موقع النيلين:
2024-09-30@17:00:23 GMT

دولة 1956 في السودان : يتيمة في يوم استقلالها (1-2)

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT


اليوم هو وقفة العيد الـ 68 لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. وهو يوم يتم طقوسي وسياسي للعيد لم يقع له من قبل. فلن تنعقد الاحتفالات التقليدية به بسبب الحرب. وهذا مفهوم، لكن يجيء صميم يتمه من أن قضية هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، بحسب القائمين بها، هي تقويض “دولة 56″، أي دولة الاستقلال.

لم يتوقف نقد هذه الدولة منذ الاستقلال ممن صار يعرف بأهل الهامش السوداني محتجين على حظهم البئيس منها لاستئثار أهل النيل والوسط الشماليين بوظائفها ولذائذها.

فقام القوميون الجنوبيون خلال فترة الحكم الذاتي (1954-1956) بما تعارف عليه “بتمرد” أغسطس 1955 احتجاجاً على بخسهم حظهم من سودنة الوظائف في الدولة التي أخلاها المستعمرون الإنجليز ضمن أسباب أخرى.

وتنوعت صور الطعن في الاستقلال لتراوح ما بين الأحزاب والمنظمات الإقليمية مثل مؤتمر البجا، وجبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحركات المسلحة التي طبعت تاريخنا في الاستقلال بحرب أهلية أزلية. ولم تبلغ أي من هذه الاحتجاجات مبلغ قوات “الدعم السريع” من مناضلة الاستقلال المنقوص. فهي الآن، غيرها جميعاً، على أبواب العاصمة، التي كان ارتفع عليها علمه قبل 68 سنة، تريد استكماله بيدها.

وسقم الهامش من الاستقلال واضح. لكن ثمة ضجراً آخر من الاستقلال ذاع بين صفوة الشمال والوسط المتهمين أنفسهم بالاستئثار بالاستقلال من غير التفات كبير له. وبدا كامتياز للفئة تنغمس فيه بغير مسائل أو معقب، أو هذا ما خيل لها. فقد تمكنت منها الخيبة الطويلة من بشريات الحرية الوطنية. وبلغ بؤس المردود المشاهد من الاستقلال حداً دفعها إلى الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهو تنصل صريح من الاستقلال بالندامة على فعل الحرية ومردودها.

ويرى المتنصلون في الاستقلال قفزة في الظلام هززنا بها الشجرة الوارفة (دولة الاستعمار) ولم نلتقط الثمر. ولهم في سقمهم هذا فنون يلحنون بها. ومن ذلك ما شاع عن امرأة استنكرت الاستقلال أول ما سمعت به قائلة “إن شاء يا الإنجليز لا تفوتو لا تموتو”، هذا عن الهذر بالحجة. أما بالجد فهم خلصوا إلى أننا دمرنا بأيدنا ما تركه الإنجليز فينا من منشآت وخدمات وجعلناه خرائب. ومع هذا فالسقم الصفوي وغير الصفوي من الاستقلال شائع في أفريقيا حتى تنامت الدعوة إلى عودة الاستعمار إلى القارة بمبررات شتى.

ويذكر الناس للدكتور علي مزروعي، عالم السياسة الأفريقي الذي لا ترقى الظنون إلى حسن وطنيته، مقاله عام 1994 في “الهيرالد تريبيون” دعا فيه إلى عودة الاستعمار إلى القارة بتفاصيل لا مكان لذكرها هنا. ويدور في ساحة الفكر الأفريقي جدل حول من الملوم في تخريب الاستقلال. فهناك المدرسة البرانية التي تنسب العاهة إلى الأوروبيين الذين طبعونا بالتبعية لهم، وإن غادرونا جسماً. وهناك المدرسة الجوانية التي تقول إن العيب في الأفريقيين أنفسهم الذين فرطوا في استقلالهم بأيديهم. والإشكال مع ذلك أعقد من هذا التقسيم النظيف للتبعة في انزلاق الاستقلال الوعر.

أكبر معارك الحظ المبخس من الاستقلال ما دار حول الوظيفة الحكومية. فوقعت هذه المعارك كما تقدم مباشرة بعد إجراءات سودنة وظائف الإنجليز قبيل الاستقلال. فتباخست دولة الحكم الذاتي. فلم تمنح الجنوبيين غير ثلاث وظائف دنيا من نحو 800 وظيفة تسودنت. فخرجت الفرقة الجنوبية من قوة دفاع السوداني على الدولة في 1955 احتجاجاً على ظلمها لهم وتضرج الاستقلال. وانصرف مطلب حركات الهامش اللاحقة باقتسام السلطة مع المركز الشمالي إلى “طبعة لاحقة” للسودنة في قول أحد الكتاب. فتقاتل الحركة باسم إقليمها، ولكن ما تصالحت مع المركز كان نصيب صفوتها من الوظيفة الدستورية والعامة الأبرز في صلحهما.

واستثني هنا العقيد قرنق وحركته الشعبية لتحرير السودان من طلاب السودنة المستدركة لإقليمه. فكان خرج في ميثاقه الباكر في 1983 يدعو بأن المشكلة في السودان قومية متمثلة في مركز قابض وجب تفكيكه ليتسع للسودان جميعاً. بعبارة، لم تعد مسألة جنوب السودان عنده “جنوبية”، بل “سودانية”. وزاد بانتقاد اتفاق أديس أبابا (1972) بين حركة الأنيانيا الجنوبية المسلحة ونظام الرئيس نميري لاقتصارها على فتح باب التوظيف للجنوبيين في المقامات السامية بالدولة. وسترى هذه السودنة المستدركة متى اطلعت على “الكتاب الأسود” (2000) الذي صدر من بين أوساط حركات دارفور المسلحة. واقتصر سقف متعلمي دارفور في الحركات المسلحة وغيرها فيه على نقد دولة 56 مغلبين الرغبة بالوظيفة في الدولة على غيرها. فانصرف الكتاب بصورة رئيسة لبيان قلة حظ “مثقفي دارفور” من وظائف الدولة الدستورية والقيادية.
ونواصل

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: من الاستقلال

إقرأ أيضاً:

القائد العام للقوات المسلحة يلتقي رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي

التقى رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان اليوم ، رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ، وذلك على هامش مشاركته في إعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً بمدينة نيويورك.وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها وتطويرها، إلى جانب تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك .وأعرب رئيس مجلس السيادة عن تطلع السودان لدفع وتعزيز علاقات التعاون المتميزة بين البلدين في كافة المجالات خدمة لمصالح الشعبين الشقيقين.ومن جانبه أعرب المنفي عن شكره لرئيس مجلس السيادة على دعم السودان المتواصل والدائم لدولة ليبيا وشعبها ،مجدداً موقف بلاده “الثابت تجاه دعم وحدة السودان واستقراره وتحقيق تطلعات شعبه نحو الاستقرار والسلام والأمن والتنمية”.إعلام القوات المسلحةإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المملكة تدين وتستنكر استهداف مقر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى السودان
  • السيسي يؤكد أهمية مواجهة السلوكيات غير القانونية لاستغلال المميزات التي تكفلها الدولة لفئات محددة
  • الأزمة الخفية للاختفاء القسري في السودان
  • الجيش السوداني ينفي اتهام الإمارات: لا نرتكب الأعمال الجبانة
  • حركة تحرير السودان: الدفاع عن الفاشر هو بمثابة الدفاع عن السودان
  • الحرب ,,, والموبقات الثلاث
  • جعفر الميرغني: انتصارات قواتنا المسلحة تؤكد أن مؤسسات الدولة لم تمت
  • الجنجويد والفصل السابع في الانجيل
  • محمد وداعة: ام .. المعارك
  • القائد العام للقوات المسلحة يلتقي رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي