أنساغ.. «نحن الشباب لنا الغد»
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
(ألقيت هذه الكلمة في حفل توزيع جوائز «مسابقة تواصل للأفلام القصيرة»، وزارة الثقافة والرياضة والشباب، مسقط، 28 ديسمبر 2023)
لكم جميعا أطيب التحية.
فور أن انتهت المكالمة الهاتفية التي علمت منها بتشريفي برئاسة لجنة تحكيم الدورة الأولى من هذه المسابقة الواعدة، رنَّ من أقاصي ذاكرتي صدى من نشيد بعيد كنت أردده مع زملائي الطلبة على مقاعد الدراسة في ما كان يعرف يومها بالمرحلة الابتدائية من التعليم، وذلك في سبعينيات القرن الماضي.
اسمحوا لي أن أردد أمامكم ذلك المقطع الافتتاحي من النشيد الذي يقول: «نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد/ نحن الشباب/ شعارنا مدى الزمن عاش الوطن/ عاش الوطن». صحيح أنه من المؤسف بالنسبة لي، والواضح جدا بالنسبة لكم، أنني لم أعد شابًا، وبالتالي فأنا مستبعَد من حق وأهليَّة ترديد ذلك النشيد اليوم، لكنني أشعر بوجدان عاطفي ووطني عارم يجعلني أخاطبكم، أيتها الشَّابات وأيها الشَّباب، بنفس تذكار ذلك الوعد الأمين وتلك المسؤولية الملقاة على العاتق التي لخَّصها المقطع الافتتاحي لذلك النشيد. ولا أظن أبدا أنه من قبيل محض المصادفة فقط أن اجتمعت مفردتان جوهريَّتان في الحياة الاجتماعيَّة والوطنيَّة مثل «الثقافة» و«الشباب» في عبارة واحدة ضمن نسيج المسمى الرسمي لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وهي المؤسسة الحكومية التي تضطلع بعهدة ورعاية تلك القطاعات الثلاثة في انسجامها، وتناغمها، وتكاملها مع بعضها البعض.
أيها الحضور الكريم: تتقدم بلادنا العزيزة بخطى حثيثة نحو تمكين الشباب، وتشجيع مواهبهم، وصقل قدراتهم لجعلهم مشاركين في الحوار الاجتماعي والثقافي البنَّاء؛ فالوطن لا يبنى فقط بشق شوارع الإسفلت الواسعة، وصب كتل الخرسانة والإسمنت ذات الطوابق المتعددة، وتركيب المكائن الضخمة، واستيراد الأجهزة الحديثة التي أنتجتها عقول غيرنا، ولكن أيضا، بل أهم من ذلك كله، بتنمية القدرة الإبداعيَّة الخلاقة، والمَلَكة النقديَّة البنَّاءة، والموهبة التَّساؤليَّة الهادفة، والقدرة على النَّظر المتجرد من الأهواء والضغوط والتقليد الأعمى، وإعادة النظر في الناجز والمتحقق طموحا إلى تجويده وتعزيزه.
ومصداقا لذلك، وتأكيدا له، فقد جاء موضوع الدورة الأولى من «جائزة تواصل للأفلام القصيرة» مرَكِّزا على قضية في غاية الأهمية من تلك القضايا التي تطرحها علينا وسائل وقنوات التواصل والتباحث الحديثة؛ ألا وهي «موضوع الحوار المتَّزن، وقبول الاختلاف في الحوار، وقبول تعدد وجهات النظر على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، وفي المساحات الحواريَّة الشبابية المختلفة (الواقعيَّة والافتراضيَّة)، وطرح الأفكار، والآراء، والاتجاهات المختلفة بكل أريحيَّة، مع مراعاة آداب وأخلاقيات الحوار مع الآخرين، ومراعاة حق الجميع في التعبير عن رأيه بعيدًا عن التَّنمر والإساءة إليه (سواء للشخوص أو للأفكار)، ولتحقيق التواصل الفاعل والفعال مع الآخرين، ولتعظيم دور الحوار والتواصل الإنساني في تعميق العلاقات الاجتماعية، والنمو الشخصي، والنمو المجتمعي على حد سواء».
ونحن، في لجنة التحكيم التي ضمَّتني إلى جانب الزميلين العزيزين خالد العبري ومصطفى اللواتيا اللذين أزجي لهما جزيل الشكر لدورهما المحوري في إنجاح مهمة اللجنة، نشهد أننا شاهدنا أمثلة ساطعة وناضجة، في الأعمال المتسابقة، على وعي الشباب بفكرة الحوار الشَّفاف والنَّقد البناء، كل بحسب قدرته وإمكاناته، ومحاولة تمثُّل المغزى الأعمق لتبادل وجهات النظر في مسعى التصحيح، والتجويد، وإقالة العثرات. ونثق تمام الثقة بأن ثيمات الدورات القادمة من «مسابقة تواصل للأفلام القصيرة» سوف تضع في اعتبارها حركيَّة وتجدد ما يبرز في أولويات الحوار الاجتماعي، وما يفرض حضوره من موضوعات التعاطي الثقافي المواكب له، فتكون موضوعات الدورات القادمة من هذه الجائزة صدى واستجابة لذلك.
أيتها الشَّابات وأيها الشَّباب: أنتم خير من يعلم أن أسوأ ما يمكن أن يقترفه أحد هو الصدور من عقلية الأب العليم الذي يملي ويلقِّن الدروس على من يعتقد أنهم أدنى منه في المعرفة، وأقل حظَّا في التمييز والإدراك؛ فالشباب بطبيعتهم في غاية الحساسية من أي وضع يجدون فيه أنفسهم في موقع المتلقي المطيع المنفِّذ، وليس في موقع المشارك الكفء الفاعل في الحوار. إن الصدور من فوق هو آخر ما يمكن أن يأتي منا في لجنة التحكيم، وأول ما عليكم مقاومته فيما لو حدث. لكن من ملاحظاتنا أن الكثير من الأفلام القصيرة المتنافسة قد اهتم بالفكرة أكثر من اهتمامه بطريقة التعبير عن تلك الفكرة، وهذا لا يصب في صالح أي نوع ثقافي وفني مثل الأفلام القصيرة التي هي الأداة التعبيرية لهذه المسابقة. ولذلك فإن من الضروري توسيع وتعزيز الثقافة البصريَّة عموما، والسينمائيَّة خصوصا، والاطلاع على الحوارات والمستجدات النظريَّة والتقنيَّة التي تطرأ بصورة متسارعة ومذهلة على هذا الحقل التعبيري الحيوي.
وإلى هذا فأنتم تعلمون بالتأكيد أن كل لجنة تحكيم، وبحكم طبيعة عملها، ليس في مقدورها إلا أن تمنح عددا محدودا من الجوائز، ولا تستطيع أكثر من ذلك؛ فهناك تقاليد وأعراف مرعيَّة، واعتبارات ماليَّة وإجرائيَّة ينبغي التقيد بها، وإصدار القرارات التحكيميَّة في حدودها. وفي هذا السياق لا يفوتنا -في لجنة تحكيم الدورة الأولى من هذه المسابقة- أن نشيد إشادة خاصة بالمسؤولين المعنيين في وزارة الثقافة والرياضة والشباب لأنهم تعاملوا مع هذه المسابقة بصورة جادة. وقد انعكس ذلك جليَّا في سخاء القيمة الماليَّة للجوائز، وذلك حفزا للفائزين على أن تكون تلك الجوائز رأس مال وافر لتمويل أفلام قادمة، والاستمرار في الشغف بمزيد من الإنتاج.
إننا نبارك من أعماق قلوبنا لمن فازوا. ونقول للذين لم يحالفهم الحظ في هذه الدورة إن ذلك لم يحدث لأن أعمالكم رديئة، ولكن لأن أعمال من فازوا كانت أفضل من أعمالكم. وهذا بالضبط، وبحكم المنطق، والعقل، والأمل هو ما يجعلنا نثق تماما أنه في الدورة القادمة ستفوز أعمال أفضل من تلك التي فازت في هذه الدورة من الجائزة. ولهذا فإن لجنة التحكيم القادمة تنتظر أعمالكم الجديدة.
ولا يفوتنا في لجنة التحكيم إزجاء خالص الشكر وعظيم الامتنان للطاقم الإداري الكفء والمؤهل الذي خصصته الوزارة الموقرة للإشراف على هذه الجائزة، والذي تعاملنا مع أعضائه. إننا نحييهم ونقدِّرهم لأنهم وفروا لنا بيئة مهنية مضيافة جعلتنا ننجز عملنا بسلاسة ويسر.
وأخيرا، أيها الحضور الكريم في هذه المناسبة الطيبة، سواء أكانوا من الشابات والشباب، أو من أولئك الذين لم يعد من الممكن تصنيفهم في تلك الفئة مثلي، اسمحوا لي أن أستحضر معكم ذلك المقطع الافتتاحي من النشيد المدرسي القديم: «نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد/ نحن الشباب/ شعارنا مدى الزمن عاش الوطن/ عاش الوطن». شكرا جزيلا لكم.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه المسابقة لجنة التحکیم نحن الشباب عاش الوطن فی لجنة ة التی
إقرأ أيضاً:
السيد القائد: الخروج يوم الغد غزوة من أهم الغزوات في سبيل الله
يمانيون/ فيديو
السيد القائد: الخروج يوم الغد غزوة من أهم الغزوات في سبيل الله
https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2024/11/الخروج_يوم_الغد_غزوة_من_أهم_الغزوات_في_سبيل_الله.mp4