دولة 1956 في السودان : يتيمة في يوم استقلالها (1-2)
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
اليوم هو وقفة العيد الـ 68 لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. وهو يوم يتم طقوسي وسياسي للعيد لم يقع له من قبل. فلن تنعقد الاحتفالات التقليدية به بسبب الحرب. وهذا مفهوم، لكن يجيء صميم يتمه من أن قضية هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، بحسب القائمين بها، هي تقويض “دولة 56″، أي دولة الاستقلال.
لم يتوقف نقد هذه الدولة منذ الاستقلال ممن صار يعرف بأهل الهامش السوداني محتجين على حظهم البئيس منها لاستئثار أهل النيل والوسط الشماليين بوظائفها ولذائذها.
وتنوعت صور الطعن في الاستقلال لتراوح ما بين الأحزاب والمنظمات الإقليمية مثل مؤتمر البجا، وجبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحركات المسلحة التي طبعت تاريخنا في الاستقلال بحرب أهلية أزلية. ولم تبلغ أي من هذه الاحتجاجات مبلغ قوات “الدعم السريع” من مناضلة الاستقلال المنقوص. فهي الآن، غيرها جميعاً، على أبواب العاصمة، التي كان ارتفع عليها علمه قبل 68 سنة، تريد استكماله بيدها.
وسقم الهامش من الاستقلال واضح. لكن ثمة ضجراً آخر من الاستقلال ذاع بين صفوة الشمال والوسط المتهمين أنفسهم بالاستئثار بالاستقلال من غير التفات كبير له. وبدا كامتياز للفئة تنغمس فيه بغير مسائل أو معقب، أو هذا ما خيل لها. فقد تمكنت منها الخيبة الطويلة من بشريات الحرية الوطنية. وبلغ بؤس المردود المشاهد من الاستقلال حداً دفعها إلى الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهو تنصل صريح من الاستقلال بالندامة على فعل الحرية ومردودها.
ويرى المتنصلون في الاستقلال قفزة في الظلام هززنا بها الشجرة الوارفة (دولة الاستعمار) ولم نلتقط الثمر. ولهم في سقمهم هذا فنون يلحنون بها. ومن ذلك ما شاع عن امرأة استنكرت الاستقلال أول ما سمعت به قائلة “إن شاء يا الإنجليز لا تفوتو لا تموتو”، هذا عن الهذر بالحجة. أما بالجد فهم خلصوا إلى أننا دمرنا بأيدنا ما تركه الإنجليز فينا من منشآت وخدمات وجعلناه خرائب. ومع هذا فالسقم الصفوي وغير الصفوي من الاستقلال شائع في أفريقيا حتى تنامت الدعوة إلى عودة الاستعمار إلى القارة بمبررات شتى.
ويذكر الناس للدكتور علي مزروعي، عالم السياسة الأفريقي الذي لا ترقى الظنون إلى حسن وطنيته، مقاله عام 1994 في “الهيرالد تريبيون” دعا فيه إلى عودة الاستعمار إلى القارة بتفاصيل لا مكان لذكرها هنا. ويدور في ساحة الفكر الأفريقي جدل حول من الملوم في تخريب الاستقلال. فهناك المدرسة البرانية التي تنسب العاهة إلى الأوروبيين الذين طبعونا بالتبعية لهم، وإن غادرونا جسماً. وهناك المدرسة الجوانية التي تقول إن العيب في الأفريقيين أنفسهم الذين فرطوا في استقلالهم بأيديهم. والإشكال مع ذلك أعقد من هذا التقسيم النظيف للتبعة في انزلاق الاستقلال الوعر.
أكبر معارك الحظ المبخس من الاستقلال ما دار حول الوظيفة الحكومية. فوقعت هذه المعارك كما تقدم مباشرة بعد إجراءات سودنة وظائف الإنجليز قبيل الاستقلال. فتباخست دولة الحكم الذاتي. فلم تمنح الجنوبيين غير ثلاث وظائف دنيا من نحو 800 وظيفة تسودنت. فخرجت الفرقة الجنوبية من قوة دفاع السوداني على الدولة في 1955 احتجاجاً على ظلمها لهم وتضرج الاستقلال. وانصرف مطلب حركات الهامش اللاحقة باقتسام السلطة مع المركز الشمالي إلى “طبعة لاحقة” للسودنة في قول أحد الكتاب. فتقاتل الحركة باسم إقليمها، ولكن ما تصالحت مع المركز كان نصيب صفوتها من الوظيفة الدستورية والعامة الأبرز في صلحهما.
واستثني هنا العقيد قرنق وحركته الشعبية لتحرير السودان من طلاب السودنة المستدركة لإقليمه. فكان خرج في ميثاقه الباكر في 1983 يدعو بأن المشكلة في السودان قومية متمثلة في مركز قابض وجب تفكيكه ليتسع للسودان جميعاً. بعبارة، لم تعد مسألة جنوب السودان عنده “جنوبية”، بل “سودانية”. وزاد بانتقاد اتفاق أديس أبابا (1972) بين حركة الأنيانيا الجنوبية المسلحة ونظام الرئيس نميري لاقتصارها على فتح باب التوظيف للجنوبيين في المقامات السامية بالدولة. وسترى هذه السودنة المستدركة متى اطلعت على “الكتاب الأسود” (2000) الذي صدر من بين أوساط حركات دارفور المسلحة. واقتصر سقف متعلمي دارفور في الحركات المسلحة وغيرها فيه على نقد دولة 56 مغلبين الرغبة بالوظيفة في الدولة على غيرها. فانصرف الكتاب بصورة رئيسة لبيان قلة حظ “مثقفي دارفور” من وظائف الدولة الدستورية والقيادية.
ونواصل
عبد الله علي إبراهيم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: من الاستقلال
إقرأ أيضاً:
حمدان بن محمد: زورق كورفيت الإمارات P111 إضافة نوعية لدور القوات البحرية الإماراتية
دشّن سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بحضور معالي محمد بن مبارك بن فاضل المزروعي، وزير الدولة لشؤون الدفاع، ومعالي الفريق الركن عيسى سيف بن عبلان المزروعي، رئيس أركان القوات المسلحة، والفريق الركن إبراهيم ناصر العلوي، وكيل وزارة الدفاع، زورق كورفيت الإمارات "P111" الذي تم تصميمه وفق أحدث معايير التكنولوجيا العسكرية العالمية.
وأكد سموّه خلال التدشين أن إطلاق كورفيت الإمارات "P111" يعكس التزام القوات البحرية بتطوير قدراتها الدفاعية وتعزيز إمكانياتها لحماية مياه الدولة ومصالحها الإستراتيجية، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز يشكل إضافة نوعية لدور القوات البحرية في تأمين سواحل ومياه الدولة.
وأثنى سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، على الجهود الوطنية التي أسهمت في تصميم وتطوير هذا الزورق المتقدم، مؤكداً أن الاستثمار في التقنيات العسكرية المتطورة يعزز مكانة دولة الإمارات في مجال الدفاع ويواكب التطورات العالمية، ويرسّخ قدرة القوات المسلحة على القيام بالمهام الموكلة إليها على الوجه الأكمل في الأوقات كافة.
ودعا سموّه عقب التدشين، إلى مواصلة الابتكار والعمل على تعزيز الكفاءات الوطنية في القطاعات الدفاعية المختلفة؛ لضمان جاهزية القوات المسلحة وقدرتها على التعامل بكل كفاءة مع أي تحديات مستقبلية محتملة.
جدير بالذكر أن الزورق يتميز بأجهزة استشعار بانورامية مبتكرة ووحدة أمنية متقدمة لجمع ومعالجة البيانات (PSIM)، تضم أنظمة استشعار متطورة تشمل الرادارات، والأجهزة الكهروبصرية، ومجموعة الحرب الإلكترونية، وهوائيات الاتصالات، وأنظمة الطقس الخاصة بالسفينة، ما يجعله نموذجاً فريداً في الكفاءة والجاهزية العملياتية.