عنوان هذا المقال هو النداء الذي وجهه فدائيٌّ فلسطيني في تسجيل مصوّر هذا الأسبوع محتفِلًا بنجاح إحدى عمليات كتائب القسام ضد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وهو النداء الذي لقيَ صدى واسعًا، وصار وسْمًا في منصة التواصل الاجتماعي «إكس» تضمن آلاف التغريدات، المتوزعة بين الإشادة باللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري -المقصود بالنداء- والذي هو أحد نجوم هذه الحرب الإسرائيلية على غزة الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وبين الإعجاب بظرف وخفة دم وهدوء أعصاب مقاتلي كتائب القسام في ظروف مواجهاتهم الصعبة مع الإسرائيليين.
والحق أن الدويري صار خلال هذه الحرب فردًا من أفراد العائلة العربية خلال متابعتها للتغطية اليومية المستمرة من قبل قناة الجزيرة لاعتداءات إسرائيل على أهلنا في غزة وبطولات المقاوِمين الفلسطينيين. ورغم أن عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من تداعيات لم تكن الظهور الأول له محلِّلًا عسكريًّا في القناة، إلا أنها مثلتْ ذروة البروز الإعلامي للدويري، وأكسبته شعبية كبيرة مستحقة مستمدة من شعبية قناة الجزيرة في العالمَين العربي والإسلامي من جهة، وتفرّدها -أي القناة، مع قنوات أخرى قليلة- بما يُمكن أن أسميه «الانحياز الموضوعي والأخلاقي» للحقّ الفلسطيني من جهة أخرى. لكن الأهم من هذا كله أن فايز الدويري كان المحلل الذي وفّر للقناة الظروف المواتية لهذا «الانحياز العادل»، بجمعه بين مهارات المحلل العسكري من جانب، ومواهب المنظِّر الاستراتيجي من جانب آخر، إضافة إلى بلاغته في الحديث، وصوته الجهوري، وحضوره القوي أو ما يسمى بــ «الكاريزما» الشخصية.
وإذا كان كل عسكريّ ينتهي ترقّيه الوظيفي -رتبة إثر رتبة- بعد تقاعده، فإنه يمكن القول إن اللواء الدويري -البالغ من العمر اليوم واحدًا وسبعين عامًا- نال بعد تقاعده بسنين ترقية معنوية أكبر من كل الرتب التي حصل عليها وهو على رأس وظيفته، وهل هناك ترقية أكبر من أن يُصبح المحلّل العسكري لبطولات المقاوِمين، والشارح لأهميتها، والمفسّر لما يستغلق على الأفهام من تفاصيلها. وكأن كل خلفيته العسكرية السابقة لم تكن إلا إعدادًا أو تجهيزًا لهذا الدور المهمّ المنتَظَر. وعندما نتحدث عن الخلفية العسكرية للدويري فإننا نعلم أنه كان آمرًا لكلية القيادة والأركان الأردنية، وقبلها كان مديرًا لسلاح الهندسة الملكي الأردني، ونعرف من سيرته العمليّة أيضًا أنه شارك في نزع الألغام على الحدود الأردنية السورية، وساهم مع القوات اليمنية في تحصين مضيق باب المندب وبناء معسكر في تعز. وإذا كانت هذه الإنجازات العسكرية قد أكسبته خبرة في التحليل، فقد تميّز الدويري أيضًا بمَلَكات أخرى عضّدت هذه الخبرة، منها القدرة الفائقة على تحليل المعلومات العسكرية ومقارنتها بالوضع السياسي القائم، والإلمام الجيد بالجغرافيا الفلسطينية، والفهم الواضح للتكنولوجيا والأنظمة العسكرية المتقدمة، والتمكن من جمع المعلومات من مصادر متنوعة والمقارنة بينها بشكل جاذب، كل ذلك دون أن يخرج على القواعد الأخلاقية والمعايير المهنية في تحليلاته.
لا أحد يشكّ للحظة وهو يتابع الدويري يحلّل هذه العملية أو تلك من عمليات «كتائب القسام» أو «سرايا القدس» أو حتى عمليات الجيش الإسرائيلي واعتداءاته اليومية، أن هذا المحلّل رضع القضيةَ الفلسطينية من ثدي أمه التي فقدها وهو ابن أحد عشر عاما فقط. يقول في أحد حواراته التلفزيونية: «أنا ابنُ القضية، أردني من أب أردني من أم أردنية، أجدادي حتى ما بعد الخامس أردنيون، لكنّ فلسطين قضيتي». لذا، فإنه لا يُخفي تعاطفه مع أبناء قضيته أثناء التحليل، ولا يخشى أن يُقال عنه: «غير موضوعي» بما أنه يتعاطف مع أصحاب الحق؛ لأنه -وهذا هو المهم- يدعّم تحليلاته بالمعلومات والأرقام ومخاطبة العقول قبل القلوب. وعلى أية حال، فقد رأينا بأم أعيننا خلال هذه الحرب كيف سقطت إلى الحضيض موضوعية ومصداقية كثير من القنوات العالمية التي كنّا نحسن الظن فيما يُسمى «موضوعيتها»، وكيف صار سؤال: «هل تدين حماس؟» الذي يُطرح على أي ضيف فلسطيني مثار سخرية وتندّر الغرب قبل العرب.
وإذن، فقط خاطب فايز الدويري العقل والوجدان في الوقت ذاته، فصار أقرب إلى ذلك المقاتل الفلسطيني البطل الذي وصفه في تحليله بأنه «يتحرك من بين الأموات ليعيد بسمة الحياة إلى شفاه أهل غزة». يقول الدويري في وصف بطولة ذلك الفدائيّ: «هذا المقاتل يعلّم الناس معنى الرجولة والدفاع عن الأرض والعرض، عندما يصل إلى دبابة تعتبر الأحدث أو من بين الأحدث في العالم، ويتحرك من المقدمة إلى مؤخرة الدبابة؛ لأن نقطة الضعف في هذه المنطقة، ويضع حشوة شواظ، هذا -المقاتل- كانت نسبة استشهاده -في هذه العملية- 99% ولكنه في سبيل أداء المهمة والدفاع عن الشرف والكرامة والأرض والعرض فعل ما فعل، واستطاع أن ينجح». ليس غريبًا والحال هذه أن يشاهد هذا المقاتلُ ورفقاؤه من مخابئهم السرية تحليلَ هذا اللواء المتقاعد فينتشوا ويَسعدوا به، ويطالبوه بالمزيد هاتِفين به بالاسم أن: «حلِّلْ يا دويري».
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الإعلان عن الشهر الذي شهد أكبر عدد من الولادات في تركيا
أعلنت هيئة الإحصاء التركية (TUIK)، الأحد، عن الشهر الذي سجل أكبر عدد من المواليد في 2023 في تركيا.
وقالت الإحصاء التركية، في بيان، أنه ولد ما مجموعه 958 ألفاً و408 أطفال في عام 2023.
وأضافت أن شهر يوليو شهد ولادة 90 ألف 318 طفل ويعد أعلى شهر سجل أكبر عدد من المواليد.
وتابعت أن أقل شهر شهد عدد ولادات هو شهر فبراير 72 ألف 236 ولادة.
اقرأ أيضامصرع 4 أشخاص في تحطم طائرة إسعاف بـ موغلا