تطورات دراماتيكية في سوريا خلال 2023.. أبرزها التطبيع مع الأسد وانقسام المعارضة
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
شهد الملف السوري تطورات دراماتيكية خلال عام 2023، حيث بدا تعثر المشهد السياسي على سوريا واضحا إلا في جزئيات ذادت الملف تعقيدا بعد حملة التطبيع العربي مع النظام السوري وإعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية.
وأمام قطار التطبيع العربي استمر الرفض الغربي للتطبيع مع النظام، كما واصل النظام تعطيل أي مسارات للحل السياسي رغم الجهود الحثيثة التي قام بها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون الذي طرح مسار جديد في العملية السياسية والتي عرفت بمبدأ خطوة مقابل خطوة إلا أن جميع الجهود مع النظام لم تحرز إي تقدم يذكر.
وسيطر على المشهد السياسي في سوريا حالة من الجمود والتعثر حيث بدأت مبادرات التطبيع العربي مع النظام السوري منذ مطلع العام بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وكان تأثيره الأكبر في شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
قطار التطبيع العربي
حقق مسار التطبيع العربي مع النظام السوري اختراقا غير مسبوق منذ بدئه نهاية عام 2018؛ حيث مر بمحطتين رئيسيتين وهما التطبيع السعودي مع النظام وزيارة وزير خارجيته فيصل المقداد للرياض في 12 نيسان/ إبريل وتبعه عقد اجتماع عمان، والبيان الصادر عنه في 1 أيار/ مايو، الذي رسم خارطة التطبيع العربي مع النظام، ثم جاء قرار عودة النظام للجامعة العربية في 7 أيار/ مايو وحضور بشار الأسد القمة العربية في جدة في 19 من الشهر ذاته.
وبدأت أول خطوات التطبيع تظهر جلية مع زيارة رئيس النظام السوري إلى سلطنة عمان بتاريخ 20 شباط/ فبراير 2023 بعد كارثة الزلزال التي ضربت شمال غرب سورية، هي الأولى المعلنة والرسمية له إلى خارج البلاد منذ عام 2011؛ حيث حظي فيها على خلاف الزيارات السابقة نحو روسيا وإيران والإمارات بمعاملته كرئيس وفق المراسم الرئاسية والدبلوماسية المتبعة دولياً.
عقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر وأمين عام الجامعة والمكلفة بمتابعة تنفيذ بيان عمان اجتماعا واحدا في القاهرة منتصف آب/ أغسطس، والذي انتهى بخيبة أمل عربية كبيرة تجاه سلوك النظام من ناحية عدم تنفيذه أيا من مخرجات بيان عمان المؤيد بقرارات الجامعة، مما وضع التطبيع العربي في مسار متعثر، ودون تحقيق تقدم يذكر فيه.
التقارب التركي مع النظام
شهد عام 2023 تطور اللقاء الثلاثي بين تركيا وروسيا والنظام الذي عقد في موسكو بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات إلى لقاء رباعي بعد انضمام إيران إليه، وتم رفع مستوى المشاركة لوزراء الخارجية، وذلك في موسكو بتاريخ 10 أيار/ مايو 2023.
قدمت روسيا خلاله مسودة خارطة طريق تسقط القرار 2254 (2015) تركز على قضايا مكافحة الإرهاب والتنظيمات الانفصالية، وضمان أمن الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، وعدم جواز انتشار القوات العسكرية الأجنبية على الأراضي السورية، وتسهيل عودة اللاجئين، وإعادة الروابط اللوجستية للنقل بين البلدين، واستئناف التعاون التجاري والاقتصادي دون أي حواجز.
وشهد التقارب التركي مع النظام أيضا في مسار متعثر لعدم استجابة الطرفين للطلبات المتبادلة بينهما، حتى أنه لم يصل إلى مستوى تبادل العلاقات الدبلوماسية كما حدث في المسار العربي، ولا إلى لقاء بين الرئيسين.
اللجنة الدستورية المتعثرة
تعطلت أعمال اللجنة الدستورية خلال عام 2023 عقب الاجتماع الأخير في حزيران/ يونيو 2022 بسبب ادعاء روسيا بعدم حيادية جنيف مقر انعقاد اللجنة، والشروط التي وضعتها لتسهيل وصول دبلوماسييها إلى جنيف بعد العقوبات الأوروبية المفروضة عليها إثر الحرب على أوكرانيا.
وأكد بيان لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عقد في 15 آب/ أغسطس 2023 إلى استئناف أعمال اللجنة الدستورية في العاصمة العمانية مسقط بديلا عن جنيف، لكن فشلت جميع المساعي اللاحقة لعقدها في مسقط أو في أماكن أخرى تم اقتراحها؛ حيث تضمنت آخر إحاطة للمبعوث الأممي الخاص عام 2023 تأكيده بعدم وجود مقر في المنطقة متوفّر ويحظى بإجماع كافة الأطراف، فضلا عن عدم وجود أية مؤشرات على أن هذا الوضع سيتغير قريبا، وأن تعطيل عمل اللجنة الدستورية لمدة عام ونصف بسبب مقر انعقادها كان بمثابة إشارة خاطئة وانتكاسة للعملية السياسية، وأنه سيستمر بالبحث عن مقرات بديلة، لكن بالتعاون من أجل تمكين اللجنة الدستورية من الانعقاد من جديد في جنيف.
بيدرسن والخطوة مقابل خطوة
حاول المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون عام 2023 بلورة مقترح الخطوة مقابل خطوة، مؤكدا حصوله على دعم أوروبي وأمريكي وعربي، إلا أنه أكد أن تلك المساعي تمر في مرحلة من الغموض بعد رفض من الجهات الفاعلة بسبب عدم تقديم النظام أي خطوات لبناء ثقة حقيقية من خلال إجراءات منسقة ومتبادلة وقابلة للتحقق.
وأكد بيدرسن أنه سيتابع مساعيه مع الأطراف السورية، والأطراف الإقليمية والدولية في هذا الصدد، رغم الموقف المعلن من هيئة التفاوض، ومن النظام، ومن روسيا في رفض مقاربته.
مسار أستانا الموازي لقرارات مجلس الأمن
عقدت وفود مسار استانا في 20 و21 حزيران/ يونيو، الجولة 20 من المباحثات، وكانت أول جولة تعقد بعد إعادة النظام إلى الجامعة العربية، وبعد انطلاق مسار تطبيع التقارب التركي مع النظام وقد عقد على هامش الجولة اجتماع رباعي، على مستوى نواب وزراء الخارجية التركي والروسي والإيراني والنظام، لبحث مسودة خارطة طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة، التي اقترحتها روسيا بعد الاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في موسكو بتاريخ 10 أيار/ مايو.
انتهت الجولة 20 بالاتفاق على عقد الجولة 21 من المباحثات في النصف الثاني من عام 2023 دون تحديد المكان وهو أستانا كما جرت العادة في الجولات السابقة، لكن ذلك لم يحدث فعليا، عكس عدم انعقاد الجولة 21 رغبة النظام في إنهاء السبب الذي وافق بموجبه على دخول القوات التركية إلى سورية لضمان نظام وقف إطلاق النار بموجب مذكرة خفض التصعيد (2017)، كذلك عكس استغلال النظام للوضع الناشئ بعد التطبيع العربي، واستعادة مقعده في الجامعة حيث يعتبر النظام أن الإجراءات التي يتم من خلالها التعامل مع وفد المعارضة كطرف ثاني يمثل الشعب السوري قد تلاشت لذلك فهو يرى أنه لا معنى لاستمرار مسار أستانا مع تقويض شرعية المعارضة المستمدة ابتداء من قرارات الجامعة العربية، وأنه يمكن حل القضايا الأخرى مع تركيا بشكل ثنائي أو عبر صيغة معدلة عن أستانا، دون حاجة لوجود وفد المعارضة فيها.
الموقف الأمريكي والغربي من التطبيع
وحيال التطبيع العربي مع النظام السوري أبدت الولايات المتحدة والدول الغربية موقفا رافضا لمسار التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام السوري؛ حيث تم الإعلان في بيان رباعي مشترك بتاريخ 16 آذار/ مارس أكدت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، عدم تطبيع العلاقات مع النظام قبل أن تشهد على تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، ويستند إلى العدالة والمحاسبة، وكذلك، عدم تمويل إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام خلال النزاع، وعدم رفع العقوبات المفروضة عليه قبل حدوث ذلك التقدم، وأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام المستقر في البلاد.
رأت الإدارة الأمريكية أن النظام لا يستحق العودة للجامعة العربية، وأن العودة كان يجب أن تكون مربوطة بخطوات أمنية وإنسانية وسياسية ملموسة من جانب النظام، لكنها لم تحبط التطبيع العربي بالكلية على أمل أن يحقق بعض الأهداف التي تتفق مع مصالحها في المنطقة، ولاستثماره في مواجهة المسار الرباعي للتطبيع التركي. بالمقابل، حرصت على استمرار وجود المعارضة السورية ودورها، وإظهار الدعم لها، وللمبعوث الخاص، وللعملية السياسية الأممية.
انقسامات المعارضة السورية
مرت المعارضة السورية الرسمية ممثلة بالائتلاف والمؤسسات التابعة له، وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية المنبثقة عنها، بواقع غير مسبوق عام 2023؛ حيث واجهت واحدا من أسوأ الأعوام في مسيرتها، تمثل في ضعف الاهتمام بالملف السوري عموما، وبالمعارضة السورية خصوصا بعد أن خسر الائتلاف مقعد الجامعة العربية بعودة النظام لاستلامه، وبعد أن خسرت هيئة التفاوض مقرها في الرياض.
جاء ذلك في ظل عمليات التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام، والتعطيل الكامل لعقد اللجنة الدستورية، والانشغال الدولي بالغزو الروسي لأوكرانيا، ثم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
لم يحدث تغيير بنيوي، أو في مستوى القيادة في صوف المعارضة، عدا وصول قيادة جديدة للائتلاف بدت عاجزة عن إحداث تغيير فعلي لتحسين أداء الائتلاف في المهام المناطة به، وخصوصا في إدارة الشمال السوري،
تحركات النظام السوري
حقق النظام السوري خلال عام 2023 اختراق جديد في مسار التطبيع العربي باستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية وحضور رئيس النظام بشار الأسد القمة العربية التي عقدت في السعودية في أيار/ مايو وذلك لأول مرة منذ عام 2010.
وحاول النظام الاستثمار في كارثة الزلزال للتخلص من عزلته الدولية، حيث استغلت العديد من الدول العربية الكارثة للتواصل مع النظام بدعوى الدبلوماسية الإنسانية ومن جانبه استفاد النظام من ظروف الكارثة باستعادة السيادة على معابر باب السلامة وباب الراعي شمال حلب والخاضعين لسيطرة المعارضة؛ حيث منح الأمم المتحدة إذنا لاستخدامها من أجل توسيع دخول المساعدات التي كانت تمر فقط عبر معبر باب الهوى.
كما شهدت مناطق النظام عام 2023 سلسلة احتجاجات واسعة في درعا والساحل فضلا عن السويداء التي كانت الحدث الأبرز؛ حيث اتسمت موجة الاحتجاج هذه المرة بالسقف المرتفع للمطالب وباستهداف الرموز التابعة للنظام كحرق اللوحات التي تحتوي على صور حافظ وبشار الأسد ورمي بعضها في القمامة كتعبير عن حجم الغضب الشعبي العارم والمستمر منذ منتصف آب/ أغسطس.
وكانت أبرز أسباب تلك الاحتجاجات تدهور الوضع المعيش والأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد، لتتحول إلى كرة نار تتخطى البعد المعيش وشهدت احتجاجات السويداء، رفعا لرايات الثورة السورية للمرة الأولى، وتوسعت إلى درعا، وطالب المتظاهرون في المحافظتين برحيل النظام، وإطلاق سراح المعتقلين، وتطبيق القرار الأممي 2254. ولاقت الاحتجاجات مؤازرة في ريف دير الزور، وريف حلب وإدلب، كما ظهرت تحركات محدودة في مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق، وطرطوس في غرب البلاد.
الإدارة الذاتية الباحثة عن مخرج
حاولت الإدارة الذاتي التي تمثل الجانب المدني والسياسي للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرقي سوريا التقدم خطوة إلى الأمام فأعلنت الإدارة الذاتية عن المصادقة على العقد الاجتماعي لمناطق سيطرة قسد، في 12 كانون الأول/ ديسمبر والذي بموجبه تم اعتبار هذه المناطق إقليما قائما بحد ذاته فيما يبدو أنه خطوة جديدة نحو تنفيذ مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي للانفصال أو على الأقل تطبيق مبدأ الكونفدرالية كما ورد في العقد نفسه، وأسس هذا العقد أيضا لانتخابات عامة لهذه الإدارة يفترض إقامتها خلال عام 2024.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا التطبيع العربي النظام السوري المعارضة السورية الجامعة العربية سوريا المعارضة السورية الجامعة العربية النظام السوري الإدارة الذاتية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة اللجنة الدستوریة الجامعة العربیة خلال عام عام 2023
إقرأ أيضاً:
أين اختفى ضباط الأسد؟
في صباح يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، لم تكن طائرة بشار الأسد هي الوحيدة التي غادرت الأراضي السورية هربًا من فصائل المعارضة العسكرية التي سيطرت على دمشق معلنة سقوط النظام بعد 5 عقود من الاستبداد، بل تبعها آلاف من كبار المسؤولين وضباط الأمن الذين ارتبطت أسماؤهم بجرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ورغم إعلان إدارة العمليات العسكرية عن حملات أمنية لملاحقة فلول النظام، فإنه بعد ما يقارب شهرين على سقوط النظام لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن اعتقال ضباط بارزين، باستثناء أنباء عن بعض المسؤولين، مثل اللواء محمد كنجو حسن المسؤول السابق عن المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا، والذي أصدر أحكام الإعدام بحق المعتقلين، لكن دون تأكيد رسمي.
وفي الوقت الذي تم فيه تأكيد وصول بشار الأسد وعائلته إلى موسكو عبر قاعدة حميميم الروسية، يظل السؤال مطروحًا عن أماكن اختباء آلاف الضباط والمسؤولين السابقين، والإمكانية التي قد يشكلونها كتهديد أمني للإدارة السورية الجديدة والتحديات التي قد تواجهها في ملاحقتهم ومحاسبتهم على الجرائم السابقة.
مناطق الحاضنة الشعبيةمع بداية تقدم إدارة العمليات العسكرية باتجاه حماة في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقب سيطرتها على مدينة حلب وباقي أرياف إدلب وحماة، شهدت مناطق الساحل السوري وريف حمص الغربي موجات نزوح كبيرة، وهي مناطق تشكل الحاضنة الشعبية للنسبة الأكبر من ضباط النظام وعناصره.
إعلانتعدّ هذه المناطق الجبلية الوعرة، خاصة تلك القريبة من القرداحة (مسقط رأس بشار الأسد)، ملاذًا مؤقتًا لكبار الضباط وقادة الميليشيات، وقد أفادت مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان بأن هذه المناطق أصبحت ملاذًا آمنًا لقوات النظام من الضباط والشخصيات المعروفة لأبناء المنطقة.
وقال المرصد إن "شهادات المدنيين تؤكد أن هؤلاء الضباط كانوا جزءا من حلقات إجرامية وعمليات قتل جماعي، وقد تم إخفاؤهم في هذه المنطقة بعيدا عن الأنظار بعد انهيار النظام، حيث تتوفر فيها المساكن المجهزة بالكامل وخزانات الوقود التي تكفي لتلبية احتياجات المنطقة لعدة أشهر".
وتواصل إدارة العمليات العسكرية مطاردة فلول النظام في هذه المناطق، من أبرزها عملية القضاء على المدعو شجاع العلي الذي يقود عصابة في ريف حمص الغربي تضم أفرادًا من "شبيحة" النظام، وبسام حسام الدين -قائد إحدى المليشيات المحلية التابعة للفرقة 25 بقيادة سهيل الحسن- الذي ظهر في تسجيلات مصورة يتبنّى أسر عدد من عناصر الأمن في ريف جبلة ويهدد بقتلهم ويحرّض على الفتنة الطائفية في الساحل السوري.
وفي 4 يناير/كانون الثاني 2025، ألقى الأمن العام القبض على مسؤول الكاميرات في سجن صيدنايا محمد نور شلهوم، وقائد ميداني من فلول النظام السابق، خلال عمليات التمشيط في مدينة حمص.
يذكر أن الاشتباكات مع فلول النظام في تلك المناطق تتسبب أحيانا في وقوع ضحايا بين القوات التابعة لإدارة العمليات العسكرية، كان آخرها مقتل اثنين من عناصرها وإصابة آخرين بجروح نتيجة هجوم نفذته مجموعة من فلول النظام المخلوع في جبلة.
مقتل شجاع العلي المسؤول عن مجزرة الحولة بريف حمص والقائد بالدفاع الوطني بالنظام المخلوع#الجزيرة_سوريا pic.twitter.com/3fD61RReLS
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 27, 2024
إلى لبنان وضاحيته الجنوبيةشكل لبنان، وبالأخص منطقة نفوذ حزب الله، ملجأ للعديد من مسؤولي النظام السوري وضباطه، إذ قالت وكالة "أسوشيتد برس"، نقلا عن المعارضة السورية، إن عددًا من الضباط الكبار تمكنوا مع ذلك من الوصول إلى لبنان المجاور باستخدام وثائق سفر بأسماء مزورة.
إعلانووفقًا لمسؤولين أمنيين لبنانيين ومسؤول قضائي تحدثوا للوكالة شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، فقد دخل نحو 8 آلاف مواطن سوري إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي في الأيام القليلة التي تلت سقوط نظام الأسد، بينما غادر حوالي 5 آلاف شخص البلاد عبر مطار بيروت الدولي.
وكان القضاء اللبناني أطلق في 2 يناير/كانون الثاني 2025 سراح حفيدة رفعت الأسد شمس دريد الأسد ووالدتها رشا خزيم، بعد توقيفهما قبل أسبوع في مطار بيروت الدولي، على إثر استخدامهما جوازي سفر مزورين ومحاولتهما السفر بهما إلى الخارج.
من ناحيتها، نقلت رويترز في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024 عن مسؤول أمني لبناني قوله إنهم "وجدوا الضباط والجنود السوريين في شاحنة في مدينة جبيل الساحلية الشمالية بعد أن فتشها مسؤولون محليون"، في حين لم يعلق مسؤولون لبنانيون أو سوريون على ما ورد، وأشار المسؤول إلى أن العسكريين السوريين من رتب مختلفة دخلوا عبر معبر العريضة في شمال لبنان.
وكان وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي قد أعلن في 16 من الشهر نفسه أن السلطات اللبنانية تلاحق أي مسؤول سوري يدخل لبنان بطريقة غير شرعية وتجري عمليات تفتيش وتحقيق على المعابر الحدودية وتنفذ مداهمات أمنية في مناطق مختلفة للتأكد من صحة المعلومات حول دخول ضباط أو مسؤولين سوريين.
من جهته، حث الإنتربول الدولي السلطات على اعتقال مدير المخابرات الجوية السورية جميل الحسن وتسليمه للولايات المتحدة، وذلك بحسب ما نقلته "رويترز" عن مصادر لبنانية.
وفي 27 من ديسمبر/كانون الأول، سلم لبنان حكومة دمشق المؤقتة 70 جنديا وضابطًا بعد دخولهم أراضيه بطريقة غير قانونية عبر طرق التهريب.
مناطق سيطرة "قسد"كشف حساب "كلش ريبورت" (Clash Report) المتخصص برصد التحركات العسكرية أن ما لا يقل عن 2500 جندي من قوات نظام الأسد انضموا إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسيطرة على مناطق شرقي الفرات.
إعلانوأضاف الحساب، عبر منصة إكس، أن ضباط المخابرات والجيش في النظام السابق أنشؤوا مكتبًا في الحسكة لتنظيم الهجمات والاستفزازات ضد الحكومة السورية الجديدة.
ونقل الحساب عن مصادره أن بعض عناصر النظام السابق يقاتلون ضد قوات الحكومة السورية الجديدة في جبهة تشرين التي تشهد اشتباكات مستمرة منذ سقوط النظام بين قوات قسد وفصائل في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
وكان المكتب الإعلامي التابع لقوات قسد أصدر بيانا في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي نفى فيه الأخبار التي تم تداولها حول هروب ماهر الأسد إلى العراق بمساعدة قوات قسد عبر المرور بأراضيها.
ورغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مناطق شرقي الفرات، فإن النظام المخلوع كان يحتفظ بالسيطرة على بعض المربعات الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي، إذ شكلت هاتان النقطتان مكانا آمنًا لأعداد كبيرة من الضباط والعناصر الذين فروا من مناطق سيطرة النظام على الضفة الغربية من نهر الفرات.
وتعليقًا على هروب ضباط النظام، يوضح رئيس أركان الجيش الحر سابقًا العميد أحمد بري أنه عندما بدأت المعركة الحقيقية ولم يكن لقوات النظام المخلوع أي مساندة برية لا من إيران ولا من "حزب الله" ولا مساندة روسية من الجو، لم يكن من سبيل أمام هؤلاء الضباط والعناصر إلا الهروب في كل الاتجاهات الممكنة لهم، فبعض منهم اختار مناطق الساحل، وقسم هرب إلى لبنان أو إيران، وقسم باتجاه قاعدة "حميميم الروسية".
وعن الضباط الذين فروا إلى مناطق سيطرة قسد، يشير بري -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هؤلاء لا يمكن أن يشكلوا خطرا على الإدارة السورية الجديدة لأن أعدادهم ليست كبيرة من جهة، ولأن قوات سوريا الديمقراطية لها تقنيات وبرامج خاصة بها لذلك لا يستطيعون الاندماج معها من جهة أخرى.
وجهات أخرىقبل سقوط النظام بيومين هرب أكثر من 2400 جندي وضابط من جيش النظام السابق إلى العراق عبر معبر "القائم" الحدودي، وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 أعادت السلطات العراقية ما يقارب ألفين منهم إلى سوريا، وتسلّمتهم "إدارة العمليات المشتركة" ونقلتهم إلى مراكز احتجاز.
إعلانوكان مسؤول أمني عراقي أكد لموقع الجزيرة نت أن عدد الجنود السوريين الذين دخلوا العراق "بلغ نحو ألفين من العناصر بين ضابط وجندي"، لافتا إلى أن "دخولهم جاء بالاتفاق مع قسد وبموافقة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
إلى جانب ذلك، اتخذ ضباط كبار في نظام بشار الأسد قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية نقطة "تجمع آمنة" لنقلهم إلى الخارج على دفعات عبر طائرات روسية.
وبحسب موقع "إنتلجنس أونلاين" الفرنسي المختص بالشؤون الاستخباراتية، فإنه في حوالي الساعة الرابعة صباحا من يوم 8 ديسمبر/كانون الأول هبطت طائرة تابعة لشركة أجنحة الشام السورية في بنغازي وعلى متنها مجموعة من الضباط السوريين، وذلك بعدما انتظروا ساعة في الأجواء قبل الحصول على إذن بالهبوط.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد في وقت سابق بأن "60 ضابطًا سوريًّا، من أصحاب الرتب العالية ومن أفرع أمنية مختلفة، اتجهوا إلى شمال أفريقيا عبر رحلتي طيران"، وهو ما نفاه اللواء فوزي المنصوري مدير إدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي في تصريحات صحفية.
احتمالات إعادة التنظيمبحسب الباحث في الشؤون العسكرية وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود، فإن إمكانية تجميع هؤلاء الضباط من قبل أحد القيادات القديمة لنظام الأسد أمر مستبعد؛ بسبب عدم وجود عقيدة لهذا الجيش تعكس الهوية السياسية له فهو جيش لا يؤمن بالوطن حتى يعود لتجميع نفسه للقتال لأجله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح فرهود أن هناك مجموعة احتمالات يمكن من خلالها أن يقوم هؤلاء الضباط بإرباك القيادة الجديدة في دمشق وهي:
الأول: أن تدعمهم الدول المعادية للإدارة الجديدة وتعيد تنظيمهم وتمويلهم ليقوموا بتجميع الشباب الذين يثقون بهم لمهاجمة الإدارة الجديدة في شكل عصابات وليس في شكل جيش. الثاني: أن يحتموا بمناطق الطائفة العلوية التي تعدّ الحاضنة الأهم لضباط الجيش القديم ويقاتلوا مع أبناء هذه الطائفة دفاعًا عن أنفسهم وعنها ضد الإدارة الجديدة، والهدف هنا ليس إعادة النظام القديم بل تحقيق مكاسب على المستوى الشخصي وعلى مستوى الطائفة كما وقع في حادثة جبلة الشهيرة قبل أيام. الثالث: أن يمتهن بعض الضباط مع عدد من عناصرهم الثقات عمليات النهب والسلب لغايات مالية بحته خاصة في ظل حالة الفوضى داخل البلاد، ومع إدراكهم أن مصيرهم الإعدام على يد المحاكم الجديدة للإدارة السياسية لتورطهم في عمليات إبادة الشعب السوري أيام النظام القديم. إعلانوفي السياق ذاته، يؤكد العميد أحمد بري أن إمكانية أن ينتظموا ضمن تشكيل واحد ويقوموا بتهديد الإدارة السورية الجديدة مستبعدة جدا، وقد يقتصر الأمر على الكمائن أو العمليات الفردية فقط.
من ناحيته، يوضح عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني العميد عبد الباسط الويس أن الضباط الذين سرقوا ونهبوا كل ما يستطيعون من خيرات سوريا سيعملون على إنشاء عصابات و"مافيات" هدفها نشر الفوضى والخراب في المستقبل، وذلك لسببين: الانتقام من الشعب السوري عامة بعدما شاهدوا مظاهر الفرح بوجوه السوريين جميعا من جهة، ولكي يبرهنوا للعالم والدول أنهم بمجرد تركهم لسوريا انتشر التطرف والفوضى وانعدام الأمن والتقاتل بين الأقليات والأكثرية.
وعليه، ينوه الويس في حديثه لموقع الجزيرة نت على ضرورة أن تكون الإدارة السورية الجديدة بحالة من التأهب والحذر لملاحقة هؤلاء الفلول، وذلك بحشد طاقات أبناء الثورة جميعهم من نخب ومثقفين وقادة ثوريين واستقطاب المنشقين كافة من مدنيين وعسكريين وزجّهم بمفاصل الدولة.