تأثرت حدود ليبيا الجنوبية بصراعات مسلحة وانقلابات عسكرية، مازالت بصورة أو بأخرى تلقي بظلالها على المشهد السياسي والأمني داخل البلاد، سيما في ظل هشاشة وضعف السيطرة الأمنية على الحدود، وتوزّع التشكيلات المسلحة الأجنبية في صحراء ليبيا وتشاد والنيجر.

وتمثل دول الطوق الجنوبي لليبيا مصدر قلق بالغ من حيث تدفق قوافل الهجرة غير النظامية وتجارة البشر، التي تعدّ ليبيا أكثر الدول تصديرا لها نحو أوروبا من دول المتوسط، ولا يمكن تجاهل الخطر الأمني الذي يمكن أن تستغله المجموعات المسلحة المتمردة في السودان وتشاد والنيجر، بالإضافة إلى خطر التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي “الدولة، والقاعدة” التي تبحث فلولها عن موطئ قدم لهم في الصحراء، بعد طردهم من مدن الساحل.

صراع السودان: 5 إبريل 2023

اندلعت اشتباكات مسلحة بين طرفي الحكم في السودان، ممثلة في القوات السودانية التي يقودها عبدالفتاح البرهان، في مقابل قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، بينما تشير مصادر غربية إلى وجود أدلة على تورط مجموعة “فاغنر” الروسية -المتحالفة مع حفتر- واستخدام قواعدها في ليبيا، لمساندة قوات الدعم السريع السودانية بقيادة “حميدتي” عن طريق حفتر.

ومع احتدام المواجهات العسكرية في السودان، أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، 1 مايو 2023، عن تكثيف الدوريات الأمنية بمنفذ العوينات البري، بسبب الأحداث التي تشهدها السودان. كما تم، في 25 أبريل 2023، إغلاق الحدود مع السودان بسبب الاضطراب الأمني الذي تشهده الخرطوم وعدة مدن بالبلاد، على ضوء المواجهات العسكرية الجارية.

في حين برز اسم خليفة حفتر، في تحقيقات غربية وتصريحات إقليمية، على أنه ضالع في دعم أحد طرفَي صراع الخرطوم، ألا وهو حميدتي، فلقد كشف تحقيق لشبكة “سي إن إن” عن دعم حفتر لقوات الدعم السريع السوادنية في صراعها مع الجيش السوداني رغم نفيه الانحياز لأي طرف في الصراع الدائر، وفق مصادر للشبكة.

في الشأن نفسه، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن من وصفته بأمير الحرب الليبي خليفة حفتر ساعد في إعداد قوات الدعم السريع، وهي مليشيا تقاتل الآن للسيطرة على السودان، للمعركة في الأشهر التي سبقت اندلاع العنف المدمر في 15 أبريل، بحسب مسؤولين سابقين.

من جانبها، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن حفتر أرسل شحنة واحدة على الأقل من الأسلحة إلى “حميدتي”، وأشارت إلى أن هناك تقارير من شهود عيان على الأرض عن هبوط طائرات في مطار الجوف في الكفرة جنوبي ليبيا تحمل أسلحة تم إرسالها بعد ذلك في قوافل من الشاحنات باتجاه السودان، في حين تنفي قوات حفتر هذه التهم، وذلك عبر بيان صحفي للناطق باسم حفتر أحمد المسماري.

انقلاب النيجر: 26 يوليو 2023

أعلن الحرس الرئاسي في النيجر احتجاز الرئيس المنتخب محمد بازوم -الذي ينحدر من أصول قبلية ليبية- وتشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد، في حين أعلنت ليبيا عبر المجلس الرئاسي والدبيبة موقفهما الرافض للانقلاب، معلنين رفضهما للمساس بـ”مبادئ الاتحاد الإفريقي الرافضة للتغييرات غير الدستورية للحكومات”، وفق بيانات رسمية.

ويهدد الانقلاب العسكري في النيجر التفاهمات المبرمة بين طرابلس ونيامي في مجالات التجارة وتنظيم الهجرة والسيطرة على الحدود، لا سيما وأن المجلس العسكري الحاكم في النيجر ألغى قانون تجريم تهريب المهاجرين القاصدين أوروبا عبر ليبيا.

وترتبط ليبيا وجارتها الجنوبية النيجر بحدود يبلغ طولها 342 كيلومترا، وتمتد من النقطة الثلاثية مع الجزائر في الغرب إلى النقطة الثلاثية مع تشاد في الشرق، ويقع المعبر الحدودي الرئيسي في منطقة “التوم” من الجانب الليبي بمدينة القطرون والتي تعتبر آخر المدن في جنوب ليبيا في اتجاه النيجر وتشاد.

اضطرابات تشاد: 10 أغسطس 2023

بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، اشتعلت نيران الحرب في تشاد، قبل يوم من الذكرى الـ63 لاستقلال تشاد، بعد تعرض الجيش التشادي لهجوم مسلح في ولاية تيبستي الجبلية -المتاخمة لليبيا- والغنية بالذهب، من قبل فصيل متمرد يدعى “مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية”، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين الطرفين.

مواجهات تشاد جعلت الشريط الجنوبي لحدود ليبيا يبدو ملتهبا، وذلك بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، ونحو 4 أشهر من صراع السودان، في حروب متزامنة بدت كأنها رقعة شطرنج تحرّكها أيادي موسكو عبر مجموعة فاغنر وحلفائها من جهة، في مقابل فرنسا وحلفائها من جهة أخرى.

فاغنر كلمة السر

وكانت المجموعة الروسية فاغنر حلقة وصل قوية على امتداد هذا الخط، فلقد اتهمت خارجية إيطاليا وداخلية مالطا، في وقت سابق، وقوف المجموعة خلف ما وُصفت بعمليات دعم الهجرة من العمق الإفريقي وصولا إلى أوروبا، وذلك لـ”معاقبة القارة على دورها في حرب أوكرانيا”، كما جاء على لسان وزير الخارجية الإيطالي “أنطونيو تاجاني”.

وفي سلسلة من التحقيقات الصحفية، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن فاغنر تستخرج موارد من بينها الذهب واليورانيوم في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا والسودان.

وأضافت “واشنطن بوست” في تقرير لها، أنه وبحسب وثائق سرية للمخابرات الأمريكية فإن وكالة المخابرات المركزية أو البنتاغون أو الوكالات الأخرى قد تسببت في أكثر من انتكاسات بسيطة لفاغنر على مدى 6 سنوات اكتسبت خلالها المجموعة موطئ قدم إستراتيجيا في 8 دول إفريقية على الأقل.

إغراءات النفط والذهب

في الشأن نفسه، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين بالمخابرات الأمريكية أن فاغنر تعمل على اختراق البلدان الغنية بالنفط في إفريقيا ومن بينها ليبيا مضيفة أنها تعمل مع من وصفتهم بالمتمردين التشاديين لزعزعة استقرار الحكومة التشادية وربما قتل رئيسها باعتباره حليفا للغرب، بحسب قولها.

وبحسب الصحيفة، تنشط فاغنر في الحدود الطويلة بين ليبيا وتشاد التي يسهل اختراقها في الشمال وجمهورية إفريقيا الوسطى في الجنوب والسودان في الشرق وهي دول يوجد فيها الفاغنر بشكل رسمي.

من جانبها، نقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الإدارة الأمريكية تسعى إلى طرد مجموعة فاغنر الروسية من ليبيا والسودان.

وأشارت الوكالة إلى أن إدارة بايدن تعمل منذ فترة للضغط على القادة العسكريين في ليبيا والسودان لإنهاء علاقاتهم مع الجماعة المذكورة، رغم نفي الأخيرة وجود تلك المجموعة على أراضي بلادها.

فيلق موسكو في إفريقيا

وحينما نتحدث عن فاغنر الأمس، فإننا نتحدث عمّا بات يسمى حديثا “الفيلق الروسي” في إفريقيا، فلقد كان الخلاف بين قيادة موسكو وقائد المجموعة المرتزقة يفغيني بريغوجين، بعد تمرد الأخير إلى جملة من التحولات الكبيرة في حق الأخيرة.

فبعد وفاة بريغوجين على متن طائرته التي تفجرت في ظروف غامضة في السماء؛ بدأ الحديث حول مستقبل فاغنر وهيكليتها وإدارتها، حتى كشف الإعلام الغربي وحتى الروسي، عن إنشاء موسكو فيلقا عسكريا لها في إفريقيا “بمثابة البديل عن فاغنر” وكانت ليبيا إحدى جسوره الأولى نحو القارة السمراء، وفق صحافة غربية.

الجنوب الليبيالغارديانالنيجرتشادحفتر Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0

المصدر: ليبيا الأحرار

كلمات دلالية: يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف الجنوب الليبي الغارديان النيجر تشاد حفتر

إقرأ أيضاً:

“بين السياسة والسلاح”.. مركز ليبي يتوقع مآلات الصراع بين واشنطن وموسكو

اعتبر المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات أن الوجود الروسي في ليبيا مازال يثير القلق للدول الغربية المتحفظة أساسا على دور موسكو.

التمدد الروسي.. الأسباب والدوافع
ويرى المركز في تقريره المعنون “الوجود الروسي.. هل يجعل ليبيا ساحة للصراع؟ ” أن أسباب الوجود الروسي في ليبيا هو اعتقاد موسكو باستفراد أوروبا بالكعكة في ليبيا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي، وهو ما عرض المصالح الروسية إلى خسائر فادحة خاصة في قطاع النفط والغاز الذي تنظر إليه الشركات الروسية باهتمام بالغ.

وذكر المركز أن هناك مؤشرات لتضمين ليبيا للخطة الإستراتيجية الروسية لتعزيز النفوذ للوصول إلى المياه الدافئة في سواحل المتوسط، معتبرا وجودها في الساحل الإفريقي هدفا إستراتيجيا، خاصة في ظل تحركات حلف شمال الأطلسي نحو شرق أوروبا.

أوجه التمدد الروسي في ليبيا
ويكمن الخطر الروسي بليبيا في الوجود الميداني الذي مثلته قوات “فاغنر” التي جاء بها حفتر عام 2016 لتأمين الحقول النفطية، وفق المركز.

واعتبر التقرير أن التنامي الروسي جاء بفعل دخول قوات فاغنر بوساطة إماراتية، إبان محاولة حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس.

أما عن الوجود السياسي للدب الروسي.. فيقول التقرير إن موسكو حاولت إعادة تجميع أنصار النظام السابق عبر مواطنها “مكسيم شوغالي” ومحاولات إحياء سيف القذافي سياسيا، وهو ما أكدته مقتنياته التي صودرت بعد القبض عليه في المنطقة الغربية، إلى جانب عمليات تمويل وإدارة منصات رقمية وإعلامية للتأثير على الرأي العام، وفق التقرير.

الغرب وروسيا.. أي موقف؟
يستند المركز في تقريره إلى آراء مراقبين في أن الغرب شعروا بالخديعة بعد التنامي الروسي في ليبيا، خاصة في الشرق والجنوب، نتيجة للفراغ الدي خلفته الولايات المتحدة الأمريكية بانسحابها وخفض اهتمامها السياسي بليبيا.

كما اعتبر التقرير أن سياسة الرئيس السابق “دونالد ترمب” الأقل توسعا، حفزت موسكو لملء الفراغ السياسي في ليبيا، في موقف يعده مراقبون إهمالا استراتيجيا، وذلك باعتماد واشنطن على حلفائها الأوروبيين الذين لم يصمدوا أمام المخطط الروسي للتغلغل في إفريقيا، وفقا للمركز.

ويرى المركز أن سياسة واشنطن تجاه حفتر يكتنفها بعض الغموض، فمن جهة تدرك الولايات المتحدة أن الوجود الروسي مقترن مباشرة بحفتر وهو الحليف الأبرز، ومن جهة أخرى لم تتخذ بشأنه موقفا متشددا، وتعاونت معه في بعض محطات مساره الأمني والعسكري، وهو ما يفسر تقاطع موسكو وواشنطن في عدة ملفات، من بينها دعم حفتر، وفق مراقبين.

واعتبر التقرير أن التفاهم مع حفتر يعني تحييد المنطقتين الشرقية والجنوبية الواقعتين تحت سيطرته ومنع عودة “الحالة الثورية” التي شكلت تهديدا للأمريكان، وهي غايات تبرر عدم معاقبة حفتر على التعاون مع الروس.

ثلاثة سيناريوهات
أول السيناريوهات التي تحدث عنها المركز هي سعي قوات الأفريكوم في ليبيا لتأهيل قوات عسكرية من الغرب لمواجهة القوات الروسية وإخراجهم من المنطقتين الجنوبية والشرقية، بالتزامن مع الحديث عن خطة موضوعة بالخصوص، إلا أن ذلك قد لا يسير بسلاسة؛ خشية الأطراف المحلية من الكلفة الباهظة لهذه الحرب، خاصة أن قوات المنطقة الغربية ليست قوات عسكرية مقاتلة، وفق التقرير، بينما يظل موقف حكومة الوحدة من هذا المقترح متحفظا.

على الجانب الآخر يطرح المركز سيناريو حول سعي الولايات المتحدة للضغط على حفتر والدفع بأحد أبنائه لتولي زمام الأمور، ما قد يتسبب في تغيير نوعي في موقف الرجل تجاه روسيا، التي مازال حفتر يعدها مصدر أمان، في مقابل الوجود التركي غربا، في إطار معادلات التوازن الميداني العسكري.

السيناريو الثالث وفقا للمركز هو تحجيم الأمريكان للدور الروسي في ليبيا دون حرب، عبر فرض عقوبات أو تفاهم سياسي، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، بحسب المركز، بالنظر إلى التصعيد والتحفز الأمريكي لإخراج الروس من البلاد عبر دعم قوات محلية لوجستيا واستخباراتيا لتحقيق التقدم الميداني.

يتضمن السيناريو أيضا أن يدفع الأمريكان تركيا إلى تحقيق توازن جديد مع الروس في ليبيا، عبر الضغط الميداني والتفاوض السياسي، ولكن يبدو أنه غير قوي لارتياح أنقرة للوضع الميداني والسياسي في ليبيا، وتحاول مد جسور التواصل مع الجانب الشرقي بجسميه الأساسيين البرلمان والقيادة العامة منذ فترة، ولتعزيز مصالحها الحيوية في نفط وغاز شرق المتوسط مع الشرق، ما يعني أن الخسائر التركية ستكون فادحة حال هناك تحرك من هذا النوع.

واختتم المركز تعليقه عن الموقف بأن الوضع في ليبيا مرشح للمرواحة بين الروس والأمريكان والتدافع سيكون سياسيا وليس عسكريا، معتبرا أن أي تطورات تأخذ منحنى العنف قد تكون في مناطق أخرى ليس في ليبيا فحسب، وإنما ستتأثر دول أخرى في إفريقيا وتدخل مرحلة جديدة من الصراع.

المصدر: المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات

المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • قائد ” أفريكوم”: بعد عدم الترحيب بنا في النيجر نبحث عن حلفاء جدد في المنطقة بما في ذلك الليبيين
  • اشتباكات مسلحة بين المقاومة وجيش الاحتلال في محيط مخيم جنين
  • هل تضغط القبائل على حفتر لمنع إقامة قاعدة روسية عسكرية شرق ليبيا؟
  • “بين السياسة والسلاح”.. مركز ليبي يتوقع مآلات الصراع بين واشنطن وموسكو
  • الأمم المتحدة تكشف عدد اللاجئين السودانيين المهجّرين إلى تشاد
  • الأمم المتحدة: صراع السودان أجبر 600 ألف شخص على الفرار إلى تشاد
  • الأزمة بلغت نقطة حرجة.. 600 ألف سوادني نزح إلى التشاد هربا من الحرب
  • جورج تاون: موسكو تعمل على زعزعة استقرار ليبيا وتمكين حفتر
  • وسائل إعلام: واشنطن تحاول إيجاد بديل عن النيجر
  • ميدل إيست آي: الإمارات تدعم قوات الدعم السريع السودانية بأسلحة عبر ليبيا