ملتقى الطفل بالجامع الأزهر: الإسلام حرص على تماسك المجتمع بكل مكوناته
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
عقد الجامع الأزهر الشريف، حلقة جديدة من ملتقى الطفل، والذي يأتي تحت عنوان: " الطفل الخلوق - النظيف - الفصيح"، وذلك في إطار مواصلة الجامع الأزهر والرواق الأزهري، جهودهما في توعية النشء بالآداب الإسلامية والأخلاقيات السليمة النابعة من صحيح الدين.
الجامع الأزهر يعلن فتح باب التقديم لدفعة جديدة برواق القرآن الجامع الأزهر يختتم موسمه التاسع ضمن برامجه الموجهة للمرأة والأسرةحاضر في الملتقى الدكتور عبد الرحمن جمعة، الباحث بوحدة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، والشيخ محمود عبد الجواد، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف.
أوضح الدكتور عبد الرحمن جمعة، أن الإسلام حرص أشد الحرص على تماسك المجتمع الإسلامي بكل مكوناته، بداية من الأسرة مرورا بالحي والمدينة وصولا بالأمة بأسرها، ومن أجل ذلك؛ قرر كل الأصول والقواعد التي تحفظ الوحدة والتماسك بين مكونات الأمة ونظراً لأن الاختلاف سنة ماضية في الخلق والكون (ولا يزالون مختلفين)، فلذا نذكر هذا الموضوع المهم ألا وهو: كيف تعاتب فتعاتب صاحبك بأن تقول له ما أغضبك منه بسبب قول منه أو فعل، لأمرين: لِمَعَزَّتِهِ عندك، ولكي لا يكرر ذلك مرة أخرى، وهي في بعض الأحيان تكون ضرورية حتمية.
الإسلام أسس لأدوات بقاء المودة والألفة ودوامهاوبيّن الباحث، أن الإسلام أسس لأدوات بقاء المودة والألفة ودوامها، ومن أبرزها العتاب الرقيق، والمعاتبة اللطيفة فالعتاب يؤكد على ما يبقي المودة، ويُشعر بالرحمة، والقرب، والألفة، ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله - جل وتعالى - كان يعاتب أنبياءه، ورسله، وعباده الصالحين، لذلك نجد في القرآن الكريم-وهو الكلام المعجز - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - نجد عتاباً لطيفاً، رقيقاً من الله-جل جلاله- لقِمَمِ خلقه، وهم الأنبياء والمرسلون، قال تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، وقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
وأوضح أنه على الرغم من أن العتاب لا يكون إلا بين المحبين؛ إلا أنَّه قد يخرج في أحيان كثيرة عن الطور، ويُؤتي عكس ثماره المرجوة، ويتحول لنصل حادٍّ؛ تُشق به العلاقات الراسخة، وتُهتك به المحبات الكبيرة، فالمسلم قد يعاتب أخاه المسلم بلطف، وتودد، ولكنه يكثر من القيام بهذه الوظيفة، فيصير يعاتب على الكبير، والصغير، الجليل، والحقير. وكثرة العتاب من أهم أسباب فقد الأحباب، إذ إنَّه يُرسل برسائلَ سلبية كثيرة من العاتب إلى المعتوب عليه، أبرزها: أن العاتب لا يحتمل لأخيه أدنى شيء منه، وأنه دائما ما يسيء الظنَّ بأخيه، وأنه ينظر إليه بعين الإتهام بالتقصير، وكلها أمور تنتهي بالصداقات الراسخة، والأخوة الصادقة إلى القطيعة الدائمة، لذلك كان على المسلمين معرفة القواعد المثلى في تطبيق العتاب بين الأحباب.
وأشار الباحث، إلى تلك القواعد وذكر منها: إياك وكثرة العتاب، وهي أهم قواعد العتاب على الإطلاق، فكثرة اللَّوْم في الغالب لا تأتي بخير، مضيفا: انظر إلى الأدب النبوي في تطبيق العتاب، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: "لمَّا قدم رسولُ الله ﷺ المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إِلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إن أَنَسَاً غلاماً كَيِّساً، فليخدُمْكَ، قال: فخدمته في السفر، والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعْه: لِمَ لَمْ تصنعْ هذا هكذا؟ " فعلى الرغم من صغر سن أنس رضي الله عنه، إلا إن الرسول ﷺ قد تألَّفه بترك المعاتبة؛ لما رَأى فيه من رشدٍ وكياسةٍ في معظم تصرفاته، والصغير لا يخلو من هفوات، ومع ذلك، لم يعاتبه الرسول عليها؛ لعلمه أنها لا تنفك عن أحد في مثل سنه. ومنها أيضاً: النظر بواقعية للخطأ، وتعني النظر بواقعية تجاه أخطاء البشر، فلا أحدَ يخلو من أخطاء، وفي الحديث: " كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ "، ومن طلب صديقاً بلا عيبٍ أو خطئٍ؛ أفنى عمره قبل أن يتحقق له ما يريد، والواجب على المسلم عندما يرى أخاه على خطأٍ، وعيبٍ؛ أن يبصره بالتعامل الأمثل مع هذا الخلل، فليس بعار أن يكون الإنسان مخطئاً، ولكنَّ العار الحقيقي أن يستمر على خطئه ويواصل الاحتفاظ بعيوبه، وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين على أنهم بشر يخطئون.
المعايرة من الأخلاق الذميمة
وحذر الدكتور عبد الرحمن، من المعايرة، مبيناً أنها من الأخلاق الذميمة، التي تكشف عن سوء الطوية وخبث النفس، فالذنب شؤم على المجتمع، ويوجد مشكلةً مع صاحب الذنب، مع صديقه، مع أخيه، مع جاره، مع قريبه، صاحب المذنب، إن رضي بهذا الذنب؛ شاركه في الإثم، وإن ذكره للناس؛ فقد اغتابه، وإن عيَّره؛ ابتلي به. ليس من أخلاق المؤمن أن يعيَّر بالذنب، المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله، ويبغض الشيطان، ويبغض أولياء الشيطان، لكن المؤمن، يملك قلباً مرهفاً، ونفساً جياشة، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله، فالحب في الله، والبغض في الله؛ من أوثق عرى الإيمان، ولكن بعض الناس يشط، فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها؛ يعير المذنب، ويتعالى عليه، جاء في الحديث عن جندب بن عبد الله-رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله ﷺ حَدَّثَ:"أن رجلاً قال: واللهِ، لا يَغْفِرُ الله لِفُلان، وأَنَّ الله تعالى قال: مَن ذَا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغْفِرَ لِفُلان؟ فَإِني قد غفرتُ له، وأَحبَطتُ عمَلَكَ".
وناشد الباحث بعدم المبالغة أو التهوين في الأمور فتضخيم الخطأ، أو تصغيره من الأخطاء الشهيرة عند العتاب، فإنك حين تعظّم الحقير توغر الصدر، وحين تحقّر العظيم؛ تفسد الأمر، ومن صفات العوام؛ أنهم يبالغون، فالخطأ الصغير؛ يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة! والخطأ الكبير يصغرونه إن صدر من أحبابهم وكأنه هفوة، والرسول ﷺ حين علم أن أسامة رضي الله عنه قد قتل رجلاً؛ بعد أن نطق بالشهادة، اشتد في عتابه وإنكاره على أسامة رضي الله عنه فِعلتَه، حتى تمنى أسامة، ألا يكون قد أسلم إلا في هذا اليوم، وعندما كسرت عائشة رضي الله عنها إناء صفية رضي الله عنها ؛ لم يزد على قوله: " غارت أمكم "، وألزمها بضمان ما أتلفته، لم يزدْ في عتابه، وتقريعه عن ذلك؛ لعلمه أن الغيرةَ بين النساء أمرٌ جِبِلِّيٌ.
من جانبه ، تناول الشيخ محمود عبد الجواد، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، شرح التمييز، حيث قام بتعريفه وبين حالات إعرابه ومواضعه، ودلل على ذلك بالأمثلة التوضيحية.
وفي نهاية الملتقى، اختتم الباحثان حديثهما بالإجابة عن بعض الأسئلة حول الموضوع، وأثناء الشرح استخدم الباحثان بعض الشرائح التوضيحية، معتمدَيْن على أسلوب المناقشة والتحاور مع الأطفال، تشجيعاً لهم على المشاركة.
يذكر أن ملتقى " الطفل الخلوق والنظيف والفصيح" يعقد يوم السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، ويتم تنفيذه في بعض المحافظات ، وذلك لتربية النشء على أسس صحيحة، وفهم عميق لأخلاقيات ديننا الحنيف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر ملتقى الطفل الرواق الأزهرى تربية النشء الجامع الأزهر الشریف بالجامع الأزهر رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر يحذر من تصاعد الإسلاموفوبيا ويدعو إلى وضع قوانين لوقفها
حذر شيخ الأزهر أحمد الطيب، من تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا، داعياً إلى وضع قوانين لوقفها. ودعا إلى إنشاء قواعد بيانات شاملة ومحدثة لتوثيق الجرائم والممارسات العرقية والعنصرية ضد المسلمين.
جاء ذلك في كلمة الطيب بالجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، ألقاها نيابة عنه السفير، أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، وفق بيان للأزهر اليوم الأحد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عنصرية وتحريض.. تقرير: عنف إسرائيلي رقمي "خطير" ضد الفلسطينيينlist 2 of 2قاض أميركي يمنع ترامب من استخدام صلاحيات "زمن الحرب" لترحيل المهاجرينend of listوقال الطيب إن "الاحتفاء باليوم العالمي جاء تتويجا لجهود مشكورة تحملت عبئها مجموعة الدول الإسلامية لدى الأمم المتحدة لمواجهة هذه الظاهرة".
ووصف ظاهرة الإسلاموفوبيا بأنها "غير معقولة ولا منطقية، حيث تمثل تهديدًا حقيقيًّا للسِّلم العالمي".
وأشار إلى أن كلمة "الإسلام" مشتقة من نفس كلمة السلام بالعربية، وهي تعبير عن القيم التي جاءت بها رسالة هذا الدين الحنيف، بما فيها الرحمة والمحبة والتعايش والتسامح والتآخي بين الناس جميعا على اختلاف ألوانهم وعقائدهم ولغاتهم وأجناسهم.
وبين شيخ الأزهر أن "الإسلاموفوبيا أو ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام، لم تكن إلا نتاجا لجهل بحقيقة هذا الدين العظيم وسماحته، ومحاولات متعمدة لتشويه مبادئه التي قوامها السلام والعيش المشترك".
إعلانوشدد على أن ظهور الإسلاموفوبيا "نتيجة طبيعية لحملات إعلامية وخطابات يمينية متطرفة، ظلت فترات طويلة تصور الإسلام على أنه دين عنف وتطرف، في كذبة هي الأكبر في التاريخ المعاصر، استنادًا لتفسيرات خاطئة واستغلال ماكر خبيث لعمليات عسكرية بشعة، اقترفتها جماعات بعيدة كل البعد عن الإسلام".
وفي معرض أسفه لتصاعد موجات هذه الظاهرة، قال شيخ الأزهر: "رغم كل هذه الجهود الكبيرة، ما زالت هذه الظاهرة تتسع – للأسف- وتغذيها خطابات شعبوية لليمين المتطرف تستغل أوجه الضعف الفردي والجماعي، فتذكرنا بأن المعركة طويلة النفس، وأن التحدي يحتم علينا أن نضاعف الجهود، ونبتكر آليات تواكب التعقيدات التي ترافق هذه الظاهرة".
ودعا شيخ الأزهر إلى وضع تعريف دولي لظاهرة الإسلاموفوبيا، يتضمن تحرير مجموعة من المصطلحات والممارسات المحددة دوريا، وتعبر عن التخويف أو الحض على الكراهية أو العنف ضد الإسلام والمسلمين بسبب انتمائهم الديني.
كما طالب بإنشاء قواعد بيانات شاملة ومحدثة لتوثيق الجرائم والممارسات العرقية والعنصرية ضد المسلمين بسبب دينهم، ورصد القوانين والسياسات التي تشكل تعميقًا للظاهرة، أو تمثل حلولًا تساعد على معالجتها.
وفي 2022، تبنى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوا بالإجماع قرارا يجعل 15 مارس/آذار من كل عام يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا.
ويدعو النص غير الملزم إلى "تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات".