لا أحد يصغي إلينا.. غضب في روسيا إزاء التعبئة في صفوف جنود الاحتياط
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
انقلبت حياة الروسية ماريا سيميونوفا (26 عاما) وشريكها عندما طُرق باب منزلهما بعد أيام قليلة من إطلاق حملة تعبئة جنود احتياط للقتال في أوكرانيا بموجب مرسوم أصدره الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سبتمبر 2022.
وأتت عناصر أمنية وسلّمت صديقها الذي لم تنشر وكالة فرانس برس هويته لأسباب أمنية، أوراق تجنيده.
وروت هذه الشابة المقيمة في موسكو والتي تشعر بالتوتر كلما فكرت بتلك اللحظة: "أتذكر ذلك اليوم كما لو كان بالأمس. كنت أرتجف".
وأوضحت أنها اضطرت لطلب إجازة لمدة أسبوع من عملها بسبب عدم قدرتها على التركيز، قبل أن ينتهى بها الأمر بالاستقالة.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للحرب في أوكرانيا، ارتفعت أصوات أقارب الجنود الذين تمت تعبئتهم في روسيا بعودتهم، وبالتالي أضحى من الصعب على السلطات تجاهل هذه القضية الحساسة، لاسيما مع كثرة الاعتصامات وانتشار الرسائل المشحونة بالعاطفة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وناشدت سيميونوفا مرارا رئيس بلادها، بوتين، وغيره من كبار المسؤولين، لكن دون جدوى.
وفي أحد أيام ديسمبر، وضعت زهور القرنفل البيضاء على قبر الجندي المجهول، قرب جدران الكرملين، تعبيراً عن احتجاجها برفقة 10 نساء أخريات.
وأوضحت "أنا أحبه. لا أستطيع التخلي عنه".
وعندما عاد رفيقها في إجازته الأولى، بدا "أكثر قسوة"، وفي المرة التالية كان ثملاً في أغلب الأوقات وكانت تراوده كوابيس عن الجبهة، وفق الشابة.
"طريق العودة"وظهرت العديد من المجموعات المخصصة لأقارب الجنود الذين تمت تعبئتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة، حيث تضم إحدى هذه المجموعات التي أُنشئت على تليغرام باسم "طريق العودة إلى المنزل" أكثر من 38 ألف متابع.
وتتجاهل وسائل الإعلام الحكومية نشاطها بشكل كبير، لكنه موضوع حساس بالنسبة إلى الكرملين، الذي يحرص على إظهار الالتفاف حول بوتين قبل إعادة انتخابه المتوقعة في الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل، وفق فرانس برس.
وتعرب ألكسندرا (34 عاما) التي تعمل طاهية وتقيم في منطقة مورمانسك في أقصى الشمال الروسي، عن أسفها قائلة: "إن حكومتنا لا تسمعنا، ولا حتى قنواتنا التلفزيونية، لا أحد يصغي إلينا".
وأوضحت هذه المرأة الحامل، وهي أم لطفلين، غادرت شرق أوكرانيا في 2018 لتستقر في روسيا مع زوجها العامل في منجم، أنه "ليس لديها أي خيار سوى أن تفعل ما تقوم به".
وانضم زوجها إلى التعبئة في أكتوبر 2022، بعيد إعلان بوتين دعوة 300 ألف جندي احتياط، مما تسبب في موجة من هجرة الشباب.
وتبلغ رواتب هؤلاء المجندين حوالي 200 ألف روبل (2240 دولار)، وهو مبلغ مرتفع نسبياً في روسيا، لكنّ قسماً كبيراً من هذه الأموال تذهب لشراء معدات إضافية لا يوفرها لهم الجيش.
ويصعب على العديد من النساء تحمل هذا العبء، خصوصا عندما يكون لديهن أطفال.
نهاية "الكابوس"وقالت أنتونينا (41 عاماً) إنها اضطرت لترك وظيفتها والبدء في استشارة معالج نفسي بعد استدعاء شريكها، موضحة أن وزنها زاد 25 كيلوغراماً، وأصيبت بسكتة دماغية "صغيرة".
وأوضحت: "انهار كل شيء.. أحاول ألا أشاهد الأخبار، ولا أنتظر سوى مكالماته"، مشيرة إلى أن شريكها الذي يعاني قرحة هضمية، أُرسل في مهمة مع مرضى ومصابين.
وتعارض أنتونينا ونساء أخريات حملة ثانية من التعبئة، وإن كانت هي الطريقة الوحيدة لعودة أقاربهن من الجبهة.
وزادت: "لا أريد أن يمر أي شخص آخر بما أمر به".
ورغم أن أيا من النساء الثلاث اللواتي قابلتهن وكالة فرانس برس لم يتعرضن حتى الآن لأعمال انتقامية من السلطة بسبب نشاطهن، فهن يدركن أنهن "يلعبن بالنار في سياق القمع الجاري في البلاد"، حسب فرنس برس.
وقالت ألكسندرا: "أخشى أن يُقتل زوجي بسبب ما أفعله. وأخشى أن يُرسل أطفالي إلى دار للأيتام، وأن أُسجن".
وأكدن جميعهن أنهن تعرضن للإهانات عبر الإنترنت، من مؤيدين للحملة الروسية في أوكرانيا ومعارضين لها.
وأضافت ألكسندرا: "أنا وحيدة في معاناتي"، بعدما تخلى عنها العديد من الأصدقاء، مشددة على أنها لا تنوي الاستسلام.
وأكدت: "أريد فقط أن ينتهي هذا الكابوس، إذ لا ينبغي أن يقتل الناس بعضهم بعضا"، مضيفة: "ارتكبنا خطأً فادحاً في أوكرانيا، وأريد أن يدرك الناس ذلك وأن يعم السلام".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
أسباب دخول بوتين في مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في تحول مفاجئ بدا أقرب إلى مناورات استراتيجية منه إلى رغبة حقيقية في إنهاء الحرب، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمرة الأولى منذ اندلاع الغزو في فبراير 2022، استعداده للدخول في مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا. المبادرة، التي طُرحت تحت شعار وقف الهجمات على البنية التحتية المدنية، استقبلها محللون بسيل من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية وسياقها السياسي المعقد.
ورغم أن بوتين استخدم لهجة تصالحية نسبيًا، مؤكدًا انفتاح موسكو على مبادرات السلام، فإن عباراته لم تخلُ من إشارات لغوية تقوض شرعية الطرف الأوكراني، حيث أصر على وصف الحكومة الأوكرانية بـ"نظام كييف"، ما يعكس استمرار النظرة العدائية التي تنكر شرعية القيادة في أوكرانيا.
ما وراء الدعوة.. حسابات داخلية ودولية
يرى محللون أن هذه الخطوة الروسية ليست سوى تكتيك مرحلي محسوب يهدف إلى تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة:
رسالة إلى ترامب: يقول ستيفن هول، خبير الشأن الروسي، إن هذه الخطوة موجهة بالأساس نحو دونالد ترامب، الذي عبّر عن رغبته في رؤية "حماس حقيقي" لإنهاء الحرب في حال عاد إلى البيت الأبيض. في هذا السياق، تظهر روسيا بمظهر الطرف الساعي للحل، فيما توحي لأوساط المحافظين الأمريكيين بأنها منفتحة على تسوية قد تحفظ ماء الوجه لواشنطن.
تعميق الانقسام الأوروبي: يسعى بوتين، بحسب ويل كينغستون-كوكس، إلى استباق الجبهة الأوروبية التي تتشكل لتعويض غياب الدعم الأمريكي، عبر فتح قنوات مفاوضات مباشرة تهدف إلى عزل أوكرانيا سياسيًا وخلق واقع تفاوضي جديد.
ترويج داخلي للقومية الروسية: إظهار بوتين بمظهر "صانع السلام" قد يطمئن القوميين الروس المتخوفين من التنازلات، كما يعزز روايته الداخلية بأنه الطرف العقلاني في مواجهة "النظام النازي" كما تصفه آلة الدعاية الروسية.
سياق ميداني يدعم ثقة موسكو
يأتي هذا التحول في ظل وضع ميداني لا يزال يُظهر تفوقاً نسبياً للقوات الروسية، مما يعزز مناورات بوتين السياسية.
إذ ترى موسكو أن بإمكانها التفاوض من موقع قوة، خاصة في ظل تعثر الدعم الغربي لأوكرانيا وبدء واشنطن بمناقشة خطط سلام مسربة تتضمن بنودًا تُعتبر مكاسب استراتيجية روسية.
خطة السلام، التي نُسبت إلى إدارة ترامب ولم تُنكرها واشنطن، تشمل الاعتراف الأمريكي بسيادة روسيا على القرم وتجميد خطوط المواجهة الحالية، مع ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا للناتو، وهو ما وصفه محللون بأنه "أقرب إلى حلم روسي يتحقق".
أوكرانيا في مأزق الرد
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب عن استعداده لمناقشة وقف استهداف المنشآت المدنية، لكنه شدد على ضرورة التزام واضح من موسكو. غير أن كييف تواجه معضلة حقيقية: فالدخول في مفاوضات ضمن هذه الشروط قد يعني فعلياً الاعتراف بواقع الاحتلال الروسي، وهو ما يتناقض مع الخطوط الحمراء الأوكرانية ومواقفها المعلنة، ناهيك عن تداعيات ذلك على الجبهة الداخلية المهزوزة بفعل الاستنزاف الطويل.
خدعة الكرملين أم بداية مرحلة جديدة؟.