حتى يوليو 2024.. كيف تؤثر رئاسة كازاخستان على منظمة شنغهاي؟
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
من المرجح أن تؤثر رئاسة كازاخستان الدولية الحالية لمنظمة شنغهاي للتعاون على مسار هذه التكتل الدولي؛ إذ تتبنى أستانا سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تتجنب الاعتماد المفرط على أي كيان منفرد، مع تعزيز المصالح الوطنية.
ذلك ما خلص إليه روس بيلابي في تقدير موقف بموقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي (Geopolitical Monitor) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أنه "في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، حظيت أنشطة المنظمة باهتمام كبير، ونظرا لعضويتها المتوسعة، فإنها تظهر طموحات عالمية مع الرغبة في التأثير على الأحداث الإقليمية والعالمية".
ولفت إلى أن "المنظمة تأسست في عام 2001، وضمت كازاخستان والصين وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان، ثم اتسع نطاق نفوذها بشكل كبير، ليشمل الهند وإيران وباكستان كدول أعضاء، وأفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا كدول مراقبة، وأرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا "كشركاء في الحوار"، ويمثل ضم السعودية مؤخرا (كشريك حوار) وتوقيع مذكرتي تفاهم مع قطر ومصر توسعا ملحوظا في نطاقها.
وتابع أن "هذه الدول مجتمعة تمثل جزءا كبيرا من القارة الآسيوية، وتساهم بـ30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتضم 40% من سكان العالم، وهذا الانتشار الواسع النطاق يؤكد على إمكانات المنظمة".
اقرأ أيضاً
عبر إيران والسعودية.. منظمة شنغهاي تعيد تشكيل التوازنات الدولية
أهداف المنظمة
و"تدور أهداف المنظمة المعلنة حول تعزيز العلاقات والتعاون بين الأعضاء، وضمان السلام والأمن، والدعوة إلى "نظام دولي سياسي واقتصادي جديد وديمقراطي وعادل وعقلاني"، بحسب بيلابي.
وأضاف أن "هذه الأهداف قد تشير إلى نية إعادة تشكيل العلاقات الدولية، وربما تحدي النظام العالمي القائم (أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة)، مما قد يوفر بديلا للنظام العالمي".
وأردف أنه "في المناخ الجيوسياسي الحالي، والتوترات المتصاعدة بين القوى الكبرى، يصبح دور المنظمة محوريا على نحو متزايد، وموقفها الجماعي تجاه القضايا الدولية الرئيسية من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على الآراء والسياسات العالمية".
و"يمتد نفوذ المنظمة إلى ما هو أبعد من مجرد القوة الاقتصادية والديموجرافية، فالمواقع الاستراتيجية لأعضائها والموارد الطبيعية والقدرات العسكرية تجعلها لاعبا رئيسيا في ديناميكيات الأمن الإقليمي"، كما زاد بيلابي.
واستطرد: "وتركيز المنظمة على المبادرات الأمنية المشتركة وجهود مكافحة الإرهاب يسلط الضوء على دورها في تشكيل السلام والاستقرار الإقليميين، وتركيزها على التعاون الاقتصادي واللارتباط، وخاصة عبر مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق (الصينية)، يضعها كحافز للتكامل الاقتصادي الإقليمي والتنمية".
اقرأ أيضاً
عضوية دول الخليج في منظمة شنغهاي للتعاون... ماذا تعني؟
نهج مميز
بيلابي قال إنه "مع تولي كازاخستان رئاسة المنظمة بين يوليو/تموز 2023 والشهر نفسه من 2024، يبرز نهج مميز داخل المنظمة إلى الواجهة.. وفترة ولاية كازاخستان مهيأة للتأثير على مسار المنظمة، وخاصة في سياق سياستها الخارجية المتعددة الاتجاهات".
وبيَّن أن "هذا النهج السياسي ينطوي على التعامل مع قوى عالمية متعددة وتكتلات إقليمية في وقت واحد، وتجنب الاعتماد المفرط على أي كيان منفرد، مع تعزيز المصالح الوطنية، وعمليا يعني ذلك سلوك مسار دبلوماسي يسعى إلى إقامة علاقات تعاونية مع مجموعة متنوعة من البلدان والمنظمات".
و"تسمح مثل هذه الاستراتيجية لكازاخستان بالحفاظ على درجة من الاستقلالية والمرونة في الشؤون الدولية، ويشير هذا النهج إلى استمرار المعارضة للتوجهات التكتلية والأيديولوجية في التعامل مع التحديات الأمنية، مما يوفر توازنا دقيقا داخل المنظمة"، وفقا لبيلابي.
وتابع: "ولذلك، فإن تركيز المنظمة سيتحول نحو أشكال تعاون أكثر شمولا وتنوعا، مع الاعتراف بالمصالح والاهتمامات المتنوعة لأعضائها ومعالجتها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حلول أكثر استدامة وتعاونية للتحديات التي تواجهها المنطقة".
واعتبر أن "قمة المنظمة المزمع انعقادها في أستانا العام المقبل ستشكل لحظة حاسمة تستحق المراقبة، وستقدم نظرة ثاقبة حول كيفية قيام كازاخستان ونهج سياستها الخارجية متعدد الاتجاهات بتشكيل استراتيجيات المنظمة واستجاباتها للنسيج المعقد للتحديات الإقليمية والعالمية المعاصرة".
"إن منظمة شنغهاي للتعاون، بعضويتها المتوسعة وأهدافها الطموحة، تقف عند منعطف حاسم في سعيها إلى اكتساب قدر أعظم من النفوذ العالمي. ومن الممكن أن تحدث تصرفات وقرارات المنظمة بصمة على الساحة العالمية. كما أن قدرتها على الاستفادة بشكل فعال من قوتها الجماعية وموقعها الاستراتيجي ستحدد دورها في تشكيل المشهد الجيوسياسي المستقبلي"، كما ختم بيلابي.
اقرأ أيضاً
عبر شنغهاي.. الرياض تقترب من بكين ولا تحرق جسورها مع واشنطن
المصدر | روس بيلابي/ جيوبوليتيكال مونيتور- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: منظمة شنغهای
إقرأ أيضاً:
الجنوب العالمي يعيد صياغة القواعد الدولية
ترجمة - نهى مصطفى -
شهد الجنوب العالمي تحولات كبيرة في ميزان القوى العالمية على مدار العقدين الماضيين، فقد منح النفوذ المتزايد للاقتصادات الناشئة، وصعود الصين كقوة عظمى، والتوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والتنافس المتزايد بين القوى العظمى هذه البلدان قوة جديدة في الساحة الدولية.
واستفاد الجنوب العالمي من هذه التحولات عبر بناء تحالفات جديدة، مثل مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في عضويتها الأولى، وتعزيز التحالفات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، والسعي نحو تبني أجندة أكثر تأثيرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن الدفاع عن اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ إلى رفع قضايا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أظهر الجنوب العالمي -الذي يتضمن مجموعة واسعة من الدول التي كانت تخضع في معظمها للحكم الاستعماري في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط- استعدادا متزايدا لتحدي الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل قواعد النظام العالمي.
يبدو أن سياسة «أمريكا أولا» التي يتبناها ترامب قد تعرض المكاسب الاقتصادية والسياسية لبلدان الجنوب العالمي للخطر، وستتسبب رفع التعريفات الجمركية في تضييق الخناق على صادرات هذه البلدان، كما أن سياسة الترحيل الجماعي للمهاجرين قد تؤثر سلبا على الاقتصاديات التي تعتمد على تحويلات العمالة، بالإضافة إلى ذلك، سيزيد انسحاب ترامب من الاتفاقيات البيئية العالمية من معاناة الدول المتأثرة بتغير المناخ، ومن المؤكد أن سياساته الاقتصادية قد تؤدي إلى زيادة التضخم داخل الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الائتمان في البلدان النامية التي تعاني من أعباء الديون.
ورغم سياسات ترامب التي قد تظهر احتقارا للعالم غير الغربي، فإنها قد تتيح لبلدان الجنوب العالمي فرصة للاستفادة منها، وقد تحفز سياسات ترامب المعادية لبعض المعايير الدولية على تعزيز التعاون بين دول الجنوب، مما يساعدها على توحيد جهودها وتعزيز مصالحها الخاصة، كما أن نهج ترامب القائم على المعاملات التجارية قد يوفر فرصة لدول الجنوب لاستغلال التنافس بين القوى العظمى لصالحها.
إذا تمكن ترامب من الوصول إلى اتفاق مع روسيا لتقليص علاقتها بالصين، فقد يكون ذلك مؤشرا على أن الولايات المتحدة ستضطر إلى التأقلم مع عالم متعدد الأقطاب، وهو الفهم الذي تبناه الجنوب العالمي. في هذا السياق، يمكن اعتبار ترامب متبعا لتقليد مشابه للرئيس الأمريكي ويليام تافت، الذي استخدم «الدبلوماسية الدولارية» لتعزيز النفوذ الاقتصادي الأمريكي دون ادعاء التفوق الأخلاقي، ورغم أن كلا النهجين يسعى لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، إلا أن الأول يعتمد على التفوق الأخلاقي بينما الثاني يتسم بالصراحة وغياب الادعاءات الأخلاقية.
بالنسبة لبعض دول الجنوب العالمي، قد تُعتبر براجماتية ترامب غير الأخلاقية فرصة لزيادة نفوذها وتعزيز مصالحها الخاصة دون الخضوع للأجندات الغربية المعلنة. لكن بالطبع، تختلف مصالح دول الجنوب العالمي بشكل كبير، فبينما تسعى دول كبرى مثل البرازيل إلى الاستفادة من القوة الاقتصادية العالمية، تختلف احتياجات الدول الأقل ثراء مثل النيجر، مما يعني أن كل دولة ستتبع مسارا مختلفا يتناسب مع أهدافها الخاصة. والجنوب العالمي ليس كتلة متجانسة، بل يتنوع في استراتيجياته، كما يظهر في الحالات المختلفة مثل إندونيسيا التي ترفض الانحياز إلى أي طرف في التنافس بين الصين والولايات المتحدة، أو الأرجنتين التي تحت قيادة خافيير ميلي قد اتجهت بشكل أكبر نحو مواقف أمريكية. من جهة أخرى، توازن الهند بين دعمها التقليدي للدول ما بعد الاستعمار ورغبتها في لعب دور عسكري رئيسي داخل التحالف الأمريكي، مما يعكس مكانتها المتزايدة كقوة موازنة للصين في الساحة العالمية.
على مدار عقود، نجح الجنوب العالمي في تشكيل تحالفات مؤثرة تهدف إلى إعادة صياغة القواعد الدولية التي كانت تخدم مصالح القوى الكبرى، وخلال القرن العشرين، تحت حركة عدم الانحياز، سعى الجنوب العالمي إلى تفكيك الإرث الإمبريالي الغربي، مع التركيز على السيادة والمساواة العرقية والعدالة الاقتصادية، وفي السبعينيات، نظمت دول الجنوب العالمي نفسها في مجموعات مثل مجموعة الـ77 لتحقيق مكاسب كبيرة، مثل إنهاء الاستعمار والمطالبة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واستخدمت منظمات مثل أوبك النفوذ الاقتصادي لتعزيز السيطرة غير الغربية على الموارد الطبيعية، مما أدى إلى تأثير ملموس في مجالات مثل الأسلحة النووية والتجارة والبيئة، مع تعزيز العدالة التوزيعية لتعويض الدول التي تأثرت بالاستعمار.
في ستينيات القرن العشرين، تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لمنع انتشار الأسلحة النووية والتكنولوجيا ذات الصلة، بهدف الحد من الانتشار، هذا الاتفاق أثار قلق العديد من البلدان في الجنوب العالمي التي كانت تسعى للحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وخشيت هذه الدول من أن يؤدي الاتفاق إلى ترسيخ الأسلحة النووية ومنع القضاء عليها مستقبلا، وبعد سنوات من المفاوضات، تمكنت هذه البلدان من تحقيق تسوية مع القوى العظمى، مما أدى إلى توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في 1968، ورغم تفضيل المعاهدة للدول التي تمتلك أسلحة نووية، فإنها شجعت على نزع السلاح في الدول الكبرى ومنحت حوافز للدول الأصغر لتطوير الطاقة النووية السلمية.
في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تجاهلت الولايات المتحدة الجنوب العالمي وأصرّت على تبني جميع البلدان إصلاحات محلية تتماشى مع النظام الليبرالي تحت الهيمنة الأمريكية، كما فرضت برامج التكيف الهيكلي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سياسات تقشفية، ورغم ذلك، ساهمت العولمة في توليد ثروات جديدة للعديد من البلدان النامية ودعمت صعود الصين كقوة عظمى، ومع أن العولمة شجعت الديمقراطية في بعض الدول، فإن هذه النتيجة لم تكن دائما مفيدة للولايات المتحدة وحلفائها.
في فترة لاحقة، فتح الرئيس بيل كلينتون الفرص أمام بلدان الجنوب العالمي بتبني النظام الدولي الليبرالي الذي يوزع الرخاء بشكل أكثر توازنا، ورغم انتهاك الولايات المتحدة لبعض المعايير، مثل التدخل في كوسوفو، فإن كلينتون ساعد الدول النامية في استخدام المؤسسات الدولية لصالحها، مما مكنها من التفاوض على صفقات مواتية عبر منظمة التجارة العالمية، ودفع قضايا المساواة بين الجنسين في مؤتمر المرأة في بكين، ودعم المبادرات البيئية مثل بروتوكول كيوتو.
بعد هجمات 11 سبتمبر، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن عصر «لا قواعد»، مما أدى إلى استخدام غير مقيد للقوة العسكرية في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، وأسفر عن وفاة ملايين الأشخاص في الجنوب العالمي، ومارست الولايات المتحدة تعذيب المعتقلين من البلدان النامية، مما فاقم التمييز العنصري ضد المسلمين في الدول الغربية، كما ساهمت العقيدة الإنسانية «المسؤولية عن الحماية» في التدخلات العسكرية التي انتهكت السيادة الوطنية، مثل هجوم حلف الناتو على ليبيا في 2011، وتحت إدارة أوباما، تم استخدام الطائرات بدون طيار في اليمن، مما أدى إلى فوضى وعدم استقرار في المنطقة وزيادة الهجرة الجماعية إلى أوروبا، خاصة أثناء الحرب السورية.
وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، اضطرت الدول الغربية إلى التراجع، حيث كشفت الأزمة عن فساد النظام الدولي الليبرالي وأدى ذلك إلى حاجة الغرب للجنوب العالمي، وحلت مجموعة العشرين، التي ضمت اقتصادات ناشئة مثل البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا، محل مجموعة السبع كمنتدى رئيسي للحكم الاقتصادي العالمي، وفاز الجنوب العالمي بتأثير أكبر في صياغة استراتيجيات التعافي، مثل تدابير التحفيز والإصلاحات المالية، وزاد تمثيله في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي الوقت نفسه، أصبحت مؤسسات غير غربية مثل مجموعة البريكس وأوبك بلس والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين منصات نشطة تعمل لصالح الجنوب العالمي.
وصل ترامب إلى البيت الأبيض في 2017 وأدى إلى إبطاء تقدم الجنوب العالمي بسبب تهميشه للمنظمات الدولية، وانسحابه من اتفاقية باريس، وفرضه للتعريفات الجمركية، وسياساته جعلت دول الجنوب أكثر عرضة للظروف القاسية، مثل تأثيرات جائحة كوفيد-19.
في عهد بايدن، لم يحدث تغيير كبير في مواقف الولايات المتحدة تجاه الجنوب العالمي، حيث استمر في بعض سياسات ترامب، مثل الحمائية في التجارة والمشاكل في الهجرة، ورغم إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس، فإن بعض التشريعات قد تؤدي إلى عقبات أمام التحول البيئي في البلدان النامية.
وفي المقابل، تحولت العديد من البلدان النامية إلى الصين في السنوات الأخيرة، فقد تمكنت الصين من التحول السريع من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية كبيرة في غضون نصف قرن، مما مكنها من جذب الحكومات والجماهير في الجنوب العالمي، كما أصبحت الصين ممولا رئيسيا لهذه البلدان، حيث تداولت القروض والاستثمارات في السلع الأساسية والمواد الخام والطاقة، واستغلت نقاط الضعف التي ألحقتها واشنطن على نفسها، مثل غزو العراق ورفضها للاتفاقيات الدولية، لتصبح لاعبا رئيسيا في المنظمات المتعددة الأطراف وتزعم تمثيل مصالح العالم النامي.
وتزداد التحديات مع صعود الصين، حيث بدأت تتعامل مع الدول الأخرى كقوة عظمى وليس كشريك، وتُتهم الصين بتطبيق سياسات استعمارية جديدة من خلال فرض شروط قاسية على التجارة والاستثمار واستخدام دبلوماسية قاسية في مناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. حتى داخل مجموعة البريكس، هناك مخاوف من أن تسعى الصين لتعزيز نفوذها بدلا من دعم مصالح الدول النامية، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعقد الوضع، حيث ستؤثر سياساته الحمائية على الدول النامية بشكل سلبي.
غالبا ما يُفهم تعهد ترامب الانتخابي بشأن التجارة والمناخ والهجرة والضرائب، من منظور الجنوب العالمي، على أنه محاولة لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، عندما يهدد ترامب بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية، فإنه يصر على أن الولايات المتحدة قادرة على المضي قدما بمفردها، داعيا الآخرين للانضمام إلى صفه إذا كانوا يعرفون ما هو جيد لهم.
ومن خلال غرس حالة من عدم اليقين بشأن مصداقية الالتزامات الأمريكية، يحفز ترامب البلدان على التحالف بشكل أوثق مع الولايات المتحدة أو المخاطرة بالخسارة، كما أن تخفيضات الضرائب والتعريفات الجمركية التي يقترحها ستؤدي إلى تغذية التضخم، مما يزيد من أسعار الفائدة الأمريكية، ويرفع تكاليف الاقتراض عالميا، ويؤثر بشكل خاص على الدول ذات الديون الكبيرة، وسيؤدي هذا إلى انخفاض قيمة العملات، مما يزيد من تكلفة الواردات ويزيد التضخم ويقلل الإنتاجية في العديد من البلدان النامية، وعلى الرغم من ذلك، تُفسر تعهدات ترامب الانتخابية في الجنوب العالمي كاستراتيجية محسوبة لاستعادة تفوق الولايات المتحدة عبر زيادة تأثيرها على الدول الأخرى أو دفعها للتحالف معها، أو تركها عُرضة لمزيد من عدم اليقين.
سيجد قادة الجنوب العالمي أنفسهم مضطرين لاتخاذ تدابير لحماية مصالحهم في ظل سياسات ترامب، حيث أصبحت مطالب الجماهير المحلية في العديد من البلدان النامية أكثر وضوحا، واستفاد الفقراء والطبقات المتوسطة من العولمة التي تهددها سياسات ترامب، مما سيدفع المواطنين للضغط على حكوماتهم للحفاظ على تلك المكاسب، وستسعى العديد من الدول للبحث عن بدائل للدولار الأمريكي مثل العملات الرقمية وأنظمة الدفع غير الدولارية لتقليص قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات، كما أن سياسة ترحيل ترامب قد تؤثر سلبا على مكانة الولايات المتحدة في الجنوب العالمي، مما يزيد الانقسام بين الشمال والجنوب ويؤجج الاستياء من السياسات الغربية فيما يتعلق بالعمل المناخي، ويعزز نهج ترامب تشجيع جماعات المصالح في الجنوب العالمي التي تدافع عن الصناعات عالية الكربون واستخراج الوقود الأحفوري، مما يعيق التحول نحو اقتصادات خضراء، هذه الجماعات ستقاوم الإصلاحات المناخية الضرورية، مما سيجعل عملية التحول الأخضر أكثر تكلفة وأبطأ على المستوى العالمي. قد يشجع ترامب، من خلال لامبالاته بالعمل المناخي، الأنشطة المدمرة مثل قطع الأشجار والزراعة غير المستدامة، مما يعزز تغير المناخ ويهدد الأمن الغذائي العالمي.
في الوقت ذاته، قد تكون السياسة الخارجية لترامب محفزة لبعض التغيرات غير المتوقعة، إذا نجح في تخفيف التوترات مع روسيا مع الاستمرار في الضغط على الصين، قد يسهم عن غير قصد في تسريع التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، ومن خلال تقليص الصراع مع روسيا، قد يعترف ترامب ضمنا بحق روسيا في الحفاظ على مجال نفوذها، مما يبرر أطروحة العديد من الدول في الجنوب العالمي التي ترى أن النظام الدولي لم يعد مهيمنا من قبل الولايات المتحدة، بل بات أكثر توازنا، وفي ظل هذا النظام العالمي المتعدد الأقطاب، قد تتمكن الدول النامية من استخدام هذه التوترات بين القوى العظمى لصالحها، مستغلة هذه المنافسة لتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية.
ماتياس سبكتور أستاذ مشارك في العلاقات الدولية ويدير مركز العلاقات الدولية في مؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو، البرازيل.
نشر المقال في Foreign Affairs