أنا أيضا رفضت الانضمام للجيش الإسرائيلي..
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في الأسبوع الماضي، تعرض تال ميتنيك ـ ثمانية عشر عاما ـ للحبس ثلاثين يوما لرفضه التجنيد في الجيش الإسرائيلي، ليكون هذا أول سجن لرافض أداء الخدمة العسكرية منذ أن بدأت حرب إسرائيل وحماس. كتب تال ميتنيك في بيان قائلا: «إنني أرفض الإيمان بأن المزيد من العنف سوف يحقق الأمن. وأرفض أن أشارك في حرب انتقامية».
التجنيد العسكري من المرتكزات التي توحد المجتمع الإسرائيلي. من الصعب الوثوق بشكل كامل في أرقام الجيش الإسرائيلي بسبب نقص الشفافية، لكن يتبين من أرقامه الرسمية أن 69% من الرجال و56% من النساء يتم تجنيدهم للخدمة في سن ثمانية عشر عاما. وهو ما يجعل الزي العسكري رمزا للهُوية الوطنية الجماعية، فيفوق ربما العلم أهمية، ويتجسد ذلك في المثل الإسرائيلي القائل إن «الأمة التي تبني جيشا هي أمة تبني نفسها».
الجيش متأصل في نسيج المجتمع، والخدمة فيه ظاهرة اجتماعية بقدر ما هي واجب أيديولوجي. ومعظم الجنود ليسوا مقاتلين. إنما لديهم أدوار تتراوح بين طهاة ومنسقي أغان إذاعية ومعلمين. وقد تعلم الجيش استيعاب مجموعات كان يرفضها في الماضي، من قبيل المثليين، بل وتعلم كيف يقدم أطعمة للنباتيين. ويمكن للمرء أن يخدم في الجيش ويظل مقيما في بيته، وكأن الخدمة في الجيش وظيفة يومية عادية.
وفي حين أن الخدمة العسكرية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعد «مخرجا» - من الفقر أو من طبقة اجتماعية أدنى - فهي في إسرائيل نقيض ذلك. فهي (مدخل) إلى المجتمع، إذ يجري الإعلان عن الوظائف لـ«من أدوا الخدمة العسكرية»، ويقاس التأثير الاجتماعي من خلال الإنجازات في الجيش، ويرد في المحادثات العادية بين الناس سؤال «أين كانت خدمتك؟». فالجيش في إسرائيل بمنزلة بوابة الهوية الإسرائيلية الكاملة، والرابط بين جميع طبقات التراتب الاجتماعي.
لكن على الرغم من هذه الهيمنة الكلية للجيش، فثمة تيار خفي من المعارضة. فشأن ميتنيك، رفضتُ أنا الآخر التجنيد في الجيش الإسرائيلي. وقد تندر أمثلة الرفض لكنها حاضرة على مدار تاريخ إسرائيل. فقد تظاهر ثلاثة آلاف جندي احتياطي ضد حرب لبنان الأولى عام 1983، وتعرض 160 منهم للسجن لرفضهم الخدمة. وهناك أيضا أعضاء في الكنيست ـ من قبيل عوفر كاسيف الذي اعترض على الخدمة في الضفة الغربية، فضلا عن طيارين يرفضون مهام يرونها غير مشروعة، وحفنة مراهقين يواجهون السجن سنويا لمعارضتهم الخدمة في الأراضي المحتلة، وتدعم نضالهم هذا مجموعات من قبيل ميسارفوت.
خلافا لأغلبية رافضي الخدمة العسكرية الذين يشكلون شريحة ضئيلة من سكان إسرائيل وغالبا ما ينحدرون من طبقاتها العليا، فأنا من قرية صغيرة على أطراف إسرائيل ودرست في إحدى مدارس الكيبوتزات، حيث كانت روح الخدمة والتضحية محسوسة بقوة. وللتعبير عن ترددي بشأن الثقافة العسكرية الذي اعتبرته مدرستي مشكلة بالفعل، فقد أشير في أثناء تجهيزي للخدمة العسكرية إلى ضرورة إرسالي إلى لجنة التقييم.
اختيار عدم الخدمة ليس بالأمر البسيط. والرفض نفسه نادر، وذلك جزئيا لأن الجيش لا يسمح بمجال كبير للمعارضة. وقد قضت محكمة العدل العليا الإسرائيلية بأن النزعة السلمية المطلقة سبب وجيه للإعفاء من التجنيد، لكن «الرفض الانتقائي» – أي رفض واجبات محددة داخل الخدمة - غير مشروع. فهذا الموقف، وبخاصة رفض الخدمة في الأراضي المحتلة، يعد تهديدا للوحدة الوطنية. والقلة القليلة التي يتم إعفاؤها بسبب النزعة السلمية، فمحظور عليهم أيضا مناقشة الاحتلال أو السياسة الإسرائيلية على نطاق أوسع.
وتعامُل الجيش الإسرائيلي مع رافضين للخدمة ليس ثابتا. إذ تجري محاكمة البعض ويتعرضون للسجن مرات قبل تسريحهم من خلال لجنة الطب النفسي العسكري. وآخرون، وأنا منهم، يبعثونهم مباشرة إلى هذه اللجنة. وهناك، كان لزاما عليّ أن أشرح معتقداتي أمام لجنة من الضباط، بدت لي وأنا في السابعة عشرة من عمري شيئا بديهيا ولكنها غير واضحة المعالم. الطريقة الرئيسية التي يتبعها الجيش في إطلاق سراح رافضي الخدمة هي إعلانهم غير مؤهلين عقليا للخدمة، بما يعني أن المعارضة في إسرائيل تعادل الجنون.
تجربة الخروج هذه مربكة، كأن المرء يخطو إلى واقع بديل. في حالتي أنا، كان ذلك الواقع البديل هم برية ما بعد المدرسة، برية انعدام المهارات، فانتهى بي الأمر في مجال المعمار، وهو مجال يتقاسمه الفلسطينيون والعمال المهاجرون والجماعات المهمشة. فالخيارات ضئيلة أمام من اتخذوا القرار الأخلاقي برفض التجنيد، وتداعياته كثيرة على المستويين الشخصي والاجتماعي.
لم يكن رفضنا الخدمة بمثابة بادرة للحصول على موافقة خارجية، أو حتى للحصول على اعتراف من الفلسطينيين المنفصلين عنا بفعل اللغة والأسوار، ولكنه كان موقفا رافضا للتفسخ الأخلاقي في الداخل ـ ولكي نظهر للآخرين ولأنفسنا أن هناك طريقا آخر.
وليس الرافضون أبطالا. ولا أحد من الرافضين يعتقد أنه كذلك. أعرف أنا على الأقل أنني لا أعتقد ذلك في نفسي. لم أجد في قراري شجاعة، ولكن اغترابا. فخيار رفض شيء مركزي في مجتمعي، كان يعني أنني لن أستطيع أبدا أن أكون جزءا من هذا المجتمع بشكل كامل. وتمر لحظات من الشك في النفس والشعور بالذنب فيقول أحدنا لنفسه: هل أهملت واجبي؟ وينتابنا هذا الشعور بشكل خاص عندما يواجه الأصدقاء الصراع والخسارة، مهما يكن بعدنا عن قضيتهم.
ليس الرفض عملا بطوليا، لكنه يعبر عن قرار مختلف، قرار من المرء بالوقوف وحده، ومعاركة تعقيدات الانشقاق، والإخلاص للمعتقدات في مواجهة التنافر المجتمعي، لإدراك أن التمرد مطلوب عند مواجهة الوضع الراهن العنيف وغير القابل للدوام.
إيتان نيتشين مقيم في نيويورك ويشارك في الكتابة لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.
عن صحيفة الجارديان البريطانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی الخدمة العسکریة الخدمة فی فی الجیش
إقرأ أيضاً:
حقيقة صور التعزيزات العسكرية الأردنية على الحدود مع إسرائيل
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة "إكس"، انتشارًا واسعًا لصورة يُزعم أنها توثق تحرك دبابات أردنية في طريقها إلى الحدود الأردنية-الإسرائيلية كجزء من تعزيزات عسكرية ضخمة.
ورغم التفاعل الكبير مع الصورة، إلا أن عملية التحقق منها كشفت عن حقيقة مغايرة لما تم تداوله.
انتشار واسع للادعاءحققت الصورة المتداولة تفاعلًا كبيرًا بين مستخدمي "إكس"، حيث شاركها عدد من الحسابات بلغ 7 مشاركين رئيسيين، وحققت نحو 44 ألف مشاهدة، إضافة إلى 1200 إعجاب و56 مشاركة.
تعكس هذه الأرقام مدى انتشار الادعاء وتأثيره على النقاشات الإلكترونية المتعلقة بالوضع الإقليمي.
حقيقة الصورة المتداولةبعد إجراء بحث عكسي للصورة المتداولة، تبين أنها مضللة ولا تعكس واقعًا حديثًا أو تحركات عسكرية على الحدود الأردنية-الإسرائيلية.
فقد تم نشر هذه الصورة في عام 2022، حيث وثّقت حينها اصطفاف قوات حرس الحدود الأردنية على الحدود الشمالية للأردن، ضمن جهود التصدي لمحاولات تهريب المخدرات والأسلحة إلى داخل المملكة، وذلك وفقًا لما نشرته وكالة الأنباء الأردنية "بترا".
كما أجرى فريق التحقق مراجعة شاملة للمصادر الرسمية الأردنية، إضافة إلى مواقع الأخبار العربية والدولية، ولم يجد أي تقارير أو صور رسمية تؤكد إرسال الجيش الأردني لتعزيزات عسكرية على الحدود مع إسرائيل أو فلسطين.
تزامن الادعاء مع لقاء أردني-أمريكي بشأن غزةيأتي انتشار هذا الادعاء بالتزامن مع تحضيرات لقاء مرتقب بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، حيث من المقرر أن يناقشا مستقبل قطاع غزة في ظل التطورات الأخيرة.
وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الخارجية الأردنية بيانًا رسميًا أعربت فيه عن إدانتها للتصريحات الإسرائيلية التي تستهدف حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، ورفضها للدعوات العدوانية التي تطالب بإقامة دولة فلسطينية على أراضٍ سعودية، واصفة هذه التصريحات بأنها تحريضية ومدانة وتشكل خرقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وأكد الناطق باسم الخارجية الأردنية أن المملكة ترفض أي محاولات للمساس بسيادة الدول أو فرض تصورات سياسية من شأنها تصعيد التوتر في المنطقة، مطالبًا المجتمع الدولي بإدانة مثل هذه التصريحات غير المسؤولة.
كما شدد على وقوف الأردن الكامل إلى جانب المملكة العربية السعودية في مواجهة هذه الطروحات.
التحقق من الأخبار في ظل التوترات الإقليميةتعكس هذه الواقعة مدى أهمية التدقيق في المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل الأوضاع السياسية المتوترة في المنطقة، ومع تزايد انتشار الأخبار غير الدقيقة، يصبح من الضروري التحقق من المصادر الرسمية والمواقع الموثوقة قبل تبني أي رواية متداولة.