن الأسواق تتوقع من البنك تغيير مسار سياسته النقدية عما قريب بخفض أسعار الفائدة وليس زيادتها؟ كيف يمكن أن يكون لهذا القول معنى؟.

فنِّيا، المسألة كلها تتعلق بالرصد المتفاوت زمنيا لهذه المؤشرات. بمعنى أعمق هنالك سلسلة من المقاييس التي يُقاس بها التضخم. والمقياس الذي تختاره يعتمد على نوع السؤال الذي تحاول أن تجد له إجابة.

هاهنا مقياسان للتضخم في السنوات الأخيرة. أحدهما التغير خلال عام واحد في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي والثاني التغير خلال نصف عام في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي.

هذا المقياس الأخير شبيه بالمقياس بالأول في المفهوم (الفكرة) لكنه مختلف عنه في التفاصيل ويتم التعبير عنه بمعدل سنوي.

بلغ معدل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 2.5% للأشهر الستة المنتهية في أكتوبر. والمعدل الذي يستهدفه بنك الاحتياط الفدرالي 2%.

السؤال: لماذا تبدو هذه المقاييس مختلفة؟ جزء من الإجابة أن التضخم إذا كان يهبط بسرعة وهو ما يبدو أنه كذلك فسيزودك رصدُ التغير في الأسعار خلال السنة بأكملها (12 شهرا) بمعلومات قديمة. إذ الكثير مما ستحصل عليه يتعلق بما حدث في وقت ما في الماضي وليس ما يحدث الآن.

لكن في تلك الحال لماذا لا تنظر في التغيرات التي تطرأ من شهر لشهر؟ سيكون هنالك الكثير من العشوائية في البيانات الشهرية مما يجعلها مؤشرا غير موثوق. لذلك متوسط الـ 6 أشهر حلٌّ وسط يزيل الكثير من التشويش ويقرّبنا بقدر معقول مما يحدث في الوقت الراهن.

لكن تلك ليست الحكاية كلها. المؤشران المذكوران يقيسان أسعار المستهلك. وفي الوقت الحالي مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يفضله بنك الاحتياط الفيدرالي في العادة أفضل كثيرا من مؤشر أسعار المستهلك في رصد الكيفية التي تمضي بها محاربة التضخم. مرة أخرى لماذا؟ الإجابة هي التفاوتات الزمنية (في قياس التضخم) وتحديدا في قطاع العقارات السكنية. تشكل تكلفة السكن حوالي ثلث مؤشر أسعار المستهلك وحوالي 40% من مؤشر أسعار المستهلك الأساسي.

يقيس مكتب إحصاءات العمل الأمريكي تكاليف السكن باستخدام الإيجارات. إنها الإيجارات التي يدفعها الناس فعليا إذا كانوا في الحقيقة مستأجرين وتقديرٌ للإيجارات التي من شأنهم أن يدفعوها إذا كانوا يملكون مساكنهم.

هذا الإجراء في العادة يثير مشاكل قليلة. لكن معظم المستأجرين يقيمون بعقود استئجار. لذلك متوسط الإيجار الذي يدفعه الناس في الوقت الحالي يتخلف زمنيا عن إيجارات السوق أو ما يدفعه الناس مقابل المساكن المستأجرة حديثا (الإيجارات الجديدة.)

هذه ليست مشكلة في العادة. لكن كان هنالك ارتفاع ضخم في إيجارات السوق الأمريكية في الفترة 2021-2022. وربما كان ذلك يعكس الارتفاع في وتيرة العمل عن بُعد. فالناس الذين يعملون من منازلهم رغبوا في المزيد من المساكن التي يمكنهم العمل منها. هذا الارتفاع انحسر الآن. لكنه لا يزال ينساب إلى الأرقام القياسية للإيجارات.

ما يقوله لنا هذا إن جزءا كبيرا من تضخم أسعار المستهلك المقاس يعكس ما حدث قبل عدة أشهر وليس ما يحدث الآن. ولأسباب فنية يخصص مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي وزنا أقل للسكن. لذلك هو أقل تأثرا بهذا التفاوت الزمني للمعلومات.

السؤال: أي مقياس منهما هو الصحيح؟ كما ذكرت يعتمد ذلك على السؤال الذي تحاول الإجابة عليه.

يحاول بنك الاحتياط الفيدرالي أن يحدد هل يجب عليه رفع أو خفض أسعار الفائدة. لذلك يبحث عن المؤشرات التي تقدم الإجابة عن السؤال التالي: هل نشاط الاقتصاد زائد عن الحد أم أنه أقل من المطلوب أم معتدل؟ لهذا الغرض فإن التغير خلال 6 أشهر في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي أفضل من التغير السنوي في مؤشر أسعار المستهلك والذي تؤثر عليه بشدة عوامل تجاوزها الزمن ولم تعد موجودة الآن. وهذا المؤشر يشير إلى أن نشاط الاقتصاد لم يعد محتدما بل ربما يتباطأ. لذلك حان الوقت للتفكير في خفض أسعار الفائدة.

هنالك على أية حال أسئلة أخرى قد نريد الإجابة عليها مثل ما الذي يحدث للقوة الشرائية للعاملين في الولايات المتحدة؟ مثل هذه الأسئلة تتطلب مقاييس مختلفة. (لا يخطر ببالي أي سؤال حالي يمكن أن يلائمه رصدُ التغير لمدة سنة واحدة في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي.)

إذا كنا نسأل عن العام الماضي فالطريقة الطبيعية للإجابة على هذا السؤال هي مقارنة ما حدث لمتوسط الدخول بأسعار المستهلك الإجمالية. (في هذه الحال) نعم الدخول ترتفع حقا.

لكن إذا أردت أن تعود بالأمور إلى الماضي قليلا، مثلا إلى بداية إدارة بايدن ستصطدم ببعض البيانات الغريبة. بالتحديد لقد تسببت الجائحة في فقدان عمال عديدين لوظائفهم. وهؤلاء في المتوسط كانوا من أصحاب الأجور المتدنية. لذلك قفز متوسط أجور العاملين الذين استمروا في شغل وظائفهم أثناء الجائحة ليس لحصول أي منهم على زيادة حقيقية في الأجر ولكن لأن من كانوا يحصلون على أجور ضعيفة تركوا العمل. لذلك عندما عادت الحياة إلى طبيعتها (بعد انتهاء الجائحة) هبط متوسط الأجور. ليس لخفض أجور العاملين ولكن لعودة المفصولين من أصحاب الأجور المتدنية إلى العمل.

كل هذا يجعل من الصعب تحديد ما حدث لدخول العاملين منذ عام 2020 أو عام 2021 (في الولايات المتحدة). وهذا هو السبب في أن تحليلات عديدة تركز على آفاق زمنية أطول وتقارن الدخول الحالية بالدخول قبل الجائحة.

قد يعترض عَليّ أحد قائلا: لقد ذكرتَ لتوّك ضرورة التركيز على التغيرات التي تحدث خلال 6 أشهر والآن تريد التركيز على التغيرات التي تحدث خلال أربع سنوات. واقع الحال، لا يوجد أي تناقض حقيقي في ذلك. فنحن ننظر إلى أرقام مختلفة لأننا نريد الإجابة على أسئلة مختلفة.

الصورة العامة في الحقيقة جيدة جدا. فالتضخم يبدو حقا إنه يخضع للسيطرة دون ارتفاع معدل البطالة الذي يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أنه سيكون ضروريا. ويبدو أن العاملين خرجوا من فترة الجائحة والتضخم بقوة شرائية أكبر مما في السابق.

هنالك أيضا درس أكثر عمومية. فالناس كثيرا ما يحكمون على الاقتصاد برقم إحصائي واحد كالمعدل السنوي للتضخم. لكن الأرقام لا تتحدث بنفسها. فهي يمكن استخدامها لكي تساعد في سرد حكاية عن الاقتصاد. لكنها ليست الحكاية نفسها.

بول كروجمان أستاذ متميز بمركز الدراسات العليا بجامعة سيتي في نيويورك. حائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2008.

ترجمة خاصة لـ عمان عن «نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مؤشر أسعار المستهلک بنک الاحتیاط فی الوقت فی مؤشر ما حدث

إقرأ أيضاً:

بنسبة 12.8%.. التضخم في مصر يتراجع لأدنى مستوى خلال 3 سنوات في فبراير الماضي

تراجع التضخم في مصر خلال شهر فبراير 2025 لأدنى مستوى له منذ مارس 2022، مسجلاً نسبة 12.8%، على أساس سنوي في المدن، مقابل تضخم بنسبة 24% في يناير الماضي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وذكر الجهاز المركزي للإحصاء أن التضخم السنوي العام لإجمالي الجمهورية بلغ 12.5% في فبراير 2025 مقابل 23.2% خلال شهر يناير الماضي.

وأشار «المركزي للإحصاء» إلى أن معدل التضـخم الشهري لإجمالي الجمهورية سجل نسبة 1.4% خلال شهر فبراير الماضي، مقابل تضخم شهري بنسبة 1.6% خلال شهـر يناير 2025.

ونوهت بيانات جهاز الإحصاء إلى انخفاض أسعار مجموعة الخضروات بنسبة (-8.2%)، ومجموعة البن والشاي والكاكاو بنسبة (-0.2%)، كما انخفضت مجموعة السلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة (-1%).

وأوضح الجهاز أن أسعار مجموعة الحبوب والخبز ارتفعت بنسبة (0.8%)، فيما سجلت أسعار مجموعة اللحوم والدواجن نسبة زيادة (3.2%).

وبالنسبة لأسعار مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية، ارتفعت بنسبة (0.4%)، وأيضا أسعار مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (0.7%).

وعلى جانب أسعار مجموعة الزيوت والدهون، شهدت زيادة بنسبة (0.4%)، وأيضًا أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة (3.0%)، ومجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة (0.1%)، ومجموعة الدخان بنسبة (6.3%).

أما عن أسعار مجموعة الملابس الجاهزة، فجاء ارتفاعها بنسبة (0.6%)، ومجموعة التنظيف والإصلاح وتأجير الملابس بنسبة (0.3%)، ومجموعة الأحذية بنسبة (0.8%)، ومجموعة إصلاح الأحذية بنسبة (0.7%)، وأسعار مجموعة الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة (1.1%).

وبخصوص أسعار مجموعة المفروشات المنزلية، زادت بنسبة (0.9%)، ومجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة (0.7%)، ومجموعة الأدوات الزجاجية وأدوات المائدة والأدوات المنزلية بنسبة (0.6%)، مجموعة أدوات ومعدات المنازل والحدائق بنسبة (0.5%).

وفيما يخص أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية فزادت بنسبة (0.5%)، ومجموعة خدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة (0.8%).

وشهدت أسعار مجموعة خدمات المستشفيات ارتفاع بنسبة (0.8%)، ومجموعة شراء المركبات بنسبة (0.3%)، مجموعة المنفق على النقل الخاص بنسبة (0.2%)، مجموعة خدمات النقل بنسبة (0.5%)، مجموعة خدمات البريد بنسبة (2.9%)، ومجموعة معدات خدمات الهاتف والفاكس بنسبة (0.6%).

وعلى جانب أسعار مجموعة الخدمات الثقافية والترفيهية، ارتفعت بنسبة (0.1%)، ومجموعة الصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة (10.7%)، ومجموعة التعليم قبل الابتدائي والتعليم الأساسي بنسبة (12.5%)، مجموعة التعليم الثانوي العام والفني بنسبة (4.3%)، مجموعة التعليم بعد الثانوي والفني بنسبة (4.3%)، مجموعة التعليم العالي بنسبة (12.2%)، مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة (0.5%)، مجموعة خدمات الفنادق بنسبة (8.0%)، مجموعة العناية الشخصية بنسبة (0.6%)، مجموعة امتعة شخصية بنسبة (3.7%).

التضخم في أسعار الطعام والمشروبات

وسجل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعاً قدره 4.2%، جاء مدفوعاً بارتفاع في أسعار الحبوب والخبز بنسبة 7.2%، وأسعار اللحوم والدواجن بنسبة 0.9%، وأسعار الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 6.3%، وأسعار الألبان والجبن والبيض بنسبة 7.9%، وفي أسعار الفاكهة بنسبة 44.1%، وأسعار السكر والأغذية السكرية بنسبة 0.1%، وأسعار البن والشاي والكاكاو بنسبة 9.2%، فيما انخفضت أسعار الخضروات بنسبة 7%، وأسعار الزيوت والدهون بنسبة 3.4%.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يوجه بمواصلة الجهود المكثفة الرامية للحد من التضخم وتحسين الإنتاجية

التضخم ينخفض في منطقة اليورو إلى 2.4% في فبراير

رويترز: توقعات بتراجع التضخم في مصر إلى 14.5% فبراير الماضي

مقالات مشابهة

  • برلماني: تراجع معدلات التضخم مؤشر قوي على إيجابية السياسات النقدية لضبط الأسعار
  • الإحصاء: ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 1.3 %خلال شهر يناير 2025
  • “هيئة الإحصاء” : ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 1.3 %خلال شهر يناير 2025
  • تراجع التضخم الأساسي في مصر لأدنى مستوى منذ فبراير 2022
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار قسم الرعاية الصحية بمقدار 27.0 % خلال عام
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار مجموعة الدخان بنسبة 26.8% خلال عام
  • بنسبة 12.8%.. التضخم في مصر يتراجع لأدنى مستوى خلال 3 سنوات في فبراير الماضي
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 3.2% خلال شهر فبراير الماضي
  • الإحصاء: تراجع معدل التضخم السنوى لشهر فبراير 2025
  • وزارة الإعلام: نهيب بالمواطنين التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي، ونؤكد على ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي