الولع الأوروبي بالحضارة المصرية القديمة في كتاب تاريخي مصوّر
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
القاهرة- "د.ب.أ": تدلنا المصادر التاريخية والمؤلفات التي وضعها علماء الآثار، وحتى تلك التي وضعها علماء الاجتماع الغربيين، على أن الآثار المصرية كانت ولا زالت تمثل صفحة مهمة في تاريخ الفكر الأوروبي بل والعالمي.
ونجد ذلك ثابتاً بوضوح في كتاب "أوروبا والآثار المصرية"، لمؤلفه بيتر فرانس، وهو الكتاب الذي تُبيّن لنا فصوله وصفحاته أثر الحضارة المصرية في أوروبا – حتى في عصر التنوير – فكراً وفناً وديناً.
وعلى مدار قرون مضت بقيت مصر مركز جذب للمستكشفين وعلماء الآثار، والفنانين والرحّالة والمؤرخين، فقد كانت مصر بحسب قول "بيتر فرانس" تعني كل شيء لكل شخص حسب تفكيره، حيث وجد فيها كل هؤلاء مصدراً يستلهمون منه نظرياتهم ومؤلفاتهم ونصوصهم الأدبية ولوحاتهم الفنية، إضافة إلى دراسة واستكشاف آثار أحد أعظم الحضارات الإنسانية في التاريخ.
وهكذا كانت مصر وحضارتها وآثارها موضوعا مهما لدى الكثير من الغربيين، الذين كان من بينهم الإيطالي "كارلو ريوا ردا" الذي اهتم بدراسة الأسرات المصرية القديمة وأهم أعمال فراعنتها، وقدم ذلك بطريقة جذابة في كتابه الذي حمل عنوان "التاريخ المصوّر لمصر القديمة"، والذي ترجمته ابتسام محمد عبدالمجيد، وراجعه وقدّم له الدكتور محمود ماهر طه، وصدر ضمن "مصريات" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وتحدثنا صفحات هذا الكتاب، عن تطوّر مصر القديمة في فترة زمنية تقارب 3500 عام، تعاقبت خلالها ثلاثون أسرة، وحوالي 150 حاكمًا منهم الشهير ومنهم دون ذلك، لدرجة أن التاريخ لا يكاد يذكر أسماء بعضهم.
ويرى "كارلو ريوا ردا" في مقدمة كتابه، أن هناك العديد من المشاكل المتعلقة بالتعاقب الزمني التي تعترض كل من يهتم بروعة وجاذبية الأحداث على أرض وادي النيل، وخاصة إن لم يكن دارسًا لعلم المصريات؛ حيث إن هذه الأحداث قد انتهت وقائعها عام ٣٩٥ ميلادية، أي منذ أكثر من ألف وستمائة عام.
وأقد كانت صياغة تسلسل زمني دقيق لملوك مصر الذين حكموا البلاد، وإعداد تاريخ موثوق به من أصعب مهام علماء المصريات.
وينؤّه "كارلو ريوا ردا"، إلى أنه كان يهدف من كتابه "التاريخ المصوّر لمصر القديمة"، إلى إعادة صياغة تاريخ مصر القديمة وفقاً للنظام التقليدي، ومن ثم فقد زوّد كتابه بقائمة بأسماء الحكام والأحداث، والأشخاص، والأماكن الأثرية، والمعارك الحربية، وأهم الاكتشافات التي تنتمي إلى كل هذه المنظومة التصورية حتى نصل في النهاية إلى التسلسل الزمني الصحيح لتلك الحقبة.
ويتضح لنا من مطالعة فصول وصفحات الكتاب، أن صور الأواني والقلائد والتوابيت والعربات الحربية تتيح لنا متابعة تطور المجتمع المصري، وكذلك الحال بالنسبة لوصف التماثيل والأهرام والمعابد الكبيرة التي تساعد على فهم أعمق للعلاقة الوطيدة التي تربط الفن بالدين والفرعون بالآلهة والمجتمع المدني بحكم الكهنة.
وتدلنا صفحات الكتاب، أن الكاهن المصري "مانيتون" الذي عاش في عصر الحكام البطالمة الأوائل (۳۲۳ ٢٤٠ قبل الميلاد)، أعدّ قائمة لم يصل إلينا منها إلا مختصر لأعمال المؤرخين مثل "جوليوس الأفريقي" (القرن الثالث الميلادي)، و"إيزبيو" (القرن الرابع الميلادي)، وذلك باستثناء بعض الخطوات التي انتهجها المؤرخ "يوسيفوس فلافيو" (عام ٧٠ ميلادية).
كما تدلنا أن "مانيتون" قسّم تاريخ مصر القديمة إلى واحد وثلاثين أسرة بدأت ـ بعد حكم الآلهة - بحكم "مينا"، وانتهت بحكم "الإسكندر الأكبر" الذي احتل البلاد عام ۳۳۲ قبل الميلاد.
وبحسب نصوص الكتاب، فقد هذا التسلسل الذي اتبعه الكاهن المصرى "مانيتون"، العديد من الأخطاء والأسماء المغلوطة والأحداث غير المتطابقة مع فترات الحكم.
واعتبر مؤلف كتاب "التاريخ المصوّر لمصر القديمة"، أن هناك معيناً لا ينضب لدراسة التاريخ المصرى القديم جاء إلينا من النقوش التي على جدران المعابد والمقابر، ومن القوائم الملكية التي أعدها المصريون القدماء أنفسهم.
ورأى أن "القائمة الملكية"، أو بردية الملوك" التي طالعها بالمتحف المصري في مدينة تورينو الإيطالية، تُعد إحدى أهم الوثائق التي يعتد بها لهذا الغرض.
وأضاف بأن هذه الوثيقة التي تعود إلى عصر الملك رمسيس الثاني، قام بدراستها عالم المصريات آلان جاردنر الذي اشترك مع هوارد كارتر في ترجمة النصوص الموجودة على جدران مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ أمون، وقد سار على نهج قائمة " الكاهن المصري "مانيتون"، وبدأ يحكم الآلهة الذي أعقبه حكم الملك "مينا" مؤسس الملكية المصرية القديمة، ثم أتبعها بأحد عشر عمودًا لنص يحمل أسماء الحكام الذين حكموا مصر حتى الأسرة السابعة عشرة (حوالي ١٥٨٠ قبل الميلاد).
كما اشتهرت بعض الوثائق المهمة مثل اللوحة الأولى والثانية في أبيدوس، المحفورة على جدران معبد الملك سيتي الأول، وهي تمثل الملك وهو بصحبة ابنه "رمسيس"، وداخل الخراطيش تمت كتابة أسماء ستة وسبعين ملكًا حكموا البلاد منذ الملك "مينا" وحتى قبل ولاية سيني الأول.
ونتعرف من فصول الكتاب على أن "قائمة الكرنك" التي تعود إلى عصر الملك تحتمس الثالث، ونقشت على أحد جدران مجمع المعابد الكبير في منطقة الكرنك الأثرية الشهيرة الواقعة في البر الغربي بمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، تحمل أسماء 64 حاكمًا منذ الأسرة الرابعة ولكن دون الالتزام بنظام تاريخي دقيق. بينما يحتوي "حجر بالرمو" على قائمة بأسماء ملوك عصر ما قبل الأسرات والملوك من الأسرة الأولى حتى الأسرة الخامسة.
وبحسب صفحات الكتاب، فقد وجد على أحد جدران مقبرة الكاتب تذري الذي عاصر فترة حكم الملك رمسيس الثاني، أسماء 58 ملكا.
ويلفت "كارلو ريوا ردا" في كتابه "التاريخ المصوّر لمصر القديمة"، إلى أن الصعوبات التي ارتبطت بإعادة بناء وإعادة صياغة التاريخ المصرى القديم، وتتابع الحُكّام ارتبطت أيضًا بعامل آخر على قدر كبير من الأهمية، ألا وهو: أن ملوك مصر من الأسرة الأولى حتى الأسرة الرابعة عند توليهم العرش، آنذاك، كانوا يحملون أربعة أسماء أصبحت خمسة فيما بعد بداية من الأسرة الخامسة.
كما يقول إنه بما أنه لم تستخدم كل هذه الأسماء في وقت واحد، وبما أن بعضها جرى استخدامها لأكثر من حاكم: فإن هذه القوائم تفتقر الكثير من الدقة إن لم يكن بالنسبة لحكام الدولة الحديثة، فعلى أقل تقدير بالنسبة للحكام الذين تركوا وثائق متباينة تؤكد عدم دقتها.
وقد ختم المؤلف كتابه بقائمة بأسماء جميع الملوك الذين حكموا مصر.
وقد جاء كتاب "التاريخ المصوّر لمصر القديمة"، لمؤلفه الإيطالي "كارلو ريوا ردا"، ليؤكد الولع الأوروبي بالحضارة المصرية القديمة، والهوس الغربي بآثار الفراعنة وتاريخ ملوكهم، وما حققوه من ريادة في شتى العلوم والفنون والآداب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المصریة القدیمة مصر القدیمة فی کتاب
إقرأ أيضاً:
الحلقة الثانية من كتاب ..عدسات على الطريق .. !!
بقلم : حسين الذكر ..
تلاشت الحركة العامة وخفة زحمة المرور وانقطع وقع آثار زحف المارة ، بعد أن اغلقت المتاجر والأسواق ،وصرير أبوابها ملأ المسامع . لم يتبق في المحطة الا شخصين احدهما بعنفوان الشباب ،كان يتلفت يمينا وشمالا ويدون بين الحين والآخر بعض الملاحظات بدفتر كان يحمله ، أما الآخر فرجل عجوز تبسمر باحدى زوايا المحطة ، أبيض الشعر أحدب الظهر، عميق التجاعيد ، إنفرد بزيه الموغل بالقدم ، حتى صار دالاً عليه ، يضع على عينيه نظارات ذات عدسات كبيرة مدورة ،يغطي رأسه بقبعة فرو لا تفارقه ابداً ، يدعى العم كاظم الحزين ، هو لقب أطلقه عليه أصدقاؤه في العمل ممن لم يشاهدوه يوماً والابتسامة تعلو شفتيه ، جلس كأنه كتلة لحم جامدة ، لمّ يديه تحت ساقيه واخذ يحرك ركبتيه بلطف بين الحين والاخر ، كان يضع كيساً من القش أمامه يحمل فيه بعض بضاعته التي يعمل بها ، بعد ان تقاعد من سلك التعليم منذ مدة طويلة ، فيما راتبه التقاعدي لا يسد رمق عائلته لأكثر من اسبوع في احسن الاحوال ، اذ بلغ التضخم أعلى درجاته تحت ويل الحصار واجراءات التقشف الحكومية التي عانى من آثارها واكتوى بنيرانها الفقراء والموظفون وكل أصحاب الدخل المحدود ، وقد أنهكته السنين الحبلى بمسلسل المصاعب ، ظل يعمل في بيع وشراء الكتب القديمة على إحدى أرصفة ساحة الميدان التي تكتظ ارصفتها بانواع البضائع القديمة والمستهلكة والمسروقة والتالفة التي كانت تعرض على شكل مجموعات من الانقاض والمتروكات ، لا تفرق بينها وبين حال من يبيعها ،اذ كان الباعة من ضعاف الحال ، سيماؤهم يعلوها التعب والملل واليأس بعد أن رمت بهم الضرورة القسرية وسوء الأوضاع بهذا المستنقع الوحل . ظل وحيداً تحت خيمة المحطة غير مكترث بما يدور غير آبه لما هو آت .
إستغرب الشاب متسائلا في قرارة نفسه !
لِمَ يجلس بهذه الحالة اليائسة ؟ آه كم جميل منظر هذا العجوز .. كأنه أسد كبير ، يتطلع ويتأمل من على قمة جبل شاهق ، غابته المحترقة التي تجري فيها الحيوانات هائمة على وجوهها من كل ناحية ولا يدري ماذا يفعل لأجلها ، على الرغم مما هو فيه ، إلا ان هيبته آخذة للعيان .. (دعني اقترب مسلماً عليه سائلاً عن أحواله ، إذا أمكن ذلك ..) ؟
خطا الشاب خطوات متأنية أمام العجوز وأطلق كلمات مرتبكة : مرحباً يا عم .
رفع العجوز رأسه ووضع سبابته وسط نظارته ، ثم نظر شزراً باتجاه الشاب وقال : أهلاً . ( إنه جواب لا ينم عن كثير من الارتياح وقد لا يشجع على المواصلة ، لكن لا يهم إنها البداية وغالباً ما تكون البدايات متعثرة . سأكرر عليه ). يا عم أنا طالب دراسات عليا وأُعد بحثاً عن الشرائح الاجتماعية العراقية وسط صعوبات الحصار الاقتصادي ، واني أراك رجلاً مسناً ، سطرت حكمته الايام وصقلها الدهر فأرجو ان لا تبخل عليّ بما ينفع من اجابات ، وآمل ان تجود بما في قريحتك .. اذا لم يضايقك ذلك ؟.
تبسم العجوز ، وأومأ اليه بالجلوس .. ان الدنيا حبلى ، بما لا نعلم ، لعل فيك مايؤنسنا وينسينا ! شكراً ياعم ، هذا لطف منك ، قبل كل شيء أرجو الاجابة وتفسير ما أنت فيه الآن ، لماذا انت هنا حتى هذه الساعة وقد أطبق الليل فكيه . تنفس العجوز عميقا وهز رأسه قليلاً ثم قال :-
ــ إني أعمل هنا في بيع وشراء الكتب القديمة ، وأنا من أصحاب الدخل المحدود جداً ، إذ أن راتبي التقاعدي لم يعد يكفي لسد رمقي الشخصي ، فكيف برب أسرة مثلي ، والحصار كما نراه ونتحسسه وحشاً ظالماً ، وقع شره وأثره علينا نحن الفقراء ، وأنا لا أملك غير هذه البطاقة التي توزعها المنشأة العامة لمصلحة نقل الركاب ، بأسعار زهيدة تكون عوناً لي وأمثالي لتخفيف حدة تكاليف وسائط النقل المكلفة جداً ، لاسيما الخاصة منها ، التي كما اظنك تعلم بأنها لا تناسبنا ولا نمتلك القدرة على استخدامها واستئجارها . إني آسف جداً .. هون عليك ذلك .. سنجد مخرجاً فيما بعد .. ولكن جلوسك هنا بهذه الحالة السلبية ، لا يعد اجراء صحيحاً لحل المشكلة ، وكان الأجدر بك أن تحاول الوصول الى دارك ،كما فعل بقية المواطنين ممن كانت تكتظ بهم المنطقة قبل ساعات بأي طريقة .. المهم أن تصل وتخرج مما أنت فيه !
ــ يا بني إن جلوسي هنا، ما هو إلا جزء من محاولتي للخروج من المأزق الذي تعرضت الى أمثاله مرات عديدة في حياتي من قبل واخرجتني عناية السماء التي اؤمن بها وأدعو لها سالما معافى . فان سبل الرحمة لا تغلق جميعها ولكن تبقي دائماً وأبداً على منفذ للخروج منه الى ذلك العالم الفسيح .
ــ لكنني لم أر منك ما يوحي بانك تصلي أو تدعو أو تعبد ربك !
ــ إن المناجاة ليس فقط بالتعبد الظاهري وفي الصلاة والصوم والقيام والقعود ، إذ ان في التأمل والتفكير والتطلع نحو السماء والتوسل بثقة في الخالق العظيم أرقى واقدس انواع المناجاة.
ــ طيب ، هل عندك فكرة عن نوع المساعدة التي سيقدمها لك الرب في هذا الظرف الصعب الذي تمر فيه .. وهل تعتقد أنه سيرسل لك باصاً خاصاً ! أم أنه سيضع في جيبك النقود ؟؟
ــ السماء حاضرة دوماً معي ، ولن تخيبني يوما ما، وما حضورك في هذه البقعة وبهذا الوقت إلا لتقديم أي نوع من المساعدة ، فهل تمتلك من الشجاعة ،ما يمكنك من مغادرة المكان دون أن تمد يد العون لي ..؟
ــ تبسم الشاب قائلا : أصبت في ذلك تماماً .. وأعلم باني اشتري مقابلتي مساعدتي لك ، بما لا يعادله ثمن !
ــ يا بني إن الإمدادات التي يتوخاها المؤمنون ، لا تنقطع غيبية كانت أم مادية ، وهذا ديدن السماء لمن يؤم وجهه إليها !
ــ ولكن كيف لرجل مسن ورب أسرة لا يمتلك مبلغا تافهاً من المال في مثل هذه الظروف .. ماذا لو تعرضت لطاريء يتطلب الكثير من المال مما لا يحمله تصورك .. حقا إني أفزع لمجرد التفكير بمثل هكذا مواقف ، ثم كيف أنك صابر على ذلك .. وأسمح لي أن أقول : إما أنت بليد ، لا تقدر عواقب الأمور ، أو أن ايمانك مثالي خيالي ، كالذي نسمع ونقرأ عنه ولا نراه على أرض الواقع !!
ــ يا ولدي لكل حادث حديث ولا شيء خارج حدود السيطرة الانسانية .. جل عمري انقضى ، صراعاً مريراً مع الدهر ، لم يحدث لي ما يرعبك .. لذا فهو غير موجود ، في الوقت الحاضر- في الاقل – ولا يستحق أن أشغل بالي فيه .. ثم ان الغالبية العظمى من أبناء بلدي ، هم مثلي أو أسوأ حالاً مني ، وهم يعيشون ، يفرحون ويحزنون يضحكون ويبكون ، أناس طيبون ، لهم مشاعر وأحاسيس وأمنيات وتطلعات وهم يمثلون السواد الأعظم من الشعب الذي أنت جزء منه !
ــ إعلم يا عم .. ان عنكبوتك أخذ ينسج حولي وحبك اخذ بتلابيبي ، دعني أكلمك بصراحة ولا تزعل مما سأدلوا فيه فقد اتضح لي أنك رجل كسول تعتمد الغيب لتبرير إخفاقاتك ، فكيف تعبر لي عن عمر وصفته بالطويل وأنت على هذه الحال الضائع ، تسرح في نهارك وتخمد في ليلك لا تفكر في تغيير أوضاعك نحو الأفضل ، ان الذي أنت فيه يدعو للعجب والسخرية ، فانت تمثل منتهى الفشل المذل والموت في الدنيا قبل موت الآخرة !
ــ يا ولدي .. هون عليك ولا تكن لاذعاً معي فاني شخت كما ترى ، بعد أن افنيت دهراً في ساحة الجهاد الأكبر وساحة الحرب الأبدية ، حتى آحدودب ظهري ، وما زلت في غاية الصبر والرضا أتحمل الويل والهوان في سبيل اتمام رسالتي الابوية ولن أبرح ساحة الوغى التي أراها عزاً وتكليفاً وتراها مستنقعاً للرذيلة ، حتى يغير الله أشياء كثيرة ونحن جزء منها .
ــ عجبي منك يا شيخ ، سنين طوال وحالك ترثي من وقعه حتى البهائم وأنت كما أنت ، لا تشكو ولا تهتز لنفسك وعيالك .. أين إيمانك بالله الذي تدعي ، اظنك تحسب الكسل عبادة والرضوخ إيماناً .
هنا حاول العجوز مقاطعته ، لكن الشاب أصر على تكملة الحديث .. يا عم إني جبلت على معرفة أن الله عادل ويدعونا للعدل والمساواة والعدل كل العدل أن لا نرضى بما لا يلق ببني البشر ، الذين كرمهم الخالق أحسن تكريم ، كما دعانا لمجاهدة ومحاربة سوء الحال أين ما كان وحل ، وأمرنا أن نسعى في الارض بحثاً عن الارقى لسيد الكائنات ( الانسان ) وأن لا نفعل كالنعامة التي تغطي رأسها كلما داهمها الخطر .
عندها تفتحت أسارير الشيخ وصفق قائلاً : أحسنت قولاً يا ولدي ، على ما يبدو اني اليوم أمام محاور صعب المراس ومتسلح بشكل جيد وأكبر ما يبدو من عمره .
ــ إن الأمور لا تحتاج الى الكثير من الاستعداد والتسليح ، والايمان الحق يدعوك دائماً الى الثورة والتغيير بالشكل والمضمون ، لأوضاعك السيئة التي لا تتناسب مع كرامة الانسانية التي وهبها الله لعباده وخلقه .
ــ حسن إنني رضيت بك قدوة لي ، فدعك من تبجحك هذا ، وأرني بما تشير علي في مثل هذا الظرف والوضع الذي انا فيه .
ــ عفواً ياعم ، فانا لا أقصد الإساءة وأتمنى لك حسن الحال والتوفيق ، وان لا تبقى نائماً ويائساً تنتظر الفرج يحط عليك من السماء وأنت غاط في سباتك العميق ، حتى يزيح عنك الستار ويكشف الغطاء ، ويغرقك بفيض الماء كي تصحو ، وأعلم أن مدد السماء لا ينزل على أرض الكسل والجهل .. فقم ناهضاً من فراشك نافضاً غبار الموت عن جسدك وروحك ، مستفيداً من عون السماء الذي هو في داخلك وليس بعيداً عنك كما تعتقد وتتصور متوهماً !
ــ كفاك توبيخاً ، ودعني أطلع على آرائك ( المعجزة ) فانها أعجبتني وأنا مشتاق جدا لسماعها !
تبسم الشاب ابتسامة ملؤها الامل والزهو ، ثم وقف امام المحطة ،متطلعاً للشوارع الخاوية . وقال : لقد داركنا الوقت ، فما رأيك بمعاودة الحديث يوم غد ؟
ــ أنا لا أحب التاجيل ، وأرجو منك أن تكمل ما بدأته معي !
ــ حسنا ، ما دمت مصراً على ذلك ، فدعنا نحتسي الشاي من ذلك الكشك القريب حتى نكمل بقية الحديث بمزاج أفضل .
ــ حسنا هيا انهض .. حسين الذكر