توصل العلماء الروس إلى استنتاج مفاده بأن الشبكات العصبية هي نظائر مبسطة للغاية لسلاسل الخلايا العصبية الموجودة في دماغ الإنسان والحيوان.

لقد وجد العلماء الروس أن الشبكات العصبية تتذكر المعلومات بشكل أفضل بكثير في حال دمجت فيها نظائر رقمية من الخلايا (أستروسيت) النجمية، وهي خلايا الدماغ المساعدة.

وأفادت الخدمة الصحفية لمؤسسة العلوم الروسية الخميس 28 ديسمبر أن إضافة مثل هذه الخلايا إلى الشبكات العصبية أدى إلى تحسين قدرتها على إعادة إنتاج المعلومات التي تم تلقيها مسبقا بنسبة 20٪.

وأوضحت الأستاذة في جامعة "نيجي نوفغورود" الروسية سوسانا غوردلييفا قائلة:" يمكن استخدام النموذج الذي نقترحه لإنشاء ذكاء اصطناعي عصبي، يعمل بكفاءة أكثر في استخدام الطاقة من أي خوارزميات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام شبكتنا العصبية لمحاكاة العمليات التي تحدث في الدماغ، ولا سيما نقل الإشارات بين الخلايا العصبية وخلايا (أستروسيت) النجمية".

ferra.ru صورة أرشيفية

وكما لاحظ العلماء، فإن الشبكات العصبية عبارة عن نظائر مبسطة للغاية لسلاسل الخلايا العصبية الموجودة في دماغ الإنسان والحيوان. ولا تنحصر بساطتها في التكاثر غير الكامل لجميع الميزات في عمل الخلايا العصبية، فحسب بل وفي أن الشبكات العصبية تفتقر إلى خلايا الدماغ المساعدة، ما يسمى الخلايا النجمية (أستروسيت) والدبقية الصغيرة.

وأظهرت التجارب التي أجريت في السنوات الأخيرة أن هذه الأجسام لا تغذي الخلايا العصبية وتحميها من الالتهابات فحسب، بل وتلعب أيضا دورا مهما في تنظيم نشاطها وحفظ المعلومات الجديدة. وبناء على تلك الاعتبارات طور الباحثون نظيرا رقميا للخلايا النجمية التي يمكن أن يتفاعل مع بقية الشبكة العصبية، ودمجوه في نظام الذكاء الاصطناعي العصبي الذي كانوا يطورونه.

ويتكون هذا النظام من ثلاث طبقات، تلعب إحداها دور نظائر الخلايا العصبية الهرمية في الدماغ التي تستقبل الإشارات، وتتكون الطبقة الثانية مما يشبه عصبونات داخلية تنشر هذه الإشارات في جميع أنحاء الشبكة، والطبقة الثالثة تتكون من الخلايا النجمية الرقمية. وتنتقل أوجه التشابه بين النبضات الكهربائية بين الخلايا العصبية الاصطناعية، وتنتقل نظائر الإشارات الكيميائية التي تطلقها الخلايا الطبيعية في الدماغ بين الخلايا النجمية والخلايا العصبية.

وأظهرت التجارب اللاحقة أن هذا النظام تعلم كيفية التعرف بنجاح على صور الأرقام والحروف وإعادة إنتاج المعلومات التي تم تلقيها مسبقا. وفي هذا الصدد، تفوقت الشبكة العصبية ذات الخلايا النجمية الرقمية بنسبة 20% على نظيرتها التي تغيب عنها هذه الخلايا المساعدة. وخلص الباحثون إلى أن ذلك يشير إلى الآفاق الكبيرة لاستخدام مثل هذا الامتداد للشبكات العصبية في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي العصبية.

المصدر: تاس

 

 

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: الجلطة الدماغية ذكاء اصطناعي الشبکات العصبیة الخلایا العصبیة الخلایا النجمیة

إقرأ أيضاً:

المذبحة كخطاب متكرر والمُشاهد قارئ بلا ذاكرة ولا اعتراض

إبراهيم برسي

30 يناير 2025

في المشهد الإنساني الأكثر قتامة، حيث تنطفئ الأنفس قبل أن يُزهق الجسد، تتجلى ثلاثة كيانات تتشابك في رقصة مروعة: القاتل، الضحية، والمشاهد.

إن ما يحدث الآن في السودان ليس مجرد دمٍ يُسفك، بل هو إعادة إنتاج مأساوية لسردية قديمة، حيث يصبح الموت بيانًا، ويُختزل الإنسان إلى مادة مرنة في أيدي سادة العنف.

هنا، لا يعود القتل فعلًا لحظيًا، بل يتحول إلى بنية، إلى نظام يعيد تشكيل العالم وفق منطقه الخاص، حيث يتساوى الجسد بالرماد، وحيث يتلاشى الفارق بين الحياة والموت، لأن العيش تحت سطوة الذبح ليس إلا موتًا مؤجلًا.

القاتل في هذا المسرح الكابوسي ليس مجرد فرد يحمل سكينًا، بل هو كائنٌ أُعيد تكوينه ليكون وسيلة، حلقةً في سلسلةٍ لا نهاية لها من الإبادة الرمزية والمادية.

لم يكن يولد كذلك، بل صُنع، جُرّد من شعوره بالآخر، وسُلب منه كل وعيٍ بالذات إلا بوصفها انعكاسًا لغايةٍ أكبر، تبرر الذبح بوصفه طقسًا تطهيريًا، وأداةً لإعادة ضبط العالم وفق تصور أيديولوجي مشوّه.

إن صناعة القاتل لا تتطلب فقط توفير سلاح، بل تحتاج إلى عملية تفكيكٍ ممنهجة لكل بقايا التعاطف بداخله. إنها عملية تحول تدريجية، تبدأ بالتجريد النفسي، ثم تمر عبر الأدلجة، لتنتهي باللحظة التي تتحول فيها اليد المرتجفة إلى يدٍ واثقة تُمسك السكين بلا تردد.

نيتشه كان يحذر من أن «من يحارب الوحوش عليه أن يحذر من أن يتحول إلى وحش»، لكن ماذا إن كان المرء قد خُلق داخل فم الوحش ذاته؟!

ماذا إن كانت كل معاييره، منذ البداية، قد بُنيت داخل تلك العتمة، بحيث لم يعد يرى النور إلا بوصفه خيانة؟

لكن، إن كان القاتل قد فقد صلته بجوهر الإنسانية، فإن الضحية تواجه المصير ذاته من الجهة الأخرى.

هنا، لا يكون الموت مجرد إعدامٍ لجسد، بل هو تدميرٌ لبنية المعنى.

في لحظة الذبح، لا تُقتل الأجساد فقط، بل يُقتل الزمن، يُمحى كل شيءٍ سابق، ويُعاد تشكيل الواقع على مقاس الرعب.

الضحية ليست فقط فردًا يُباد، بل هي رمزٌ يُراد تحطيمه، فكرةٌ يُراد إسكاتها، تاريخٌ يُراد شطبه. لهذا السبب، لا يكون القتل مجرد إنهاءٍ للحياة، بل تأكيدًا على أن الذابح هو من يحدد من يستحق البقاء ومن يُمحى من الوجود.

ما يميّز الجريمة المطلقة أنها لا تترك حتى للضحية حق الموت بمعناه الإنساني، بل تسلب منه هيبته، تحيله إلى مشهدٍ، إلى استعراض، حيث يتحول الجسد إلى نصٍّ مكتوبٍ بالدم، نصٍّ يُقرأ من قبل الجميع، لكنه في حقيقته صرخةٌ لا أحد يسمعها.

فيكتور فرانكل، حين كان في معسكرات النازي، لم يكن يرى المأساة في الموت ذاته، بل في الطريقة التي كان يتم بها محو الإنسان من داخله قبل أن يُقتل، حيث يتحول الضحية إلى شيءٍ، إلى كيانٍ فقد كل خصوصيته، ولم يعد يُعرف إلا بوصفه عددًا في قائمة الهلاك.

غير أن المشهد لا يكتمل إلا بذلك الطرف الذي يبدو الأكثر براءة، لكنه ربما يكون الأكثر خطورة: المشاهد.

المشاهد الذي يجلس هناك، سواء خلف شاشة هاتفه أو في قلب الحدث، يراقب كيف يُذبح الإنسان، كيف تُقطع أوصاله، كيف تُمحى ملامحه، ولا يدري أنه في تلك اللحظة، يتحول هو نفسه إلى جزءٍ من آلة العنف.

حين نرى الدم مرةً، نشعر بالفزع، لكن حين نراه ألف مرة، يصبح مجرد لونٍ آخر.

تتبلد الحواس، تنخفض العتبة الأخلاقية، ويتحول الرعب إلى عادة.

لكن، ماذا يحدث عندما تصبح العادة هي القاعدة؟ عندما لا يعود القتل استثناءً، بل مشهدًا يوميًا يمر أمام الأعين كما تمر الإعلانات على شاشة التلفاز؟ عندها، يصبح السؤال الأكثر رعبًا: متى نتوقف عن الإحساس أصلًا؟

الإنسان، بطبيعته، يملك قدرةً هائلةً على التكيف، لكن ماذا لو كان هذا التكيف هو عين السقوط؟!

فرويد تحدث عن هذه الظاهرة بوصفها «التكرار القهري»، حيث يعيد الإنسان إنتاج الصدمة حتى تفقد أثرها الأصلي، حتى يتماهى معها.

وحين يحدث ذلك، فإن العنف لا يعود استثناءً، بل يصبح جزءًا من النسيج النفسي للذات.

وماذا يحدث حين يتحول العنف إلى لغة؟ إلى نظام تواصلٍ غير معلن؟

عندها، لا يعود الموت هو المشكلة، بل الحياة في ظل هذا الموت المستمر.

المجتمعات التي تعتاد مشهد الذبح لا تبقى كما هي، بل تعيد تشكيل نفسها وفق منطقه.

هنا، يولد جيلٌ جديدٌ لا يعرف الحياة إلا كحالة طوارئ دائمة، حيث تُصاغ الأحلام وفق قوانين الخوف، وحيث لا يعود هناك فرقٌ كبيرٌ بين أن تكون قاتلًا أو ضحية، لأن الجميع يعيش داخل نفس المسلخ، فقط بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الإدراك.

ليس غريبًا أن يكون السلاح المفضل في هذه المشاهد الدموية ليس الرصاص، بل السكين.

فالسكين ليس مجرد أداة قتل، بل هو سلاحٌ ذو رمزيةٍ خاصة في الحروب الأهلية والمذابح العرقية.

السكين، على عكس الرصاص، لا يقتل بسرعة. إنه يمنح الجريمة امتدادًا زمنيًا، يجعل الألم جزءًا لا يتجزأ من عملية الموت، ويحوّل القاتل إلى سيد اللحظة، حيث يُقرر كيف، ومتى، وبأي وتيرةٍ يمزّق أوصال الحياة.

حين نرى هذه المشاهد في السودان اليوم، حيث تستخدم قوات العمل الخاص ( كتائب الإسلاميين الارهابية ) السكاكين لشجِّ الرؤوس، وتقطيع الأيدي قبل الذبح، فإن الأمر يتجاوز مجرد القتل إلى صناعة مشهدٍ متكاملٍ للرعب، حيث يُراد للضحية أن تموت ببطء، وللمجتمع أن يشاهد، وللدم أن يتحول إلى الحبر الذي يُكتب به واقعٌ لا نهاية له من الرعب.

لكن، هل هناك مخرجٌ من هذا الحصار الوجودي؟! أم أن الأمر مجرد إعادة تدويرٍ لا نهائي للدم؟!

ربما يكون المخرج الوحيد هو في التمرد على بنية المشهد ذاته، في رفض اللعبة بكاملها، لا بممارسة العنف المضاد، بل بكسر المنطق الذي يجعل من العنف ضرورة، بكشف الخدعة الكبرى التي تجعل الإنسان يقبل أن يكون مجرد متفرجٍ على مذبحةٍ لا تنتهي.

لأن الخطر الحقيقي ليس في السكين الذي يقطع الجسد، بل في العين التي ترى ولا ترتعش، في الروح التي تشاهد ولا تسأل، في القلب الذي يتوقف عن الخفقان أمام مشهد الموت، ليس لأنه قد مات، بل لأنه لم يعد يرى فرقًا بين الحياة والموت.

 

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • بدل الفياجرا .. هذا الفيتامينات تحسن الخصوبة عند الرجال
  • لؤي بالهول: عطاءات تخلدها ذاكرة الوطن
  • «الأغذية العالمي»: تحسن إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • لتجنب الإصابة بالخرف.. مكون غذائي يعزز صحة الدماغ
  • شارع المتنبي.. ذاكرة بغداد الثقافية تنبض بالحياة كل جمعة (صور)
  • المذبحة كخطاب متكرر والمُشاهد قارئ بلا ذاكرة ولا اعتراض
  • نهلة الصعيدي: المرأة القوية التي تحسن تربية الأبناء وتقدر على صنع المستحيل
  • في لقاء مع صابري.. صناع النسيج والألبسة ينخرطون في ورش المنصة الرقمية التي تعدها كتابة الدولة المكلفة بالشغل
  • سبيك: التهديد الإرهابي وشيك والتشكيك في تفكيك الخلايا بروباغندا مغرضة
  • أطفال الحلة ينعشون ذاكرة الشارع بلعبة الدعابل (صور)