وقفتنا هذا الأسبوع إلى وقت كتابة هذا المقال فيما يتعلق بالحرب الفلسطينية- الإسرائيلية، الكفة تميل جدًّا بفضل الله سبحانه وتعالى فى صالح المقاومة الفلسطينية بشكل كبير، في المواجهات المباشرة، لا يعوضها الغشم القاتل الذي يقوم به جيش الاحتلال يوميًا منذ وقت تعدى الـ80يومًا.
اقتربنا من ثلاثة أشهر للحرب لم نجد أي ظهور لجيش الاحتلال إلا بفداحة استخدامه لطائراته وطياريه فى هدم مبانى المدنيين الفلسطينيين على رؤوسهم والتى يقتل معها الفلسطينيين المدنيين، الذين ليس لهم أي ذنب غير كونهم فلسطينيين رجالاً، وحتى النساء والأطفال رجال لتحملهم نتائج آلة القتل الإسرائيلية العمياء، من خلال صواريخ طائراتهم التى لا تميز بين المقاتل والمواطن المدنى المسكين، الذى أقحمه الإسرائيليون فى المعركة ووجد نفسه مشتركًا في تحمل نتائج الحرب غصبًا عنه، ولكنها أصبحت طوق النجاة للفلسطينيين جميعًا إن شاء الله، بعد الصمود الأسطوري الذي حدث ويتحدث العالم جميعه عنه، هذا الصمود الذى غير كثيرًا من معتقدات كثير من الأوروبيين وحتى كثير من الأمريكان، بل هناك بعض اليهود الإسرائيليين أصبحوا فى صف الفلسطينيين بالفعل، بسبب رفض كل ما ذكرتهم للمجازر التى أحدثها ويحدثها الجيش الإسرائيلي بقيادة نتنياهو ووزير دفاعه.
وأظن أن معها انتهى مستقبل نتنياهو السياسي ورفاقه، بل أظن أن مستقبل الرئيس الأمريكي بايدن السياسي والرئاسي قد انتهى أيضًا، وسيجعل هذا الشعب الأمريكي سيفكر جيدًا في الانتخابات المقبلة فيمن سينتخبه رئيسًا لهم في الفترة المقبلة، أما بالنسبة لنتنياهو فموقفه أصبح صعبًا للغاية، فأفعاله ووزير دفاعه ورجالهم وضعتهم، لو هناك عدالة بعد انتهاء الحرب، لمقصلة تقديمهم لمحكمة الجنائية الدولية، لقتلهم المدنيين العزل من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن من الفلسطينيين، بالإضافة للأطقم الطبية من الأطباء والممرضين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، سواء التابعين للمستشفيات الفلسطينية أو للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر.
وأيضًا اعتداؤهم على أفراد منظمة الأونروا والمبانى التابعة لهم وأيضًا على الإعلاميين والصحافيين وقتلهم إياهم فى سابقة هى الأولى من نوعها على مستوى أي حرب أو اعتداء فى العالم مخالفين لجميع القوانين الدولية والتى تقف فى صف الشعب الفلسطينى والمقاومة التابعة له فى مقاومة الكيان الإسرائيلي المحتل ولا تقف فى صف قوى الاحتلال، وكله أصبح ثابتًا بالصوت والصورة، هذا غير قتله للأسرى الإسرائيليين بأيدى قواته الإسرائيلية.
وأظن أن نتنياهو لا يريد عودة الأسرى أحياء وخاصة العسكريين لأنهم سيبيحون بما فى جعبتهم من أسرار وهى كثير، وهو لا يريد فضائح أخرى تذبحه وخاصة بعد رد فعل الأسرى المدنيين الإسرائيليين عندما عادوا وأقروا بحسن المعاملة من رجال المقاومة الفلسطينية فما بالنا بما سيقوله العسكريون، فأظن أنه يتمنى قتلهم جميعًا قبل عودتهم ويبيحون بأسرارهم، وهو ما يجعل هذا النتنياهو فى معضلة حقيقية.
فإيقاف الحرب سيضعه تحت طائلة محاكمته عما فعله بإسرائيل والأسرى الإسرائيليين الذين قتلهم، وتأخره العجيب فى تحرير بقية أسراه الذين هم فى أيدى المقاومة الفلسطينية سواء من خلال عملياته العسكرية أو من خلال التفاوض، لذلك سنرى ماذا يمكن أن يفعله هذا النتنياهو فى الأيام القادمة وخاصة أن استمراره ورهانه الخاسر فى الحرب يجعل الفاتورة القاسية عليه ترتفع كل يوم عن اليوم الذي قبله، فقد تم قتل كثير من قواته النخبة مع بدايات المعركة الذين يمكن أن نقول إنهم مدربون ومجهزون أفضل نوعًا ما من باقى قواتهم المتبقية حاليًا، والمتبقى منهم ويفهم فى أصول القتال أصبحوا قلة على ما أظن وليس لديهم إلا سلاح الطيران فقط، والله أعلم قد يكونون طياري دول عظمى وليس طياريهم، لأنهم بالفعل جيش تعبان انخدعنا فيه كعرب لسنوات طويلة وأظن أن قول نتنياهو بأنهم فى تكتيك الحرب الجديد يستخدمون أجهزة تكنولوجية حديثة جدًّا قد يكون قولاً صحيحًا وقد يكون هدفه تحرك المقاومة بشكل مكثف يمكنهم معها من تتبعهم فيجب الحذر وأخذ كلامه مأخذ الجد مع الحذر أثناء التنقل.
إلى هنا انتهت وقفتنا لهذا الأسبوع أدعو الله أن أكون بها من المقبولين، وإلى وقفة أخرى الأسبوع القادم إذا أحيانا الله وأحياكم إن شاء الله.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل غزة بنيامين نتنياهو قضية فلسطين العدوان على غزة
إقرأ أيضاً:
الحرب في غزّة إلى أين؟
سؤال يلحّ على جميع المهتمّين بما يحدث في قطاع غزّة من الطرفين؛ المقاوم وحلفائه وأنصاره، والمشروع الاستعماري وأدواته وأنصاره.
في غزّة يطرح المقاومون الصمود والتمسّك بالأرض وفرض وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى كشروط لنهاية الحرب، وتتفرّع عن هذه النهاية خطط ومشاريع من قبيل لجنة مختصة لإدارة شؤون القطاع بإشراف حكومة رام الله (لجنة الإسناد المجتمعي)، وكذلك لجان عربية أو دولية تشرف على عملية إعادة الإعمار.
أما العدو، فيطرح أهدافه بتصفية جميع قوى المقاومة سواء كانت منظّمات أو دولاً، وتحرير الأسرى في قطاع غزّة بالقوة، والاحتفاظ بقوات من “جيش” العدو في مناطق محدّدة من قطاع غزّة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، وخلق منطقة عازلة في جنوب لبنان. تتفرّع عن هذه الأهداف مشاريع مثل عودة الاحتلال الكامل للقطاع، وإعادة حركة الاستيطان فيه، وتتصدّر هذا النشاط حركة “حباد” الصهيونية الأرثوذكسية التي أعلنت عن قيام أول مستوطنة “بيت حباد” في مبنى بلدية بيت حانون في شمال قطاع غزّة.
بين الموقعين يستمر مشهد المجزرة وسط صمت عالمي مدوٍ، صامدون يقدّمون التضحيات، وقتلة لا يتردّدون في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، مطاردة كلّ من يقف إلى جانب محور المقاومة في كلّ مكان في العالم. معظم الأنظمة العربية متواطئة سواء بالعمل على الأرض أو بالصمت والتظاهر بأن القضية إنسانية بحتة تقع ضمن اختصاصات الأمم المتحدة ومنظّماتها غير الحكومية. المطلوب استعمارياً تحقيق هدفين، القضاء على المقاومة بجميع أشكالها، وبثّ اليأس والاستسلام في نفوس جماهيرها، لتتحوّل هذه الجماهير إلى أقلية مسالمة تندمج في الكيانات الناتجة عن المشروع الاستعماري، وتصبح ما يمكن أن نسمّيه “أقلية مهملة” .
هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض وكأنه يحمل الكثير من المبالغة، كرّره المستعمرون أكثر من مرة عبر تاريخهم، خاصة في المرات التي احتلوا فيها أراضي الآخرين تحت شعارات ووعود دينية كما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزلندا. لقد اعتبر المستوطنون الأوائل أن أميركا هي “أرض الميعاد” المسيحية، وأنهم حجّاج أرسلهم الرب لإقامة مملكته، والقضاء على المتوّحشين الوثنيين. الشعارات نفسها أطلقتها حركة “حباد” الصهيونية التي اعتبرت العرب كفّاراً، لا بدّ من قتلهم لإقامة “دولة إسرائيل” من النيل إلى الفرات.
عبّرت هذه المشاريع عن نفسها سياسياً في الخرائط التي يرفعها غلاة الصهاينة من وزراء وقادة حركة الاستيطان، وتجد دعماً لدى الدوائر الاستعمارية كما حدث في تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول صغر مساحة الكيان الصهيوني وضرورة توسيعها.
تمرّ عملية التدجين بثلاث مراحل: الهزيمة العسكرية من خلال ارتكاب مجازر بحقّ الشعوب بحيث تتحوّل المطالبة بالبقاء على قيد الحياة مطلباً للشعوب المقهورة، في المرحلة الثانية يقوم العدو بفرض التسويات بشروطه من خلال بثّ روح الهزيمة واليأس من المستقبل.
وقد تحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من المجازر غير المبرّرة، واحتلال المزيد من الأراضي كما يحدث اليوم في غزّة وسوريا ولبنان، وعند الوصول إلى المرحلة الثالثة يكون مصير الأقلية المهملة بعد تدجينها بالكامل، الحصول على ميزات اجتماعية واقتصادية على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية، فيعيش أفرادها في محميات خاصة، ويسمح لهم بممارسة طقوسهم وثقافاتهم بهدف تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل الدول إلى ائتلاف من الهويات والثقافات الفرعية.
هذا ما فعله الاستعمار الأبيض مع أصحاب البلاد الأصليين، بل إن هذا المستعمر قد يلبس قناع الإنسانية ويتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات المهملة، ويمجّد تاريخهم وينتج أفلاماً ودراسات عن تاريخهم.
إذا قبلنا بإمكانية حدوث هذا السيناريو، فإنه يلقي على عاتقنا مسؤوليات جساماً، تنبع من حقائق التاريخ والجغرافيا. الشعب الفلسطيني، الذي تشكّل قضيته مركزاً للصراع مع المشاريع الاستعمارية، يختلف عن سكان البلاد الأصليين الذين أبادهم المستعمر الأبيض في أكثر من مكان من العالم، فالشعب الفلسطيني يمتلك امتداداً عربياً في الجغرافيا، وامتداداً إسلامياً في التاريخ، هذان البعدان تجسّدا خلال معركة طوفان الأقصى، من خلال انخراط جبهات الإسناد العربية في اليمن وسوريا والعراق، وجبهة الإسناد الإسلامية التي مثّلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية.
أدرك المستعمرون بعد الهزيمة المذلّة في شمال فلسطين، أن مخطّطاتهم مهما كان شكلها لن تجد طريقها إلى التنفيذ إلا بقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تدمير قوى محور المقاومة بشكل منفرد.
وفي هذا السياق وافق العدو على وقف إطلاق النار في لبنان، ويتجه إلى القبول ببعض التنازلات مقابل وقف إطلاق النار في غزّة بناء على المبادرة المصرية، في الوقت نفسه كان التحالف الاستعماري يعمل بمشاركة تركية على إسقاط الجبهة السورية لقطع خطوط إمداد المقاومة، وتفتيت جبهاتها، وكذلك فصل الحرب في سوريا عمّا يحدث في غزة وما حدث في لبنان.
لقد فتحت الحرب على غزّة أبواب منازلنا لقنوات الربيع الاستعماري، التي بادرت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سوريا إلى تبديل سياساتها، وشنّ هجوم إعلامي مركّز على الدولة السورية، والتركيز على فكرة “تحرير” المدن السورية، وتحميل الدولة السورية المسؤولية عمّا يحدث برفضها التعاون مع تركيا لمناقشة مستقبل سوريا، الفكرة التي طرحها الرئيس التركي أردوغان، ولقيت رواجاً لدى الكثيرين بمن فيهم بعض المثقّفين المناصرين لمحور المقاومة، ناسين أو متناسين أن الهدف الأصلي للحرب التي انطلقت عام 2011م كان مصادرة سيادة الدولة السورية ووضعها بيد آخرين سواء كانت التنظيمات الإرهابية أو داعميها في الغرب وتركيا، وهو ما تحقّق يوم 8 ديسمبر.
الهدف من الحرب على سوريا اليوم، هو توسيع مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة، وعزل المقاومة في لبنان تمهيداً للاستفراد بها عسكرياً وسياسياً، وإلحاق قطاع غزّة بالنظام العربي المطبّع بواجهة فلسطينية مرتبطة بحكومة رام الله المنخرطة في التنسيق الأمني مع العدو.
وصل العدو الصهيوني إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية، واندفع الغرب والولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الأمر الواقع في دمشق.
وواجب كلّ المقاومين وجمهورهم التصدّي للمشروع الاستعماري الجديد، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. هذا ما عبّرت عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية واليمنية، وما على كل القوى السياسية في الوطن العربي المبادرة إليه، فهذه هي المعركة الأخيرة التي تحمل في طيّاتها إمكانية النصر أو الهزيمة وترسم ملامح مستقبل المنطقة.
كاتب سياسي أردني