لجريدة عمان:
2025-02-23@08:32:58 GMT

نوافذ: «حلل يا دويري»!

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

عنوان هذا المقال هو النداء الذي وجهه فدائيٌّ فلسطيني في تسجيل مصوّر هذا الأسبوع محتفِلًا بنجاح إحدى عمليات كتائب القسام ضد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وهو النداء الذي لقيَ صدى واسعًا، وصار وسْمًا في منصة التواصل الاجتماعي «إكس» تضمن آلاف التغريدات، المتوزعة بين الإشادة باللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري -المقصود بالنداء- والذي هو أحد نجوم هذه الحرب الإسرائيلية على غزة الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وبين الإعجاب بظرف وخفة دم وهدوء أعصاب مقاتلي كتائب القسام في ظروف مواجهاتهم الصعبة مع الإسرائيليين.

والحق أن الدويري صار خلال هذه الحرب فردًا من أفراد العائلة العربية خلال متابعتها للتغطية اليومية المستمرة من قبل قناة الجزيرة لاعتداءات إسرائيل على أهلنا في غزة وبطولات المقاوِمين الفلسطينيين. ورغم أن عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من تداعيات لم تكن الظهور الأول له محلِّلًا عسكريًّا في القناة، إلا أنها مثلتْ ذروة البروز الإعلامي للدويري، وأكسبته شعبية كبيرة مستحقة مستمدة من شعبية قناة الجزيرة في العالمَين العربي والإسلامي من جهة، وتفرّدها -أي القناة، مع قنوات أخرى قليلة- بما يُمكن أن أسميه «الانحياز الموضوعي والأخلاقي» للحقّ الفلسطيني من جهة أخرى. لكن الأهم من هذا كله أن فايز الدويري كان المحلل الذي وفّر للقناة الظروف المواتية لهذا «الانحياز العادل»، بجمعه بين مهارات المحلل العسكري من جانب، ومواهب المنظِّر الاستراتيجي من جانب آخر، إضافة إلى بلاغته في الحديث، وصوته الجهوري، وحضوره القوي أو ما يسمى بــ «الكاريزما» الشخصية.

وإذا كان كل عسكريّ ينتهي ترقّيه الوظيفي -رتبة إثر رتبة- بعد تقاعده، فإنه يمكن القول إن اللواء الدويري -البالغ من العمر اليوم واحدًا وسبعين عامًا- نال بعد تقاعده بسنين ترقية معنوية أكبر من كل الرتب التي حصل عليها وهو على رأس وظيفته، وهل هناك ترقية أكبر من أن يُصبح المحلّل العسكري لبطولات المقاوِمين، والشارح لأهميتها، والمفسّر لما يستغلق على الأفهام من تفاصيلها. وكأن كل خلفيته العسكرية السابقة لم تكن إلا إعدادًا أو تجهيزًا لهذا الدور المهمّ المنتَظَر. وعندما نتحدث عن الخلفية العسكرية للدويري فإننا نعلم أنه كان آمرًا لكلية القيادة والأركان الأردنية، وقبلها كان مديرًا لسلاح الهندسة الملكي الأردني، ونعرف من سيرته العمليّة أيضًا أنه شارك في نزع الألغام على الحدود الأردنية السورية، وساهم مع القوات اليمنية في تحصين مضيق باب المندب وبناء معسكر في تعز. وإذا كانت هذه الإنجازات العسكرية قد أكسبته خبرة في التحليل، فقد تميّز الدويري أيضًا بمَلَكات أخرى عضّدت هذه الخبرة، منها القدرة الفائقة على تحليل المعلومات العسكرية ومقارنتها بالوضع السياسي القائم، والإلمام الجيد بالجغرافيا الفلسطينية، والفهم الواضح للتكنولوجيا والأنظمة العسكرية المتقدمة، والتمكن من جمع المعلومات من مصادر متنوعة والمقارنة بينها بشكل جاذب، كل ذلك دون أن يخرج على القواعد الأخلاقية والمعايير المهنية في تحليلاته.

لا أحد يشكّ للحظة وهو يتابع الدويري يحلّل هذه العملية أو تلك من عمليات «كتائب القسام» أو «سرايا القدس» أو حتى عمليات الجيش الإسرائيلي واعتداءاته اليومية، أن هذا المحلّل رضع القضيةَ الفلسطينية من ثدي أمه التي فقدها وهو ابن أحد عشر عاما فقط. يقول في أحد حواراته التلفزيونية: «أنا ابنُ القضية، أردني من أب أردني من أم أردنية، أجدادي حتى ما بعد الخامس أردنيون، لكنّ فلسطين قضيتي». لذا، فإنه لا يُخفي تعاطفه مع أبناء قضيته أثناء التحليل، ولا يخشى أن يُقال عنه: «غير موضوعي» بما أنه يتعاطف مع أصحاب الحق؛ لأنه -وهذا هو المهم- يدعّم تحليلاته بالمعلومات والأرقام ومخاطبة العقول قبل القلوب. وعلى أية حال، فقد رأينا بأم أعيننا خلال هذه الحرب كيف سقطت إلى الحضيض موضوعية ومصداقية كثير من القنوات العالمية التي كنّا نحسن الظن فيما يُسمى «موضوعيتها»، وكيف صار سؤال: «هل تدين حماس؟» الذي يُطرح على أي ضيف فلسطيني مثار سخرية وتندّر الغرب قبل العرب.

وإذن، فقط خاطب فايز الدويري العقل والوجدان في الوقت ذاته، فصار أقرب إلى ذلك المقاتل الفلسطيني البطل الذي وصفه في تحليله بأنه «يتحرك من بين الأموات ليعيد بسمة الحياة إلى شفاه أهل غزة». يقول الدويري في وصف بطولة ذلك الفدائيّ: «هذا المقاتل يعلّم الناس معنى الرجولة والدفاع عن الأرض والعرض، عندما يصل إلى دبابة تعتبر الأحدث أو من بين الأحدث في العالم، ويتحرك من المقدمة إلى مؤخرة الدبابة؛ لأن نقطة الضعف في هذه المنطقة، ويضع حشوة شواظ، هذا -المقاتل- كانت نسبة استشهاده -في هذه العملية- 99% ولكنه في سبيل أداء المهمة والدفاع عن الشرف والكرامة والأرض والعرض فعل ما فعل، واستطاع أن ينجح». ليس غريبًا والحال هذه أن يشاهد هذا المقاتلُ ورفقاؤه من مخابئهم السرية تحليلَ هذا اللواء المتقاعد فينتشوا ويَسعدوا به، ويطالبوه بالمزيد هاتِفين به بالاسم أن: «حلِّلْ يا دويري».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محمد رضا «معلم السينما» الذي أضحك الأجيال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحل اليوم الجمعة، ذكرى وفاة الفنان محمد رضا، الذي يعد أحد أبرز نجوم الكوميديا في تاريخ السينما والمسرح المصري، والذي استطاع أن يضفي على الشاشة روحًا فريدة تجمع بين الدعابة والإنسانية، تاركًا بصمة خالدة في قلوب الجماهير بأدواره المميزة وشخصيته المحبوبة.

بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماس

في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1921 ولد محمد رضا في بيئة بسيطة بمدينة أسيوط، حيث نما في أجواء تنضح بالثقافة الشعبية والتراث المصري، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهها في طفولته، حملته شغفه بالفن إلى السعي وراء تحقيق أحلامه، فكانت بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماس والتصميم على الوصول إلى القمة.

درس محمد رضا الهندسة في البداية قبل أن يتحول إلى عالم التمثيل، فلم يكن الطريق إلى الشهرة مفروشًا بالورود، فقد بدأ مسيرته بتجارب فنية متعددة قبل أن يتجه رسميًا إلى عالم المسرح والسينما، التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان خطوة فاصلة، حيث تدرب وتعلم أصول الأداء المسرحي الذي مهد له الفرصة لتطوير أسلوبه الفريد، فقد استغل كل فرصة صغيرة ليثبت موهبته، ما أكسبه ثقة مخرجي الأفلام والمسارح في تلك الحقبة الذهبية للفن المصري.

فيلم 30 يوم في السجن 

انتقل محمد رضا إلى الشاشة الكبيرة في فترة ازدهار السينما المصرية، وسرعان ما أصبح رمزًا للكوميديا الراقية، فقد شارك في أكثر من 300 عمل فني، منها أفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما مثل: «30 يوم في السجن»، الذي جمعه مع كبار نجوم عصره أمثال فريد شوقي، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح، مديحة كامل، ميمي شكيب، وثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، والعمل من إخراج نيازي مصطفى، «حكاية بنت اسمها محمود»، «سفاح النساء»، «البحث عن فضيحة»، «رضا بوند» و«السكرية»، حيث برع في تقديم الأدوار التي جمعت بين الفكاهة والدراما، كما أبدع على خشبة المسرح في أعمال مثل «زقاق المدق» التي خلدت صورة الممثل الماهر والمرح.

اشتهر محمد رضا بأداء شخصية «المعلم» في العديد من الأفلام والمسرحيات، حتى أصبحت أيقونة راسخة في ذاكرة الجمهور، فلم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل امتلك قدرة على تقديم الكوميديا الراقية الممزوجة بالعمق الإنساني، ما جعله واحدًا من أكثر الممثلين شعبية في السينما المصرية.

لم يكن محمد رضا فقط فنانًا على الشاشة، بل كان شخصية ذات حضور كاريزمي استثنائي، فقد امتلك حسًا فكاهيًا يعتمد على السخرية الراقية والذكاء في المواقف، مما جعله محبوبًا من قبل جماهير واسعة، إضافة إلى قدرته على التفاعل مع المواقف الاجتماعية والسياسية في عصره، دون المساس بجوهر الكوميديا، أكسبته احترام وإعجاب مختلف فئات المجتمع، فكان يتميز بإيماءاته المميزة، وتوقيته الكوميدي الذي خلق له مكانة خاصة بين زملائه وفي قلوب محبيه.

فيلم البحث عن فضيحة 

تجاوز تقدير محمد رضا كونه مجرد ممثل، فقد أصبح رمزًا ثقافيًا يمثل روح الدعابة المصرية وقدرتها على تخطي صعوبات الحياة بابتسامة، وقد عبر الكثير من الفنانين والمثقفين عن امتنانهم لمساهماته التي فتحت آفاقًا جديدة في تقديم الفن الكوميدي بطريقة راقية وإنسانية، فكانت لمساته الفنية تعكس حالة اجتماعية واجتماعية مر عليها المجتمع المصري، مما جعل أعماله وثائق ثقافية تعبر عن روح عصرها.

على الرغم من رحيل الفنان محمد رضا في 21 فبراير عام 1995، إلا أن إرثه الفني لا يزال حيًا، فقد ترك خلفه مجموعة ضخمة من الأعمال التي تدرس في معاهد الفنون ويستشهد بها في حلقات النقاش السينمائي، لذا يعد دوره في تشكيل الوجدان الجماهيري وابتكار صيغة الكوميديا المصرية من العوامل التي أسهمت في استمرار تأثيره على الأجيال الجديدة، وتعاد عرض أعماله القديمة في قنوات التلفزيون السينمائي والمهرجانات الفنية، ما يؤكد مكانته كواحد من أعمدة الكوميديا في مصر والعالم العربي.

 

مقالات مشابهة

  • تراجع ترامب عن خطاب التهجير.. ما الذي حدث؟
  • “حلل يا دويري”.. حاضرة على أسلحة المقاومين أثناء مراسم التسليم / صور
  • البدوي الذي يشتم رائحة الثلج ..!
  • سقوط سارقي نوافذ مدرسة بالبدرشين فب قبضة الأمن
  • قصة المعلم الإسباني الذي وقع في حب السعودية .. فيديو
  • مقتل شخص في هجوم بطائرات مسيرة في أوكرانيا
  • ضبط عاطلين أثناء سرقة نوافذ مدرسة في البدرشين
  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • محمد رضا «معلم السينما» الذي أضحك الأجيال
  • إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية في مخيمات شمالي الضفة الغربية