السودان: ماذا بعد سقوط ود مدني؟
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
يشكل سقوط مدينة ود مدني الواقعة وسط البلاد، وعلى مسافة أقل من مائتي كيلو متر من العاصمة السودانية في يد قوات الدعم السريع تطورا كاشفا لمسارات مرتقبة بالسودان على الصعيدين السياسي والعسكري، مرتبطة بتوازنات قوة جديدة، لا تبدو، أنها في صالح الجيش السوداني خصوصا بعد انسحاب فرق القوات المسلحة من ود مدني بلا قتال فيما تم وصفه من جانب أوساط الرأي العام السوداني بخيانة، بسبب اختراق تم للقوات المسلحة السودانية، وهو الاختراق الذي أعلنت قيادتها، أنها تحقق فيه، ولكن حتى الآن لم تظهر نتيجة لهذا التحقيق الذي ينتظره الرأي العام داخليا، وخارجيا رغم مرور أسبوع تقريبا على سقوط ود مدني.
هذ المشهد يفتح الباب أمام عدد من السيناريوهات: الأول، هو تمكن الدعم السريع من السيطرة على مقاليد حكم السودان، أما السيناريو الثاني، فهو الاستقرار على صيغة تدخل دولي مؤقت، أو ممتد طبقا للظروف، بما يضمن استمرار دولة السودان، أي ما كان مستوى قوتها أو فاعليتها داخليا، وخارجيا؛ نظرا لأهميتها الجيوسياسية.
السيناريو الثالث، ينحصر في فوضي مسلحة، وممتدة بلا أفق واضح؛ نظرا للانشغال الدولي، والإقليمي بمجريات كل من غزة وأوكرانيا، حيث أن كلا الصراعين مرتبطان بتفاعلات النظام الدولي على نحو أعمق، وأكثر تأثيرا، ربما من المجريات السودانية في هذه اللحظة.
معطيات السيناريو الأول، في تقديرنا مؤسسة على أن تقدم الدعم السريع، وسيطرته على ود مدني، تعني الإصرار على تنفيذ مخطط، تم إعلانه سابقا على لسان عبد الرحيم دقلو نائب رئيس قوات الدعم السريع، بوجود مخطط للسيطرة على كامل التراب السوداني، وهو الأمر الذي يعني قدرة على التقدم نحو منطقة شرق السودان في القضارف وغيرها، وهو الأمر الذي يسهل حصول الدعم السريع على قدرات لوجستية جديدة، سواء على الصعيد التسليحي أو غيره من مطارات إثيوبيا القريبة، بما يعني في المحصلة النهائية تنفيذ مخطط الدعم السريع السابق إعلانه.
في هذا السياق، نستطيع أن نفسر أسباب استقالة يوسف عزت، المستشار السياسي لقوات الدعم السريع المعلنة مؤخرا من منصبه، حيث من المرجح طبقا لبعض التقديرات، أن يكون للرجل موقعا سياسيا رفيعا في الترتيبات التي تجري حاليا في الكواليس المؤسسة على تحقيق فعلي من جانب الدعم السريع؛ لخطة سيطرته على غالبية التراب الوطني السوداني.
طبقا لهذا التطور المرتقب، فسوف يتم تشكيل وتأطير هياكل سياسية مدنية، تقوم بمهام تأسيس سلطة الدعم السريع في البلاد التي ليس بالضرورة، أن تدشن تحولا ديمقراطيا في السودان، نظرا لأمرين: الأول، أنها لا تمتلك شروطه الموضوعية، والسبب الثاني، يعود الي تعقيد التركيب السوداني، ومشكلاته متعددة المستويات، خصوصا على الصعيد العرقي.
أما معطيات السيناريو الثاني، أي وقوع السودان تحت مظلة إشراف دولي أو وصاية ودولية، ولكل مفهوم منهما منظومة إجرائية محددة، فتعود الي فشل جميع المبادرات الداخلية والإقليمية في وقف الحرب، أو على أقل تقدير الوصول إلى مرحلة وقف إطلاق النار مستدام، مع فتح الباب أمام العون الإنساني للمتضررين من المدنيين، حيث لم تحقق المنابر المدعومة أمريكيا المأمول، وهما منبرا: جدة، والإيجاد، رغم فاعلية المملكة العربية السعودية في منبر جدة، وفاعلية إثيوبيا و الاتحاد الإفريقي في الثاني، أما منبر دول جوار السودان الذي أطلقته مصر، فقد وجد من التعقيدات، ما يفقده الفاعلية المرجوة حتى الآن.
وعلى صعيد مواز، فإن ما يجعل خيار الإشراف الدولي مطروحا في التوقيت الراهن، هو طبيعة الانتهاكات التي تم تنفيذها، ضد المدنيين بوحشية في كافة مناطق القتال، والنزوح الجماعي للسودانيين داخليا وخارجيا، جعلت الثقة في الأطراف المتصارعة على الصعيد الشعبي مفقودة كفاعلين، يمكن الثقة فيهما لبناء دولة ما بعد الحرب، كما أن الثقة العامة في النخب السياسية السودانية، ومدي جدارتها في إدارة تنوعه وتعقيده مفقودة تاريخيا في السودان .
وطبقا للمشار إليه سالفا، فإن فكرة الإشراف الدولي على السودان لا تقتصر على مخططات دولية، ربما تكون موجودة، بل أن هناك أصواتا داخلية، تنادي بها انطلاقا، من أن تفاوض الطرفين المتصارعين، لا يعني على الإطلاق حلا للأزمة، بل ربما سوف يعيد إنتاجها بطبيعة توازنات القوى الراهنة على الأرض، وقد أورد هذه التقديرات على نحو شامل فيصل محمد صالح وزير الإعلام السوداني الأسبق في مقال، أظنه فارقا، تحت عنوان مبادرات دولية أم إقليمية، وهو المقال الذي أسهب فيه عن الأصوات الداخلية الداعية لإشراف دولي أو وصاية، تدير حكما مركزيا للسودان لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وذلك في خطة تفصيلية طرحها مدير جامعة الخرطوم الأسبق د. مهدي أمين التوم، وهو المنحدر من أسرة، تملك تاريخا سياسيا وطنيا غير مختلف عليه في السودان، وهو طرح، يذكر، كما يقول فيصل بطرح د. علي مزروعي الأكاديمي الإفريقي ذو الأصول الكينية، والجنسية الأمريكية، والمشهود بقيمته الفكرية في الأوساط الأكاديمية الإفريقية.
في ذات السياق طرحت جبهة محامي دارفور تدخلا من جانب الأمم المتحدة، يسمح بوجود قوات دولية للأمم المتحدة، تفصل بين القوات المتحاربة تحت ولاية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الفصل الذي يتيح استخدام القوة المسلحة، وهو أداء سبق اختباره في دارفور، فيما يعرف ببعثة اليوناميد، اعتبارا من عام ٢٠٠٦ بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
السيناريو الثالث، هو سيناريو الفوضى وامتداد الصراعات المسلحة على أكثر من صعيد، وطبقا للحسابات الضيقة لكل قوى عسكرية فاعلة على الأرض، ذلك أن تسليم القوات المسلحة والقوى السياسية والاجتماعية والقبلية التي تدافع عنها بتوازنات القوى العسكرية الراهنة التي يتفوق فيها الدعم السريع، لن يكون متاحا على المستوى المنظور، من هنا نستطيع أن نفهم، أنه يتم حاليا تسليح مدنيين سودانيين على أسس سياسية أو قبلية، وهذا السيناريو، يعني في الأخير انهيار دولة السودان رسميا وفعليا على النمط الصومالي، حيث من المتوقع أن يظهر أمراء حرب جدد طبقا لخرائط الموارد من جهة، وتطلعات التنظيمات الجهادية من جهة أخرى، والأخيرة تملك خلايا نائمة، تم تفعيل بعضها مؤخرا.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو موقف القاهرة من جملة التفاعلات السودانية في المرحلة الأخيرة؟ حيث لوحظ صمت سياسي مصري عن المجريات السودانية العسكرية، يقابله اهتمام إعلامي من جانب الفضائيات المصرية لا يمكن نكرانه، رغم أن الاتجاه الإعلامي العام يركز حاليا على غزة، دون غيرها.
هذا الصمت كان من المتوقع كسره مع التطورات العسكرية الأخيرة، خصوصا في ود مدني التي تتميز تاريخيا بوجود مصري فيها للأقباط خصوصا، ووجود كتلة سودانية نازحة من أماكن أخرى، وكون ود مدني أيضا عاصمة الولاية الزراعية الأهم في السودان، وهي ولاية الجزيرة.
نتساءل هل سلمت القاهرة بدور دولي في السودان، بعد أن ثبت أن الجيش السوداني، عبر طبيعة تحالفاته السياسية وممارسته العسكرية، وكذلك المقدرة على اختراقه من جانب الأطراف المعادية، بشكل واسع، لا يملك القدرات اللازمة؛ ليكون رافعا لتحرك مصري في السودان يملك شروط الفاعلية والنجاح؟
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان من جانب ود مدنی
إقرأ أيضاً:
معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرًا، ترجمته "عربي21"، استعرض شهادات مروعة لمعتقلين سابقين لدى قوات الدعم السريع السودانية كشفوا فيها عن عمليات إعدام وتجويع وتعنيف وحشية في مركز احتجاز تم اكتشافه حديثًا، مما أثار دعوات لإجراء تحقيق في جرائم حرب محتملة.
وذكرت الصحيفة قصة المعتقل "آدم" الذي يعتقد أنه قتل تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للدعم السريع، في ولاية الخرطوم بالسودان، وعثر على مرتبة مضرجة بدمائه في منشأة عسكرية نائية.
وبعد ما يقارب عامين على اندلاع الحرب الأهلية الكارثية في السودان، يعكس رحيل آدم المحتمل الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها والتي تُطرح في جميع أنحاء البلاد، حيث يتميز الصراع بعمليات قتل غير مسجلة، واختفاء قسري، وعائلات تبحث عبثًا عن أحبائهم المفقودين.
كان المبنى الذي عثر فيه على آثار "آدم" يضم مركز تعذيب واضحًا تحت قيادة قوات الدعم السريع شبه العسكرية. ومع بدء الدعوات لإجراء تحقيق في حجم ما حدث في الداخل، من المأمول أن تبدأ محاولات التعرف على الجثث داخل مئات المقابر المجهولة القريبة.
قد توجد أدلة محتملة حول من قد يرقد في القبور المحفورة على عجل في دفتر ملاحظات بحجم A3 عثرت عليه صحيفة الغارديان على الأرض القذرة لمركز التعذيب. في كل صفحة مكتوبة بعناية بقلم حبر جاف، توجد قائمة بـ 34 اسمًا باللغة العربية بعضها مشطوب.
أيًا كانت هوية هؤلاء المعتقلين فقد عانوا وتعرضوا للضرب بشكل متكرر، وكانت الحياة اليومية مروعة بلا هوادة. تم حشر العشرات في غرف لا يزيد حجمها عن ملعب اسكواش. يصف الناجون أنهم كانوا محشورين بإحكام لدرجة أنهم لم يتمكنوا إلا من الجلوس وركبهم مطوية تحت ذقونهم بينما كانت زاوية من الغرفة مرحاضًا. عندما زارت الغارديان المكان، كان الهواء مليئا بالذباب والرائحة الكريهة لا تطاق. تغطي الكتابات الجدران. بعضها يتوسل الرحمة وإحداها يقول "هنا ستموت".
خلف باب شبكي تتدلى منه الأصفاد توجد عدة غرف بدون نوافذ بمساحة مترين مربعبن كانت تستخدم كغرف تعذيب، على حد قول ضباط عسكريين سودانيين. ووفقًا للإفادات التي أُدلي بها للأطباء، تعرض المعتقلون للجلد بشكل متكرر بالعصي الخشبية من قبل حراس قوات الدعم السريع. وأُطلق النار على آخرين من مسافة قريبة.
في منطقة يستخدمها حراس قوات الدعم السريع، خلفت ثقوب الرصاص ندوبًا في السقف. أولئك الذين لم يتعرضوا للتعذيب حتى الموت واجهوا مجاعة تدريجية.
وفي حديثه في قاعدة عسكرية في مدينة شندي، قال الدكتور هشام الشيخ إن المعتقلين كشفوا أنهم كانوا يتلقون كوبًا متواضعًا من حساء العدس، حوالي 200 مل، يوميًا. كانت هذه الإعاشة توفر حوالي 10% من السعرات الحرارية اللازمة للحفاظ على وزن الجسم. لذلك أصابهم الهزال بسرعة.
إلى جانب الانهيار الجسدي، كان المعتقلون محطمين نفسياً أيضاً. بعد أن حوصروا في مكان ضيق – وعدم وجود مساحة للتحرك – أصبح العديد منهم صامتين تقريبًا بسبب صدمة وجودهم. يقول خبراء الفظائع إن حجم موقع الدفن المؤقت غير مسبوق من حيث الحرب السودانية المستمرة. حتى الآن، لم يقترب أي شيء من حجمه.
تقول مصادر عسكرية فحصت الموقع إنه تم تحديد مكان كل جثة بكتلة خرسانية كشاهد قبر. عدد من القبور محاطة بما لا يقل عن 10 كتل خرسانية.
حثّ جان بابتيست غالوبين، من هيومن رايتس ووتش، الجيش السوداني على منح "وصول غير مقيد" للمراقبين المستقلين، بما في ذلك الأمم المتحدة، لجمع الأدلة. تعكس تجارب المعتقلين أيضًا الحرب الأوسع نطاقًا. منذ البداية، اتسم الصراع في السودان بهجمات ذات دوافع عرقية، وأفاد المعتقلون بتعرضهم لإساءات عنصرية في مركز التعذيب.
يقول الشيخ: "لقد تعرضوا للإساءة العنصرية كثيرًا. لقد عانوا من التحرش اللفظي والعنصرية". تم الاستهزاء بهم جميعًا على أنهم ينتمون إلى "دولة 56" في إشارة إلى العام الذي حصلت فيه السودان على استقلالها، وهو هيكل قال حراس قوات الدعم السريع للسجناء إنهم يريدون "تدميره".
ومما يؤكد بؤس وضعهم حقيقة أن جميعهم احتُجزوا على ما يبدو لأسباب بسيطة وتعسفية.
وحسب ما ورد، احتُجز معظمهم بعد منع قوات الدعم السريع من نهب منازلهم. ويقول الشيخ إن البعض اعتُقل بعد رفضه تسليم هاتفه الذكي. وعلى الرغم من أن جميع الذين عُثر عليهم في المركز كانوا من المدنيين، إلا أنه خلال الزيارة عثرت الغارديان أيضًا على العديد من بطاقات الهوية العسكرية السودانية الرسمية بين الحطام في أرضية المنشأة.
وكان من بين الحطام أيضًا علب من الحقن وعلب أدوية مهملة، بعضها يمكن أن يجعل المستخدمين يشعرون بالدوار والنعاس. وتعتقد مصادر عسكرية أن قوات الدعم السريع ربما استخدمت المخدرات للهروب من الواقع الرتيب لواجب الحراسة. وهو ادعاء تؤكده التقارير المتكررة عن مقاتلي قوات الدعم السريع المخدرين، فضلاً عن اكتشاف حديث على بعد ثمانية كيلومترات جنوب مركز التعذيب.
قبل عدة أسابيع، وبالقرب من مصفاة النفط الرئيسية في السودان، عثر ضباط مخابرات الجيش السوداني على مصنع على نطاق صناعي ينتج عقار الكبتاغون المحظور، قادر على إنتاج 100 ألف حبة في الساعة. وتم العثور على دليل على أن الأمفيتامين كان يستخدم محليًا ويُهرب إلى الخارج.
يثير اكتشاف مركز التعذيب التابع لقوات الدعم السريع ومصنع الكبتاغون القريب على نطاق واسع مقارنات غير مواتية مع سوريا، التي حولها رئيسها السابق بشار الأسد إلى أكبر دولة مخدرات في العالم. وبالمثل، يبدو أن الاكتشافات المروعة في القاعدة العسكرية شمال الخرطوم هي جزء من شبكة من مراكز التعذيب التابعة لقوات الدعم السريع حول العاصمة.
وقالت مصادر عسكرية إنهم عثروا مؤخرا على مركز آخر في جنوب الخرطوم. وهناك، كان المصريون من بين الذين تعرضوا للتعذيب، وبعضهم حتى الموت.
ومع اشتداد المعركة من أجل العاصمة ومع إحراز الجيش – المتهم نفسه بجرائم حرب وانتهاكات لا حصر لها – تقدمًا مطردًا ضد عدوه اللدود، فإن المزيد من الاكتشافات المروعة أمر لا مفر منه. ببطء، وبشكل صادم، سيظهر الحجم الحقيقي لأسرار السودان الرهيبة.