ظهور الفاحشة.. وفشو الأمراض المهلكة
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
ما أرسل الله نبيا إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يخافه عليهم، فالأنبياء هم أحرص الناس على خير أممهم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وأرحم الناس بالناس، وأرأف رسولٍ بأمةٍ أُرسِل إليها؛ ولذا بين لأمته أسباب الضعف، وأبواب الوهن، وموجبات العقوبة..
ومن هذا ما ورد في حديث ابن عمر الذي رواه ابن ماجه وابن عساكر والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: "أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ والْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ"، ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ الألباني.
فيبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أسباب البلاء ومواطن الخلل التي توجب عقوبة الله تعالى، فبين لهم خصالها ليجتنبوها ليسلموا من العقاب:
الخصلة الأولى:
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ والْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
إن أكبر وأقرب طريق وسبيل لخراب الأمم وسقوط الحضارات واستحقاق عقوبة الله، هو انتشار الفواحش.
والفاحشة من الفحش وهو العظم والكبر، وذنب فاحش أي كبير وعظيم، فهي الأمور العظام والذنوب الكبار.. فالذنوب كما هو معلوم منها صغائر وكبائر قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}[النساء: ]، وقال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة}[النجم: ].
والمقصود بالفاحشة هنا الزنا وأشباهه من اللواط والسحاق، وهذه المخازي التي ملأت السهل والجبل والشرق والغرب، حتى ضج منها كل ذي عقل سليم، وخلق قويم، وفطرة سوية.
وظهور الفاحشة معناه فشوها وكثرتها وانتشارها وتيسير أسبابها، وأن يكون هناك من يجاهر بها، ويدعو إليها، ويدافع عنها وعن أهلها، بل ويعاقب من يمنعها أو يحاربها، ويلزم الدول بأن تحمي حقوق أصحابها، ولا تتعرض لهم.
وقد انتشر هذه الفواحش والقذارات في بلاد الغرب، ولكنها انتقلت منهم إلى بلاد الإسلام، فأصبحنا نرى ونسمع من يقنن للزنا بالتراضي ولا يعاقب على ذلك، وبعض البلاد تقنن له رسميا بالترخيص لبيوت الدعارة والملاهي الليلية، وداخل الفنادق الراقية أو تحت مسمى السياحة، أو من خلال ما يبث على الشاشات من أفلام تدعو للفحش والرذيلة، وتحتوي على مشاهد العري والفضيحة.
وزاد الطين بلة ما ورد إلينا من قنوات مفتوحة، وانترنت، ومواقع داعرة لا ينشر فيها إلا هذا القذر وذلك الفحش؛ حتى صار من أبناء المسلمين من يفعل فعلهم وينسج على منوالهم، ويصور نفسه وأهله في مواضع الخنا، ويعرض ذلك على المفتونين.
فأي دياثة، وأي انحطاط، وأي انتكاس للفطرة بعد هذا.
العقوبات والأمراض والطواعين:
ولهذا استوجب هؤلاء عقوبة الله الماحقة، كما فعل بقوم لوط {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}[هود].
فكل من حذا حذوهم، وسار على نهجهم، ووقع فيما وقعوا فيه من المخازي والفواحش ظهرت فيهم الأسقام والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، إيدز، هربس، زهري، سيلان، وغيرها من الأمراض التي لا علاج لها، وعجز الطب أمامها، وكلما أمعنوا في الفجور جدد الله لهم أنواعا من الأمراض ليعذبهم بها في الدنيا قبل عذاب الآخرة.
وربما كان مفهوم انتشار الأمراض أعم من ذلك، فتظهر في تلك البلدان جوائح مرضية تفتك بهم، فيصاب الكثيرون بأمراض وفيروسات لم تكن معروفة ولا مشهورة فيمن سبقهم، عقوبة لهم إما لرضاهم بما يكون وإن لم يفعلوه، وإما لسكوتهم على منكر عرفوه ولم ينكروه، فضرب الله عليهم اللعنة ونزلت عليهم النقمة كما فعل ببني إسرائيل {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)}[المائدة].
وهذه عقوبات قدرية وسنن ربانية، لا ترفع عن الناس إلا أن يراجعوا دينهم، ويعودوا إلى ربهم، ويلتزموا العلاج الرباني الذي يرفع مقت الله وغضبه على الناس، فيتعاون الراعي والرعية على إزالة المناكر، ومقارعة المحرمات، وردع أهلها وأصحابها والداعين إليها، حتى لا يظهر لهم أثر، ولا يرتفع لهم صوت، فتكون توبة عامة من هذه المناكر وغيرها.. فعند ذلك يرفع الله عن الخلق نقمته ويزيل عقوبته {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:11].
عن اسلام.ويبالمصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الله ع
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تكشف عن الآداب والضوابط الشرعية لتنظيم معاملات الناس
قالت دار الإفتاء المصربة، إن الشريعة الإسلامية أباحت كلَّ معاملة تقوم على الحقِّ والعدل والصدق وتحقيق مصالح الناس في حدود ما أحلَّهُ الله تعالى لهم، ولكنها في الوقت ذاته قد حَرَّمَتْ كل معاملة يخالطها الظلم أو الغش أو الربا أو غير ذلك من الرذائل.
وأوضحت الإفتاء أن شريعة الإسلام حرمت الاحتكارأي شراء الشيء وحبسه ليقِلّ بين الناس فيزيدُ سعره عن حدود الاعتدال، فتضطرب أحوال الناس، ويلحقهم الضرر والعنت، وفي الحديث الصحيح: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» أي: فهو بعيد عن الحق والعدل، وفي حديث آخر: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، وفي حديث ثالث: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» رواه الإمام ابن ماجه في "السنن".
كما حرمت الشريعة الإسلامية الغَرَر أي المعاملة التي يشوبها الخداع والجهالة التي تؤدي إلى المنازعة.
وحرَّمت الغِش والحلف الكاذب من أجل ترويج السلع، وفي الحديث الصحيح: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» أي: ليس على ديننا الكامل من استعمل الغش في معاملاته، وفي حديث آخر: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه"، أي: احذروا كثرة الحلف في بيعكم وشرائكم؛ فإنَّ الحلف قد يؤدي في الظاهر إلى رواج التجارة إلا أنَّه بعد ذلك يزيل بركتها.
وحرَّمت التطفيف في المكيال والميزان وأمرت بالقسط فيهما؛ قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3]، وعندما مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ برجل يَزِنُ للناس بالأجر قال له: «يا وَزَّانُ، زِنْ وَأَرْجِحْ» رواه الإمام ابن ماجه في "سننه".
وحرَّمت النَّجْش بإسكان الجيم، وهو أن يزيد الشخص في ثمن السلعة لا ليشتريها وإنما لِيَخْدَع غيره.
وحرَّمت شراء الشيء المغصوب أو المسروق؛ لأن شراءه يمثل لونًا من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الحديث الشريف: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ اشتركَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا» رواه الإمام الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وشبيه بذلك في الحرمة: أن يبيع الإنسان العنب لمن يعلم أنه سيتخذه خمرًا، أو يبيع السلاح لمن يعلم أنه يستعمله في الأذى أو في القتل ظلمًا؛ وذلك لأنَّ البيع في هذه الحالات وأمثالها يؤدي إلى الفساد والضرر.
روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» رواه الإمام أبو داود في "السنن" وأحمد في "المسند"، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع السلاح في أيام الفتن" رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" والبيهقي في "السنن الكبرى"، وشبيه بذلك في الحرمة والإثم بيع أو شراء كل ما يؤدي إلى إفساد الأخلاق ويعين على نشر الرذائل.
وقالت الإفتاء إنه إذا كانت شريعة الإسلام قد نهت عن كل معاملة يشوبها الغش أو الظلم أو الاحتكار أو الغرر؛ فقد أمرت أتباعها بآداب معينة في معاملاتهم:
- أمرتهم بالتيسير على الـمُعْسِر والرأفة به، وتأجيل ما عليه من ديون حتى يوفقه الله تعالى لسدادها؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، ومن الأحاديث النبوية التي وردت في ثواب الذين ييسرون على المعسر ما جاء في "الصحيحين" عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».
- تحري الحلال وبالبعد عن الشبهات؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168].
- الحرص على العمل النافع الذي يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير، ويكفي في هذا المعنى قوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
- أداء الحقوق إلى أصحابها دون مماطلةٍ أو تسويفٍ؛ ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى»، وفي حديث آخر: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ».