لجريدة عمان:
2024-07-03@15:04:33 GMT

متابعات حول الاقتصاد العماني على مشارف عام جديد

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

ونحن نعبر إلى عام جديد نتطلع فيه إلى مستقبل مشرق واقتصاد فاعل ومتطور، لعله من الملائم أن نطل على المشهد الاقتصادي في البلاد، وهي إطلالة متابع وليس متخصصا، في وقت ما أحوجنا فيه إلى إسهامات عميقة من المتخصصين في المجال، بكل حقوله المالية والبشرية والتنظيمية، في زمن لا يرحم، إذ تشتعل فيه المنافسة على المصالح حد الصراعات المسلحة وغير المسلحة، ويكاد لا يمر يوم دون أن تصلنا أخبار «حروب الموانئ» والصراعات في دول الإقليم للتحول إلى مراكز للمال والأعمال، فيما لا تترد بعض الجهات في إثارة القلاقل وضرب الاستقرار في دول أخرى، للاستحواذ على مقدراتها الاقتصادية من مواد خام ومواقع وموارد خارج مظلة الشرعية وتداول المصالح ضمن أطر القانون والتوافق.

على ذات المسار من حرب المصالح المستعرة في المنطقة، أخال أننا بحاجة إلى بعض التحليق المنخفض على مشهدية الاقتصاد الوطني، وهو يدلف إلى العام الجديد، وهي مسيرة من الإنصاف والواجب خلالها التنويه بالجهود الجبارة التاريخية التي انتهجتها قيادة البلاد المخلصة في العبور الآمن بالوطن بعد اضطرابات اقتصادية قاسية، لا يمكن الاستهانة بها، سواءً لجهة العجز الحاد في إيرادات الدولة والهجمة الشرسة لوباء كورونا، بكل تكاليفه وتداعياته المروعة على المجتمع والاقتصاد إلى ركود الوضع الاقتصادي العالمي وهبوط أسعار النفط، فضلا عن التبعات المترتبة على انخفاض تصنيف الدولة الائتماني.

رغم ما سبق كله من اقتصاد «إدارة الأزمة»، إلى اقتصاد الفرص فقد تمكنت القيادة العمانية من الشروع في حزمة من المشاريع الاستراتيجية التي يؤمل أن تنقل الاقتصاد العماني إلى مستوى مختلف يعززه في ذلك جملة من العوامل المحلية والجيوسياسية وعلى قدر أهل العزم فقد ضخت الدولة مليارات الريالات العمانية في مشروعات الطاقة الهيدروكربونية والمتجددة والهيدروجين الأخضر، وأصبحت إحدى الدول الفاعلة في فئة استثمارات الطاقة النظيفة. ووفقا لمنشور صندوق النقد الدولي بتاريخ 16 نوفمبر الماضي، فقد أشار إلى أن الاقتصاد العماني «مدفوعا بارتفاع أسعار النفط واستدامة الإصلاحات المالية، فقد واصل انتعاشه من حيث ارتفاع معدل النمو الاقتصادي بواقع 4.3 % عام 22 والذي قاده قطاع الهيدروكربونات قبل أن يتباطأ إلى2.1 % في منتصف عام 23 في أعقاب التفاهمات مع دول منظمة «أوبك +» حول خفض الإنتاج النفطي. وارتفع نمو القطاعات غير الهيدروكربونية من % 1.2 عام 22 إلى 2.7% عام 23 مدعوما بالانتعاش في الأنشطة الزراعية والإنشائية وقطاع الخدمات المتماسك». واستطرد التقرير إلى أن «الإصلاحات الاقتصادية الممنهجة ضمن رؤية «عمان 2040» أحرزت تقدما إلى جانب العديد من المبادرات الأخرى قيد التنفيذ لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والإسراع في خلق فرص العمل وتقوية الصلابة الاقتصادية».

الجدير بالذكر، أن زيارة جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه - إلى سنغافورة وجمهورية الهند مؤخرا، تبشر بمرحلة جديدة من التعاون التجاري والعلمي في مجالات تحتاجها سلطنة عمان لتعزيز جاهزية الاقتصاد العماني ومواكبته للتطورات العالمية. وتبدو المؤشرات من التقارير الوطنية والدولية مبشرة وتبعث على التفاؤل، في ظل توجهات وطنية جريئة للتركيز على الاقتصاد بوصفه المخرج الأكثر واقعية لمجابهة العديد من الأزمات والتحديات الوطنية، والتي لن تتوقف عن الظهور ضمن التدافع البشري وتزايد الاحتياجات والتطلعات وسقف التوقعات. وقد نجحت سلطنة عمان في جذب استثمارات أجنبية بلغت نحو 23 مليارا بنهاية الربع الثالث من العام الجاري بحسب المنشور في جريدة عمان بتاريخ 22 ديسمبر الجاري.

ما يهمني في هذا السياق هو الهبوط قليلا من سماوات المفردات الضخمة مثل «الاقتصاد الكلي» و«الاستراتيجيات» و«المشاريع الاستراتيجية» والأرقام المليارية في هذا المشروع وتلك المبادرة ومصطلحات مثل «الاقتصاد الدائري» و«الاقتصاد الأزرق» وهي كلها جوانب في غاية الأهمية وأكرر أننا بحاجة وجودية لمشاريع التنويع الاقتصادي ولكن من الضرورة بمكان مراقبة القمة والسفوح معا بعيني صقر!. وأكرر تجنبا لأي لبس، تحتاج عُمان أكثر من أي وقت مضى إلى الخروج من «الصندوق» وتحتاج إلى مزيد من «قصص النجاح»، وهو أمر تصاحبه ضرورات التركيز على التفاصيل حيث «يكمن الشيطان في التفاصيل» والأهمية البالغة لمعالجتها وتجسير الفجوة بين الأطروحات المهمة والرائعة على المستوى الاستراتيجي وما يحدث على أرض الواقع.

وعودة إلى فكرة «التحليق المنخفض» على مشهدية الاقتصاد العماني، فإنه ربما يحتاج أن ننتبه كثيرا ومطولا إلى معيقات الحراك الاقتصادي و«ثقافة التعطيل» وتلك «المساحات المعتمة» التي تحتاج إلى معالجتها بطرق حاسمة وحازمة ومبتكرة والتي لا تزال تجد لها «جيوبا» و«مساحات بيروقراطية عصية على التغيير» هنا وهناك ولا تستطيع قراءة حتمية التغيير ولها انعكاساتها اليومية المباشرة على مصالح المواطنين بسبب القوانين المتضاربة، وتناقضات مطالب الوحدات الحكومية الخدمية رغم التطور الملاحظ في خدمات استثمر في عُمان والمحطة الواحدة. ورغم توسع فتوحات التقنية في تلك الوحدات، إلا أن هناك ضرورة وجودية لتحويل كافة التعاملات إلكترونيا، ولا تترك تحت اجتهاد تقديرات الموظف المباشر في دوائر المراجعين حيث لا تزال الشكاوى قائمة إزاء تدحرج «المعاملات» وفق «مزاج البعض» معطلا مصالح البلاد والعباد. ومثال على ذلك، عندما يطلب المستثمر جلب عمالة لنشاط تجاري معين فإن الأمر يتبعثر بين مراجعة عدة جهات رغم الصلاحيات الممنوحة للمسؤولين ذوي الصلة في كافة المحافظات ويجد المواطن أو المستثمر نفسه أمام مفاوضات مع الموظف المباشر «والذي قد يكون محقا وفق سياسة وزارته الموقرة» لكن ينتهي الأمر بالتفافات لا داعي لها، ولعله من الأوجه تفويض وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإعطاء الموافقات الفعلية على عدد الأيدي العاملة المطلوبة بصفتها الجهة الأكثر خبرة تراكميا وتنظيميا للنشاط التجاري واحتياجاته من الأيدي العاملة الأجنبية.

وينسحب الأمر ذاته على إعطاء الموافقات للمشروعات الاستثمارية وهناك جهود جبارة ومقدرة وملفتة في تسهيل منح أراضي الانتفاع بمختلف استعمالاتها وكذلك التمويل، بل أن ما يقوم به بنك التنمية في شأن ذلك من مبادرات مدعاة للفخر، ولكن تظهر التحديات المختلفة بعد مرحلة الموافقات ويقضى أصحاب تلك المشاريع في معتركات شبه يومية هنا وهناك لتمرير هذا المطلب أو ذاك وتبدأ حملة علاقات عامة لتسهيل تخليص تلك المعاملات. ومن الأمثلة أيضا، إعطاء أراضي انتفاع بعيدة جدا عن أبسط أنواع الخدمات وهو ما أربك خطط الشركات المستثمرة وأوقعها في خسائر غير متوقعة ولعل شركات الأمن الغذائي أوضحها مثالا «إحدى هذه الشركات اضطرت لتمديد الربط الكهربائي من مسافة 56 كيلو مترا إلى موقعها بتكلفة مليونية، فيما منحت إحدى شركات القطاع، أرضا تبعد عن الشارع العام بنحو 70 كيلومترا!» وفي الوقت ذاته تواجه هذه الشركات تكاليف تشغيلية ضخمة تشمل التكلفة الكبيرة لمدخلات الإنتاج وغيرها من معيقات في مقابل منافسة غير منطقية وغير متكافئة وشبه مستحيلة مع المنتج المستورد الأمر الذي يجعل من مسألة ربحيتها أمام تحديات لا يستهان بها.

وعند النظر إلى الاستثمارات المحلية والأجنبية في السلطنة فإنها لا تخلو من بعض المفارقات، مثل الملاحظة التي وردت في تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة (ملخص المجتمع 2022) والذي أشار إلى انسحاب 1225 مشروعا بعضها في بداية الإنتاج خلال الخطة الاستراتيجية العاشرة في المؤسسة العامة للمناطق الصناعية مدائن. وتطرقت المؤسسة إلى أن أحد الأسباب هو طول الإجراءات اللازمة للتراخيص!. ومن الملاحظات المثيرة للاهتمام أن حجم الاستثمارات الهندية (278 مليون ريال) على سبيل المثال أقل من الاستثمارات البحرينية (369 مليون ريال) في البلاد وفق المنشور في جريدة عمان بتاريخ 25 نوفمبر 2023. الأمر الثاني الذي يتطلب الالتفات إليه، مسألة ضعف القوة الشرائية في أوساط المجتمع العماني، لأسباب عديدة أهمها قلة فرص العمل والتسريح وتركيز الناس على السلع الأساسية، في ظل تزايد الضغوط على دخول المواطنين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ويحسب للحكومة توجهاتها حول تطبيق برامج الحماية الاجتماعية، ولكن الطموح أكبر. إن قضية التعمين وتوفير فرص العمل للشباب العماني، أصبحت مسألة أمن وطني ووجودي، لضمان بناء الاقتصاد بسواعد أبناء وبنات عمان، في ظل تزايد أفواج الخريجين العمانيين عاما بعد عام ومن أعرق الجامعات، ولا يصح وليس من مصلحة الوطن العليا، أن تبقى هذه الطاقات معطلة في عمان 2024 ونحن نسابق الزمن لإنجاح رؤية «عمان 2040». واعتقد أننا بحاجة إلى إعلان حالة «طوارئ» وطنية وقرارات سيادية حول مسارات التعمين الراهنة وتحدياتها والخيارات الأمثل لتحقيق توازن بين متطلبات الاقتصاد وفتح الأسواق وتشغيل الكوادر العمانية بوصفه الخيار الأكثر جاذبية من حيث التأهيل والإنتاجية.

يحيى العوفي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد العمانی

إقرأ أيضاً:

كيف يصنع القرار؟

شُغلت مراكز الدراسات والبحوث في العالم خلال العقود الماضية بالبحث عن إجابة حول سؤال مهم هو: كيف يُصنع القرار في العالم؟ كيف تَصنع الدول قراراتها الاستراتيجية والمصيرية؟

ورغم الكتب الضخمة التي خرجت للإجابة على سؤال «صناعة القرارات» بدءا من المستوى الشخصي وليس انتهاء بالقرارات الكبرى التي تتخذها الدول في اللحظات الصعبة والحاسمة إلا أن الأمر ما زال كثير التعقيد، ويخضع لتأثيرات مختلفة وعوامل متداخلة تحتاج إلى تقييم العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية. ويختلف الأمر من دولة إلى دولة ومن مرحلة زمنية إلى أخرى بناء على الهياكل السياسية والإدارية والثقافية لكن بوصف الأمر ممارسة علمية فإنه يحتاج إلى خطوات لا يستقيم دونها تجمع بين التحليل والتخطيط والتنفيذ والمتابعة، ولذلك فإن كل قرار يتخذ في أي مكان أو زمان تكون فاعليته متأثرة بمستوى تحليل المعلومات وحجم البيانات والقدرة على قراءتها في إطار تكاملي ورؤية واسعة تخرج من مساحتها المحلية إلى رؤية إقليمية وعالمية لا تهمل السياق التاريخي.

وهذا الأمر هو الذي تنتهجه بشكل دقيق كلية الدفاع الوطني بأكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية خلال تنفيذها للتمرين الوطني السنوي «صنع القرار» والذي يمكن وصفه بأنه البيان العملي الحقيقي لمختلف المعارف الفكرية التي اكتسبها المشاركون في دورة الدفاع الوطني، وترجمة عملية للبرامج النظرية والأكاديمية في مجال الدراسات الاستراتيجية التي نهل منها المشاركون خلال المرحلة الماضية. والحقيقة فإن أحد أهم أهداف أكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية بمختلف كلياتها ومراكزها البحثية يتمثل في توسيع آفاق الفكر الإستراتيجي والقدرة التحليلية ومهارات التخطيط الإستراتيجي، وإعداد وتأهيل الكفاءات الوطنية. وهذا الدور هو تجسيد حقيقي لرؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي أعطى «صناعة القرار» عناية خاصة سواء عبر دعمه الخاص والمستمر لأدوار كلية الدفاع الوطني أو عبر توجيهه بإنشاء وحدة لدعم واتخاذ القرار تتبع الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتهدف إلى رفع مستوى الأداء من خلال تعزيز كفاءة صنع القرار.

وبهذا المعنى فإن «القرار»، أي قرار كان، هو صناعة تحتاج إلى منهج علمي وإلى إعداد وتدريب وإلى معرفة تامة بكل المؤثرات المحيطة. وهذا ما يكسب التمرين الاستراتيجي الوطني «صنع القرار» السنوي أهمية خاصة فهو خطوة حاسمة وحيوية نحو إعداد قادة المستقبل سواء في المجال العسكري أو المدني. ويسهم التمرين في تطوير قدرات المشاركين على اتخاذ قرارات حاسمة في أوقات الأزمات.. وهذا أمر في غاية الأهمية خاصة في ظل التحولات اللحظية التي يشهدها العالم وتعقد مشاكلها وتداخلها بين المحلي الداخلي والاستراتيجي الدولي ما يتطلب أن يكون متخذ القرار على فهم ووعي بكل المتغيرات والبيئات السياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية.

إن وضع المشاركين في التمرين على محك سيناريوهات افتراضية مستقاة من جذور أحداث حقيقية يعزز قدرتهم على فهم العلاقات بين الأبعاد المحلية والدولية في بناء الاستجابات المنتظرة وهذا النوع من التدريب يساعدهم على تطوير رؤية شاملة ومتوازنة تُمكنهم من اتخاذ قرارات تخدم المصالح الوطنية ضمن إطار عالمي معقد.

مقالات مشابهة

  • متابعات ميدانية مكثفة وجولات تفقدية لرئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية لامتحانات الثانوية
  • كوريا الجنوبية ترفع توقعاتها للنمو الاقتصادي خلال العام الجاري إلى 2.6%
  • ماذا يقول القانون العماني في جريمة الإخفاء؟
  • مناقشة جهود سلطنة عمان في تحقيق الاستدامة البيئية
  • خبير اقتصادي: الدولة تعمل على تعزيز التطور التكنولوجي والتمويلي
  • كيف يصنع القرار؟
  • عضو بـ«الشيوخ»: مخرجات الحوار الوطني تدعم خطط الحكومة المرتقبة في ملف الاقتصاد
  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تنويع الاقتصاد في ليبيا مهم لتحسين نوعية الحياة  
  • وزارة الاقتصاد: 620 مخالفة لحالات “الغش وتزوير العلامات التجارية” منذ بداية 2023
  • قضية التوظيف والباحثين عن عمل.. إطلالة من نافذة الأمن الوطني