كانت النظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين نقطة تحول في علوم الفيزياء بشكل عام، وأحدثت نقلة نوعية في علوم الفلك والفيزياء النظرية، وغيّرت مفاهيم أساسية مثل الزمان والمكان والكتلة والطاقة، فجعلت الزمان والمكان شيئا موحدا، وجعلت مفهوم الزمن يتوقف على سرعة الأجسام وشدة الجاذبية التي يتحرك فيها الجسم، وأصبح تقلص وتمدد الزمن مفهوما أساسيا لفهم الكون.

وبالرغم من أن النظرية النسبية العامة هي ما بنيت عليه علوم الفيزياء الفلكية وعلوم الكون، فإن العلماء لم يستطيعوا إثبات الفرضية الأساسية للنظرية النسبية القائلة: إنه بسبب توسع الكون، يجب أن نرى أن الزمن كان يمرّ بصورة أبطأ في فجر الكون، وهو ما حاول الباحثون رصده، إلا أن طريقة رصد أحداث هذا الزمن السحيق كانت معضلة صعبة الحل.

واليوم، استطاع العلماء لأول مرة إيجاد حلّ لهذا اللغز، وملاحظة تمدد الزمن باستخدام الكوازارات (النجوم الزائفة) كأنها "ساعات"، ونشروا نتائج بحثهم هذا في دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) في الثالث من يوليو/تموز الجاري.

النظرية النسبية لألبرت آينشتاين غيّرت مفاهيم أساسية في الفيزياء مثل الزمان والمكان والكتلة والطاقة (شترستوك) تمدد الزمن والكوازارات

ولتبسيط الأمر، يشرح غيريانت لويس الباحث الرئيسي للدراسة والبروفيسور في كلية الفيزياء ومعهد سيدني لعلم الفلك في جامعة سيدني -في البيان الصحفي الذي نشره موقع "يورك ألرت" (Eurek Alert)- قائلا "إذا كنت هناك، عند نشأة هذا الكون، فإن الثانية الواحدة ستبدو لك كأنها ثانية واحدة، لكن بالنسبة لنا الآن، بعد أكثر من 12 مليار سنة، سيبدو أن ذلك الوقت المبكر يمر ببطء شديد".

يمكن تشبيه الأمر بصوت صافرة سيارة الإسعاف الذي يبدو طبيعيا عندما تمر إلى جانبك، ثم يبدأ بالتمدد كلما ابتعدت عنك. وفي هذا التشبيه، تكون سيارة الإسعاف هي المجرة البعيدة، والضوء الصادر منها هو صافرة الإنذار، ففي مصدر الضوء يكون الانبعاث طبيعيا، لكن من وجهة نظرنا فإنه يتمدد كلما زاد ابتعاد المجرة عن مكاننا.

استخدم البروفيسور لويس ومساعده الدكتور بريندون بروير من جامعة أوكلاند البيانات المرصودة لما يقرب من 200 كوازار، وهي ثقوب سوداء فائقة الكتلة في مراكز المجرات المبكرة، لتحليل هذا التمدد الزمني.

في السابق، استطاع علماء الفلك تأكيد حركة الكون البطيئة هذه في أفق زمني يعادل نصف عمر الكون تقريبا باستخدام المستعرات العظمى (النجوم المتفجرة الضخمة) باعتبارها "ساعات قياسية"، لكن بسبب السطوع الشديد للمستعرات العظمى كان من الصعب مراقبتها على المسافات الهائلة اللازمة للنظر في الكون المبكر. لكن من خلال مراقبة الكوازارات، تراجع الأفق الزمني الذي يمكننا رؤيته إلى عُشر عمر الكون فقط، مما يؤكد أن الكون يبدو أنه يتسارع مع تقدمه في السن.

عرض للألعاب النارية

يقول البروفيسور لويس "بينما تعمل المستعرات العظمى مثل وميض واحد من الضوء (وهو ما يُسهّل دراستها) تكون الكوازارات أكثر تعقيدا، مثل عرض مستمر للألعاب النارية. وما فعلناه هو كشف عرض الألعاب النارية هذا، وإظهار أن الكوازارات -أيضا- يمكن استخدامها كعلامات قياسية للوقت في الكون المبكر".

وعمل البروفيسور لويس مع الإحصائي الفلكي الدكتور بروير لفحص تفاصيل 190 كوازارا تمت مشاهدتها على مدى عقدين من الزمن، من خلال الجمع بين المشاهدات المأخوذة بألوان مختلفة (أو أطوال موجية مختلفة: الضوء الأخضر والضوء الأحمر والأشعة تحت الحمراء)، وتمكنا من توحيد "دقات" كل كوازار، ومن خلال تطبيق الاستدلال البايزي (نوع من الاستدلال الإحصائي الذي يستخدم عامل بايز لتطوير تقييم احتمالات فرضية ما بسبب اكتشاف دليل جديد)، وجدوا أن تمدد الكون مطبوع على "دقات" كل كوازار.

يقول البروفيسور لويس "بهذه البيانات الرائعة، تمكنا من رسم دقات لساعات الكوازار، وكشفنا عن تأثير اتساع الفضاء"، وهذه النتائج تؤكد أيضا تصور آينشتاين عن توسع الكون، لكنها تتناقض مع الدراسات السابقة التي فشلت في تحديد التمدد الزمني للكوازارات البعيدة.

ويستكمل البروفيسور لويس قائلا "قادت تلك الدراسات السابقة الناس إلى التساؤل عما إذا كانت النجوم الزائفة هي أجسام كونية حقا، أو حتى إذا كانت فكرة اتساع الفضاء صحيحة. لكن مع هذه البيانات والتحليلات الجديدة، تمكنا من رصد دقات الكوازارات التي كان يصعب تعقبها، ورأينا أنها تتصرف تماما كما تتنبأ نسبية آينشتاين".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

لولا كلمة..

تذهب الفكرة هنا إلى أمرين أساسيين؛ الأمر الأول: الالتزام «المادي» بما تعهد به المرء أمام الآخر من قول، وهي العلاقة التشاركية بينه وبين الآخرين من حوله، والأمر الثاني: الالتزام «المعنوي» بما تعهد به المرء أمام ذاته؛ وهي العلاقة الضمنية بينه وبين نفسه، وهذا الالتزام فـي كلا الحالتين، هو التزام يعبر عن مستوى عال من الصدق والأمانة، اللتين يتحلى بهما المرء، وهما الأمران اللذان يقاس عليهما الحقيقة الإنسانية التي يتحلى بها هذا المرء أو ذاك، ولأهمية هذا الأمر، فإنه لا يمكن أن يقاس على فترة زمنية معينة دون أخرى، بمعنى لا يمكن تعطيل هذه الحقيقة فـي فترة زمنية ما، على اعتبار أن الزمن تغير، وأن الجيل؛ ربما؛ قد تجاوز هذه الثقافة المتوارثة، ويحمل ذلك الزمن، حيث يقال: الزمن الآن لا يتسع لمثل هذه هذه المثاليات، فمثل هذه القناعات تتقاصر عن تأثير ثقلها على واقع الناس، فالناس ملتحمون بهذه المثل، مهما كان الزمن قاسيا فـي تجاوزها، حيث لا يمكن إنكار تأثيرها على حياة الناس فـي التعامل فـيما بينهم.

الكلمة سيف مسلط على رقاب العباد، مهما تغيرت ظروف الحياة، ومهما تبدلت القناعات بين الأفراد، فمسار العلاقات بينهم قائمة على كلمة، فالحق كلمة، والباطل كلمة، وما بين العفو والانتقام كلمة، وما بين الرضا والسخط كلمة، ولذلك يشدد فـي الماضي؛ كما هو الحال؛ فـي الحاضر على ضرورة حفظ اللسان، وعدم التفريط فـي القول، والأمثلة كثيرة، والمواقف أكثر فـي صور وقوع الناس فـي مآزق التفريط، وتحمل المسؤوليات؛ فقط؛ لأنهم لم يضعوا للكلمة حقها من الحذر والاحترام، والتقدير، «وهل يكب الناس فـي النار على وجوههم فـي النار أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم» - كما جاء فـي نص الحديث - يحدث هذا فـي وقت كان الخطاب مباشرا، وربما يحتاط الإنسان على نفسه كثيرا؛ خاصة؛ فـي المجالس العامة والخاصة، ومع ذلك فمأزق السقوط فـي كلمة غير مقصودة متوقع وبدرجة كبيرة، فالإنسان بطبيعته يحب أن يسمع له الآخرون، وأن يكون على قائمة المتحدثين، وأن يروي قصصا وأخبارًا - صدقا أو كذبا - لمن يستمع له، حيث تأخذه نشوة الحديث إلى عدم التفريق بين الخطأ والصواب فـي قول الجواب، فـيقع فـي المحظور.

فكيف الحالة الآن عبر وسائل التواصل المختلفة، عندما يكون الفرد منزويا مع ذاته، لا مشاركة مادية مباشرة ترسل له إشارات استفهام، أو تعجب، أو عدم استحسان، كيف الأمر الآن، والجميع يُنَظِّرْ على طول الأرض وعرضها، لا يفرق بين صالح وطالح، ولا بين صديق وعدو، ولا بين حاكم ومحكوم، ليس أمامه إلا تلك الشاشة الصغيرة يتفنن من خلالها إرسال التهم، والأباطيل، والقذف، والسب، واللعن، ولا يترك لنفسه مساحة للمراجعة، إلا بعد «وقوع الفأس على الرأس» حيث يثور هذا وذاك، وهذه وتلك، عليه، يطالبون بالقصاص من لسانه؛ الذي لم يوفر لهم مظلة للأمان، من جراء تسلسل التهم الباطلة، والله إنها لكبيرة من الكبائر، والناس عنها غافلون.

(لولا كلمة).. قد تردع هذه الكلمة سلوكًا؛ ربما سيكون شائنا؛ فـي حق آخرين، وربما قد يؤدي إلى ظلم آخرين، وربما قد يؤدي بآخرين إلى مهالك لا أول لها ولا آخر، كلمة حفظت سرا، وأغمضت عينا، وسَمَّرَتّْ قدما، وأحيت نفسا، وأوقفت حربا، وجلت قدرا، وأوقفت نزيفا، وحافظت على ماء وجه؛ كاد أن يراق على أرصفة الضياع.

هل الأمر صعب؟ قد يجاب بـ «نعم» وقد يجاب بـ «إطلاقا» وفـي كلا الحالتين يحتاج الأمر إلى كثير من الصمت، ومن السمت، ومن التعقل، ومن ممارسة ضبط النفس، فمآلات حصائد الألسنة - أغلبها - مصائب.

مقالات مشابهة

  • سارة كامل.. أول من جعلت النساء يدرن مع الكون
  • بوعياش تنتقد تدبير الحراسة النظرية وتدعو لضمان حقوق الدفاع
  • لولا كلمة..
  • مواقع عسكرية روسية تكشف اسم المسئول الذي قتل في انفجار موسكو
  • الولايات المتحدة تكشف تفاصيل جديدة بشأن الانفجار الذي وقع قرب موقع تراث عالمي في صنعاء
  • خالد الجندي: «الكون متعدد ليه عاوزين الفقه يكون واحد؟»
  • البروفيسور التركي أوفجون أرجان يكشف: هل سيقع زلزال أكبر؟ ومتى يُتوقع الزلزال الكبير في إسطنبول؟
  • انخفاض مبيعات المنازل الأميركية القائمة في اذار إلى أبطأ وتيرة منذ عام 2009
  • “النظرية بين النص والتأويل” أمسية ثقافية بتبوك
  • الفلكيون يجدون “النصف المفقود” من مادة الكون