عام الانفراجات وإعادة تشكيل خريطة العالم وسقوط بايدن
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
كان عاما صعبا بكل المقاييس على العالم كله خاصة فى شهوره الثلاثة الأخيرة، لم يحقق العالم اقتصاديا ما كان يتوقعه من معدلات نمو، ولم يستطع [العالم المتحضر] أن يضع نهاية لصراع روسيا وأوكرانيا بل أسهمت المواقف المتباينة والمصالح المتعارضة في استنزاف المعسكر الغربى عسكريًا للدرجة التي أصبحت تشكو فيه واشنطن من نفاد بند المساعدات فيما يتعلق بالأسلحة، وارتفعت حدة التصعيد ما بين أعظم قوتين اقتصاديتين فى العالم [الصين والولايات المتحدة الأمريكية]، وبدأت بفعل هذا التصعيد الروسى - الغربى من ناحية وما بين واشنطن وبكين على من ناحية أخرى تتشكل تحالفات عالمية جديدة تعيد رسم خريطة العلاقات الدولية لم تنتهِ ملامحه حتى الآن خاصة أنها تتقاطع مع محاور قديمة، فليس بالضرورة أن تقام هذه التكتلات على أنقاض المحاور القديمة، وإنما استغلتها وبنت عليها ولعبت فى هذا السياق الصراعات والعداءات القديمة دورًا بالغًا، وتعد اليابان واستدعاؤها الآن أمريكيا لمواجهة الصين مثالا واضحًا، محاولات استقطاب عالمية وجبهات جديدة تعلن عن نفسها بعيدا عن النمط السائد منذ أكثر من ثلاثة عقود منذ سقوط الاتحاد السوفيتى، فخلال أيام سيتم الإعلان عن تأسيس البريكس رسميا، وتعلق عليها دول كثيرة فى العالم النامى عمومًا وفى منطقتنا خصوصا آمالا وطموحات بل وارتفع سقف توقعات الشعوب والرأى العام الطامح فى علاقات دولية متوازنة إلى أبعد مدى قبل أن يولد الكيان وتتحدد مساراته وكيفية إدارة العلاقات الاقتصادية والتجارية وحتى العملة التى سيتم التعامل بها بين مؤسسيه وهل سيكون الكيان اقتصادى مجرد أم سيكون نواة لمنظمة دولية تسحب البساط رويدا من مؤسسات دولية عتيقة ولم تعد تحظى بمصداقية لدى الأغلبية الساحقة من شعوب الأرض، بما تحمله تلك الأمنيات من صياغة مجتمع دولى لا يخضع لهيمنة أمريكية أو على أقل تقدير هيمنة ليست أحادية وإتاحة الفرصة لظهور تعددية قطبية لإدارة العالم لا تكون فيه الكلمة العليا للدولار وواشنطن.
أيام من الترقب طويت وعام قادم أظنه [عام الانفراجات الكبرى محليا] تأتينا رويدا فى نصفه الثانى، لقد مررنا بأيام ثقال وكنّا على قدر التحديات الاقتصادية وأنفقنا الكثير من الأفكار والأموال والجهد لنبنى ونعمر ونقدم أنفسنا للعالم ومجتمع المال والاستثمار بوجه جديد وتتحدث مصر عن نفسها مرة أخرى بما لدينا من جغرافيا فريدة وطاقة وبنية أساسية ومدن ذكية وعاصمة جديدة وممر ملاحي نستثمر فيه وحوله وعلاقات متوازنة مع كل القوى الدولية والإقليمية على حد سواء، تستخدم فيها الدبلوماسية المصرية قدراتها الفائقة للحفاظ على الإرث العربى بتقاليده الراسخة مع الأخذ فى الاعتبارات المتغيرات الحديثة التى أثرت على كثيرا على طبيعة العلاقات والشراكات مع الأشقاء التاريخيين والأصدقاء وما فرضته الأحداث من شدٍ وجذب ونجحت القيادة السياسية فى تقليص مساحات الشد للدرجة القصوى والاستعلاء على الصغائر وغض الطرف عن [مناكفات صغار ] لا تسمن ولا تغنى من جوع بترفع بالغ وحكمة تحسد عليها.
مع العام الجديد تراهن مصر على ثوابتها ومحددات الأمن القومى التى أعلنتها بحسم فى محافل كثيرة وقدراتها الشاملة كدولة ذات ثقل فى حسم العديد من الملفات الشائكة وإدارة العلاقات المتعارضة والتنافسية داخل الإقليم وفى منطقتنا تحديدا فمهما حاولت بعض القوى الدولية صاحبة المصلحة فى تهميش الدور المصرى وخلق أوضاعا شاذة أو إعادة تشكيل خريطة القوى والمنطقة تشكيلا مصطنعا على غير أسس من موازين القوة لن تنجح لأنها سرعان ما تتراجع تلك المخططات بحكم ما تمتلكه القاهرة من قدرات وخبرات ومؤسسات تمسك بخيوط اللعبة تجعل لها الغلبة فى نهاية المطاف.
فى عالم معقد يزاحم بعضه بعضا، عالم مرتبك بحكم صراع المصالح وتعارضها ورغبة كل دولة فى الإقليم لطرح نفسها وتعظيم دورها بما يخلق سباقا غير محمود العواقب وبما يمس المصالح الاستراتيجية والأهداف القومية المشتركة بعيدة المدى لحساب مكاسب قريبة خاصة فى ظل الارتباك الكبير الذى يعانيه البيت الأبيض الذى يدير العالم ومنظماته الدولية ويسير خلفه الاتحاد الأوروبي على غير هدى، ولأن العالم سلم قسرا قيادة العالم لواشنطن، ولأن البيت الأبيض يعانى ضعفا أشبه بحالة الموت الإكلينيكى وتعانى إدارته من حالة عدم مصداقية غير مسبوقة فى الخارج والداخل حتى بين أنصار الديمقراطيين أنفسهم بما ينبئ عن سقوط مدوى فى انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤ وعودة مظفرة لترامب على صهوة جواد أخطاء بايدن، ليعيد العالم ترتيب أوضاعه من جديد مع روسيا الاتحادية والصين الاشتراكية وإدارة عاقلة للصراع والتنافس فيما بين القوى العظمى ويمنح متنفسا أكبر للتفاهمات والاستقرار ليتراجع التصعيد خطوة للخلف بما يصب فى خانة التهدئة والتى سينال منها الشرق الأوسط النصيب الأكبر خاصة قضيتنا العربية الكبرى والمركزية [القضية الفلسطينية] التى ستشهد تطورات كبرى أعتقد فى مقدمتها إصلاح ما بين الفصائل بجهود مصرية [هى بالفعل مستمرة منذ فترة]، وربما يتم التنسيق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة فى ظل تقارب تفرضه المستجدات وأوضاع ضاغطة على الجميع [السلطة الفلسطينية والفصائل] على حد سواء، لا سيما بعد إعلان أبو مرزوق صراحة أنهم يقبلون ويقرون بالالتزامات التى قطعتها السلطة الفلسطينية فضلا عن الاعتراف بأخطاء عملية ٧ أكتوبر، وعلى الجانب الآخر سيمثل نتنياهو لمحاكمات ستقوده حتما للسجن بتهم الفساد فضلا عن فشله العسكرى ليختم سجله السياسى بعار وسمعة هى الأسوأ ليحجز لنفسه مقعدا بين قوائم مجرمى الحرب.
عودة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام الدولى والدعم الكبير الذى حظيت به عام ٢٠٢٣ لأول مرة في تاريخها على هذا النطاق من الرأى العام [الأوروبي- الأمريكي] وخروج آلاف المتظاهرين فى لندن وواشنطن ونيويورك للمطالبة بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلى كان بمثابة صرخة ستدوى طوال عام ٢٠٢٤ كثيرا فى أروقة محافل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالضرورة سيؤدى الالتفاف حول القضية إلى التطلع للدور المصرى دبلوماسيًا وتفاوضا بحكم الخبرة والتاريخ والحاضر أيضا، والثقة التى تتمتع بها القاهرة والوساطة التى تقوم بها لوقف نزيف الدماء بما يجعلها شريكا موثوقا لدى كل أطراف الصراع والشركاء الإقليميين والدوليين.. هكذا رأينا العالم فى عام مضى، وهكذا نتوقع ما هو آت، نتمناه سلاما على مصرنا الطيبة وعلى كل محبى السلام والخير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ما بین
إقرأ أيضاً:
هل تؤسّس زيارة عراقجي لطالبان مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين؟
طهران- زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أفغانستان اليوم، لأول مرة منذ عودة طالبان إلى السلطة.
وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في تدوينة على منصة "إكس"، أن زيارة الدكتور عراقجي إلى كابل اليوم تأتي في إطار سياسة الجوار، وفي سياق المهمة الأساسية لوزارة الخارجية في متابعة المصالح الوطنية، من خلال التفاعل والتفكير المشترك حول القضايا والمخاوف المشتركة.
وأضاف أن هذه الزيارة قد تمثل نقطة تحول في استغلال الروابط العميقة بين الشعبين لتعزيز المصالح المتبادلة للبلدين.
رئيس حكومة طالبان الملا محمد حسن آخوند (يمين ) يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال زيارة الأخير لكابل، يوم 26 يناير 2025 (رويترز) فصل جديد
عندما نُشرت أخبار حول احتمال زيارة عراقجي في وسائل الإعلام، قبل بضعة أيام، وصف مستشار وزارة خارجية طالبان ذاكر جلالي هذه الزيارة بأنها "بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين". وأكد أن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة بين أفغانستان وإيران تمثل فرصة لتعزيز التعاون الثنائي.
يُذكر أن آخر زيارة قام بها وزير خارجية إيراني إلى كابل كانت بواسطة وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف في مايو/أيار 2017، خلال فترة حكم الجمهورية في أفغانستان. وخلال السنوات الثلاث الماضية، زار وزير خارجية طالبان إيران عدة مرات، لكن هذه هي أول زيارة لوزير خارجية إيراني إلى أفغانستان في عهد طالبان.
إعلانومنذ تولي طالبان السلطة في أفغانستان، شهدت العلاقات بين إيران وحكومة طالبان مستوى من التقارب، حيث سلّمت إيران، في 26 فبراير/شباط 2023، رسميا مقر السفارة الأفغانية في طهران إلى ممثلين من حركة طالبان.
ومع ذلك، لم تعترف إيران رسميا بحكومة طالبان حتى الآن، وتعتبر مسألة الاعتراف قضية إقليمية ودولية تتطلب تنسيقًا مع المجتمع الدولي.
إيران تسلم مئات من السجناء الأفغان لديها لحكومة طالبان (وكالة التلفزيون الرسمي الإيراني)الملفات المشتركة
تجمع إيران وأفغانستان العديد من الملفات المشتركة ذات الطابع السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني ومن أبرزها:
قضية اللاجئين والمهاجرين الأفغان، إذ تستضيف إيران ملايين اللاجئين الأفغان منذ عقود، وتسعى لتنظيم وجودهم بما يتوافق مع مصالحها الوطنية ويخفف الضغط الاقتصادي. المياه وتقاسم الموارد المائية: ويمثل ملف نهر هيرمند (هيلمند) واحدة من القضايا الحساسة بين البلدين. حيث تعتمد إيران على هذا النهر لتلبية احتياجاتها المائية في المناطق الشرقية، بينما تتهم حكومة طالبان بعرقلة تدفق المياه أو استغلالها بشكل يتعارض مع الاتفاقيات السابقة. التجارة والترانزيت: تشمل العلاقات التجارية بين البلدين العديد من السلع، إضافة إلى ملف الترانزيت الذي يتضمن استخدام ميناء تشابهار الإيراني كنقطة عبور للصادرات الأفغانية. ويحمل هذا الملف أهمية اقتصادية كبيرة للطرفين. الحدود والأمن الحدودي: تشهد الحدود الطويلة المشتركة تحديات مرتبطة بالتهريب والجماعات المسلحة وتسلل الإرهابيين. وتعمل إيران وحكومة طالبان على ضبط الحدود لمنع النشاطات غير القانونية، بما في ذلك تهريب المخدرات. ملف الإرهاب العابر للحدود: يشكل ظهور تنظيمات مثل "داعش-خراسان" في أفغانستان تهديدا أمنيا مشتركا لإيران وطالبان. الطاقة والتعاون الاقتصادي: توفر إيران الوقود والكهرباء لبعض المناطق الأفغانية، وهناك محاولات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة والاستثمار، خاصة مع حاجة أفغانستان للبنية التحتية. القضايا الثقافية واللغوية: تبذل طهران جهودا لضمان ممارسة الأفغان الناطقين بالفارسية حقوقهم الثقافية واللغوية، كما تهتم بقضية "الهزاره" وهم الأفغان الشيعة وتعتني بحريتهم في ممارسة طقوسهم الدينية. الاعتراف بحكومة طالبان: ويعتبر هذا الملف سياسيا بالأساس، حيث تسعى إيران لتحقيق توازن بين دعم الاستقرار في أفغانستان والتعامل مع حكومة طالبان، دون اتخاذ خطوات منفردة قد تؤثر على علاقاتها الإقليمية والدولية.???? وزير الخارجية الايراني السيد عباس عراقجي يلتقي رئيس وزراء حكومة طالبان بافغانستان ملا محمد حسن اخوند. pic.twitter.com/WFATfg5LXF
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) January 26, 2025
إعلان قضايا جيوسياسيةوفي تحليل لهذه الخطوة، رأى الدبلوماسي الإيراني السابق في أفغانستان محسن روحي صفت، أن الدافع الأهم لهذه الزيارة هو سياسة حسن الجوار بين البلدين، حيث كان من الضروري أن يطّلع وزير الخارجية بشكل مباشر على القضايا الثنائية.
وأوضح، الدبلوماسي، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الزيارة أقل أهمية على الصعيد الدولي، وتركز بالأساس على القضايا الثنائية وسعي الطرفين لفهم بعضهما سياسات بعض بشكل صحيح.
وأضاف، المتحدث ذاته، أن النقاش وتبادل وجهات النظر بين البلدين جرى حول القضايا المشتركة، ويسعى إلى توسيع هذه العلاقات أكثر من ذي قبل بما يحقق مصالح شعبي أفغانستان وإيران.
واعتبر روحي صفت قضية الاعتراف بحكومة طالبان قضية إقليمية ودولية، مضيفا أن إيران ستتصرف ضمن هذا الإطار ولن تتحرك بشكل منفرد.
تعاون استخباراتي
من جانبها، تشير الباحثة السياسية عفيفة عابدي إلى أن إيران وأفغانستان تربطهما متطلبات ثقافية وحضارية وجغرافية وسياسية وأمنية في علاقاتهما الثنائية والإقليمية، وأي حكومة تتولى السلطة في أفغانستان، فمن مصلحة كلا البلدين، أن تكون العلاقات الثنائية قائمة معها على حسن الجوار والتعاون الوثيق.
وترى في حديثها للجزيرة نت أن هذه الزيارة تحظى بأهمية خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية، حيث زاد مجددا تهديد التحركات الإرهابية لتنظيم داعش، وبالتالي، فإن التعاون الاستخباراتي والأمني بين إيران وأفغانستان في هذا الشأن يُعد أمرا بالغ الأهمية، وفق الباحثة.
ومن جهة أخرى، توضح الباحثة أن تصاعد التوتر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان يُثير قلق إيران، إذ تعتبر إيران تحقيق الاستقرار والأمن لدى جيرانها الشرقيين أمرا ذا أهمية كبيرة.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تعتقد الباحثة أن إيران انتهجت مقاربة واقعية في مفاوضاتها مع طالبان، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، وذلك من أجل:
إعلان المساعدة في ضمان حقوق جميع القوميات الأفغانية، وتلبية متطلبات التعاون الثنائي. مساعدة طالبان، بصفتها ممثلة لشريحة كبيرة من الأفغان، في تحقيق انتقال ديمقراطي وإرساء الاستقرار والأمن، فضلا عن تحقيق الرفاه الاقتصادي وضمان الحقوق لشعب أفغانستان.