يدور فيلم «القصر» (The palace) للمخرج رومان بولانسكى، الذى عرض أخيرا فى الدورة السادسة لمهرجان الجونة السينمائى فى أجواء ليلة رأس السنة عام 1999، خلال ساعات مجنونة مع اقتراب الألفية الثانية وحالة الارتباك والخوف التى سادت العالم وقتها بسبب ما عرف بمشكلة «الأصفار»، إذ اعتمد المبرمجون فى إدخال الأرقام إلى الحواسب على تخزين السنوات فى هيئة رقمين فقط لتقليل مساحة الذاكرة المستهلكة، أى اقتصار تسجيل سنة 1999 مثلا على 99 فقط، لكن بوصول سنة 2000 تحول هذان الرقمان إلى صفرين ما أنبأ بمجموعة من المخاطر تم مواجهة بعضها واستغلها البعض لسحب وتهريب مبالغ مالية ضخمة.
صاحب تقديم الفيلم لأول مرة فى مهرجان فينيسيا خارج المسابقة، خلال شهر سبتمبر الماضى، الكثير من اللغط. انبرى النقاد لمهاجمته ووصفوه بأنه غريب، سخيف، قبيح، مبتذل، به الكثير من الزخرفة الهزلية ولا يليق بتاريخ المخرج البولندى الأصل الذى بدأ مسيرته الفنية منذ الخمسينيات. اندفع بعضهم إلى قول إنه قد يكون آخر أعماله، «إذ بلغ التسعين من عمره وربما أصابه شىء من الخرف». وفى الحقيقة أجد ردود الفعل مبالغا فيها، فقد أراد بولانسكى أن يناقش قضايا شائكة فى قالب كوميدى ساخر يتماشى تماما مع حجم العبث والابتذال الذى نعيشه فى الواقع. نسف طبقة بأكملها وجعلنا نطلق الضحكات عالية عند رؤية هؤلاء المتربحين ــ المهرجين على الشاشة.
• • •
اختار المخرج فندقا فخما فى قرية غشتاد، جنوب غرب سويسرا، ليكون مسرحا للأحداث.. منتجعا يقصده الأغنياء فقط فى أهم مناطق التزلج على الجليد. توافد عليه جمع من الأثرياء فى لحظة تاريخية هامة، خرج فيها الرئيس الروسى بوريس يلتسين ليعلن أنه متعب وسيغادر الحكم بسبب ظروفه الصحية فى خطاب متلفز ويكشف أنه تنازل عن السلطة لخلفه فلاديمير بوتين، مسئول الاستخبارات السابق الذى لا يعرف عنه الناس الكثير. فكر طويلا وقرر أن يستقيل فى آخر أيام القرن، وهنأ المواطنين بسنة جديدة سعيدة!
كان ضمن نزلاء الفندق الشهير عدد لا بأس به من الأوليجارك وهم رجال الأعمال الذين حققوا ثروات طائلة فى الجمهوريات السوفيتية بعد تفككها خلال حقبة التسعينيات. طبقة حصلت على العديد من الامتيازات بسبب عمليات الإصلاح والخصخصة وغسيل الأموال والسمسرة وسيطرت على الكثير من أصول ممتلكات الدولة، ما أكسبها نفوذا سياسيا ضخما. ومع قدوم بوتين إلى الحكم سيبدأ صراع مع الأوليجاركيين لحين التوصل إلى تسوية كبيرة معهم، تخلص من بعضهم وعقد صفقة مع آخرين سمحت لهم بالحفاظ على مكانتهم فى مقابل دعمهم الواضح لحكومته والمساهمة فى تمويل مشروعاته ودعم توجهاته ماديا. وقد عاد تسليط الضوء على هذه الفئة مجددا مع الحرب على أوكرانيا، إذ تم فرض العقوبات على عدد من الأثرياء الروس المقربين من بوتين، وذكرت مجلة «فوربس» الأمريكية أن عدد المليارديرات الروس وصل إلى 83 عام 2022، بانخفاض يصل إلى نسبة 27% مقارنة بالعام السابق.اتخذت الفروقات الاجتماعية أشكالا صارخة سخر منها فيلم بولانسكى بفجاجة متعمدة تليق بالواقع. وصل الأوليجارك ومعاونوهم إلى فندق «القصر» محملين بحقائب النقود وطلبوا من المدير أن يضعوها فى مكان آمن، وبالفعل أودعوها فى قبو تم استخدامه فى فترة الحرب العالمية. تتلاحق الوجوه والشخصيات، من خلال الإنتاج الضخم الذى وصلت ميزانيته إلى 21 مليون يورو.
ميكى رورك يرتدى باروكة صفراء تجعله قريب الشبه من ترامب، فى دور رجل أعمال من إحدى الجمهوريات السوفيتية يسعى لعقد صفقة مشبوهة مع أحد موظفى البنوك للإفادة من مشكلة «الصفر» وتحويل الأموال لحسابه. الماركيزة الفرنسية، التى تقوم بدورها فانى آردان، تطعم كلبها الكافيار فتصيبه بتلبك معوى وتسعى لإغواء صغار العاملين فى المنتجع. ملابسها مبهرجة وشفتاها منتفختان من فرط عمليات التجميل، مثلما العديد من النزيلات اللاتى يلجأن لمساعدة الطبيب الشهير الموجود أيضا فى الفندق بصحبة زوجته. وفى خضم الاحتفال، يموت أحد الأثرياء العجائز وهو يضاجع قرينته الشابة العشرينية التى تخفى خبر وفاته بمساعدة المدير لكى تحصل على الميراث، فالشرط المذكور فى الوصية يقتضى أن يمر على زواجهما حول كامل! وهكذا تستمر المواقف الهزلية إلى ما لا نهاية فى فيلم قيل عنه إنه لا يشبه مخرجه وأثار ضده هجوما واسعا فى أوروبا.
• • •
ربما يرجع ذلك لكونه مغايرا أو جاء على غير المتوقع من صاحبه. وربما كان بسبب موقف مسبق من المخرج الذى يعتبره البعض رمزا للإفلات من العقاب بعد اتهامه بجرائم جنسية والاعتداء على قاصر فى نهاية سبعينيات القرن المنصرم، هرب إثر احتجازه من الولايات المتحدة وأقام فى فرنسا بوصفه أحد مواطنيها. وهو ما لم يعد مقبولا مجتمعيا فى ظل وجود حركات قوية تناهض العنف ضد المرأة والتحرش على غرار «مى توــ أنا أيضا»، ففى عام 2020 حين حصد شريطه «إنى أتهم» (J’accuse) ثلاث جوائز سيزار قامت الدنيا ولم تقعد، وأثار الاحتفاء به موجة عارمة من الاحتجاج، لم يكن واضحا أيضا هل هى بسبب سلوكه الشخصى أم بسبب طريقة تناوله لقضية دريفوس، إحدى أشهر الفضائح السياسية فى فرنسا والتى ارتبطت بالصراع الاجتماعى والانقسامات بين القوميين والمعادين للسامية فى نهاية القرن التاسع عشر.رولان بولانسكى الذى ينتمى لعائلة يهودية بولندية هربت من الهولوكست اشترك فى كتابة فيلمه الواحد والأربعين «القصر» مع صديق قديم، وهو المخرج جيرزى سكوليموفسكى، 85 سنة، أحد أبرز وجوه السينما الجديدة فى بولندا. كلاهما حقق العديد من النجاحات وحصد جوائز عالمية لا حصر لها، لكنهما قررا هذه المرة أن يصنعا فيلما كوميديا يقترب من تيار «الكارثية الساخرة» فى الأدب الذى تميز به النثر البولندى فى فترة ما بين الحربين، خلال العشرينيات والثلاثينيات. اهتم كتاب هذا الاتجاه بشكل العالم حينها وقدموا رؤية هزلية مليئة بالتناقضات لواقعهم تذكرنا بالأسلوب المتبع فى الفيلم، الذى نتساءل خلال مشاهدتنا له: «ماذا لو أردنا نقل الأحداث إلى نهاية عام 2023؟» وننشغل بتخيل التفاصيل والشخصيات وأماكن تواجدهم.
داليا شمس – الشروق نيوز
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
9.3 مليار درهم أرباح مجموعة الإمارات بعد الضريبة خلال 6 شهور
أعلنت مجموعة الإمارات، اليوم الخميس، تسجيل أفضل نتائج مالية نصفية لها على الإطلاق للسنة المالية 2025/2024، حيث سجلت أرباحاً قبل حساب الضريبة بلغت 10.4 مليار درهم ما يعادل 2.8 مليار دولار، لتتجاوز بذلك أرباحها القياسية قبل حساب الضريبة في الفترة نفسها من العام الماضي.
وسجلت المجموعة أرباحاً بقيمة 9.3 مليار درهم أي نحو 2.5 مليار دولار، بعد احتساب قيمة الضريبة البالغة 9%، وتعتبر هذه السنة المالية هي الأولى التي يتم فيها تطبيق ضريبة الدخل على الشركات على مجموعة الإمارات.
وسجلت المجموعة أرباحاً قبل حساب الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين بقيمة 20.4 مليار درهم تعادل 5.6 مليار دولار، مقابل 20.6 مليار درهم تعادل 5.6 مليار دولار، خلال المدة ذاتها من السنة الماضية.
وبلغت إيرادات المجموعة 70.8 مليار درهم تعادل 19.3 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من السنة المالية، بنمو 5% مقارنة بـ 67.3 مليار درهم أو 18.3 مليار دولار عن المدة ذاتها من السنة الماضية، ويعكس ذلك الطلب القوي المستمر من العملاء عبر مختلف أعمال المجموعة.
وأنهت المجموعة النصف الأول من السنة المالية بمركز نقدي قوي حيث بلغت أرصدتها 43.7 مليار درهم 11.9 مليار دولار في 30 سبتمبر(أيلول) 2024، مقارنة بـ 47.1 مليار درهم “12.8 مليار دولار” في 31 مارس(آذار) 2024.
وتمكنت المجموعة من الاستفادة من احتياطاتها النقدية القوية لدعم احتياجات الأعمال، بما يتضمن سداد أقساط طلبات شراء طائرات شحن جديدة وسداد ديون أخرى، ودفعت المجموعة 2 مليار درهم حصة المالكين، كما أُعلن في نهاية السنة المالية 2024/2023.
وقال الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة: "تمكنت مجموعة الإمارات مجدداً من تجاوز نتائجها المالية القياسية العام الماضي، لتسجّل نتائج نصفية قوية في هذه السنة المالية، بما يجسّد قوة نموذج أعمالنا والذي ينسجم مع مسار النمو في دبي كمدينة مفضلة للعيش والعمل والزيارة وممارسة الأعمال".
وأضاف: "تتمتع المجموعة بربحية قوية من شأنها أن تمكننا من القيام بالاستثمارات اللازمة لمواصلة النجاحات، حيث نستثمر مليارات الدولارات لطرح منتجات وخدمات جديدة في السوق لعملائنا؛ وتطبيق التقنيات المتقدمة وغيرها من مشاريع الابتكار الرامية لدفع النمو؛ والعناية بموظفينا يبذلون كل جهدهم لضمان سلامة عملائنا ورضاهم".
واختتم: "من المتوقع أن يحافظ طلب العملاء على قوته خلال النصف الثاني من السنة المالية الجارية، ونتطلع إلى تعزيز قدرتنا على تعظيم الإيرادات مع انضمام طائرات جديدة إلى أسطول طيران الإمارات وتشغيل مرافق جديدة في دناتا، وتبقى التوقعات المستقبلية مبشّرة، لكننا لن نركن إلى إنجازاتنا الحالية، وسنبقى على استعداد للاستجابة السريعة وتوجيه مواردنا بمرونة حسب متطلبات السوق المتقلبة".
وأفادت المجموعة بأن قاعدة موظفيها نمت مقارنةً مع 31 مارس(آذار)، بنسبة 3% ليصل إجمالي أعداد العاملين إلى 114610 موظفين في 30 سبتمبر من العام الجاري.
وواصلت طيران الإمارات تعزيز عملياتها العالمية، بإضافة مزيد من السعة وإمكانية الربط عبر مركزها في دبي لتلبية طلب العملاء في أسواقها.
وزادت خلال النصف الأول من 2025/2024، عدد رحلاتها إلى ثماني مدن هي أمستردام، وسيبو، وكلارك، ولواندا، وليون، ومدريد، ومانيلا، وسنغافورة.
ونقلت الإمارات للشحن الجوي 1.198 مليون طن خلال الأشهر الستة الأولى من السنة المالية الجارية، بنمو 16% مقارنة بالمدة ذاتها من السنة الماضية، حيث ساهمت حركة التجارة الإلكترونية القوية من الصين وزيادة الشحنات المتجهة إلى دبي بشكل ملحوظ في هذا النمو.
وتمكنت الإمارات للشحن الجوي من تلبية الطلب بفضل السعة الإضافية التي حصلت عليها من طائرة الشحن الجديدة من طراز بوينج 777، وطائرتي الشحن الإضافيتين من طراز بوينج 747F، وخلال الأشهر الستة الأولى من السنة المالية الجارية، قدمت طيران الإمارات طلبات لشراء 10 طائرات شحن إضافية من طراز بوينج 777 لدعم نموها.
وارتفعت عائدات الشحن بنسبة 11% بفضل الطلب القوي من جانب العملاء على المنتجات المتخصصة التي توفرها الإمارات للشحن الجوي وشبكتها عملياتها الممتازة في طائراتها المخصصة للشحن وطائرات الركاب.
وحققت طيران الإمارات في النصف الأول من السنة المالية 2025/2024، أرباحاً قياسية قبل احتساب الضريبة قدرها 9.7 مليار درهم "2.6 مليار دولار"، مقارنةً بـ 9.5 مليار درهم "2.6 مليار دولار" للمدة ذاتها من السنة الماضية، وبلغت أرباح طيران الإمارات بعد احتساب الضريبة 8.7 مليار درهم "2.4 مليار دولار".
وسجّلت إيرادات طيران الإمارات، بما في ذلك الإيرادات التشغيلية الأخرى، 62.2 مليار درهم "16.9 مليار دولار" بنمو نسبته 5% مقارنةً بـ 59.5 مليار درهم "16.2 مليار دولار" خلال المدة ذاتها من السنة المالية الماضية.
وظلت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك قوية للغاية، لتصل إلى 19.1 مليار درهم إماراتي "5.2 مليار دولار أمريكي".
وحافظت أرباح طيران الإمارات التشغيلية قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين، على قوتها لتسجل 19.1 مليار درهم "5.2 مليار دولار"، على الرغم من الانخفاض الطفيف بنسبة 2% عن المدة نفسها من السنة المالية الماضية والتي كانت 19.5 مليار درهم "5.3 مليار دولار".
وسجلت دناتا نمواً قوياً في الإيرادات خلال الأشهر الستة الأولى من السنة المالية، مدفوعة بتعزيز عملياتها في قطاعات الشحن والمناولة الأرضية والتموين والتجزئة وخدمات السفر.
وارتفعت إيرادات دناتا، بما في ذلك الدخل من العمليات الأخرى، بنسبة 11% لتسجل 10.4 مليار درهم مقارنة مع 9.3 مليار درهم خلال المدة ذاتها من السنة المالية الماضية.
#أحمد_بن_سعيد: في إنجاز قياسي، تمكنت مجموعة الإمارات مجدداً من تجاوز نتائجها المالية القياسية العام الماضي، لتسجّل نتائج نصفية قوية في السنة المالية 2025/2024، بما يجسّد قوة نموذج أعمالنا والذي ينسجم مع مسار النمو في #دبي كمدينة مفضلة للعيش والعمل والزيارة وممارسة الأعمال. تشير… pic.twitter.com/Qf0lMJlyvt
— 24.ae | الإمارات (@24emirates24) November 7, 2024وبلغ إجمالي أرباح دناتا قبل احتساب الضريبة 720 مليون درهم، فيما بلغت أرباحها بعد احتساب الضريبة 571 مليون درهم.
وأظهرت دناتا ربحيتها التشغيلية، حيث بلغت أرباحها قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين 1.3 مليار درهم بنمو نسبته 16% مقارنة مع 1.1 مليار درهم في الأشهر الستة الأولى للسنة المالية الماضية.