تسببت أزمة الجفاف التي تضرب مدن جنوب ووسط العراق منذ نحو عامين في هجرة آلاف العائلات من مناطق الأهوار والأرياف باتجاه المدن، لتشكل أزمة سكن وبطالة تُضاف إلى الكارثة البيئية التي تشهدها الكثير من المناطق.

ومع هذه المعاناة، امتنع عدد من الإدارات المحلية عن منح هذه العائلات تراخيص أمنية خاصة للانتقال إلى مراكز عدد من المدن، وهو ما أدى إلى تركيز النزوح في مناطق ووحدات إدارية محددة لتشكل أزمة سكن خانقة فيها.

وكشفت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة عن هجرة قرابة 21 ألف عائلة، بسبب ظروف الجفاف في 12 محافظة من محافظات وسط وجنوب العراق، مؤكدة أنّ 74% من النازحين بسبب المناخ ذهبوا باتجاه مراكز مدن المحافظات ذي قار وميسان والقادسية والمثنى.

وتتزايد التحذيرات من مخاطر الهجرة السكانية على المجتمع العراقي وتأثيرها على الاقتصاد والزراعة إضافة إلى التغييرات المجتمعية، لأن هذه العائلات كانت تعمل بالزراعة والرعي وتربية المواشي. 

وحذرت تقارير دولية، في وقت سابق، من تأثير تغيّر المناخ الذي أسهم في تزايد الهجرة من الريف إلى المدن استجابة للتدهور البيئي والمخاطر الطبيعية، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية المتمثلة بإرسال العائلات النازحة أطفالها للعمل في المدن لتوفير مصادر العيش. 

وسجل برنامج المنظمة لتتبع حالات الطوارئ المناخية في العراق نزوح أكثر من 130 ألف شخص من عام 2016 وحتى سبتمبر/أيلول 2023، بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ في مناطقهم الأصلية. 

وقال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق جيورجي جيغاوري، في وقت سابق، إن تغير المناخ وانعكاسات التصحر والجفاف في العراق ليس مجرد مشكلة بيئية، مبيناً احتمالية أن تتحول إلى أزمة إنسانية.

عبء على البنى التحتية في العراق

وفي السياق، قال معاون محافظ ذي قار غسان الخفاجي إن  الهجرة التي تشهدها المحافظات من الأرياف إلى المدن تشكل عبئاً إضافياً على البنى التحتية، داعياً إلى إعداد خطط لإدارة الأزمة، وتوفير الفرص المناسبة في المناطق التي يأتي منها النازحون لضمان تخفيف الهجرة. 

وكشف الخفاجي، خلال حديث صحافي، عن بناء نحو 3500 وحدة سكنية في محيط مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، نتيجة للنزوح من الأهوار والمناطق الريفية التي تعاني حالياً من الجفاف كبير. 

وأضاف أن أكثر من 20 ألف شخص جرى إيواؤهم، إلا أن هذه الأزمة شكّلت ضغطاً كبيراً على المناطق السكنية و فرص العمل المتوفرة، خاصة أن المحافظة تعاني أساساً من البطالة وقلة فرص العمل. 

وأشار الخفاجي إلى أن الشباب الوافدين المعتادين على العمل في زراعة الحقول وصيد الأسماك وتربية المواشي تحولوا إلى الأعمال اليومية البسيطة كالبناء والتحميل والنقل على عربات. 

تداعيات خطيرة

خلفت أزمة التصحر والجفاف آثاراً وتداعيات كبيرة انعكست على الحياة العامة للسكان، منها الفقر وانعدام فرص العيش الكريم في محافظات وسط وجنوب العراق، التي رفضت إدارات محلية فيها استقبال العائلات المُهجرة من القرى والأرياف. 

وقال رئيس لجنة أزمة التصحر والجفاف حيدر سعدي إن العراق يواجه تحديات بيئية خطيرة ناجمة عن التغيّر المناخي والجفاف والتراجع في الحصص المائية وتدهور الأراضي والتصحر والعواصف الترابية. 

وأوضح سعدي، أن هذه التحديات باتت تهدد الأمن الغذائي والصحي والبيئي و المجتمعي وتغيير الثقافة العامة، وأن هناك الكثير من المساحات والأراضي الخصبة جفت تماما. 

وأضاف أن المياه الواصلة إلى الكثير من القرى والمناطق التي تعاني من الشح هي مياه ملوثة ومالحة ولا تصلح حتى للاستخدامات البشرية والزراعية، وهناك ارتفاع في نسب تلوث المياه ما يشكل تهديداً على صحة المواطنين في تلك المناطق. 

وكشف سعدي عن رفض عدد من المحافظات كالنجف وكربلاء استقبال النازحين، وامتنعت عن منحهم الرُخص الأمنية الخاصة بالنزوح. 

وأشار إلى بروز مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة، من بينها النزاعات العشائرية وارتفاع معدلات البطالة والتنافس على فرص العمل. 

وحذر من تداعيات وانعكاسات أمنية ناجمة عن الاكتظاظ والانفجار السكاني، مبينا أن الأحياء السكنية أخذت تتوسع بصورة كبيرة، حيث أصبحت المنطقة المكونة من منطقتين أو ثلاثة تضم الآن أكثر من 10 مناطق سكنية تفتقر إلى الخدمات البلدية.

وأفاد بأن الهجرة الجماعية غير المسيطر عليها ستتحول إلى مشكلة اجتماعية كبيرة نتيجة التغيرات الديمغرافية وطرق العيش، فضلاً عن نشوب صراعات مجتمعية على مصادر الدخل وعدم استيعاب المدارس للأعداد المتنامية والمستشفيات والمؤسسات الخدمية. 

غياب الخطط 

ومن جانبه، قال الناشط البيئي عمار الغزي إن الحكومة العراقية لا تمتلك أي خطط لمعالجة الهجرة القسرية لسكان الأرياف والأهوار، فضلاً عن عدم إدراكها ما قد تشكله هذه الهجرة من مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية. 

وأشار الغزي، إلى أن الأرقام والإحصائيات التي أعلنت عنها المنظمات الدولية هي أرقام تقريبية، إذ لا تتوفر لغاية الآن أي قاعدة بيانات لإحصاء عدد العائلات المهجرة في جميع المحافظات. 

وانتقد دور الحكومة العراقية في إدارة الأزمة، وحمل الإدارات المحلية في محافظات بابل وكربلاء وواسط والنجف مسؤولية تخليها عن الواجب الوطني والإنساني في هذه الأزمة، معتبراً أن إجراءات منع العائلات من السكن من دون خطط بديلة تؤكد ضعف الحكومة في إدارة الأزمات.  

انعكاسات اقتصادية 

 تشهد هجرة السكان من مناطق القرى والأرياف إلى المدن ومراكز المحافظات مخاطر اقتصادية واجتماعية متنوعة، أهمها انخفاض كميات الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني على المستوى الوطني بسبب هجرة السكان من القرى والأرياف التي تتم فيها عمليات زراعة الأرض وتربية مختلف أنواع المواشي والدواجن. 

وقال الخبير الاقتصادي خطاب الضامن إن الهجرة القسرية من الريف إلى المدن تهدد الأمن الغذائي للبلد وتزيد من حجم الفجوة الغذائية، وتدفع أسعار المواد الغذائية للارتفاع نتيجة الاعتماد على الاستيراد من الخارج لسد فجوة الأمن الغذائي. 

وأفاد الضامن، أن عمليات الهجرة تركت آثاراً كبيرة على حجم الدخل ومستوى المعيشة لدى العائلات النازحة، إذ تجبر على التخلي عن مصادر دخلها الناجمة عن العمل في القطاع الزراعي والأنشطة المساندة له. 

وأشار إلى أن هذه العائلات تضطر للعيش في المدن التي تتسم بارتفاع تكاليف الحياة من أجور سكن وطعام ونقل وغيرها، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة بين المهاجرين، ووقوع معظمهم تحت مستوى خط الفقر. 

وبيّن الضامن أن الكثير من العائلات اضطرت إلى السكن في الخيام والمنازل المبنية من صفائح الحديد والمنازل العشوائية بسبب اكتظاظ المناطق السكنية من جهة، وارتفاع أسعار الإيجار التي لا يمتلكونها.

ودعا الضامن إلى تدخل حكومي عاجل لإغاثتهم وإيوائهم وتقديم الدعم لهم، ومعالجة الظروف التي أجبرتهم على ترك مناطقهم الأصلية ومصادر دخلهم، عبر برامج حكومية متخصصة. 

 

المصدر: العربي الجديد

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الکثیر من إلى المدن فی العراق أن هذه

إقرأ أيضاً:

البرلمان يدعم قرارات الداخلية بشأن التعامل مع السوريين والمقيمين

بغداد اليوم -  بغداد

أكدت اللجنة الأمنية والدفاع النيابية، اليوم الخميس (13 آذار 2025)، دعمها لقرار وزارة الداخلية بشأن السوريين والمقيمين الذين يسيئون استخدام منصات التواصل الاجتماعي في تأجيج الأوضاع السلبية داخل البلاد، مشددة على ضرورة الانتباه إلى فقرة هامة في هذا السياق.

وقال عضو اللجنة النائب علي نعمة في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "منصات التواصل الاجتماعي أصبحت شريانًا حيويًا في نقل الأفكار والرؤى وإحياء المواضيع المختلفة في العراق وبقية دول العالم، وبالتالي هذه الماكينة الإعلامية التي تضم مليارات من مختلف الجنسيات يجب أن يُراعى فيها العديد من الأسس، خاصة فيما يتعلق بالأمن الداخلي".

وأشار إلى أن "العراق لا يزال يواجه تحديات للأمن، ولكن الأوضاع مستقرة وآمنة. ومع ذلك، استغلال منصات التواصل في ترويج قضايا من شأنها الإضرار بالأمن الداخلي أمر لا يمكن تجاوزه، وهذا يجب أن تأخذ وزارة الداخلية إجراءاتها من خلال تشكيلاتها وفق المسارات القانونية، عبر الاحتجاز وتقديم كل من يحاول الإضرار أو إثارة الفوضى على منصات التواصل الاجتماعي إلى القضاء، سواء من جميع الجنسيات".

وأضاف نعمة، "بعض السوريين استخدموا في الآونة الأخيرة منصات التواصل الاجتماعي في ترويج بعض الآراء والقضايا التي من شأنها الإضرار بالأمن، وعلى وزارة الداخلية أن تتابع ضبط الأمن الداخلي واتخاذ الإجراءات اللازمة. نحن ندعم بيان الوزارة الأخير، لكن يجب إذا كان هناك قرار بترحيل البعض ممن تجاوزوا على القوانين أن يختاروا البلد الذي سيتم ترحيلهم إليه، خاصة وأنهم من دولة تعيش أوضاعًا استثنائية منذ 8 كانون الأول الماضي".

وأشار إلى أنه "حتى هذه اللحظة، لم يصلنا في لجنة الأمن والدفاع قرار محدد من وزارة الداخلية بخصوص ترحيل السوريين، ولكن إذا تم ضبط واحتجاز أي سوريين ممن تجاوزوا على القوانين، سيتم اتخاذ القرارات اللازمة حيالهم. ومن المهم أن يتم ترحيلهم وفقًا لرغباتهم الى البلدان التي يختارونها، استجابة للوضع الاستثنائي في بلادهم، حيث قد يسبب ترحيل البعض إلى دمشق بعض الإشكاليات".

وأكد نعمة في ختام حديثه، "نحن ندعم قرارات وزارة الداخلية تجاه السوريين أو أي مقيمين من جميع الجنسيات ممن يخالفون الأنظمة والتعليمات، وما تقوم به الوزارة ينسجم مع المبادئ التي حددها الدستور والقانون والنظام بشكل عام".

وأدانت وزارة الخارجية السورية يوم الأربعاء الاعتداءات التي طالت السوريين في العراق على يد مليشيا تطلق على نفسها "تشكيلات يا علي الشعبية".

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان نشرته عبر حسابها على منصة إكس "تدين الخارجية ما يتعرض له السوريون في العراق، إذ إن هذه الأفعال تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، وطالبت الخارجية السورية الحكومة العراقية باتخاذ التدابير اللازمة لضمان أمن السوريين المقيمين في العراق وسلامتهم، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

وأكد البيان أن الوزارة ستعمل على التواصل مع الحكومة العراقية للعمل من كثب لمعالجة هذه الانتهاكات، واتخاذ إجراءات سريعة لمنع أي تجاوزات إضافية.

وفي أعقاب بيان الخارجية السورية، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء بيانا جاء فيه:

"تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر أعمال عنف مشينة بحق عدد من الأشقاء السوريين العاملين في العراق، من قبل مجموعة ملثمة تُنسب إلى فصيل يُطلق على نفسه اسم تشكيلات يا علي الشعبية".

وأضاف البيان أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه بتشكيل فريق أمني مختص لملاحقة الجناة، مشددا على أن مثل هذه الأفعال لا تمتّ لأخلاق العراقيين بصلة، وتمثل اعتداءً غير قانوني.

كما أكدت وزارة الداخلية العراقية، يوم الأربعاء، أن الحكومة الاتحادية ماضية في إجراءاتها القانونية بملاحقة عناصر فصيل مسلح قاموا بالاعتداء على عمال سوريين في العاصمة بغداد.

وقال المتحدث باسم الوزارة العميد مقداد ميري في مؤتمر صحفي عقده اليوم في بغداد، إن "أمن العراق القومي والداخلي والخارجي وسمعة البلاد خط أحمر".

وأضاف أن "اللجنة التي شكلها القائد العام للقوات المسلحة بشأن الاعتداء على العمال السوريين ستتابع هذا الموضوع من اجل التوصل الى الفاعلين ومحاسبتهم"، مردفا بالقول: نحن جميعنا في هذه البلاد تحت سقف و طائلة القانون ولا خروج عن هذا الإطار اطلاقا".

وتابع العميد ميري، إنه "حتى من يتم القاء القبض عليهم من الاخوة السوريين وفق مخالفات قانونية"، مؤكدا أن "بكل تأكيد من يخالف يتعرض للإجراءات القانونية".

وأشار إلى أن "الأجهزة الأمنية والدوائر الاستخبارية في وزارة الداخلية سجلت عدداً من الحالات غير القانونية ذات بعد طائفي ومؤيدة ومحرضة على العنف من قبل البعض وليس كل المقيمين، وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً ويجب على المتواجدين على أرض العراق احترام القانون والقيم والعادات والتقاليد".

وحذر "كل من يتجاوز حدود القوانين العراقية ويقوم بأفعال تضعه تحت طائلة المساءلة والقانون، وسيتم ترحيل كل مقيم ينشر معلومات مسيئة لقيم مجتمعنا العراقي"، مبينا "نؤكد أن من يحاول الإنحراف عن جادة الصواب لا شك أنه مختلق للفتنة وهذا سيلاقي رداً قوي وفق القانون".

مقالات مشابهة

  • فضيحة مدوية بعد كشف قضية فساد خطيرة في عدن.. هذا سبب تفاقم أزمة الغاز في المدينة
  • الحراري: حل أزمة الهجرة ليس مسؤولية ليبيا وحدها بل تحدٍّ مشترك
  • العراق يطالب واشنطن بمراجعة قرار وقف تمويل المنظمات الدولية
  • البرلمان يدعم قرارات الداخلية بشأن التعامل مع السوريين والمقيمين
  • أبرز الفئات التي شملها قرار الداخلية السورية إلغاء بلاغات منع السفر
  • برلماني لوزير الفلاحة : اندثار رعاة الغنم بسبب الهجرة إلى المدن
  • الهجرة الدولية: 17 مليون يمني يواجهون أزمة غذائية حادة
  • تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء وما يسببه من كارثة إنسانية
  • الداخلية عن حادثة الاعتداء على السوريين: الجميع في العراق تحت سقف و طائلة القانون
  • أزمة المطر وغرق العراق: تحديات وتحليلات