حرب السودان: دوي الرصاص، وسلاح الكلمة
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
غياب الدور المؤثر للأعلام المستقل السوداني نتيجة لعوامل كثيرة منها طبيعة الحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل ٢٠٢٣، وتوظيفها للموارد من الطرفين للأعلام المساند ومن جانب أخر وانعكاسات الحرب على البنية الهشة لمؤسسات حرية التعبير السودانية التي رزحت تحت القيود لثلاثة عقود ثم التطورات التي لحقت بالفترة الانتقالية من انقلاب ٢٥ اكتوبر٢٠٢١، هذا مع غياب التفكير من الاجسام المستقلة المرتبطة بحرية التعبير في السبل التي تمكنها من الاستمرار في القيام بدورها في ظل الحرب من جغرافيا امنة يمكنها ايصال صوتها، وتعزيز دورها في توفير الخدمات لعضويتها بشكل يساعد يمكن حتي ولو من الاستقرار النسبي لشرط يمكن من القيام بالدور المنوط بهم، فالأعلام المستقل له دور في تعزيز الاصوات الداعية لو قف الحرب من جانب وادوار اخري كثيرة لا مجال للتعرض لها في هذا الحيز .
الفراغ الذي نتج استطاعت الاصوات المساندة لطرفي الحرب في ملأه بأشكال شتي جميعها تصب كانعكاس لمواقف الاطراف الرئيسية للحرب التي في محصلتها واسباب نشؤها قطع الطريق على الفترة الانتقالية بالسودان، الكثير من الحملات كانت محتوي للأعلام المساند منذ بداية الحرب ، لكن التطورات التي برزت بظهور قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتى خلال اليومين الماضيين من الاسبوع الاخير من ديسمبر ٢٠٢٣ في كل من دولتي يوغندا واثيوبيا، افرزت حالة تنبيه لدور الاعلام المساند وتطورات الحرب المشتعلة، لذا يحاول المقال النظرا الي الارتباط والنتائج المترتبة على ذلك وانعكاسها في مجمل المشهد،
في تقديري أن الإعلام المساند للقوات المسلحة منذ بدء الحرب في السودان في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ قد منح قوات الدعم السريع فرصة كبيرة وذلك من خلال الترويج سواء بالنشر الكتابي أو الصوتي أو عبر الفيديو وغيره لمقتل قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو، وكان قد سبق ذلك نشر لمقتل شقيقه الذي يتولى منصب القائد الثاني الفريق عبدالرحيم دقلو في الأيام الأولي منذ بدء الحرب، لكن سرعان ما ظهر الرجل أكثر من مره وسط مقاتليه، الأمر الذي جعل التركيز ينصب نحو حميدتى؟
قبل الخوص في الاجابة يثور السؤال عن المغزى من اثارة مقتل حميدتى ؟ بداهة تأتي الإجابة بأنها بهدف زعزعة الروح المعنوية لقواته وسحب مقتله كبداية لهزيمتها باعتبار أن مقتل القائد قد ينفرط معه عقد تماسك الدعم السريع وينعكس على بعثرتها للتركيبة التي تتكون منها بما يشمل الذين انضموا اليها بعد الحرب سواء تضامن عشائري او تعبئة مالية !
كل هذا ظل على مدي أشهر لكن دون أن يفلح أحد في تقديم الدليل على موته سواء قتيلا بشكل مباشر أم بعد الإصابة في سياق القتال، كما أنه رغم ذلك ظل استمرار الترويج دون الاتيان بدليل تفتضيه تعزيز المصداقية أو حتي الاستفادة من حالة النشر حول مصيرعبدالرحيم دقلو.
ليأتي السؤال هل حدث ما رمت اليه خطة الترويج من تراجع الدعم السريع أو تبعثره ؟ الاجابة ليست عسيرة بل سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة بدارفور وكردفان وآخيرا ولاية الجزيرة هي الشاهد على ذلك، من ناحية ثانية لم يتم الانتباه الي أن استمرار القتال والترويج لموته يعني تعزيز ما يرمي اليه الدعم السريع من انه قادر وراغب على الاستمرار في المعارك، طول الترويج وعدم تعزيزه بدليل ابطل مفعول الحالة النفسية المرجوة من الخطة، بالمقابل جعل الدعم السريع يتجاوز ذلك ويركز على النشر الذي يحاول به تحسين صورته بشكل عام وفي المناطق التي سيطر عليها، بل ذهب الي النفاذ الي خطوات اخري بان وظف الاعلام الخاص به ووسائل التواصل الاجتماعي لإبراز قادته في مناشط تجعله يبدو مهتما باستقرار المواطنين في مناطق سيطرته من تقديم للخدمات وغيرها، هذه الحالة اذا نظرنا لها بعين غير السودانيين والسودانيات فهي نافذة اليهم كمتلقين بعيدين عن مركز الحدث .
في تقديري أن الترويج لموت حميدتى استغل من جانبه بشكل جعله بعيدا عن الضغط الاعلامي بل منحه عفو من المسئولية القانونية الجنائية التي يسقطها القانون بالموت، او بتعبير اخر منحته حصانة جعلته بعيدا عن التركيز الدولي المنصب على الانتهاكات وهو ما يفسر العقوبات الامريكية على عبدالرحيم دقلو واللواء عبدالرحمن جمعة قائد الدعم السريع لغرب دارفور، بل واصل حميدتى في الاستفادة من ذلك بظهوره في المحيط الافريقي في يوغندا واثيوبيا واستقباله بشكل رسمي ومن قادة تلك الدول الرفيعين.
اثار ظهوره هذا حالة من الربكة والتبرير غير الموضوعي من الاعلام المساند للقوات المسلحة في حالة ستنعكس سلبا على المصداقية بما يقلل من فاعلي حالة الترويج وهو الخصم الذي لم يتم التحسب له منذ البدء، كما قد تكون له انعكاساته على استغلالها لتجديد الروح المعنوية للدعم السريع، نفسيا يقود ذلك قد المتلقي الذي ظل على تصديق بمقتل حميدتى للتفكير مستقبلا قبل التعامل الجاد مع المعلومة من ذات المصدر/ المصادر، في ظل تطور وإتساع مصادر المعلومات التي تتنافس على الموثوقية.
الخلاصة : الاعلام الحربي لا يدار بما ينحدر الي مستوي يجافي المصداقية ويضع عقل المتلقي في حالة توهان، وهذا التوهان قد يسري الي القوات التي تبدأ في التفكير في مغزي التوهم كل هذا يقود الي من المستفيد من اطلاق هذه الشائعات وما هي مصلحته وهل هي متطابقة مع مصلحة الجيش الذي يناصره ام انها شائعة خرجت من الطرف الاخر ليعزز بها موقفه ويربك به الجيش في توقيت محدد؟ وكل هذا وهنالك حرب مستمرة تحصد الارواح وتشرد المدنيين وتهدم في البنية التحتية للدولة وتنخر في عضم المواطنة النسبية برماح الكراهية المسمومة .
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.