حكم إنكار المسلم على غيره في المسائل الخلافية.. اعرف أدب التعامل
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عن أدب المسلم مع غيره عند الإنكار في المسائل المختلف فيها.
وقالت دار الإفتاء، إن الخلاف المعتبر: هو الخلاف الذي له حظ من النظر؛ أي: من الدليل، فلا يلتفت إلى قول في مسألة ليس عليه دليل أو عليه دليل ليس بقوي؛ ونظمها بعضهم بقوله:
وليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلاف له حظ من النظر.
ولذلك وضع العلماء لجعل الخلاف مُعتبرًا شروطًا؛ لأن الخلاف إن كان مـما يندرج تحت هذه الشروط، اعتُبر وصح القول بمراعاته.
وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن يكون الخلاف قوي الـمُدْرَك؛ والـمدرك: مكان الإدراك وهو الدليل؛ لأن الدليل محلّ إدراك الحكم، فالسنة مُدْرَك من مدارك الشرع وهي مواضع طلب الأحكام. انظر: "حاشية العطار على شرح الـمحلي لجمع الجوامع" (2/ 250، ط. دار الكتب العلمية)، و"الـمصباح المنير" (1/ 192-193، ط. المكتبة العلمية).
الشرط الثاني: ألَّا يؤدي الخلاف إلى مخالفة سنة ثابتة.
الشرط الثالث: ألَّا يؤدي الخلاف إلى خرق الإجماع.
الشرط الرابع: أن يكون الجمع بين المذاهب ممكنًا.
الشرط الخامس: ألَّا يوقع الخلاف في خلاف آخر.
ووقع الاختلاف في الفروع بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم خير الأمة، وكذلك مَنْ بعدهم مِنْ أئمة التابعين والعلماء، فما خاصم أحد منهم أحدًا، ولا عادى أحدٌ أحدًا، ولا نسب أحدٌ أحدًا إلى خطأ ولا قصور.
وقال الإمام الذهبي -بعد ذكره مسألة خلافية بينه وبين ابن منده-: [ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له قمنا عليه، وبدَّعناه، وهجرناه، لـما سَلِم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة] اهـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء" (14/ 40، ط. مؤسسة الرسالة).
وتابعت دار الإفتاء: فترى أن الأئمة العلماء نظروا إلى الاختلاف على أنه توسعة من الله ورحمة منه بعباده المكلفين غير القادرين بأنفسهم على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها.
وقد أحبَّ العلماء السعة في التشريع؛ وذلك لإدراكهم أن السعة مقترنة باليسر وهما مقترنان بالرحمة، واليسر مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية. ينظر: "أدب الاختلاف" (ص: 36، ط. دار قرطبة).
ومن العجب أيضًا مَن يأخذ في تفضيل بعض المذاهب على بعض، تفضيلًا يؤدي إلى تنقيص المفضل عليه وسقوطه، وربـما أدَّى إلى الخصام بين السفهاء، وصارت عصبية وحمية الجاهلية، والعلماء منزهون عن ذلك] اهـ.
وإقرار فكرة التوسعة بتعدد الآراء والاجتهادات من قِبَل الأئمة سلفًا وخلفًا، أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، فلسان حالـهم أصرح من مقالـهم، ومن ذلك: ما قام به الإمام عمر بن عبد العزيز إزاء تيار توحيد المذاهب وحمل الناس على اجتهاد واحد، فقد روي أن حميدًا الطويل قال لعمر بن عبد العزيز: لو جمعت الناس على شيء. فقال: "ما يسرني أنـهم لم يختلفوا". ثم كتب إلى الأمصار: "ليقضِ كل قوم بـما اجتمع عليه فقهاؤهم" أخرجه الدارمي في "سننه".
ونقل واشتهر عن العلماء من السلف والخلف من حث المسلم على ترك مذهبه أو رأيه في مسألة ما، إذا كانت هناك مصلحة هي أرجى وأنفع له ولغيره من المسلمين.
خطأ الإنكار في المختلف فيهوذكرت دار الإفتاء، أن الإنكار في مسائل الخلاف الفرعية يُضيِّق على المسلمين حياتـهم ويوقعهم في الحرج، ويخرجهم من دائرة السعة والرحمة، وفيه خلاف أيضًا لما عليه علماء الأمة؛ من أن العامي الـمحض، والعَالم الذي تعلَّم بعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، ولكنه لم يبلغ رتبة الاجتهاد- يلزمهما التقليد، ولا يصح أن ينكر بعض المقلدين على بعض فيما أخذ كل منهم بقول عالم متبع.
وبناء على كل ما تقدم: فلا يجوز للمسلم الإنكار على أخيه وإحداث الفرقة بين المسلمين في المسائل الفرعية الخلافية، لا سيما وأن هناك مَن قال بـها من العلماء المعتبرين، وعلى المسلمين أن يجتمعوا على المتفق عليه ولا يفرقهم المختلف فيه، فقد تقرر بين العلماء إنما يُنكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه، فلو خالف أحدهم في مسألة اتفق العلماء على نقيضها جاز حينئذٍ الإنكار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء المسلم الأنكار الخلاف العلماء دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
رمضان .. كيف تدرب نفسك على الصيام عن الشهوات
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتجه القلوب والنفوس نحو الاستعداد لهذا الشهر العظيم، الذي يحمل معه نفحات من الإيمان وفرصة عظيمة لتطهير النفس وتقويتها على الطاعات.
ومن أبرز معاني رمضان هو الصيام، الذي لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل يتعدى ذلك إلى الصيام عن الشهوات بأنواعها، وهو صيام القلب والجوارح عن كل ما يُغضب الله، في هذا الموضوع، نناقش مفهوم الصيام عن الشهوات، وكيفية الاستعداد له خلال الأيام التي تسبق رمضان، وأثر ذلك على حياة المسلم الروحية والأخلاقية.
الصيام في الإسلام ليس مجرد عبادة ظاهرية، بل هو حالة من الترفع عن ملذات الدنيا وشهواتها، والالتزام الكامل بما يرضي الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" [رواه البخاري].
هذا الحديث يوضح أن الغاية الحقيقية من الصيام هي تهذيب النفس، والابتعاد عن كل ما يبعدنا عن طريق الله.
الشهوات التي يُطلب من المسلم أن يصوم عنها تشمل:
شهوة الكلام: الامتناع عن الغيبة والنميمة والكلام السيئ.
شهوة البصر: غض البصر عن المحرمات.
شهوة السمع: عدم الاستماع لما يُغضب الله.
شهوة النفس: كالحقد، والحسد، والغضب.
الاستعداد للصيام عن الشهوات قبل رمضان
التدريب على الصيام عن الشهوات قبل رمضان يساعد المسلم على استقبال الشهر الفضيل بقلب نقي وجاهزية للطاعات. إليك بعض الخطوات التي تساعد على ذلك:
1. التوبة والتقرب إلى اللهرمضان هو شهر المغفرة والرحمة، والاستعداد له يبدأ بالتوبة النصوح عن الذنوب والمعاصي، واللجوء إلى الله بالدعاء لثبات النفس على الخير.
2. تقليل التعلق بالدنياشهر رمضان يعلّمنا الزهد والرضا، لذا يُستحب قبل رمضان تقليل التعلق بالماديات، مثل التقليل من الترفيه الزائد أو الإنفاق غير الضروري.
3. تدريب النفس على الطاعاتالالتزام بالسنن، مثل صيام التطوع وقيام الليل، يساعد على تقوية الإرادة ويجعل النفس أكثر استعدادًا للعبادة.
4. تصفية القلب من الضغائنمن الصيام عن الشهوات تطهير القلب من الكراهية والبغضاء، لذا يُفضل قبل رمضان أن يسامح المسلم كل من أساء إليه ويطلب العفو من الآخرين.
5. الالتزام بغض البصر وحفظ اللسانيمكن للمسلم البدء في تعويد نفسه على غض البصر والامتناع عن الحديث بما لا ينفع، وهو تدريب عملي لما سيكون عليه الحال في رمضان.
أثر صيام الشهوات على النفس والمجتمع1. تقوية العلاقة مع الله
الامتناع عن الشهوات يجعل القلب أقرب إلى الله، حيث يشعر المسلم بلذة الإيمان ويتذوق حلاوته، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحب المرء لا يحبه إلا لله."
الصيام عن الشهوات ينقي النفس من الصفات السلبية، ويعزز صفات مثل الصبر، والحلم، والتواضع، مما ينعكس إيجابًا على تعامل المسلم مع من حوله.
3. تعزيز الوحدة المجتمعيةحين يلتزم المسلمون بالصيام عن الشهوات، تتقلص مظاهر الحسد والبغضاء، ويعم التسامح والمحبة، مما يعزز الوحدة بين أفراد المجتمع.
رمضان: فرصة لتغيير النفس
رمضان هو مدرسة إيمانية تهدف إلى تهذيب النفس وتغيير العادات السيئة. ومن خلال الصيام عن الشهوات، يمكن للمسلم أن يخرج من رمضان شخصًا أفضل، قادرًا على مواجهة الفتن والشهوات في حياته اليومية.
فرصة للارتقاء بالنفس
شهر رمضان المبارك هو هدية من الله، وهو فرصة لا تتكرر إلا مرة في العام. الاستعداد لهذا الشهر لا يكون فقط بتنظيف الجسد من الطعام والشراب، بل بتنقية الروح من الشهوات والذنوب. فلنجعل الأيام القادمة فرصة للتدريب على الصيام عن كل ما يبعدنا عن الله، حتى ندخل رمضان بقلوب نقية ونفوس مهيأة لاغتنام هذا الشهر العظيم.