سوريا 2023: مسار سياسي متعثر.. والأسد في جامعة الدول العربية
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
شهد الملف السوري تطورات دراماتيكية خلال عام 2023، حيث بدا تعثر المشهد السياسي على سوريا واضحا إلا في جزئيات ذادت الملف تعقيدا بعد حملة التطبيع العربي مع النظام السوري وإعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية.
وأمام قطار التطبيع العربي استمر الرفض الغربي للتطبيع مع النظام، كما واصل النظام تعطيل أي مسارات للحل السياسي رغم الجهود الحثيثة التي قام بها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون الذي طرح مسار جديد في العملية السياسية والتي عرفت بمبدأ خطوة مقابل خطوة إلا أن جميع الجهود مع النظام لم تحرز إي تقدم يذكر.
وسيطر على المشهد السياسي في سوريا حالة من الجمود والتعثر حيث بدأت مبادرات التطبيع العربي مع النظام السوري منذ مطلع العام بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وكان تأثيره الأكبر في شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
قطار التطبيع العربي
حقق مسار التطبيع العربي مع النظام السوري اختراقا غير مسبوق منذ بدئه نهاية عام 2018؛ حيث مر بمحطتين رئيسيتين وهما التطبيع السعودي مع النظام وزيارة وزير خارجيته فيصل المقداد للرياض في 12 نيسان/ إبريل وتبعه عقد اجتماع عمان، والبيان الصادر عنه في 1 أيار/ مايو، الذي رسم خارطة التطبيع العربي مع النظام، ثم جاء قرار عودة النظام للجامعة العربية في 7 أيار/ مايو وحضور بشار الأسد القمة العربية في جدة في 19 من الشهر ذاته.
وبدأت أول خطوات التطبيع تظهر جلية مع زيارة رئيس النظام السوري إلى سلطنة عمان بتاريخ 20 شباط/ فبراير 2023 بعد كارثة الزلزال التي ضربت شمال غرب سورية، هي الأولى المعلنة والرسمية له إلى خارج البلاد منذ عام 2011؛ حيث حظي فيها على خلاف الزيارات السابقة نحو روسيا وإيران والإمارات بمعاملته كرئيس وفق المراسم الرئاسية والدبلوماسية المتبعة دولياً.
عقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر وأمين عام الجامعة والمكلفة بمتابعة تنفيذ بيان عمان اجتماعا واحدا في القاهرة منتصف آب/ أغسطس، والذي انتهى بخيبة أمل عربية كبيرة تجاه سلوك النظام من ناحية عدم تنفيذه أيا من مخرجات بيان عمان المؤيد بقرارات الجامعة، مما وضع التطبيع العربي في مسار متعثر، ودون تحقيق تقدم يذكر فيه.
التقارب التركي مع النظام
شهد عام 2023 تطور اللقاء الثلاثي بين تركيا وروسيا والنظام الذي عقد في موسكو بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات إلى لقاء رباعي بعد انضمام إيران إليه، وتم رفع مستوى المشاركة لوزراء الخارجية، وذلك في موسكو بتاريخ 10 أيار/ مايو 2023.
قدمت روسيا خلاله مسودة خارطة طريق تسقط القرار 2254 (2015) تركز على قضايا مكافحة الإرهاب والتنظيمات الانفصالية، وضمان أمن الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، وعدم جواز انتشار القوات العسكرية الأجنبية على الأراضي السورية، وتسهيل عودة اللاجئين، وإعادة الروابط اللوجستية للنقل بين البلدين، واستئناف التعاون التجاري والاقتصادي دون أي حواجز.
وشهد التقارب التركي مع النظام أيضا في مسار متعثر لعدم استجابة الطرفين للطلبات المتبادلة بينهما، حتى أنه لم يصل إلى مستوى تبادل العلاقات الدبلوماسية كما حدث في المسار العربي، ولا إلى لقاء بين الرئيسين.
اللجنة الدستورية المتعثرة
تعطلت أعمال اللجنة الدستورية خلال عام 2023 عقب الاجتماع الأخير في حزيران/ يونيو 2022 بسبب ادعاء روسيا بعدم حيادية جنيف مقر انعقاد اللجنة، والشروط التي وضعتها لتسهيل وصول دبلوماسييها إلى جنيف بعد العقوبات الأوروبية المفروضة عليها إثر الحرب على أوكرانيا.
وأكد بيان لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عقد في 15 آب/ أغسطس 2023 إلى استئناف أعمال اللجنة الدستورية في العاصمة العمانية مسقط بديلا عن جنيف، لكن فشلت جميع المساعي اللاحقة لعقدها في مسقط أو في أماكن أخرى تم اقتراحها؛ حيث تضمنت آخر إحاطة للمبعوث الأممي الخاص عام 2023 تأكيده بعدم وجود مقر في المنطقة متوفّر ويحظى بإجماع كافة الأطراف، فضلا عن عدم وجود أية مؤشرات على أن هذا الوضع سيتغير قريبا، وأن تعطيل عمل اللجنة الدستورية لمدة عام ونصف بسبب مقر انعقادها كان بمثابة إشارة خاطئة وانتكاسة للعملية السياسية، وأنه سيستمر بالبحث عن مقرات بديلة، لكن بالتعاون من أجل تمكين اللجنة الدستورية من الانعقاد من جديد في جنيف.
بيدرسن والخطوة مقابل خطوة
حاول المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون عام 2023 بلورة مقترح الخطوة مقابل خطوة، مؤكدا حصوله على دعم أوروبي وأمريكي وعربي، إلا أنه أكد أن تلك المساعي تمر في مرحلة من الغموض بعد رفض من الجهات الفاعلة بسبب عدم تقديم النظام أي خطوات لبناء ثقة حقيقية من خلال إجراءات منسقة ومتبادلة وقابلة للتحقق.
وأكد بيدرسن أنه سيتابع مساعيه مع الأطراف السورية، والأطراف الإقليمية والدولية في هذا الصدد، رغم الموقف المعلن من هيئة التفاوض، ومن النظام، ومن روسيا في رفض مقاربته.
مسار أستانا الموازي لقرارات مجلس الأمن
عقدت وفود مسار استانا في 20 و21 حزيران/ يونيو، الجولة 20 من المباحثات، وكانت أول جولة تعقد بعد إعادة النظام إلى الجامعة العربية، وبعد انطلاق مسار تطبيع التقارب التركي مع النظام وقد عقد على هامش الجولة اجتماع رباعي، على مستوى نواب وزراء الخارجية التركي والروسي والإيراني والنظام، لبحث مسودة خارطة طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة، التي اقترحتها روسيا بعد الاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في موسكو بتاريخ 10 أيار/ مايو.
انتهت الجولة 20 بالاتفاق على عقد الجولة 21 من المباحثات في النصف الثاني من عام 2023 دون تحديد المكان وهو أستانا كما جرت العادة في الجولات السابقة، لكن ذلك لم يحدث فعليا، عكس عدم انعقاد الجولة 21 رغبة النظام في إنهاء السبب الذي وافق بموجبه على دخول القوات التركية إلى سورية لضمان نظام وقف إطلاق النار بموجب مذكرة خفض التصعيد (2017)، كذلك عكس استغلال النظام للوضع الناشئ بعد التطبيع العربي، واستعادة مقعده في الجامعة حيث يعتبر النظام أن الإجراءات التي يتم من خلالها التعامل مع وفد المعارضة كطرف ثاني يمثل الشعب السوري قد تلاشت لذلك فهو يرى أنه لا معنى لاستمرار مسار أستانا مع تقويض شرعية المعارضة المستمدة ابتداء من قرارات الجامعة العربية، وأنه يمكن حل القضايا الأخرى مع تركيا بشكل ثنائي أو عبر صيغة معدلة عن أستانا، دون حاجة لوجود وفد المعارضة فيها.
الموقف الأمريكي والغربي من التطبيع
وحيال التطبيع العربي مع النظام السوري أبدت الولايات المتحدة والدول الغربية موقفا رافضا لمسار التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام السوري؛ حيث تم الإعلان في بيان رباعي مشترك بتاريخ 16 آذار/ مارس أكدت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، عدم تطبيع العلاقات مع النظام قبل أن تشهد على تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، ويستند إلى العدالة والمحاسبة، وكذلك، عدم تمويل إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام خلال النزاع، وعدم رفع العقوبات المفروضة عليه قبل حدوث ذلك التقدم، وأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام المستقر في البلاد.
رأت الإدارة الأمريكية أن النظام لا يستحق العودة للجامعة العربية، وأن العودة كان يجب أن تكون مربوطة بخطوات أمنية وإنسانية وسياسية ملموسة من جانب النظام، لكنها لم تحبط التطبيع العربي بالكلية على أمل أن يحقق بعض الأهداف التي تتفق مع مصالحها في المنطقة، ولاستثماره في مواجهة المسار الرباعي للتطبيع التركي. بالمقابل، حرصت على استمرار وجود المعارضة السورية ودورها، وإظهار الدعم لها، وللمبعوث الخاص، وللعملية السياسية الأممية.
انقسامات المعارضة السورية
مرت المعارضة السورية الرسمية ممثلة بالائتلاف والمؤسسات التابعة له، وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية المنبثقة عنها، بواقع غير مسبوق عام 2023؛ حيث واجهت واحدا من أسوأ الأعوام في مسيرتها، تمثل في ضعف الاهتمام بالملف السوري عموما، وبالمعارضة السورية خصوصا بعد أن خسر الائتلاف مقعد الجامعة العربية بعودة النظام لاستلامه، وبعد أن خسرت هيئة التفاوض مقرها في الرياض.
جاء ذلك في ظل عمليات التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام، والتعطيل الكامل لعقد اللجنة الدستورية، والانشغال الدولي بالغزو الروسي لأوكرانيا، ثم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
لم يحدث تغيير بنيوي، أو في مستوى القيادة في صوف المعارضة، عدا وصول قيادة جديدة للائتلاف بدت عاجزة عن إحداث تغيير فعلي لتحسين أداء الائتلاف في المهام المناطة به، وخصوصا في إدارة الشمال السوري،
تحركات النظام السوري
حقق النظام السوري خلال عام 2023 اختراق جديد في مسار التطبيع العربي باستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية وحضور رئيس النظام بشار الأسد القمة العربية التي عقدت في السعودية في أيار/ مايو وذلك لأول مرة منذ عام 2010.
وحاول النظام الاستثمار في كارثة الزلزال للتخلص من عزلته الدولية، حيث استغلت العديد من الدول العربية الكارثة للتواصل مع النظام بدعوى الدبلوماسية الإنسانية ومن جانبه استفاد النظام من ظروف الكارثة باستعادة السيادة على معابر باب السلامة وباب الراعي شمال حلب والخاضعين لسيطرة المعارضة؛ حيث منح الأمم المتحدة إذنا لاستخدامها من أجل توسيع دخول المساعدات التي كانت تمر فقط عبر معبر باب الهوى.
كما شهدت مناطق النظام عام 2023 سلسلة احتجاجات واسعة في درعا والساحل فضلا عن السويداء التي كانت الحدث الأبرز؛ حيث اتسمت موجة الاحتجاج هذه المرة بالسقف المرتفع للمطالب وباستهداف الرموز التابعة للنظام كحرق اللوحات التي تحتوي على صور حافظ وبشار الأسد ورمي بعضها في القمامة كتعبير عن حجم الغضب الشعبي العارم والمستمر منذ منتصف آب/ أغسطس.
وكانت أبرز أسباب تلك الاحتجاجات تدهور الوضع المعيش والأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد، لتتحول إلى كرة نار تتخطى البعد المعيش وشهدت احتجاجات السويداء، رفعا لرايات الثورة السورية للمرة الأولى، وتوسعت إلى درعا، وطالب المتظاهرون في المحافظتين برحيل النظام، وإطلاق سراح المعتقلين، وتطبيق القرار الأممي 2254. ولاقت الاحتجاجات مؤازرة في ريف دير الزور، وريف حلب وإدلب، كما ظهرت تحركات محدودة في مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق، وطرطوس في غرب البلاد.
الإدارة الذاتية الباحثة عن مخرج
حاولت الإدارة الذاتي التي تمثل الجانب المدني والسياسي للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرقي سوريا التقدم خطوة إلى الأمام فأعلنت الإدارة الذاتية عن المصادقة على العقد الاجتماعي لمناطق سيطرة قسد، في 12 كانون الأول/ ديسمبر والذي بموجبه تم اعتبار هذه المناطق إقليما قائما بحد ذاته فيما يبدو أنه خطوة جديدة نحو تنفيذ مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي للانفصال أو على الأقل تطبيق مبدأ الكونفدرالية كما ورد في العقد نفسه، وأسس هذا العقد أيضا لانتخابات عامة لهذه الإدارة يفترض إقامتها خلال عام 2024.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا التطبيع العربي النظام السوري المعارضة السورية الجامعة العربية سوريا المعارضة السورية الجامعة العربية النظام السوري الإدارة الذاتية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة اللجنة الدستوریة الجامعة العربیة خلال عام عام 2023
إقرأ أيضاً:
في النهاية.. أصبحت سوريا والأسد سامَّين حتى لبوتين
يمثل سقوط نظام الأسد نهاية فصل كبير في الوجود الروسي في الشرق الأوسط. ولكن هذا لا يعني أن موسكو على وشك الانسحاب من المنطقة. فقرارها بعدم القتال من أجل نظام بشار الأسد ـ واللجوء بدلا من ذلك إلى نقله جوا إلى موسكو التي يظهر أنه باق فيها في الوقت الراهن - يبدو أشبه بمحاولة لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط من خلال التخلص من أحد الأصول السامة.
في عام 2015، كان نشر القوات الروسية في سوريا بهدف دعم نظام الأسد علامة فارقة في تاريخ العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط. فقد أعلنت موسكو جهارا، إذ فعلت ذلك، عودتها إلى السياسة في الشرق الأوسط الذي ضعف وجودها فيه بشدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. فللمرة الأولى منذ عام1991، أجرت موسكو عملية عسكرية كبرى في المنطقة. فلم يقتصر التدخل العسكري الروسي في سوريا على إنقاذ نظام صديق من الانهيار الحتمي فحسب، لكنه أظهر استعدادا للقيام بدور نشط في تشكيل عمليات إقليمية تتجاوز سوريا. وبمعنى ما، باتت التجربة السورية مقدمة ضرورية لتدخل أكثر نشاطا من موسكو في ليبيا والسودان وأفريقيا ما دون الصحراء.
لقد أوشك أن يؤدي الربيع العربي في ما بين 2010 و2012 إلى نهاية تامة للبقية الباقية من شركاء موسكو الذين ورثتهم عن الاتحاد السوفييتي في المنطقة. ثم جاءت العملية السورية، في المقابل، فلم تحافظ فقط على بقاء نظام دمشق الموالي لموسكو في السلطة وتعزز علاقات روسيا مع إيران، لكنها أرغمت أيضا بلادا أخرى في الشرق الأوسط على اعتبار روسيا لاعبا مهما. وهكذا، أصبح الوجود العسكري الروسي في سوريا أحد العوامل التي أدت إلى تكثيف حوار موسكو مع الممالك العربية في الخليج وإيجاد بند آخر في أجندة علاقات موسكو مع مصر والعراق وتركيا. ومنذ ذلك التدخل العسكري، نشطت روسيا في وضع نفسها في موضع ضامن الاستقرار والحماية للأنظمة الموالية (الدكتاتورية في العادة) من التهديدات الخارجية والداخلية. وعلاوة على ذلك، رسمت آلة الدعاية الروسية طوال الوقت أوجه تشابه بين الأسد ومصير حسني مبارك في مصر، قائلة إن موسكو داعم أفضل ونصير أضمن من الولايات المتحدة.
أما عن الولايات المتحدة والغرب بصفة أعم، فقد أنشأت تصرفات موسكو قناة اتصال أخرى لموازنة تحجيم الاتصال منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. إذ كانت رسالة الكرملين بسيطة: شئتم أم أبيتم، روسيا فاعل مهم وعلى الغرب أن يتحدث معها ولو لإيجاد آليات لتجنب المصادمات العارضة بين القوات الروسية والأمريكية في سوريا.
وأخيرا، قدَّر الكرملين أيضا أن جهوده، فضلا عن جهود زمرة رجال الأعمال الروس المقربين من السلطة مثل يفجيني بريجوزين، لإنقاذ الأسد سوف تثاب عاجلا أم آجلا بنيل قطعة من «كعكة الاقتصاد» السورية. ثم جاء سقوط الأسد فبدَّد هذه الخطط إلى الأبد.
بعد وقت قصير من بداية هجوم المعارضة على حلب في نوفمبر 2024، قررت روسيا بوضوح وعن عمد أنها لن تنقذ الأسد. ويميل المحللون إلى تفسير هذا الموقف في ضوء حرب موسكو في أوكرانيا التي لم تسمح لروسيا باتخاذ رد فعل في وقت مناسب وبطريقة مناسبة على الهجوم الجديد الذي شنته قوات المعارضة السورية. ولم يكن هذا يتعلق فقط بتضاؤل عدد القوات وإنما بتضاؤل جودتها أيضا، إذ تحولت سوريا إلى ما يشبه مخزنا لكبار العسكريين الروس الذين يفقدون عطف موسكو وللضباط الراغبين في الهروب من حرب أوكرانيا. كما ضعف حلفاء روسيا والأسد الرئيسيون ــ أي إيران ووكلاءها ــ بسبب مواجهة طهران لإسرائيل.
وفي حين أن أغلب هذه الأقوال صحيح، فهي تغفل عاملا مهما آخر: إذ تحولت سوريا، بحلول عام 2024، من فرصة لروسيا إلى عبء اقتصادي وسياسي عليها. فقد فقدت سوريا أهميتها بوصفها أحد أصول فرض النفوذ في المنطقة. وفي غضون ثماني سنوات من تدخل روسيا، ظهرت مجموعة عوامل جديدة - وأكثر أهمية - شكلت علاقات الكرملين مع المنطقة. تضمنت هذه العوامل دور روسيا في أوبك، وزيادة التجارة والدبلوماسية المكثفة. كما فقدت سوريا أهميتها السابقة بوصفها عنصر اتصال مع الغرب: إذ أدت حرب أوكرانيا إلى تقليص الاتصال وأصبحت موضوع المناقشة الرئيسي مع روسيا. وتحول اقتصاد الحرب الذي أنشأه الأسد إلى بيئة سامة لدرجة أن رجال الأعمال الروس أنفسهم ممن ألفوا العديد من التحديات لم يتمكنوا من العمل التجاري فيها. وفي الوقت نفسه، تسبب عناد الأسد السياسي، ورفضه التسوية مع المعارضة المحلية ومع الجيران في المنطقة، والعمل المتوازن المستمر بين موسكو وطهران، إلى أن أصبح نظام الأسد شريكا صعبا.
في الوقت نفسه، بدأت تظهر على الاقتصاد السوري، الذي تدفعه إلى حد كبير تجارة المخدرات غير المشروعة ومخططات الفساد، علامات متزايدة على الانهيار الوشيك. وبلغ يأس الشعب، وانعدام الدافع لدى الجيش، والعدمية لدى أجهزة المخابرات مستويات كبيرة، فتحول النظام إلى دولة «جوفاء» بغير قاعدة دعم صلبة. وبحلول شهر ديسمبر من العام الحالي، باتت روسيا في مواجهة اختيار: إما تكرار مصير الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بتحمل المسؤولية المالية والاقتصادية والعسكرية الكاملة عن سوريا الأسد (وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ضوء الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا)، وإما التراجع. وجاء الاختيار في صالح الخيار الثاني: فقد فتح سقوط الأسد، مهما بدا أليما، فرصة لموسكو للخروج من الصراع المطول، الذي باتت أرباحه تقل وتقل.
سيكون على الكرملين أن ينسى أي عائد للجهود التي استثمرها في سوريا، ولكنه قد يحاول طبعا الاحتفاظ بقواعده العسكرية في البلد. ولقد أوضحت السلطات السورية الجديدة تماما أنها مستعدة للتحدث مع الكرملين وأنها لا تتعجل طرد جيشه من أراضيها. وعلى المستوى الإقليمي، كما سبقت الإشارة، أصبحت أجندة علاقات موسكو بالمنطقة شديدة الاتساع لدرجة أن فقدان سوريا، وإن يكن مزعجا، بعيد كل البعد عن أن يكون العامل الحاسم في قوة وجودها في المنطقة.