كانت اللحظات صعبة، مؤلمة، حتى وقت متأخر من المساء كانت كل مشاعري معك، أتذكر أجمل الأيام وأصعب الأيام ومحطات الزمن مره وحلوه. أفراحنا وأتراحنا، مسيرتنا التي بدأت منذ زمن طويل، أيام لا تعرف الفراق، روح واحدة في جسدين.
اليوم الثلاثون من ديسمبر عيد ميلادك يا أخي، إنه عيد الميلاد الأول الذي لا أهنئك فيه، وأجلس إلى جوارك، أشتم أنفاسك ودقات قلبك، أتأمل ابتسامتك.
ياه تمضي الأيام سريعًا رغم الحزن والألم، اقتربنا من موعد ذكرى رحيلك في التاسع من مايو من العام المقبل. أتذكر وأنت تأتي إليّ بهديتك السنوية في ذكرى عيد ميلادي، درع يحمل صورتي، وكلمات تكتبها بحبر القلب والمحبة.
الكاتب الصحفي مصطفى بكري وشقيقه الدكتور محمود بكريفي الصباح الباكر من يوم عيد ميلادك، كنت قد عقدت العزم على السفر، إلى هناك، إلى بلدتنا الحبيبة، إلى عشق ترابها.. إلى حيث أوصيت بدفنك إلى جوار أمي وأبي، كانت وصيتك، وعندما سألتك: لماذا هناك وليس هنا، حيث الأسرة الصغيرة؟ كان ردك: حتى يبقى الأبناء على صلة بموطني الصغير بالبلدة التي نشأنا فيها، وعشنا فيها أصعب المراحل، واجهنا منها التحديات وانطلقنا منها إلى القاهرة بقيت دومًا وجهتنا الأولى في الحياة، وستبقى وجهتنا في الآخرة.
هل تتذكر يا أخي، كنا نمشي في دروبها وحواريها وسط أهلنا الفقراء؟ هل تتذكر الحياة القاسية التي كانت دافعنا؟ هل تتذكر كلمات أمي ونصائح أبي: إياكم والافتراق، كونوا يدًا واحدة قرشكم واحد وطعامكم واحد.. لا تنسوا بلدتكم ولا أهلكم أنتم أولاد الفقراء فكونوا دومًا مع الفقراء.. ؟
لم تكن لنا طموحات سوى طموحات الوطن.. لم نسع أو نتلهف، لم ننس الأهل، بل بقينا معهم في كل لحظة، كانت أسعد لحظاتنا عندما نجلس سويًا في دار الأيتام التي أقمناها ببلدتنا «المعنا» نربت على ظهورهم، نتناول معهم الحلوى، ونقدم لهم الهدايا.. كانت فرحتنا مع فرحتهم، في قنا أو حلوان أو أي مكان آخر لا نبغي شيئًا من هذه الدنيا إلا رضاء الله ورضاء الغلابة ورضاء الضمير.
كنت مكمن السر، والحكمة، جسورًا، قويًا، لا تهاب إلا الله والضمير، وعندما دخلت إلى مجلس الشيوخ نسيت نفسك تمامًا ورهنت كل شيء من أجل دائرتك الانتخابية في حلوان، كنت تُمضي فيها كل الوقت، تتجول في شوارعها، تسعد مع كل إنجاز، كنت أحاول كثيرًا أنصحك بأن تراعي صحتك، وأن تعطي لنفسك قسطًا من الراحة، كنت ترفض. لم ترفض لي طلبًا في حياتي إلا ذلك، كنت مبهرًا سريع الإنجاز، تعلق بك الناس في حلوان كثيرًا، ولم أكن أعلم أنك كنت تشعر أن ساعة الرحيل قد اقتربت، وأنك تريد تحقيق أكبر قدر من الخدمات للأهل الذين احتضنونا منذ أول انتخابات خضتها في عام 1995، وكنت أنت السند القوي فيها من خلف ستار.
شهور كأنها الدهر كله، تلك التي فرقتنا، أبعدتنا جسديًا، لكن الروح تبقى واحدة، تبقى خالدة إلى أن ألقاك.. أقف أمام قبرك وجهك يسيطر على المكان، أحاول لملمة دموعي والتماسك أمام الآخرين، لكن أنهار الدموع لم تكن قادرة على تجسيد الله. أعرف أنه قضاء الله - سبحانه وتعالى- أدرك أننا كلنا ماضون، لكن اعذرني يا أخي، فأنت اختطفت روحي وامتلكت فؤادي.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور محمود بكري الكاتب الصحفي مصطفى بكري مصطفى بكري
إقرأ أيضاً:
اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
عدنان ناصر الشامي
على مدى عشر سنوات من التحدي الأُسطوري، وقف الشعب اليمني شامخًا كالجبل الذي لا تهزه الأعاصير، خلال هذه السنوات، خاضت اليمن معركةً لا تشبه غيرها، معركةً بين الحق والباطل، بين العزة والذل، بين إرادَة الله وبين غطرسة الشياطين، في هذه المعركة، أظهر اليمن للعالم أن الأمم الحقيقية لا تخضع لهيمنة الطغاة، ولا تنكسر أمام ضغوط الاستكبار العالمي.
كان اليمنيون صخرة الله التي حطمت قرون الشيطان، تلك الدول الوظيفية التي نشأت في نجد، السعوديّة والإمارات، التي لم تكن يومًا سوى أدوات بأيدي الطغاة، تُساق وفق أهواء قوى الاستكبار، تدور في أفلاكهم، وتنفذ مخطّطاتهم، لكن هذه المخطّطات تحطمت أمام إرادَة الشعب اليمني الذي جعل الله من صموده كابوسًا يطارد الأعداء.
الشيطان الأكبر… إلى مصيره المحتوم..
واليوم، ومع سقوط أقنعة الدول الوظيفية، يواجه اليمن تحديًا جديدًا، الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد تكتفي بإرسال أدواتها، بل تقدمت بنفسها إلى الساحة، وكأن الله يسوقها إلى قدرها المحتوم، لتلقى مصير كُـلّ من سبقها ممن تحدى إرادَة الله، جاءت أمريكا معتقدةً أنها ستُحني اليمن، وأنها ستخضع هذا الشعب الذي وقف أمامها على مدى تسع سنوات، لكنها لم تدرك أن الله جعل من اليمن صخرةً تتحطم عليها أحلام المستكبرين وتتكسر عندها مخطّطاتهم.
قدر اليمن في مواجهة الطغاة ودعم الأحرار..
الله جعل من اليمن أُمَّـة تحمل قدرًا عظيمًا، قدرها أن تطهر العالم من فساد الطغاة، وتكسر غرورهم وجبروتهم، وأن تكون سوط العذاب الذي يستأصل الكفر ويضع حدًا لجبروت الطغاة، وكما قال أحد رؤساء أمريكا في مقولته الشهيرة: “قدرنا أمركة العالم”، نقول لهم بكل ثقة: “قدرنا أن نطهر هذا العالم من فسادكم، وأن نحطم أوهامكم، وأن ندفن غروركم في مزبلة التاريخ. ”
اليمن ليس مُجَـرّد دولة صغيرة في خريطة العالم، بل هو رمزٌ لروح الأُمَّــة وقوة الإرادَة، من أرضه تنطلق سهام الحق التي تهز عروش الطغاة، ومن شعبه تصعد إرادَة صلبة تقف في وجه كُـلّ متجبر، وَإذَا كان التاريخ قد شهد فراعنةً تحطموا أمام إرادَة الله، فَــإنَّ اليمن اليوم هو السوط الذي يلاحق فراعنة العصر، ليكون قدر الله في الأرض، الذي يستأصل الظلم وينشر العدل.
وفي نفس اللحظة التي يقاوم فيها الشعب اليمني الغزو والطغيان، يقف جنبًا إلى جنب مع الأحرار في غزة ولبنان.
إن صمود غزة الأُسطوري ومقاومة لبنان الشجاعة ليسا بمعزلٍ عن الروح اليمنية التي تحمل في طياتها إرادَة التحرّر ونصرة المظلوم، كلّ صاروخٍ يمني، وكلّ طائرةٍ مسيّرة، هي سهمٌ من سهام الله، يوجهها اليمنيون نحو قلوب أعداء الإنسانية، يحطمون بها غرور الطغاة، ويعلنون بها أن المعركة لم تنتهِ، وأن الظالمين إلى زوال.
هذه ليست معركةً عابرةً بين قوى ضعيفة وأُخرى متغطرسة، بل هي معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، الذي يُطهِر الأرض من دنس الظالمين، إنها معركةٌ بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل، بين إرادَة الله وإرادَة الشياطين، وكلما ازدادت التحديات، زاد اليمنيون قوةً وعزيمة، وكلما حاولت قوى الظلم كسر شوكة هذا الشعب، ازداد صلابةً وثباتًا؛ لأَنَّ إرادَة الله هي الإرادَة العليا، ولأن الله جعل اليمنيين جنوده في الأرض، وسوط عذابه الذي يطارد كُـلّ متكبر عنيد.
من صنعاء إلى غزة، ومن اليمن إلى لبنان، يمتد جسر المقاومة والتحدي، ليشكل ثلاثيةً من الصمود لا تعرف الخضوع ولا الانكسار، كُـلّ صاروخٍ يمني، وكلّ طلقةٍ يطلقها المقاومون في غزة، وكلّ شجاعةٍ يبديها الأبطال في لبنان، هي جزء من معركة التحرّر الكبرى، نحن أُمَّـة توحدها القضية، وتجمعها المقاومة، وتُحييها الإرادَة الإلهية.
اليمن اليوم ليس مُجَـرّد دولة تصمد أمام طغيان الإمبراطوريات، بل هو رمزٌ لتحرير البشرية من قبضة الشيطان الأكبر، وما كان لليمن أن يكون في هذا الموقف إلا بإرادَة الله، الذي جعله سدًا منيعًا يحمي الأُمَّــة، وصخرةً تتحطم عليها قرون الشياطين، واحدًا تلو الآخر.
نحن اليوم نقف في معركةٍ مقدسة، معركة لن تتوقف حتى يتحقّق وعد الله بالنصر والتمكين، ومع كُـلّ يومٍ يمر، يُسطر الشعب اليمني بدمائه ملحمةً جديدة، ليعلن أن طغاة هذا العصر، مهما تعاظمت قوتهم، فَــإنَّ مصيرهم إلى زوال، وأن إرادَة الله هي التي ستسود في نهاية المطاف.
اليمن هو القدر الذي كتبته يد الله في صفحات التاريخ، ليدفن الطغاة، وليُعلي رايات الحق، إنه الصخرة التي تكسر قرون الشيطان، والشعلة التي تضيء دروب الأحرار في كُـلّ زمان ومكان، وها هو اليوم يقف كتفًا إلى كتف مع غزة في نضالها ومع لبنان في صموده، ليقول للعالم: نحن أُمَّـة واحدة، وقضيتنا واحدة، وإرادتنا لا تنكسر.