حصاد الملف التقني لعام 2023م واستشرافه في 2024م
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
طافت في ذهني أحداث تخص الملف العلمي والتقني بشكل خاص جرت في عام 2023م -الذي يوافق اليوم آخر أيامه-، وحاولت أن أجد لهذه الأحداث عموميات تجمع أجزاء ما يمكن أن يجتمع في حيّز تقني متقارب؛ فاندرج عدد من الملفات التقنية الساخنة التي أعتبرها حصاد عام 2023م في الشأن التقني -كما سنعرضها لاحقا-. يتناول هذا المقال ملخص الحصيلة التقنية لعام 2023م، والتي كان كثير من هذه الأحداث التقنية حديث الإعلام ووسائله التي تمازجت بين عرض لواقع قائم وفي حالات أخرى لمبالغات تجاوزت حقيقة الواقع التقني؛ لتتشكل لنا سردية تقنية احتفظ بها التاريخ؛ ليسجلها في ملفات عام 2023م، ومع هذه الأحداث التي انقضى أجلها مع عام مضى؛ سيكون من اليسير استشفاف ما يمكن أن يضاف مع هذه الملفات لعام 2024م الذي يوافق غدا أول أيامه في الحياة.
تصدّر ملف الذكاء الاصطناعي أحداث عام 2023م، وقادت ثورته الوليدة -بعد تحرره من قيود المؤسسات البحثية والعسكرية والصناعية التي كانت تحتكر استعماله دون أحد غيرها- حراكا داخل العقل البشري في العالم أجمع أسفر عن تساؤلات يطرحها العقل البشري فيما يخص ولادة هذه الكائن وعن فوائده ومخاطره الحالية والقادمة وخصوصا تلك التي تهدد الوجود البشري، لم يكن لهذا الحراك العقلي -الذي ولّد وعيا في المجتمعات الإنسانية- ليكون لولا ظهور تطبيقات حقيقية ومذهلة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، الذي كان نموذج «شات جي بي تي» في مقدمتها ويأتي بعده نموذج «بَارْد».
أحدثت هذه النماذج التوليديّة ذهولا في العقل البشري ودهشة من القدرات الرقمية المتسارعة؛ إذ تخطت قدرات هذه النماذج التوقعات للقدرات التي يمكن للآلة الرقمية أن تقوم بها من حيث القدرات الحوارية والتفكيرية والتحليلية؛ فبادرت العديد من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بتبنّي نشر حوارات حصرية مع هذه النماذج خصوصا مع نموذج «شات جي بي تي»؛ لتتفاعل المجتمعات مع هذه النقلة الرقمية التي أُحدثت باسم «الذكاء الاصطناعي»؛ وتأتي الكثير من وسائل الإعلام محذرة من مخاطر هذا الكائن الصاعد المتمثلة في قدرته على مزاحمة القدرات البشرية ووظائفها؛ مما حدا بالبعض أن يضع السيناريوهات المستقبلية المخيفة التي تتجاوز مخاطر أخذ الآلة الرقمية لوظائف الإنسان وتسببها في زيادة معدلات البطالة إلى مخاطر تهدد الإنسان ووجوده، وفي خضّم هذه التحديات التي نشأت في ذهنية المجتمعات الرقمية؛ اُستضفت في عدة لقاءات مفتوحة ومرئية «على التلفاز» ومسموعة «عبر الإذاعة»؛ فقدمت محاضرة في وزارة الإعلام تحدثت فيها عن الذكاء الاصطناعي من زاوية تقنية ومن زاوية فكرية، فيما يتعلق بحياتنا مع هذه الأنظمة الرقمية وتأقلمنا معها ومع مستقبلها القادم، وتكررت اللقاءات المفتوحة مع مؤسسات حكومية أخرى مثل كلية الدفاع الوطني وغيرها، وكذلك اللقاءات المرئية في التلفاز منها لقاءان في قناة الجزيرة، وكذلك عبر الإذاعات المحلية في سلطنة عُمان، ومما شدّني أن معظم ما يثير ذهن العقل -عبر هذه اللقاءات- أسئلة عن مدى مخاطر هذه التقنيات والوقاية منها وسبل الاستفادة منها وتسخيرها لجوانب إيجابية، ويمكن أن أختصر ما ركزت عليه في لقاءاتي كلها وما حاولت أن أوضحه عبر المقالات المكتوبة هو أن الذكاء الاصطناعي ليس وليد اللحظة؛ إذ إن مشواره بدأ منذ منتصف القرن العشرين واستمر نموه ليكتمل مع مشروعات عسكرية سرّية يتعلق بعضها ببرامج الفضاء والصواريخ والدبابات وأنظمة المخابرات والتجسس وكذلك مشروعات صناعية أخرى لها أهدافها التجارية، ومع بداية الألفية الثانية بدأت تترجم ملامح كثير من هذه المشروعات إلى تطبيقات بسيطة ظهر بعضها مع أنظمة الحاسوب والإنترنت والهواتف الذكية، ومع ظهور النماذج التوليدية التي تجمع بين القدرة على الحوار والتحليل الرياضي والفكري صار مصطلح «الذكاء الاصطناعي» الأكثر تداولا سواء في المجتمعات الإنسانية بعمومها أو في مختلف وسائل الإعلام ، وحينها -عبر ما أكتب عنه وأتحدث- انتقلت إلى لفت الانتباه إلى واقع تسارع أبحاث الذكاء الاصطناعي -التي كانت غائبة عن الوعي البشري لعقود طويلة لولا ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية- وتطورها عبر خوارزمياتها القادرة على التعلم الذاتي والمستقل التي تؤهلها إلى بلوغ المستوى أو النوع «العام أو الخارق» الذي يحق للإنسان أن يطرح الكثير من الأسئلة فيما يخص هذا النوع وحجم مخاطره المحتملة، وسبق أن بيّنت أنه لا سبيل إلى إنكار وجود هذه المخاطر ولكنها ليست كما تصورها لنا أفلام الخيال العلمي وتروّجه قبل سنوات طويلة؛ إذ إن تطويرات هذه الخوارزميات تسوق الكثير من المفاجآت، وفي الوقت نفسه تتولد الكثير من الحلول الرقمية المضادة التي تحاول أن تواجه هذه التحديات الصاعدة على رأسها مخاطر استيلاء الذكاء الاصطناعي على وظائف الإنسان التي يمكن حلها عبر طرح تخصصات أكثر تناسبا مع متطلبات التقدم الرقمي وتغييراته، وضربت ببداية ظهور الحاسوب والإنترنت مثالا مشابها لوضع الإنسان -في عصرنا الرقمي الحالي- مع تطويرات الذكاء الاصطناعي وتحدياته.
تصدّر المشهد التقني كذلك في عام 2023م ظهور المنصة المنافسة لمنصة «تويتر» سابقا -تُعرف الآن بأكس- «ثريدز» التابعة لشركة «ميتا»، وأجرت قناة الجزيرة معي حوارا عن هذا الحدث التقني ومدى توسّع هذه المنافسة، وذكرت يومها أن الأمر مرهون بعامل القوة الرقمية وتقبّل المجتمعات لها عبر ما يميز كل منصة عن غيرها، وسقت عدة مقارنات بين المنصتين؛ فأكدت أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بكشف ما يخفى علينا في وقتنا، وهذا ما كتبت عنه في مقال نشرته جريدة عُمان؛ ليتضح -لاحقا- انحسارا للمنصة الوليدة «ثريدز» وتفوقا لمنصة «أكس». اقتحمت كذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجالات كثيرة منها مجالات الطب التي كان لسلطنة عمان نصيبها من هذه التطبيقات، ونشرتُ مقالا خاصا عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي بسلطنة عُمان التي لم أبالغ في وصفي له بأنه القطاع الأوفر حظا في المنافسة العالمية لدخول الذكاء الاصطناعي في أنظمته الصحية، وكشفت بشكل عام عن الرؤية التي تُوليها الحكومة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في دعم ملف الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، حيث تُرجِمَ الكثيرُ من هذه الرؤى إلى خطط واضحة ومشروعات بنّاءة واعدة.
أما عما يخص المستقبل التقني الذي يحمله عام 2024م، فيمكن أن أختصر -حسب وجهة نظري- أنَّ هذا المستقبل لن يكون حاملا لمفاجآت أكثر دهشة من تلك التي حملها عام 2023م وفقا لقراءة المسار التقني وتفاعلي معه وليس تنبُّؤًا، ولكن هناك تطويرات جديدة أستطيع استشفافها في ملف الذكاء الاصطناعي خصوصا تطبيقاته التي ستدخل حيزا أوسع لقطاع الطاقة الخضراء والمتجددة، وكذلك القطاعات الطبية عبر اكتشاف أسرار الأوبئة المستعصية على الفِرق الطبية ومراكز أبحاثها، وفي الصناعات الدوائية، وسيشهد كذلك قطاع المواصلات تطويرات جديدة عبر اندماج أوسع مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، ولا يمكن أن نغفل عن النماذج التوليدية التي ستواصل هي الأخرى تطويراتها المتسارعة؛ لتأتي بمستجدات وأدوات أكثر تقدما؛ لتضيف تحسينات إلى قدراتها الحالية، ومع هذا وذاك لا أرى أن دهشة العقل البشري في عام 2024م ستكون أكبر من تلك التي كانت في عام 2023م الذي سيتوّجه التاريخ ليكون عامَ الدهشةِ الرقمية الحديثة بعد دهشة الإنسان الأولى باكتشاف النار، وبعدها الكهرباء، وبعدها الحاسوب والإنترنت، ولعل دهشة رقمية أكبر ستأتي بعد أعوام قادمة إن شاء الله.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی العقل البشری الکثیر من یمکن أن عام 2023م مع هذه من هذه فی عام
إقرأ أيضاً:
GPT-5 سيتاح لمستخدمي الذكاء الاصطناعي مجانا
كشف الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، عن خطط الشركة لإطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي GPT-4.5 وGPT-5 في خارطة طريق نشرت على منصة "إكس" يوم الأربعاء الماضي.
وفي المنشور، أقر ألتمان بأن تشكيلة منتجات OpenAI قد أصبحت معقدة، وأوضح أن الشركة تسعى لتحسين تبسيط عروضها بشكل أكبر، وقال: "نكره أداة اختيار النماذج كما تكرهونها، ونريد العودة إلى الذكاء الموحد السحري".
تخطط الشركة لإطلاق GPT-4.5، الذي كان يطلق عليه اسم "أوريون" داخليا، ويعتبر “آخر نموذج غير مرتبط بالتفكير المنهجي”، ووفقا لما ذكره "ذا فيرج".
بعد GPT-4.5، يوضح ألتمان أن "أحد الأهداف الرئيسية لدينا هو توحيد نماذج o-series ونماذج GPT من خلال إنشاء أنظمة يمكنها استخدام جميع أدواتنا، ومعرفة متى يجب التفكير لفترة طويلة أو لا، وأن تكون مفيدة بشكل عام لمجموعة واسعة جدا من المهام".
مع كل من ChatGPT وAPI الخاصة بـ OpenAI، تخطط الشركة لإصدار GPT-5 كنظام يدمج العديد من تقنياتها، بما في ذلك o3، وأوضح ألتمان أنه “لن يتم إطلاق o3 كنموذج مستقل بعد الآن”، كانت OpenAI قد تطرقت إلى o3 في ديسمبر وأطلقت o3-mini في يناير.
عند إطلاق GPT-5، قال ألتمان إن مستخدمي ChatGPT المجانيين سيحصلون على "دخول غير محدود للدردشة" على "إعداد الذكاء القياسي". أما مشتركو Plus فسيتمكنون من استخدام GPT-5 "على مستوى ذكاء أعلى"، في حين سيحصل مشتركو Pro على "مستوى ذكاء أعلى بكثير".
لم يحدد ألتمان موعدا دقيقا لإطلاق GPT-4.5 وGPT-5، لكنه قدم تقديرا غامضا بـ "أسابيع / أشهر".
هذا الأسبوع، عرض إيلون ماسك شراء المؤسسة غير الربحية لشركة OpenAI مقابل 97.4 مليار دولار، إلا أن مجلس إدارة OpenAI يخطط لرفض العرض.