بدلاً من الحرب من منزل إلى منزل: هل من الممكن حقاً تسوية غزة بالأرض بالقصف الجوي؟" .. بتلك اللهجة العنصرية والدموية ارتفعت أصوات في إسرائيل تطالب بهدم كل المباني في القطاع، انتقاما، وحل تكتيكي، حتى لا يتعرض الجنود للخطر من خلال تفتيش المنازل، وإذا ما تبنى الجيش الإسرائيلي تلك الخطة فكيف ستبدو مثل هذه العملية، وكم ستكلف، وماذا حدث في الماضي عندما حاولوا هدم مدن كبيرة؟.

وقد سُمع هذا المطلب بالفعل في اليوم الأول من الحرب، عندما صرخت إسرائيل المتألمة والمصدومة بغضب شديد، بعد الضربة القوية للمقاومة الفلسطينية بطوفان الأقصى، وعندما أصبح مدى خسائر السبت الأسود واضحًا، دعوا إلى تدمير غزة كعمل انتقامي، وبعد أن ارتفع عدد القتلى في المعارك وجهاً لوجه، أصبح النداء حلاً تكتيكياً، وأصبح الجميع يتساءل داخل إسرائيل "لماذا يجب على الجنود دخول المباني والمخاطرة بحياتهم من أجل تطهير القطاع، عندما يكون من الممكن ببساطة تسوية غزة بالأرض؟".

 

 

"تدمير 200 ألف مبنى بغزة يجنبنا أفخاخ حماس"

وبحسب تقرير نشرته صحيفة كالكاليست العبرية، فإن أصحاب تلك الفكرة، يرون أن تدمير جميع المباني بطريقة لا يمكن لأحد استخدامها للمراقبة أو نصب الكمائن بين الأنقاض أو المخاطرة بقوات الجيش الإسرائيلي، فلذلك لا يكفي حرق المبنى أو ترك هيكل عظمي مثقوب منه، ولضمان عدم استخدام أي مبنى في أعمال عسكرية من الفصائل الفلسطينية، فيجب أن يكون المبنى كومة من حطام البناء.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة التي نشرت في منتصف الشهر، كان هناك حوالي 200 ألف مبنى في قطاع غزة قبل الحرب، وبجانبها كان هناك عدد آخر غير معروف (وإن كان أكبر) من الثكنات والمباني المؤقتة والمباني المؤقتة، وبحسب بيانات الأمم المتحدة فقد تضرر نحو 18 ألف مبنى، ولكن "المتضرر" لا يعني "مدمراً"؛ بل هو إصابة بقذيفة، أو إصابة، أو إطلاق نار واسع النطاق نتيجة لمعركة اندلعت بالقرب من المبنى أو داخله، فالهجوم الجوي لا يؤدي بالضرورة إلى تدمير المبنى، فمعظم المباني التي تضررت هي تلك التي استخدم الإرهابيون أسطحها ونوافذها لإطلاق النار على قواتنا، واشتعلت فيها النيران من طائرة بدون طيار أو مروحية أباتشي، والهجوم بمثل هذه الأدوات لا يؤدي بالضرورة إلى تدمير أي مبنى.

كيف يتم تنفيذ أوهام الصهاينة؟

وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، فإن تنفيذ تلك الرؤية تحتاج لخطة هدفها تدمير 200 ألف مبنى إلى مستوى نفايات البناء، لذلك، لكي تهدم مبنى بنسبة 100%، لا يتعين عليك أن تكون قويًا ولكن ذكيًا، فبدلاً من قنبلة ضخمة، عليك ضرب الأساسات والجدران الداعمة بدقة شديدة باستخدام القنابل العادية، وبهذه الطريقة سينخفض ​​وزن الهيكل وينكسر، ويمكنك الانتقال إلى الهدف التالي، لذلك يجب تحديد إجابات دقيقة لعدد من الأسئلة ومنها أين هي النقاط الصحيحة لهدم الهيكل؟، وكيف تعمل هندسته الأساسية؟، وما مدى عمق حفر الأساسات؟، وما هو سمك الجدران الداعمة؟، وما نوع التربة الموجودة في قطعة الأرض؟، وهذه مجرد بعض الأسئلة التي ليس لها إجابات والتي لن يتم هدم أي مبنى إلا بعد تحديد إجابات عنها.

وفي هذا الصدد، ستكون هناك حاجة إلى 60% من الذخائر التي سيتم وضعها على كل مبنى لهدمه، و40% أخرى لسحق الأنقاض ونشرها على مساحة أكبر، بحيث تصبح كومة الشظايا أقل ملاءمة للاستخدام من قبل المقاومة الفلسطينية وأيضا أقل عرضة للاستنشاق، وهنا يصبح التسائل كم عدد الأسلحة التي تحتاجها لكل مبنى؟، وذلك حسب أحجام المباني في قطاع غزة، فمعظم المنازل في القطاع مكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق وليست كبيرة جدًا، ولكن هناك أيضًا ناطحات سحاب ومباني واسعة تتطلب المزيد من الضرر.

 

مليون قنبلة بتكلفة 31 مليار دولار والتنفيذ خلال أكثر من عام

والصدمة التي كشفتها الصحيفة العبرية، أنه لتنفيذ تلك الخطة، فإن كل مبنى في قطاع غزة سيحتاج لـ5 قنابل كرقم متوسط، لذلك، لتدمير 200 ألف مبنى، تحتاج إلى مليون سلاح، والنظر للتكلفة فكل سلاح يتكون من قنبلة تبلغ قيمتها 3100 دولار، ومجموعة أدوات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تبلغ تكلفتها 20 ألف دولار، بالتالي فإن تكلفة التسلح ستكون 31 مليار دولار، وبالمصطلحات الإسرائيلية 113 مليار شيكل. وهذا يقترب من ضعف ميزانية الدفاع الكاملة لدولة إسرائيل لعام 2023 قبل اندلاع الحرب.

وإذا بدت لك هذه الأرقام كبيرة، فإن مدة تنفيذ الخطة صادمة أيضا، فقد كان الحد الأقصى لمعدل الهجوم للقوات الجوية في الحرب الإجرامية الإسرائيلية بحق قطاع غزة حتى الآن حوالي 500 هدف في اليوم، وهذا يعني أن تسوية غزة من الجو يمكن أن تكتمل في حوالي عام وشهر إذا عمل الجميع بالتسلسل، بما في ذلك أيام السبت والأعياد؛ ففي المتوسط، سيتطلب كل هدف طائرتين على الأقل؛ الغالبية العظمى من التشكيل القتالي في القوات الجوية يتكون من طائرات F16، وهي رائعة ولكن ماذا في ذلك؟ يمكنها حمل أربع قنابل وزنها طن واحد فقط، وهذا يعني أنه سيتعين على كل طائرة أن تطير أكثر من طلعة جوية واحدة في اليوم؛ وبعيدًا عن أسعار ساعات الطيران وقطع الغيار التي ستصل بسهولة إلى ملايين الدولارات يوميًا، ضع في اعتبارك أنه لم يتم تصميم أي طائرة مقاتلة في العالم للعمل تحت مثل هذا الحمل.

استحالة الخطة لأسباب أخرى 

وهذا يعني أنه سيكون علينا خلال هذا العام شراء طائرات مقاتلة جديدة، لتحل محل تلك التي طارت حتى كادت أجنحتها أن تسقط، ولا يعرف كم عدد طائرات F16 التي سيتم شراؤها، أو عدد طائرات لوكهيد مارتن التي يمكن أن تنتجها لنا الآن؛ ومن المقرر أن يتم إغلاق خط إنتاج F16 في عام 2025، والطلبيات ممتلئة حاليًا، وهنا ندخل الأرقام التي لم أتمكن من حسابها، وبصرف النظر عن تكاليف الأسلحة، وأيام الاحتياط للقوات الجوية، وكل ما هو مطلوب للقصف دون توقف لأكثر من عام، فيجب التفكر في الوقود، وسيتعين على دولة إسرائيل أن تخطط وتعيد بناء نظام الطاقة الخاص بها بالكامل؛ F16 ليست بالضبط سيارة تسلا عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد.

وإلى ذلك أضيفت عواقب محو مساحة كاملة من الأرض من المباني السكنية - إذا بدا لك أن العالم الآن ضدنا تماما، فإن عملية تسوية غزة ستحولنا إلى كوريا الشمالية في الشرق الأوسط، وسيبدو الاقتصاد وفقًا لذلك وسينهار، وستتوقف قطاعات بأكملها عن العمل، وسترتفع أسعار الطاقة بشكل كبير للغاية، وسيتعين على كل إسرائيلي وضع توربينات على أسطح المنازل لشحن هاتفك وقراءة عمودي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: تسویة غزة ألف مبنى قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

ما بين الثوابت والتأطير …!

ما بين #الثوابت و #التأطير …!

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

يقول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في كتاب منسوب إليه بعنوان: فن الصفقة أنه حتى تنجح في التفاوض قم بتقديم عرض مبالغ فيه خارج التصور يثير الهلع والرعب، لتقوم بتخفيفه بعدها للحصول على مكاسب كانت في خانة الأحلام سابقاً، ومن يتأمل هذه الكلمات يرى بأنها ما يفعله الرئيس الأمريكي منذ استلامه سلطاته في الولايات المتحدة قبل أقل من شهر، خاصة فيما يتعلق بإعلانه عن خطة تهجير أهل غزة ونقلهم من أرضهم إلى بلدان أخرى لامتلاك غزة وإعادة بنائها، وقد رأينا كيف أن ذكر الخطة بات يتكرر على المسامع باستمرار بين حين وآخر، في عنوان كبير لما يعرف ب”التأطير”، وذلك بجعل تفكير المتلقي لا يخرج عن إطار محدد تم تحديده له من خلال الفكرة المطروحة، مثل هذه الخطة المرفوضة جملة وتفصيلاً سابقاً ولاحقاً من أهل غزة ومن كل أهل فلسطين، ومن معظم البلدان العربية والإسلامية ومعهم كثير من دول العالم والتي يعتبر بعضها حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية، وبرغم ذلك يستمر تكرار طرح الخطة حتى يتم ترسيخها في عقل أكبر عدد من المتلقين، لجعلهم يسألون أنفسهم لم لا؟ ربما كان ذلك أفضل؟ لعل من يطرح الخطة ينجح في النهاية في تمريرها ولو بعناوين وطرق مختلفة، ومن هنا نرى تفسير تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية الأخيرة بأن على العرب تقديم خطة واقعية مقبولة طالما كانوا يرفضون هذه الخطة، ولم تأتي هذه التصريحات إلا بعد أن رأينا كيف كان العاهل الأردني واضحاً في اجتماعه مع الرئيس الأمريكي في رفض الخطة وعدم القبول بفكرة تمريرها على حساب الشعب الفلسطيني والأردني والشعوب العربية الأخرى، وإن كان قبل بدبلوماسية عالية استقبال 2000 طفل من المرضى في لفتة إنسانية إلا أنه كان واضحاً أن على الإدارة الأمريكية انتظار الخطة العربية التي يعمل على اعدادها الاشقاء في مصر والسعودية مع الأردن وعدد من الدول العربية الأخرى، لتقديم طرح مقبول للشعب الفلسطيني والدول العربية أولاً وقبل كل شيء، وأنه لن يعمل سوى ما يصب في مصلحة شعبه وبلده، كما رأينا في موازاة ذلك المواقف المصرية والسعودية الواضحة والقوية في رفض خطة التهجير وعدم القبول بها تحت أي ظرف، كما رأينا كيف خرج الشعب الأردني في استقبال قائده معلناً وقوفه بكل قوة خلف القيادة الهاشمية ومواقفها الثابتة في عدم التخلي عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ورفض تهجير أهل غزة وفلسطين وإعادة احتلال الضفة الغربية وتهجير أهلها إلى الأردن في دفن واضح لكل معاني اتفاقيات السلام التي تم توقيعها مع الاحتلال.  

والمضحك في مثل هذه الخطة أنه ينسف بجرة قلم صمود شعب لأكثر من 70 عاماً في أرضه ودفاعه عنها، متناسياً ذلك الشاب الصغير الذي سارع مع الآلاف للعودة إلى ركام منازلهم في شمال غزة حاملاً أسطوانة الغاز فوق ظهره، وتلك الفتاة العائدة حاملة شقيقها فوق ظهرها، فعن أي تهجير يتحدث هؤلاء؟ وقد رأينا هروب الآلاف من خلال مطار بن غوريون بعد انهمار الصواريخ على مدن الاحتلال بينما ثبت أهل غزة في أرضهم برغم انهمار كل أنواع الصواريخ والقنابل والقتل والدمار فوق رؤوسهم لأكثر من عام ونصف؟ ثم ألم يسأل أصحاب تلك الخطة أنفسهم لماذا لم يتم تهجير شعب اليابان وألمانيا من أرضهم بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية لإعادة بنائها من جديد؟ أم ان القانون الذي ينطبق على الدول العربية والإسلامية هو غير القانون الدولي المنطبق على دول العالم الأخرى؟

مقالات ذات صلة نحمي الوطن.. بالعقول لا الطبول؟ 2025/02/13

وبكل الأحوال نرى الإجابة على مثل هذه الخطة العبثية في قدر ورق العنب الذي احتفظ به الشباب الصامدون في أرض فلسطين لأكثر من 6 ساعات على حاجز جبع شمال القدس المحتلة برغم كل قمع الاحتلال وتجبره عليهم، فهل سيترك أمثال هؤلاء أرضهم ويتخلون عنها، وسيبقى ذلك الاحتلال ومن معه يخططون ويحلمون ويعملون لدفن قضية فلسطين اليوم قبل الغد ولكن يشاء الله تعالى تثبيت أهلها في أرضهم أكثر وأكثر، كما شاء الله عزوجل أن يكون يوم عودة أهل غزة إلى بيوتهم شمالاً مصادفاً ليوم 27 رجب الفائت يوم ذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى تحرير القدس على يد الناصر صلاح الدين، لتبقى الحرب العلنية أمس واليوم وغداً ما بين الثوابت الراسخة التي توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وبين التأطير الذي يسعى الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة وكل داعميه لترسيخه في الأذهان والنفوس الضعيفة، لعله ينجح في نسف هذه الثوابت وتدميرها، ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات مشابهة

  • «إجراء البعوض».. جيش الاحتلال الإسرائيلي ينهي حياة مسن وزوجته بطريقة مرعبة
  • نتنياهو وكاتس : خطة ترامب الوحيدة التي يمكن أن تنجح
  • باني: المدينة التي بداخلها عصبية قبلية لا يمكن أن تُبنى وترتقي وتتقدم
  • روبيو يصل تل أبيب في أول زيارة للشرق الأوسط كوزير خارجية
  • روبيو يصل لـتل أبيب في أول زيارة للشرق الأوسط كوزير خارجية
  • بدون حماس أو تهجير.. عمرو أديب يكشف تفاصيل الخطة المصرية لإدارة وإعمار غزة
  • قبل عقود .. هكذا سعت تل أبيب سريًا إلى تشجيع هجرة الغزيين
  • ما بين الثوابت والتأطير …!
  • عدوان الاحتلال على جنين .. تدمير 470 منزلاً ومنشأة
  • كارثة بيئية جراء تدمير الاحتلال لشبكات الصرف الصحي