كثيرة هي التمنيات التي نحمّلها كل سنة لكل سنة تأتي طبيعيًا ومن دون استئذان، بعد أن نكون قد أنزلنا بالسنة التي تمضي كل ما لدينا من نعوت بشعة، وهي التي كنا نعلق عليها الآمال. فلا السنوات التي ودّعناها كانت كلها سيئة، ولا كل السنوات التي كنا ننتظرها بشغف وشوق حملت لنا ما حمّلناها إياها من تمنيات، وإن كانت أحيانًا غير واقعية وغير منطقية.
ليس سهلًا علينا أن نعي أن كل لحظة تمضي لن تعود مرّة جديدة، لتنضم إلى السلالة الكونية في دورانها التجدّدي في مدار توالي السنين، وهي سنّة التواصل بين ماضٍ لم يعد سوى ذكريات، وبين حاضر لا يدوم سوى للحظات، ومستقبل لا يعرف أحد منا ما يخبئه له من مفاجآت، سارةً كانت أم حزينة.
فهذه الجدلية القائمة بين دورة الأيام، بين شروق الشمس ومغيبها، هي ما تعطي لماضينا معنىً عبر مسلسل حياة عبرت بسرعة وكأن ما عشناه قبل سنوات هو كالأمس الذي عبر. ولكن أحلى ما في هذا الماضي أنه كان لنا فيه أحبة أصبحوا ذكرى وأغنية لم ينظمها شاعر ولم يلحنها موسيقي. وأجمل ما في الحاضر أنه جسر من "حبال هواء" تربط بين ما مضى وبين ما هو آتٍ.
هي بعض من خواطر ألملمها من خبرات تجمّعت في مسيرة عمرها سبعين سنة رسمت في وجداني صورًا لا تحضرني سوى في أحلامي. ففي هذا الوجدان سباقٌ لا نهاية له بين ما هو زائل، وبين ما هو أبعد من خفقان قلب وتنهد صدر في حركة الشهيق والزفير.
سئلت عمّا أتمناه لسنة ال ٢٠٢٤، فلم يكن جوابي كما كان في السنوات التي عبرت. فجلّ ما أتمناه هو ألا تكون جديدة، بل مستعملة. فالسنة المستعملة قد خبرنا خيرها من شرّها. وإذا قُدّر لي أن أختار فلن أختار منها سوى سنتين هما: ١٩٨٢، و٢٠٠٤. وأحتفظ لنفسي ولمن تعنيهم هاتان السنتان بما فيهما من "هدايا" أبعدت عني الرتابة الروزنامية، وأعطت لحياتي ما فيها من معنىً حقيقي لهذا الوجود العابر لكل من يتنفس مادة الأوكسجين، التي تبقيه على قيد الحياة. وهذا ما يعنيه تعبير نستعمله كثيرًا، وهو "حتى النفس الأخير"، من دون أن نتوقف عند مدلولاته الوجودية.
عندما يتعانق عقربا الساعة عند منتصف ليل 31 كانون الأول و1 كانون الثاني تنتهي سنة كثُرت فيها خيبات الأمل لتبدأ سنة جديدة سنحمّلها أكثر مما تحتمل، في لعبة الهروب من واقع مرير إلى المجهول، الذي سينضم بعد 365 يومًا إلى نادي الأيام الضائعة والتائهة في ما يُسمى الماضي، وهي أيام لن تعود إلا ذكريات، جميلة كانت أم بشعة، فرحة أم حزينة.
في مثل هذا الوقت من كل سنة، يتبادل الأحبّة التهاني والتمنيات ويردّدون تعابير بدأت تفقد معانيها لكثرة ما تُردّد، ومن بينها "ان شاء الله تكون السنة الجايي أفضل من الرايحة". ومع نهاية كل سنة تودَّع "الرايحة" وتُستقبل "الجايي"... وهكذا تدور الأيام، وتكون شبيهة بما سبقها، إن لم يكن أسوأ، وتكرّ سبحة خيبات الأمل، واضعين الحقّ على الفلكيين، وما أكثرهم هذه الأيام، وقد يكون الضرب بالغيب نوعًا من أنواع الهروب من الواقع، تمامًا كما اللجوء إلى الماورائيات غير المرتبطة بما يجري من حتميات الحياة. فالأيام كلها تتشابه، بما ترتبه من مسؤوليات، وما فيها من أعباء وهموم تلاحقنا من الفجر حتى النجر، ساعين وراء لقمة عيش مجبولة بالعرق وأحيانًا كثيرة بالدّم. وحدها أيام الروزنامات تتغير، في مطحنة زمن لن يعود إلى الوراء. فما مضى قد مضى، وما هو آتٍ يصبح أسير عقارب الساعة، فيمسي اليوم أمسَ، والغد يطوي صفحته ليصبح أبن ساعته، ويتحوّل إلى يوم يدخل في تراتبية التعداد التنازلي في مسيرة التراكمات العددية. ولأن آلة الزمن لا تتوقف يكثر التحايل على دورة الأيام، وتكثر التمنيات التي غالبًا ما تكون غير محقّقة وغير قابلة للمقارنة مع ما هو حسّي ومعيوش، فيختلط المأمول مع طموحات تتوسل المحظورات لتبرير الغايات، فيعّم الفساد وتنتشر الفوضى، وتصبح الأمثال الموروثة جزءًا من منظومة الحياة، بما فيها من بشاعة الواقع. لا أقصد أن أودّع سنة بسادّية لأستقبل أخرى متشائمًا، بل أحاول أن التقط اللحظة التي لا تتكرر بكثير من الحرص عليها، لكي تأتي الثواني المتعاقبة مختلفة عما سبقها، على وقع شهيق وزفير متقطعين، وعلى أنغام سمفونية القدر. ولأنه في هذه اللحظات تدّق الساعة آخر دقاتها لتعلن إنتهاء سنة تمضي، ولتزّف قدوم سنة جديدة، أنهي هذه السطور متمنيًا ألاّ يكون العام الجديد شبيهًا بالسنة الفائتة. لكي لا نعود إلى بداية أوجه الشبه.
كل سنة وانتم بخير. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
يديعوت أحرونوت: فضيحة تجسس تهز إيطاليا تورط فيها الموساد
قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن فضيحة تجسس داخلية تهز إيطاليا بعد أن قامت شركة تحقيقات خاصة مكونة من أعضاء كبار حاليين وسابقين في أجهزة الأمن بسرقة معلومات شخصية عن سياسيين، بينهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وشخصيات عامة، لاستخدامها في الابتزاز، مشيرة إلى أن جهاز الاستخبارات الخارجية لإسرائيلي (الموساد) متورط في صفقات مع الشركة التي تتخذ من ميلانو مقرا لها.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم دانييل بيتيني- أن 4 أشخاص على الأقل قد اعتقلوا وأن عشرات آخرين قيد التحقيق، وقالت إن وسائل الإعلام الإيطالية وصفت القضية بأنها مؤامرة على أعلى مستوى، تشمل أعضاء المافيا ومسؤولين في أجهزة الاستخبارات إلى جانب أجهزة استخبارات أجنبية بما في ذلك الموساد.
وقال المحققون إن خبراء أمن سيبراني ومتسللين ربما اخترقوا خوادم وزارة الداخلية الإيطالية، ووصفت ميلوني المؤامرة المزعومة بأنها "غير مقبولة" و"تهديد للديمقراطية"، وطالب وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو بإجراء تحقيق برلماني عاجل، خوفا من أن تكون أسرار الدولة قد تعرضت للخطر.
خبراء أمن سيبراني ومتسللون ربما اخترقوا خوادم وزارة الداخلية الإيطالية (غيتي)وأشارت الصحيفة إلى أن عضوا سابقا كبيرا في الشرطة، يرأس شركة "إيكولايز"، وهي شركة استخبارات تجارية خاصة، هو المشتبه به الرئيسي في التحقيق، وهو متهم باختراق خوادم الوزارات الحكومية والشرطة منذ عام 2019 حتى عام 2024، لبناء ملفات ضخمة، مليئة بالأسرار والمعلومات الحساسة التي باعها أو خطط لبيعها لعملائه من كبار الشركات ومكاتب المحاماة.
واعترض المحققون -حسب تقرير لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية- زيارة لشركة التحقيق من قبل إسرائيليين مجهولين وصفوا بأنهم عملاء استخبارات، أرادوا التعامل في معلومات تتعلق بالغاز الإيراني، قد تكون موضع اهتمام شركة الغاز الحكومية الإيطالية "إيني"، وتتعلق بالتجارة غير المشروعة في الغاز مع إيران.
وقالت الصحيفة إن الزيارة تم تنسيقها من قبل عضو كبير في الشرطة يعمل لصالح المخابرات الإيطالية، وإن العملاء الإسرائيليين طلبوا المساعدة في تحديد تصرفات القراصنة الروس والمعاملات المصرفية الروسية المرتبطة بمجموعة فاغنر السابقة التي كان يقودها يفغيني بريغوجين قبل مقتله.
وقال موقع "أوبن" إن الإسرائيليين عرضوا على الشركة الإيطالية معلومات سرية عن عمليات شراء غير قانونية للغاز من إيران بمبلغ مليون يورو، مقابل معلومات عن القراصنة الروس من مجموعة فاغنر، وإن الفاتيكان شارك في المساعدة في التحرك ضد روسيا.