عقد الجامع الأزهر الشريف، حلقة جديدة من ملتقى الطفل، والذي يأتي تحت عنوان: "الطفل الخلوق - النظيف - الفصيح"، وذلك في إطار مواصلة الجامع الأزهر والرواق الأزهري، جهودهما في توعية النشء بالآداب الإسلامية والأخلاقيات السليمة النابعة من صحيح الدين، وحاضر في الملتقى الدكتور عبد الرحمن جمعة، الباحث بوحدة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، والشيخ محمود عبد الجواد، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف.

الإسلام أسس لأدوات بقاء المودة والألفة ودوامها وأبرزها العتاب الرقيق والمعاتبة اللطيفة

قال الدكتور عبد الرحمن، إن الإسلام حرص أشد الحرص على تماسك المجتمع الإسلامي بكل مكوناته، بداية من الأسرة مرورا بالحي والمدينة وصولا بالأمة بأسرها، ومن أجل ذلك؛ قرر كل الأصول والقواعد التي تحفظ الوحدة والتماسك بين مكونات الأمة ونظراً لأن الاختلاف سنة ماضية في الخلق والكون (ولا يزالون مختلفين)، فلذا نذكر هذا الموضوع المهم ألا وهو: كيف تعاتب فتعاتب صاحبك بأن تقول له ما أغضبك منه بسبب قول منه أو فعل، لأمرين: لِمَعَزَّتِهِ عندك، ولكي لا يكرر ذلك مرة أخرى، وهي في بعض الأحيان تكون ضرورية حتمية.

وبيّن الباحث ، أن الإسلام أسس لأدوات بقاء المودة والألفة ودوامها، ومن أبرزها العتاب الرقيق، والمعاتبة اللطيفة فالعتاب يؤكد على ما يبقي المودة، ويُشعر بالرحمة، والقرب، والألفة، ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله - جل وتعالى - كان يعاتب أنبياءه، ورسله، وعباده الصالحين، لذلك نجد في القرآن الكريم-وهو الكلام المعجز - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - نجد عتاباً لطيفاً، رقيقاً من الله-جل جلاله- لقِمَمِ خلقه، وهم الأنبياء والمرسلون، قال تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، وقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).

وأوضح أنه على الرغم من أن العتاب لا يكون إلا بين المحبين؛ إلا أنَّه قد يخرج في أحيان كثيرة عن الطور، ويُؤتي عكس ثماره المرجوة، ويتحول لنصل حادٍّ؛ تُشق به العلاقات الراسخة، وتُهتك به المحبات الكبيرة، فالمسلم قد يعاتب أخاه المسلم بلطف، وتودد، ولكنه يكثر من القيام بهذه الوظيفة، فيصير يعاتب على الكبير، والصغير، الجليل، والحقير. وكثرة العتاب من أهم أسباب فقد الأحباب، إذ إنَّه يُرسل برسائلَ سلبية كثيرة من العاتب إلى المعتوب عليه، أبرزها: أن العاتب لا يحتمل لأخيه أدنى شيء منه، وأنه دائما ما يسيء الظنَّ بأخيه، وأنه ينظر إليه بعين الإتهام بالتقصير، وكلها أمور تنتهي بالصداقات الراسخة، والأخوة الصادقة إلى القطيعة الدائمة، لذلك كان على المسلمين معرفة القواعد المثلى في تطبيق العتاب بين الأحباب.
 

حصاد مجلة الأزهر 2023.. تفنِّد المزاعم الصهيونية حول أحقية اليهود في القدس حصاد الأزهر 2023.. دعم راسخ وعقيدة ثابتة وعزم لا يتزعزع تجاه القضية الفلسطينية


وأشار الباحث، إلى تلك  القواعد وذكر منها: إياك وكثرة العتاب، وهي أهم قواعد العتاب على الإطلاق، فكثرة اللَّوْم في الغالب لا تأتي بخير، مضيفا: انظر إلى الأدب النبوي في تطبيق العتاب، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: "لمَّا قدم رسولُ الله ﷺ المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إِلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إن أَنَسَاً غلاماً كَيِّساً، فليخدُمْكَ، قال: فخدمته في السفر، والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعْه: لِمَ لَمْ تصنعْ هذا هكذا؟ " فعلى الرغم من صغر سن أنس رضي الله عنه، إلا إن الرسول ﷺ قد تألَّفه بترك المعاتبة؛ لما رَأى فيه من رشدٍ وكياسةٍ في معظم تصرفاته، والصغير لا يخلو من هفوات، ومع ذلك، لم يعاتبه الرسول عليها؛ لعلمه أنها لا تنفك عن أحد في مثل سنه. ومنها أيضاً: النظر بواقعية للخطأ، وتعني النظر بواقعية تجاه أخطاء البشر، فلا أحدَ يخلو من أخطاء، وفي الحديث: " كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ "، ومن طلب صديقاً بلا عيبٍ أو خطئٍ؛ أفنى عمره قبل أن يتحقق له ما يريد، والواجب على المسلم عندما يرى أخاه على خطأٍ، وعيبٍ؛ أن يبصره بالتعامل الأمثل مع هذا الخلل، فليس بعار أن يكون الإنسان مخطئاً، ولكنَّ العار الحقيقي أن يستمر على خطئه ويواصل الاحتفاظ بعيوبه، وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين على أنهم بشر يخطئون.
 
وحذر د. عبد الرحمن ، من المعايرة، مبيناً أنها من الأخلاق الذميمة، التي تكشف عن سوء الطوية وخبث النفس، فالذنب شؤم على المجتمع، ويوجد مشكلةً مع صاحب الذنب، مع صديقه، مع أخيه، مع جاره، مع قريبه، صاحب المذنب، إن رضي بهذا الذنب؛ شاركه في الإثم، وإن ذكره للناس؛ فقد اغتابه، وإن عيَّره؛ ابتلي به. ليس من أخلاق المؤمن أن يعيَّر بالذنب، المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله، ويبغض الشيطان، ويبغض أولياء الشيطان، لكن المؤمن، يملك قلباً مرهفاً، ونفساً جياشة، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله، فالحب في الله، والبغض في الله؛ من أوثق عرى الإيمان، ولكن بعض الناس يشط، فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها؛ يعير المذنب، ويتعالى عليه، جاء في الحديث عن جندب بن عبد الله-رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله ﷺ حَدَّثَ:"أن رجلاً قال: واللهِ، لا يَغْفِرُ الله لِفُلان، وأَنَّ الله تعالى قال: مَن ذَا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغْفِرَ لِفُلان؟ فَإِني قد غفرتُ له، وأَحبَطتُ عمَلَكَ".

وناشد الباحث بعدم المبالغة أو التهوين في الأمور فتضخيم الخطأ، أو تصغيره من الأخطاء الشهيرة عند العتاب، فإنك حين تعظّم الحقير توغر الصدر، وحين تحقّر العظيم؛ تفسد الأمر، ومن صفات العوام؛ أنهم يبالغون، فالخطأ الصغير؛ يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة! والخطأ الكبير يصغرونه إن صدر من أحبابهم وكأنه هفوة، والرسول ﷺ حين علم أن أسامة رضي الله عنه قد قتل رجلاً؛ بعد أن نطق بالشهادة، اشتد في عتابه وإنكاره على أسامة رضي الله عنه فِعلتَه، حتى تمنى أسامة، ألا يكون قد أسلم إلا في هذا اليوم، وعندما كسرت عائشة رضي الله  عنها إناء صفية رضي الله عنها ؛ لم يزد على قوله: " غارت أمكم "، وألزمها بضمان ما أتلفته، لم يزدْ في عتابه، وتقريعه عن ذلك؛ لعلمه أن الغيرةَ بين النساء أمرٌ جِبِلِّيٌ.

من جانبه ، تناول الشيخ محمود عبد الجواد، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، شرح التمييز، حيث قام بتعريفه وبين حالات إعرابه ومواضعه، ودلل على ذلك بالأمثلة التوضيحية.

وفي نهاية الملتقى، اختتم الباحثان حديثهما بالإجابة عن بعض الأسئلة حول الموضوع، وأثناء الشرح استخدم الباحثان بعض الشرائح التوضيحية، معتمدَيْن على أسلوب المناقشة والتحاور مع الأطفال، تشجيعاً لهم على المشاركة.

يذكر أن ملتقى " الطفل الخلوق والنظيف والفصيح" يعقد يوم السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، ويتم تنفيذه في بعض المحافظات ، وذلك لتربية النشء على أسس صحيحة، وفهم عميق لأخلاقيات ديننا الحنيف.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الازهر ملتقى الطفل الرواق الأزهري الاخلاق العلوم الشرعية بالجامع الأزهر الأزهر الشریف رضی الله عنه

إقرأ أيضاً:

انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر.. الأحد المقبل

يعقد الجامع الأزهر، الأحد المقبل، الملتقى الأول للتفسير ووجوه الإعجاز القرآني، في إطار جهود الرواق الأزهري لفتح آفاق جديدة للتأمل في معاني القرآن الكريم، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

ويهدف الملتقى، إلى استكشاف وجوه الإعجاز العلمي واللغوي في القرآن الكريم، وتقديم رؤى جديدة تعزز من فهم الدارسين والمهتمين بعلوم الدين، ويشكل الملتقى منصة حوارية تجمع بين العلماء والباحثين وطلاب العلم، لتعميق النقاش حول الموضوعات التي تتعلق بالإعجاز القرآني.

ويحاضر كل من: الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، ويدير الحوار، د. مصطفى شيشي مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، وذلك في اللقاء الأول والذي يأتي تحت عنوان "أمة النحل في القرآن الكريم بين الإعجاز البلاغي والإعجاز العلمي".

وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، إن هذا الملتقى يعد فرصة مهمة للتفكر في آيات القرآن الكريم وتدبر معانيه، وفتح مجالات جديدة للبحث في الإعجاز، مضيفًا أن الملتقى سيساهم في تعزيز الوعي الديني والثقافي لدى المشاركين والدعوة إلى التفكير العميق في النصوص الدينية.

من جهته، أعرب الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، عن سعادته بانطلاق هذا الملتقى، مؤكدًا على أهمية الإعجاز القرآني في تشكيل هوية الأمة الإسلامية.

وقال مدير الجامع الأزهر: "إن الرواق الأزهري يسعى دائمًا إلى تقديم المعرفة التي تساهم في بناء مجتمع واعٍ ومتعلم، وملتقى التفسير هو خطوة جديدة نحو تحقيق هذا الهدف"، لافتًا إلى أن الملتقى سيعقد بصفة دورية كل أحد، حيث يستضيف نخبة من العلماء والأساتذة المتخصصين، كما سيتم تخصيص وقت للأسئلة والنقاشات المفتوحة بين المشاركين، ما يتيح لهم فرصة التفاعل وتبادل الأفكار.

مقالات مشابهة

  • باحث: كان على المحكمة الجنائية الدولية إدانة بايدن مع نتنياهو وجالانت
  • باحث في العلاقات الدولية: على محكمة العدل الدولية إدانة «بايدن» على غرار نتنياهو
  • مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية ويوصي بانتهاج طريقة المصحف المعلم
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر الأحد
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر.. الأحد المقبل
  • مقتل باحث آثار إسرائيلي شهير في قلعة تطل على مدينة صور اللبنانية برصاص حزب الله
  • محمود الأبيدي: الإسلام راعى حقوق الأطفال وكرمهم في كل جوانب الحياة (فيديو)
  • ندوة توعوية لـ”خريجي الأزهر” بالصومال لشرح حقوق الطفل في الإسلام
  • نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الصلاة تُغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته
  • ملتقى فقهي بالجامع الأزهر يناقش الرضاعة بين الشريعة والطب