العالم العربي عند لحظة تاريخية خطيرة
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
في هذه اللحظة التي يقف فيها الجميع عند حافة العام 2023 الذي توشك ساعاته الأخيرة على الرحيل، والعتبة الأولى للعام الجديد 2024 يطرح الجميع في العالم الكثير من الأسئلة حول مسارات العام الجديد وآفاقه، سواء كانت تلك المسارات والآفاق مبنية على استقراء الأحداث أم كانت مبنية على أمنيات العام الجديد التي تأخذ، في الغالب سقفا متفائلا أكثر من ركونها للواقع.
وفي العالم العربي تكون المسارات أكثر التباسا لوقوع الجميع تحت ضغط الأحداث المتسارعة بالتحولات والصراعات الأبدية التي من شأنها أن تساهم في تشكيل العالم حتى أكثر من تشكيل المنطقة التي ما زالت تبحث عن ذاتها.
ويبدو واضحا أن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ الزلزال الكبير الذي أحدثته حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي عندما كسرت أسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، من شأنها أن تؤثر في مجمل الأحداث في العام الجديد سواء كان ذلك في الأحداث السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العسكرية حيث من المنتظر أن تعيد القوى الكبرى في العالم تموضعها حول المنطقة بما يحفظ مصالحها الاقتصادية والسياسية.
لكن الأحداث في غزة تؤثر بشكل كبير جدا على مجمل العالم العربي.. وتضعه على صفيح ساخن جدا.
ولا يتعلق التأثير المنتظر وفق سيرورة الأحداث بالصواريخ الأمريكية التي تطلقها إسرائيل لإبادة الشعب الفلسطيني وتحويل غزة إلى أكبر ساحة للركام في العالم، ولكن الأمر يتعلق بشكل أساسي بمسارات التحول في الرأي العام العالمي الذي يشهد هذه الأيام تحولات مبنية على السردية الفلسطينية بعد أن أخذت السردية الإسرائيلية بالتداعي لضعف منطقها وعنصريتها. وهذا المشهد العالمي الذاهب نحو التشكل على مشهد الجرائم الإسرائيلية من شأنه أن يسهم في تنامي تيارات الغضب والإحباط في العالم العربي الذي قد يؤدي إلى تفكيك نسيج «معاهدات السلام» التي وقعتها حكومات بعض الدول العربية مع إسرائيل «برعاية أمريكية»، كما قد يؤدي إلى وضع اتفاقيات التطبيع على المحك في الوقت الذي تتجه فيه الحرب على غزة إلى الخروج من إطارها الجغرافي بغزة إلى مسارح عمليات خارجها وبتأثيرات سلبية أقوى سواء على إسرائيل أم على الغرب الداعم الأبدي لها.
صحيح أن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ليست مسرحية من فصل واحد كما يقال، ولكنها رواية معقدة تتشابك فيها التحولات الجيوسياسية، والاضطرابات الاقتصادية، ومعضلات الأمن البحري.. وهذا التعقيد من شأنه أن يخلق الكثير من التوترات التي قد تؤدي إلى مسارات مفاجئة.
ودق صندوق النقد الدولي، بالفعل، ناقوس الخطر، فخفض من التوقعات الاقتصادية للمنطقة بسبب التأثيرات غير المباشرة الناجمة عن الحرب على غزة.. والعالم أجمع بما في ذلك العالم العربي في لحظة ضعف اقتصادي حيث ما زال يحاول التعافي من الأزمة الاقتصادية والمالية الناتجة عن جائحة فيروس كورونا والتي كانت حتى عام ونصف مضى تؤثر على العالم بشكل مخيف.
ومع ذلك، وفي خضم هذه الرياح الاقتصادية المعاكسة، ترسم بعض الدول مسارًا نحو التنويع. وتتجه سلطنة عمان والسعودية في منطقة الخليج نحو تنويع مصادر الدخل والاعتماد على مشاريع الطاقة المتجددة، وهي دول تحاول جادة بناء تصورات جديدة لمكانها في عالم ما بعد النفط.
لكن منطقة الخليج العربي في طريقها لدخول تسابق جديد من نوعه في المرحلة القادمة بعيدا عن التسابق في تنويع مصادر الدخل.. إنه سباق التسلح وتعزيز القدرات الدفاعية خاصة في بعض دول الخليج التي تسعى للظهور كقوة إقليمية قائدة في مجال التكنولوجيا والدفاع.. وكل منها تضع عينها بقوة على المستقبل.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة للشرق الأوسط في عام 2024؟ إنها منطقة تقف على مفترق طرق، وتواجه الاختيار بين طريق تصعيد الصراع والطريق نحو السلام والاستقرار. كل دول الشرق الأوسط تريد الذهاب نحو السلام والاستقرار والانشغال بتنمية المجتمعات.. لكن إسرائيل لا تريد هذا فهي تعتبره مهددا لاستقرارها ومستقبل بقائها كدولة في الشرق الأوسط.. فهل ستعيد إسرائيل تشكيل هُويتها بناء على أسئلة المرحلة أو ستبقى تعيش على مسارات رسمتها أطروحات مرحلة قديمة ثبت تساقطها مع الزمن؟!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العالم العربی فی العالم
إقرأ أيضاً:
إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
يتّفق المحللون الإسرائيليون على أنّ المذكرةَ التي قدّمها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى المحكمة العليا، (أعلى سلطة قضائية)، وما تضمّنته من اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستعمّق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتنعكس مباشرة على مسار مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزّة.
لا جدال حول ما يعيشه نتنياهو اليوم من لحظة تقييم حقيقية، بعد أن حصل في السابق على تفويض غير مشروط لتصعيد الحرب من أجل استعادة الأسرى، وتحقيق أهداف عسكرية، دون أن ينجح فعليًا في أي منها.
لم تهدأ الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستكن تلك الاحتجاجات الملونة في دعواتها، التي تبدأ بالدفع بالحكومة نحو إبرام صفقة الأسرى مع حركة حماس ووقف النار، ولا تنتهي عند حالات التمرّد داخل المؤسسات العسكرية، والتي شكّلت حالة "توترية" مستحدثة سببتها تلك الرسالة العلنية التي نشرها نحو ألف من أفراد سلاح الجو الإسرائيلي في 10 أبريل/ نيسان الجاري، والتي تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب.
لا شكّ أن الداخل الإسرائيلي يشهد على اهتزازات، لم تعهدها الدولة العبرية في تاريخها، حيث وصلت الحال بزعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، في تصريحات أطلقها، الأحد 20 أبريل/ نيسان الجاري، إلى حدّ التحذير من أن هناك كارثة ستبدأ من الداخل الإسرائيلي "نتيجة التحريض المستمر"، محملًا رئيسَ جهاز الأمن المسؤولية عن "الفشل في التعامل مع هذه التحديات".
إعلانكما أضاف لبيد، أنه "وفقًا لمعلومات استخباراتية، نحن مقبلون على كارثة وهذه المرة ستكون من الداخل". ما دام أن جميع المعطيات تتقاطع حول موضوع الانهيار الداخلي الإسرائيلي، فلمَ لم يحصل إذًا؟
عقبات كثيرة تقف عائقًا أمام استمرارية حكومة نتنياهو، وإشكاليات تطرح عليها من الداخل والخارج، وهذا ما برزَ بعد استئناف حربه على قطاع غزة، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تصاعد الضغوط داخل الحكومة على رئيسها، لاتخاذ قرار باحتلال كامل قطاع غزة، في ظلّ مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة.
يشير أغلب التقارير إلى أن إطالة أمد الحرب في المنطقة، يصبّ في صالح توفير الحماية لنتنياهو، الذي تحيط به ملفات مشبوهة. هو الذي مثَلَ في مارس/ آذار الماضي أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، للردّ على اتهامه بالتورط في فساد وتلقّي رِشا.
كُشفت نوايا نتنياهو من خلال إفشال مسارات التفاوض، ومن الذهاب إلى الخيار العسكري، ولكن الذي ما يزال غامضًا، هو الموقف الأميركي (اللين) تجاه نتنياهو، ورفضه المقترحات التي قدّمها الأميركي لحلّ الأزمة في المنطقة.
هذا (التراخي) الأميركي تجاه نتنياهو، قابله صرامة وصلت إلى حدّ "البهدلة" بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 فبراير/شباط الماضي.
لا يوفّر ترامب مناسبة إلا ويتهجم فيها على زيلينسكي، لا بل ذهب بعيدًا في مواقفه، عندما عرض عليه الأربعاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، ورقة "الذل" لإنهاء الحرب، طالبًا منه الموافقة على التخلي عن شبه جزيرة القرم، من خلال أخذ كييف إلى الاعتراف بملكيتها لروسيا. لا يتوقف الموضوع عند فرض الاستسلام على كييف، بل ذهب بعيدًا في المطالبة بالاستيلاء على الموارد النادرة في أوكرانيا. رغم أن ترامب أطلق في حملاته الانتخابية مواقف حاسمة تتعلق بإنهاء حالة الحرب في كل من القطاع وأوكرانيا.
إعلانلا مصالح لأميركا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس هناك مكاسب لها تستطيع أن تستغلها لصالح سياساتها في الشرق الأوسط. يفتّش ترامب عن صادقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كيف لا وهو يجد في أوكرانيا تسوية كبرى ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط.
إنّ جلّ ما يريده الرئيس الأميركي من روسيا ممارسة المزيد من الضغط على حليفتها إيران للتوصل إلى تسويات في المنطقة، بهدف إبعاد شبح الحرب معها.
أفصح نتنياهو عن "تهديد وجودي" يداهم إسرائيل من خطورة التسوية التي تقودها أميركا مع إيران، ورفع من مستوى خطابه تجاه إيران. فعبّر قائلًا الأربعاء 23 أبريل/ نيسان، إن "إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وخطرًا على مستقبلها"، مؤكدًا عزم حكومته على مواصلة التصدي لما وصفه بـ"الخطر الإيراني" حتى لو اضطرت إسرائيل للتحرك بمفردها".
هذا السقف العالي من التهديدات تحتاجه إدارة ترامب، كي تستغلّه لفرض شروطها في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وبهذا يتبلور ما تخطط له واشنطن في المنطقة، بعيدًا عن التوجّسات الإسرائيلية، مستغلة تهديدات نتنياهو تجاه إيران.
إنّ زيارة وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى الرياض، السبت 19 أبريل/ نيسان الجاري، وإعلانه عن "طريق مشتركة" لاتفاق نووي مدني مع السعودية، دليل واضح على ما تراه الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة في المنطقة، ودليل إضافي على أن النظرة الأميركية تختلف كل الاختلاف عن نظرة نتنياهو.
في السبعينيات، قام نيكسون ووزير خارجيته في حينها "هنري كيسنجر" ببلورة مبادئ ما سُمي "سياسة الركيزتين" ووقتها الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، ووفرة النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفياتي، بينما اليوم تتوجه ضد النفوذ الصيني.
وقعت المملكة مع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 التي تطرق إليها قانون الطاقة النووية الأميركية من العام 1954، والذي يسمح لواشنطن بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى. قد تهدف واشنطن من هذا الاتفاق إلى خلق تقاربات إقليمية تعتمد على ركائز متنافسة، بدل اللجوء إلى خيار الحروب المباشرة، التي يحتاجها نتنياهو.
إعلانليس صحيحًا أن يد نتنياهو مطلقة التصرف، بل الأصح هو أن لواشنطن حساباتها في المنطقة، وأن نتنياهو أصبح أداة تدار من قبل الإدارة الأميركية، التي تتصرف بما ينسجم مع مصالحها.
فنتنياهو يدمر غزة لأجل تحقيق الممر الاقتصادي الهندي، وبناء "ريفيرا الشرق"؛ تمهيدًا لفتح الاستثمارات الأميركية تحديدًا الخدماتية والسياحية.
لهذا لن يتخلَّى ترامب في المدى المنظور عن نتنياهو، ولن يُسمح للداخل الإسرائيلي بالتهور وأخذ الأمور نحو الانهيار، ما دام لم تُرسم المنطقة بحسب مع تريده واشنطن، ولم يزل النظام الدولي يرسم أطره العامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline