قال قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن 2023 عاماً مثل الأعوام كلها لكنها بدأت باستمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، بجانب الأزمة الاقتصادية على الصعيد العالمي، وتأثرت بها مصر، كما أن العالم كان قد سبق وخرج من جائحة كورونا، والتي كانت مؤثرة على العالم أجمع، ليس صحيا فقط ولكن إنسانيا بصورة عامة، موضحًا أنه قبل نهاية 2023 وقعت أحداث غزة، وبداية حرب لم يتوقعها أحد ولا ينظر إليها بأنها ستستمر بهذه الشراسة والقسوة الشديدة، ولا أحد يستجيب، وهو أمر مؤلم للغاية ومتعب لأي إنسان.



وأضاف البابا تواضروس الثاني، خلال حوار خاص ببرنامج "في المساء مع قصواء"، المذاع على قناة "CBC"، وتقدمه الإعلامية قصواء الخلالي: "أضع علامات استفهام كبيرة، كيف للدول الكبيرة التي تقول على أنفسها أنها متقدمة وبها تكنولوجيا وبالرغم من ذلك لا ترى الحقيقة، وهو أمر مؤسف للغاية، ونتألم للدماء الكثيرة في الأطفال والنساء والرجال والأرض والعمار الموجود والدمار الذي سار، ربنا يرحمهم"، موضحًا أن هناك خلطا ما بين ما يسمى باليهودية والصهيونية، وهذا الخلط الذي يبنى عليه جزء كبير من الإعلام وتضيع الحقيقة.

وأوضح أن السيد المسيح في القرن الأول الميلادي خاطب أورشليم، وهي تسمى مدينة الملك العظيم، وخاطبها وقال: "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم من مرة أردت أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة تحت جناحها ولم تريدوا.. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا"، مشيرا إلى أن كلمة "بيتكم" المقصود بها الهيكل، وكلمة "يترك لكم خرابا" بالفعل في سنة 70 ميلادية خرب على يد القائد الروماني "تيتوس" حيث اقتحم المكان ودمره تماما وأنهى وجوده وسار خرابا من يومها.

وأشار إلى أن الأرض هي أرض فلسطينيون والتي كانوا يعيشون عليها منذ قرون، وفي القرن الـ 12 قبل الميلاد هاجر بعض الناس من جزيرة كريت واستوطنوا هذه الأرض وصاروا هم أهم فلسطين، لذلك نجد في الكوفية الخاصة بهم شبكة الصيد لأن موضوع الصيد رئيسي لديهم، موضحا أنه حدث خلط واحتلال للأرض ووعد بلفور في القرن العشرين وصار هذا الخلط، والاحتلال يتسع شيئا فشيئا حتى حدث ما نشاهده في غزة، حيث يطردون الناس من الشمال إلى الجنوب، وهذا الخلط تضييع للحقيقة التاريخية والدينية، والله لا يرضى بذلك ولا يرضى بسفك الدماء بهذه الصورة المتوحشة ولا يرضى أن المسؤولين هناك لا يستمعون لأي صوت من أي جهة وينفذون ما في رأسهم.

وكشف قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، عن أن ما يحدث في فلسطين ليس صراعاً دينياً، قائلا إن إسرائيل محتلة أرض، وبالتالي الدين بريء من ذلك، ومنذ متى تدعو الأديان بسفك الدماء بهذه الصورة، فهي تنادي بالرحمة والإحسان والحوار والفضيلة سواء اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية بصورة عامة، فالأديان جاءت لترفع مستوى الإنسان.

وأكد قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أن المشهد المفرح في 2023، هو مشهد مصري خالص وتم بكل ما يمكن أن يوصف بأنه "عرس انتخابي"، فالعرس أفضل كلمة في المجتمع المصري فهي تعبر عن الفرح، وبالتالي الكلمة نفسها حلوة والخطوات التي تمت فيها خطوات حدثت بشفافية كاملة ومشاركة واسعة وبنتيجة ممتازة، موضحا أن التاريخ سيقف أمام انتخابات الرئاسة وقتا طويلا، لأن ربما الكثيرين لم يكن متوقعاً أن تكون الصورة كذلك، وربما من عبارات الإحباط التي قيلت: "بما أن الرئيس عبدالفتاح السيسي موجود ضمن المرشحين، فهو ناجح ناجح.. وعملوا انتخابات ليه؟.. وصرفوا فلوس ليه؟"، لكن الصورة في الانتخابات جميلة للغاية.

ولفت إلى أنه عندما ذهب للإدلاء بصوته في اللجنة الانتخابية وجد الكثير من الناخبين على غير المعتاد، والانتخابات كانت أمراً مفرحاً، مشيرا إلى أن الانتخابات الرئاسية شهادة منحها الشعب للرئيس عبدالفتاح السيسي على نجاحه في السنوات العشر الماضية، وشهادة أخرى باستكمال المسيرة، وهذا يُعد أكبر حافز للرئيس السيسي كإنسان وكقائد للعمل كله، بأن الخط الذي يسير عليه يوافق عليه الشعب ويريده ويريد استكماله.

ونوه بأن الانتخابات الرئاسية دفعة قوية للتحفيز، والشعب كله شارك في هذه الشهادة، وهذه فرصة طيبة، مردفا: "أرى أن العمل في السنوات المقبلة ستكون أكثر، والإنجاز بها أكثر، وربما مراجعة لبعض المواقف التي لم يكن بها النجاح بنسبة 100%، مراجعة النفس شيء مهم.. وأتوقع خيراً".

وأشار إلى أن مراجعة النفس دائما تشمل 3 نقاط على المستوى الفردي أو الجماعي، النقطة الأولى تتمثل في شكر الله على الأشياء التي تمت، النقطة الثانية هي الأخطاء التي يتوب عنها، والنقطة الثالثة تتمثل في الحلم بالمستقبل، موضحا أن مصر تواجه تحديات غير عادية، والمواقف المحيطة بها مؤلمة، ولكن لدينا رجاء الاستمرار، وفحص النفس ومراجعة الذات تحتاج بأن يكون عند الإنسان رجاء، فكلمة "جلد الذات" صعبة للغاية لأنها محبطة للإنسان.

وقال قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن الكلمة التي قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله "نحن نبني دولة"، مقولة تتكون من 3 كلمات لكن واسعة المعنى للغاية، والدولة لكي تبني لابد من تقوية كل أركانها، وأحد الأركان المهمة فيها خاصة في جغرافية مصر وما يحيطها هو قوة العسكرية المصرية، وهذا شيء مهم ومن الجيد أن الدولة ملتفتة لذلك، مؤكدا أن المصريين يعيشون في حدود الوادي، ويُمثل حوالي 8%، وباقي مساحة مصر فارغة، وما يملى هذا الفراغ وجود قوة قوية لحفظها، مردفا: "نحن في عالم لا يحترم إلا القوي"، فهي اللغة التي يفهمها العالم. 

وأوضح أن مقومات المجتمع المصري تتمثل في التنوع الكبير مع الحضارة الغنية في تاريخ مصر، ما يعطي نوعاً من الأصالة، مردفا: "كنت أصلي منذ فترة في كنيسة بمصر القديمة، هذه الكنيسة منذ الخامس الميلادي، بالطبع تجددت، لكنها منذ الخامس الميلادي وكانت مقرا للبابا، وقولت حينها للناس نحن على أرض مصر كان بها كنيسة قبل اكتشاف العالم الجديد، وهذا يبين الجذور الموجودة في مصر".

ولفت إلى أن مصر استطاعت خلال السنوات الماضية أن تقيم مؤتمرات عالمية يحضر فيها عدد من رؤساء الدول والمسؤولين فيها للاستماع لصوت مصر، آخرها مؤتمر المناخ ومؤتمر القاهرة للسلام، موضحا أن مصر أصبحت دولة محترمة ولها تقدير في كل شيء، والرئيس عبدالفتاح السيسي صنع شخصية مصر أمام المجتمع كله، وهذه حقيقة وليست مجاملة.

وتابع: "عندما أزور دولاً وأقابل المسؤولين ينظرون لمصر بكل احترام وتقدير، والوضع مختلف تماما وفي الإعلام، ومن المعروف أن هناك مضادين ومحبطين والذين يجعلون النور ظلام، ويقولوا الخير شر والشر خير، لكن مصر في رؤيتي ترى خطها وتسير بشكل صحيح وتحاول معالجة المشكلات الموجودة، وأثق أن كل شيء سيحل".
 
واستطرد أنه يحب أن تتقدم مصر في مجال التعليم، فالتعليم يغير وجه الحياة، ويرفع من قيمة مصر، لافتا أنه دائما ما ينادي أنه يُخْتَار بعناية رجل الشرطة ورجل الجيش ورجل القضاء ورجل الإعلام، ولا بد أن يحدث ذلك مع المدرس، فليس أي شخص يصلح للتربية أو التعليم أو يكون قدوة.

وأوضح أن الأسرة حدث بها نوع من التفكك النسبي، وهذا أمر خطير يؤثر في المجتمع بأكمله، وبالتالي كيان الأسرة وقوة الأسرة ستنتج أبناء جيدين، لكن إذا كانت ضعيفة ومشغولة أو تاركة أبناءها للسوشيال ميديا ووسائل الإعلام وتضييع الوقت أمر غير جيد، ومنظومة التعليم تحتاج إلى الكثير من العمل، "أتمنى أشوف بلدي تعليمها مثل أرقى دول العالم في التعليم"، مشيرا إلى أن اختراع شبكة الإنترنت والسوشيال ميديا بصورة عامة نتاج للعقل، والعقل عندما يخترع شيء يخترعها في البداية لفائدة الإنسان، والميديا بشكل عام هي وسيلة لفائدة الإنسان، وما يحدث هو إساءة الاستخدام.

وتابع: "أقول دائما لأولادنا أن الميديا أو السوشيال ميديا يشبه السوق الكبير به بضاعة حلوة وأخرى غير خلوة، وحاولوا أن تختاروا البضاعة الصحيحة، ولا أحد يخدعكم أو ينصب عليكم أو يغذيكم بأفكار غير منضبطة"، موضحا أن الكل يأخذ نفس عطية الوقت كل يوم من الله، ولكن الفارق هو كيفية استخدام هذا الوقت، وبالتالي السوشيال ميديا تقتطع ساعة واحدة في اليوم، وهذا كثير، يكون شيء جيداً، وباقي اليوم يكون للعبادة والقراءة والدراسة والأسرة والعناية بالصحة.

وتحدث قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، عن مراحل حياته وتجاربه ومواقفه منذ طفولته حتى توليه الكرسي البطريركي، وقال إنه تعلم من والده النظام والانضباط في الحياة، وأن والدته كانت السند والعمود الذي حافظ على استقرار المنزل بعد رحيل والده وهو في سن صغيرة، مؤكدًا أنه لم يشعر بالنقص أو الحرمان في حياته.

وأشار إلى أنه كان يحب الخط العربي ويتميز به، وأن والده كان يعلمه الهمزة والتشكيل بانتظام، وأن هذا ساعده في تحسين مهاراته في اللغة العربية، كاشفا عن سبب اختياره لدراسة الصيدلة، وهو أنه كان يرى والده يستخدم دواء لتخفيف آلامه من قرحة المعدة، فأثار فضوله واهتمامه بمجال الأدوية والعلاجات.

ونصح قداسة البابا، الآباء والأمهات بالاهتمام بأبنائهم وتقديم الوقت لهم كأغلى هدية، وأن يحافظوا على التوازن بين مسئولياتهم العملية والأسرية، وأن يعززوا قيم الأسرة والترابط بين أفرادها.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأزمة الروسية الأوكرانية جائحة كورونا الرئيس عبدالفتاح السيسي عبدالفتاح السیسی إلى أن

إقرأ أيضاً:

غزة… شخصية عام 2024

جرت العادة في نهاية كل عام أن تختار مجلة «تايم» الأمريكية ومطبوعات أخرى مثل «الفايننشال تايمز» البريطانية، ما يطلق عليه «شخصية العام»، على أساس عمق وانتشار تأثير هذه الشخصية في العالم، سواء بالخير أو بالشر. وكثيرا ما اختارت مجلة «تايم» منذ عام 1927 شخصية العام بما يتفق مع قيمة إنسانية عليا، وعطاء إنساني لفائدة البشرية.

ومع أنها اختارت في معظم الأحيان شخصيات أمريكية وغربية، فإنها في عدة مرات اختارت شخصيات تعبر عن تحولات في تاريخ المجتمعات، أو تاريخ الحضارة البشرية. المرة الأخيرة التي احتفلت فيها مجلة «تايم» بالتغيير في العالم كانت عام 2011 عندما اختارت صورة «المُحتَج» ليتصدر غلافها، تعبيرا عن انحيازها لحركة الاحتجاج التي اجتاحت العالم، من الربيع العربي في الشرق الأوسط إلى حركة «احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة.

في العام الحالي جرى الاختيار من قائمة قصيرة ضمت ثلاثة أسماء هي كامالا هاريس، التي خسرت سباق الرئاسة الأمريكية، ودونالد ترامب الذي فاز بالسباق، وكان الثالث هو اسم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، المتهم بقيادة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة.

وفي التصويت النهائي فاز دونالد ترامب، الذي لم يقدم للعالم خلال فترة رئاسته السابقة (2017 – 2021) غير صب الزيت على نيران الشعبوية القومية المتطرفة التي تهدد العالم، والاستهتار بالقانون، والعمل على تقويض النظام العالمي المتعدد الأطراف.

كما إنه في نهاية فترة رئاسته السابقة (يناير 2021) قاد عن بُعد محاولة بربرية قام بها أنصاره لاقتحام الكونغرس بالقوة، ومنع تنصيب الرئيس المنتخب.

وقال سام جاكوبز رئيس تحرير مجلة «تايم»، إن ترامب «سيعود إلى المكتب البيضاوي بنوايا واضحة: فرض الرسوم الجمركية على الواردات، وترحيل الملايين، وتهديد الصحافة. ووضع روبرت كينيدي الإبن المعادي للقاحات، مسؤولاً عن اللقاحات. وحرب محتملة مع إيران. أي شيء يمكن أن يحدث».

لم يقدم ترامب للعالم ولا يبشر في فترة رئاسته الجديدة بما يمكن الاحتفال به وتخليده، بل إن المكان الذي يليق به هو مزبلة السياسة والتاريخ. الأغرب من ذلك كان وجود اسم بنيامين نتنياهو، المتهم مع وزير دفاعه يوآف غالانت من قبل المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمرا بالقبض عليه الشهر الماضي.

كما قررت محكمة العدل الدولية أن سياساته ضد الفلسطينيين تمثل جرائم حرب، وطالبت بسحب قواته من غزة والضفة والقدس الشرقية، ووقف إقامة المستوطنات على الأرض المحتلة بعد 1967 باعتبارها غير قانونية.

عندما نتحدث عن غزة فإننا نتحدث عن أبرز وأهم تجليات المقاومة الفلسطينية في القرن الحالي، وهناك على أطلال غزة حيث قتلت إسرائيل في حرب إبادة الفلسطينيين أكثر من 50 ألفا من أهلها، وأصابت ما يقرب من 10 أضعاف هذا العدد، وهدمت أكثر من ثلاثة أرباع بناياتها، سينحني التاريخ إجلالا واحتراما لأرواح الشهداء، الذين تجاوزوا مرتبة الشهادة كما نعرفها. كما سينحني التاريخ أمام صمود الأحياء الذين لم تهزم إرادتهم القوة الوحشية الإسرائيلية.
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024 بكل ما قدمته وما تزال تقدمه. غزة أسقطت قدرة إسرائيل على الردع، ونقلت الحرب إلى داخلها للمرة الأولى، وأعادت القضية الفلسطينية على المسار السياسي الهادف إلى إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة للشعب الفلسطيني.

صمود غزة هو أحد تجليات صمود الشعب الفلسطيني. هذا الصمود أكبر بكثير من الخلاف السياسي أو الأيديولوجي مع «حماس»، أو غيرها من منظمات المقاومة؛ فالدم الفلسطيني واحد لا يتجزأ، ولا يقبل التصنيفات السياسية والأيديولوجية. والأرض الفلسطينية المحتلة واحدة، يشارك في مسؤولية حمايتها وضمان السيادة عليها كل فلسطيني على قيد الحياة.

الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، قدم نموذجا ملهما لكل شعوب العالم، في الدفاع عن الحق والحرية والتضحية بأغلى ما يملك، من أجل إعلاء القيم الإنسانية النبيلة في التحرر، وتأكيد حق تقرير المصير والنضال من أجل إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة.

إن الموت في سبيل الحرية ليس غاية، وإنما تحقيق الحرية هو الغاية. والموت نتيجة التشبث بالأرض ليس غاية، وإنما الغاية هي تحرير الأرض وتطهيرها من الدنس.

إن ما تجسده المقاومة الفلسطينية يتجاوز حدود الانحيازات السياسية والأيديولوجية، ويسمو فوقها إلى تجسيد القيم الإنسانية العظمى التي قامت على أساسها وتطورت الحضارة البشرية. وتحاول أجهزة الدعاية الإسرائيلية بكل قوة تشويه السردية التاريخية التي تجسدها المقاومة في غزة، وتقديم سردية مزيفة تمهد الطريق إلى «شيطنة» الصمود الفلسطيني منذ أدرك الفلسطينيون حقيقة مخطط سلب وطنهم وإبادة هويتهم.

وتنطلق سردية إسرائيل لتزييف الحقائق من خمس فرضيات، يتم طرحها كمسلمات لا تخضع للمناقشة. الفرضية الأولى هي اعتبار أن تاريخ الصراع بدأ في 7 أكتوبر 2023، وتجاهل كل ما كان قبل ذلك، بما فيه حرب إسرائيل على المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية في صيف العام نفسه. الفرضية الثانية تزعم أن إسرائيل ليست قوة احتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة بعد يونيو 1967، وأن هذه الأرض هي مناطق متنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتزعم أن «أرض إسرائيل» هي منحة تاريخية من «الرب» لكل يهود العالم.

الفرضية الثالثة تزعم أن إسرائيل تشن حربها على الفلسطينيين دفاعا عن النفس، وتعتبر أن ذلك حقها القانوني. الفرضية الرابعة تزعم أن الفلسطينيين إرهابيون، تعمل إسرائيل على التخلص من شرورهم التي تهدد العالم كله، وأن إسرائيل تتحمل ما تتحمله من أعباء الحرب نيابة عن العالم، وأنها تستحق الشكر على ذلك، وليس المساءلة أو المطاردة بقرارات دولية، مثل أمر القبض على رئيس الوزراء ووزير دفاعه السابق.

أما الفرضية الخامسة والأخيرة فتزعم أن إسرائيل تواجه ظلما تاريخيا بسبب تجذر ثقافة «معاداة السامية» في العالم. وعليه فإنها تتهم كل من لا يؤيدون سياسة العدوان على الفلسطينيين بأنهم معادون للسامية، وتطاردهم في كل مكان، حتى يتم فصلهم من وظائفهم أو طردهم من مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات.

عندما انفجرت الحرب عبر السور الذي يفصل غزة عن نقب فلسطين، عمدت إسرائيل إلى فصل هذه الحرب عن سياقها التاريخي، بما في ذلك حربها على الفلسطينيين التي تهدف إلى تهويد الضفة الغربية والقدس الشرقية، وزعمت أن يوم 7 أكتوبر 2023 هو تاريخ بداية الصراع في الشرق الأوسط، واعتبرها نتنياهو حربا ضد محور الشر والهمجية البربرية لصالح البشرية المتحضرة.

وشاع في الخطاب السياسي الإسرائيلي وصف «الحيوانات البشرية» على الفلسطينيين! ومع أن الرأي العام العالمي، خصوصا «الجيل زد» في عواصم العالم المختلفة وقف إلى جانب الفلسطينيين، فإن الإعلام الغربي الرسمي باستثناءات محدودة تبنى مفردات ومضمون الخطاب السياسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وكأن الذئب هو الضحية والجلاد هو الحمل.

وراحت الولايات المتحدة وحلفاؤها والمتواطئون معها يعملون ليلا ونهارا على ترويج فكرة مفادها، أن إسرائيل هي الضحية، وأن من حقها أن تدافع عن نفسها، حتى إن كان ذلك خارج نطاق القانون الدولي، وانتهاكا لقواعده وأحكامه. الأكثر من ذلك أن أجهزة الإعلام الرسمي في الدول الغربية خضعت لقيود شديدة في تغطية الحرب على الجانب الفلسطيني.

لم تكن إسرائيل تسمح إلا بالتغطية من داخلها، ومنعت دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة. وبعد أسابيع تم منع التغطية من الضفة الغربية المحتلة. وبعدما اتسع نطاق الحرب خارج غزة، تحولت أجهزة الإعلام عن أخبار الحرب الوحشية في غزة إلى أخبار الحرب على بيروت وجنوب لبنان. وانتقلت أخبار غزة إلى ذيل نشرات الأخبار.

كما تحولت تغطية ما يحدث في غزة للتركيز على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، مع تجاهل ربط ذلك مع وقف الحرب. وكأن حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني قد طويت. وبعدما هرب الطاغية بشار الأسد من سوريا، أصبحت قصة سقوط الحكم في دمشق هي مركز الخطاب الإعلامي، الذي يتناول شؤون الشرق الأوسط.

وكأن حرب غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء لم تقع. هذا التجاهل من جانب أجهزة الإعلام الرسمي الخاضعة للنفوذ المباشر وغير المباشر للصهيونية الدينية المتطرفة في العالم، يخفي وراءه هلع الخوف من غزة العزة، التي ما تزال صامدة حتى اليوم، رغم عمق الجراح، ويتجلى في هذا الصمود إصرار شعب مظلوم على القتال من أجل حريته وحقه في تقرير المصير، الذي حرمته منه قوى الاستعمار والصهيونية العالمية منذ أكثر من 100 عام.

المقاومة واجب حتى يزول الاحتلال، ويحصل الشعب الفلسطيني على حقه في حريته وتقرير مصيره. وفي هذا فإن غزة تستحق لقب «شخصية العام».

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • غزة… شخصية عام 2024
  • البابا تواضروس يهنئ بطريك الأقباط الكاثوليك بعيد الميلاد
  • البابا تواضروس يهنئ الكنيسة الكاثوليكية بعيد الميلاد المجيد
  • قداسة البابا يهنئ الكاثوليك بعيد الميلاد المجيد
  • البابا تواضروس مهنئا الكاثوليك: نشكر الله على وجودنا على أرض مصر
  • البابا تواضروس يهنئ الكاثوليك بعيد الميلاد المجيد
  • كاتب صحفي: مصر مستهدفة والرئيس السيسي يقدم نموذجا مثاليا لدحض الشائعات
  • البابا تواضروس يستقبل مسؤولي مستشفى الناس
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولي مستشفي الناس
  • البابا تواضروس يستقبل مسؤولي مستشفي الناس