بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أرفقت دولة الاحتلال الإسرائيلي حصارها لغزة بحصار من نوع مختلف في الضفة الغربية ــ حيث أغلقت نقاط التفتيش بين المدن الفلسطينية، وخنقت تدفق البضائع والعمال فيما بينها، وتركت الناس عالقين في كثير من الأحيان، لتتقاسم الضفة آلام الجرب الاقتصادية مع غزة.

كلوي كورنيش وجيمس شوتر يلقيان الضوء، في تحليل نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، ترجمه "الخليج الجديد"، على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر.

قيود على تحركات الفلسطينيين، غارات عسكرية يومية على المدن والمخيمات، منع شبه كامل للفلسطينيين من الضفة من دخول إسرائيل للعمل، هجمات مستوطنين لا تتوقف، تشديد احتجاز أموال الضرائب (المقاصة) للسلطة الفلسطينية.

كانت هذه أبرز الإجراءات العقابية التي بدأ الاحتلال تطبيقها في الضفة الغربية تزامنا مع بدء عدوانه على غزة، ما ترك مئات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة ومدنها في حالة يرثى لها، يقول الكاتبان.

اقرأ أيضاً

أونروا: عام 2023 الأكثر دموية لفلسطيني الضفة الغربية

خنق تحرك الفلسطينيين

ومنذ بدء الحرب، توقفت إسرائيل بشكل شبه كامل عن السماح للفلسطينيين من الضفة الغربية بدخول إسرائيل للعمل، وخنقت تدفق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يدخلون الضفة الغربية للتسوق. كما أصبح بعض الفلسطينيين خائفين للغاية من التحرك بمحض إرادتهم.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن القيود المفروضة على الحركة في الضفة هي رد على "التهديدات الإرهابية الفلسطينية الوشيكة" ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية، وأن المدن الخاضعة رسميًا لسيطرة السلطة الفلسطينية، مثل جنين ونابلس وطولكرم، كانت "مراكز" للمسلحين.

كما تركت هذه الإجراءات السلطة الفلسطينية، التي توظف عشرات الآلاف من الأشخاص، تكافح من أجل دفع الرواتب، مما أدى إلى تقويض موقفها في الوقت الذي يتسابق فيه الدبلوماسيون لدعم استقرار الضفة الغربية.

اقرأ أيضاً

الاحتلال الإسرائيلي يواصل حملات اقتحامات واعتقالات في الضفة.. ماذا حدث؟

تضرر الشركات

وقد تضررت الشركات الناشئة التي تتمتع بحماية أقل من الشركات القائمة بشكل خاص من جراء الاضطرابات الاقتصادية.

على سبيل المثال، خسرت شذى مسلم، رائدة الأعمال في مجال التكنولوجيا الزراعية، مكانًا مهمًا للترويج في حدث تأهلت له في المغرب لأنها لم تتمكن من مغادرة الضفة الغربية فعليًا.

وكانت تأمل في جمع مبلغ 500 ألف دولار للحفاظ على بقاء شركتها الناشئة Agritopia، التي تبني تقنيات لمساعدة المزارعين، على قيد الحياة خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة.

الآن، تقول إن شركة Agritopia قد تتمكن من الاستمرار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 - ولكن فقط إذا استمرت في الإنفاق عند الحد الأدنى.

لقد اضطرت إلى تأجيل جمع البيانات الزراعية لأن هجمات المستوطنين جعلتها تخشى نشر عمال ميدانيين.

وتكافح الشركات أيضًا للتكيف مع انخفاض عدد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يأتون إلى الضفة الغربية للتسوق.

ويقدر نصر عبدالكريم، الخبير الاقتصادي المقيم في رام الله، أن الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل ينفقون عادة حوالي مليار شيكل (277 مليون دولار) سنويا، وهو ما كان يمثل مصدرا هاما للسيولة في الضفة.

اقرأ أيضاً

الاحتلال يصادر أموالا من شركات الصرافة بالضفة الغربية

شلل مالي

وقال عبدالكريم، إنه بالتوازي مع التباطؤ الاقتصادي، فإن التخفيضات – التي تأتي على رأس التخفيضات السابقة للمخصصات من قبل إسرائيل – تركت سلطة النقد الفلسطينية "مشلولة ماليا"، في حين أن العقود الحكومية غير المدفوعة والرواتب المخفضة أدت إلى تفاقم "الأزمة النقدية" في الأراضي الفلسطينية.

وقال أمين صندوق في متجر حلويات مملوك لعائلة طلب عدم الكشف عن اسمه: "تراجعت الأعمال بنسبة 70%".

وخفض مالك مرآب سيارات في رام  الله، يدعى عمرو، أجور الموظفين بنسبة 40%، قائلا إن مرآبه كان به ما بين 10 إلى 15 سيارة للصيانة يوميا، والآن أصبح لديه واحدة أو اثنتين.

وأضاف: "إذا استمر الوضع على هذا النحو، فلن نتمكن من دفع الـ 60% المتبقية من الأجور".

ويردف: "في العادة لدي أكثر من 100، 120، 150 عاملاً في مشاريعي، ولكن في الوقت الحاضر، لدي أقل من 50 عاملاً. وربما قبل عام أو عامين، كان لدي 200 أو 250 عاملاً".

ويتوقع الخبير الاقتصادي عبدالكريم أنه إذا استمرت الحرب فإن الألم الاقتصادي سيتفاقم، مما يؤدي إلى "ارتفاع معدل الفقر وهذا من شأنه أن يضغط على المنظمات الإنسانية الدولية" والسلطة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً

313 شهيدا بالضفة الغربية منذ انطلاق طوفان الأقصى و 3800 جريح

قطاع الضيافة

قطاع الضيافة يعاني أيضًا، حيث يقول محمد خلف، مدير العمليات في فندق "رويال كورت": "لطالما كانت رام الله تحظى بشعبية كبيرة بسبب المقاهي والمطاعم والوجبات السريعة والمطاعم الفاخرة والصالات والمشروبات والموسيقى".

ويتابع: "الناس كانت تسهر حتى الساعة 12 بالليل وتذهب إلى المطاعم أو حفلة في مكان ما.. الآن ذهب كل هذا".

ومن بين غرف الفندق البالغ عددها 46 غرفة، هناك 42 غرفة شاغرة.

ولأن ضيوفه القلائل غالباً ما يكونون من الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل في رام الله بسبب إغلاق نقاط التفتيش، فقد خفض خلف أسعار الغرف إلى نصف مستواها قبل الحرب.

وتبلغ إيرادات مقهى الفندق عُشر معدلها الطبيعي.

المصدر | كلوي كورنيش وجيمس شوتر / فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: طوفان الاقصى الضفة الغربية غزة عقاب اقتصاد الضفة الغربية الضفة الغربیة اقرأ أیضا فی الضفة

إقرأ أيضاً:

بهجة غائبة.. ألم الفقد والنزوح يلف عيد الفلسطينيين بالضفة الغربية

بأوضاع مأساوية تستقبل عائلة الفلسطيني مروان أبو كباش عيد الفطر، بعدما نزحت قسرا من مخيم طولكرم للاجئين شمال الضفة الغربية المحتلة، جراء العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة بالمنطقة.

ومنذ أكثر من شهرين تقيم العائلة في غرفة داخل مبنى "نادي طولكرم الثقافي" وسط ظروف إنسانية صعبة بلا أي مقومات للحياة، حيث باتت تعتمد بشكل كامل على المساعدات.

حال هذه العائلة لا يختلف كثيرا عن مصير أكثر من 40 ألف فلسطيني قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) إنهم نزحوا من مخيمات شمالي الضفة جراء تواصل الهجوم الإسرائيلي.

وتواصل إسرائيل عملياتها في محافظتي جنين وطولكرم (شمال) منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، ما أسفر عن مقتل عدد من الفلسطينيين، وتخللت ذلك عمليات "اعتقال وتحقيق ميداني ممنهج طال عشرات العائلات، إضافة إلى احتجاز مواطنين رهائن، وتحويل منازل إلى ثكنات عسكرية" وفق مصادر محلية.

تستقبل عائلة مروان أبو كباش عيد الفطر بعدما نزحت قسرا من مخيم طولكرم للاجئين شمال الضفة الغربية (الأناضول)

وتحذر السلطات الفلسطينية من أن ذلك يأتي "في إطار مخطط لحكومة بنيامين نتنياهو لضم الضفة وإعلان السيادة عليها، وهو ما قد يمثل إعلانا رسميا لوفاة حل الدولتين".

إعلان عيد بلا طقوس

رب الأسرة مروان أبو كباش يقول إنه يعيش مع أبنائه وبناته وأحفاده وأصهاره في "النادي الثقافي" منذ ما يزيد على 63 يوما عندما نزحوا من منزلهم.

وتابع عن ظروف الحياة داخل هذا المكان: "الوضع صعب جدا وكارثي، فمهما كان السكن، لا شيء يشبه البيت وخاصة في شهر رمضان والعيد".

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي دمر منزله المكون من 3 طوابق ومحاله التجارية داخل المبنى وحوّله إلى مكان غير صالح للسكن.

 يقول أبو كباش إنه سيكون مختلفا وبلا مظاهر بعدما تشتت الأهل والأقارب في أماكن متفرقة بالضفة حيث لم يعد يعرف أين توجهوا.

تقيم العائلة منذ أكثر من شهرين في غرفة داخل مبنى "نادي طولكرم الثقافي" وسط ظروف إنسانية صعبة بلا أي مقومات للحياة (الأناضول)

وأكمَل "العيد في المخيم يكون مختلفا عنه في بيتك وبين أهلك وناسك، تزور الأهل والأقارب، اليوم الجميع تشتت لا تعرف أين هم".

ورغم هذه الظروف، يسعى أبو كباش للتخفيف عن أحفاده مع اقتراب العيد، لافتا إلى أنه يحاول "لم الشمل" قدر المستطاع وبث روح التفاؤل في نفوسهم.

واستدرك أن العيد سيكون دون مظاهر الفرحة وطقوسه المعتادة حيث تصنع النساء الكعك ويجهزن الحلوى والقهوة كما هو معتاد كل عام.

ويختم بحالة من الأسى قائلا، سنقضي العيد "وسط الحزن والألم على ما حل بنا، وعلى مصيرنا المجهول".

حال عائلة أبو كباش لا يختلف كثيرا عن مصير أكثر من 40 ألف فلسطيني نزحوا من مخيمات شمالي الضفة جراء الهجوم الإسرائيلي (الأناضول) العيد الأصعب

في هذا الوقت من كل عام، كان مخيم طولكرم بشوارعه وأزقته يشع بالزينة ابتهاجا بقرب حلول العيد، إلا أنه يأتي هذا العام وسط ظروف كارثية جراء الهجوم الإسرائيلي المتواصل عليه.

مصطفى أبو غزالة، زوج ابنة أبو كباش، قال "في المخيم كنا نعيش أجواء روحانية واحتفالية برمضان والعيد، الشوارع تتزين والناس تسهر، لكن اليوم لا شيء من ذلك موجود".

إعلان

ووصف شهر رمضان والعيد بـ"الأصعب" على مدى سنوات حياتهم.

وأشار إلى أن العيد يحل عليهم وسط ظروف صعبة حيث يفتقدون لأبسط مقومات الحياة، معربا عن حزنه لما حل بهم ولمصيرهم المجهول، كما قال.

صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية ما أدى إلى مقتل أكثر من 938 فلسطينيا (الأناضول)

وعبر النازح الفلسطيني عن مرارة فقدانه لمنزله بأنه "أصعب شعور يمكن أن يمر به الإنسان".

فرحة مفقودة

وعن طقوس العيد، قال أبو غزالة إن العيد بشكل أساسي هو فرحة للأطفال حيث يقضونه بالنزهات واللعب لكنهم اليوم باتوا مشردين بلا شيء.

زوجته "ميرا" قالت بحسرة "في مثل هذا الوقت (في الأعياد السابقة) كنت مع أقاربي نحضّر كعك العيد".

وأضافت "الكعك فرحة للأطفال وحتى الكبار، له أجواء خاصة من لمة العائلة وإعلان فرح، لكن هذا العام لم نصنع الكعك".

خلفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023  أكثر من 164 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين (الأناضول)

وأشارت إلى أن العدوان الإسرائيلي حوّل حياتهم إلى لحظات حزن، لافتة إلى أنهم "سيفتقدون خلال العيد الكعك والفرحة والبهجة".

ومنذ بدئه الحرب على قطاع غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 938 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف شخص، واعتقال 15 ألفا و700، وفق معطيات فلسطينية رسمية.

وخلّفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023،  أكثر من 164 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • الأونروا: حجم النزوح في الضفة الغربية يصل إلى مستويات غير مسبوقة
  • بهجة غائبة.. ألم الفقد والنزوح يلف عيد الفلسطينيين بالضفة الغربية
  • تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية يفاقم معاناة الفلسطينيين في أول أيام عيد الفطر
  • تقرير: توسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية العام الماضي
  • الجيش الإسرائيلي يوسّع عملياته العسكرية في الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يستولي على 52 ألف دونم في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر
  • إسرائيل تدمر مئات المنازل.. إعلان مخيم جنين غير صالح للسكن
  • السلطة الفلسطينية تحذر من إجراءات إسرائيلية لتقويض مؤسساتها
  • صلاة الجمعة الأخيرة في الأقصى وسط قيود إسرائيلية مشددة
  • إسرائيل تقيّد وصول الفلسطينيين للأقصى للجمعة الرابعة برمضان