حماية التراث العربي من رمال الزمن
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
معبد الثعبان، ومنزل الشاعر الميت، والفن الصخري التقليدي، والأسد العربي، تلك بعض من كنوز التراث العربي التي لم تعد موجودة اليوم بسبب تدميرها أو نسيانها أو إهمالها في ظل مسيرة التطور المتواصلة، أو ربما بسبب نقص الوعي بأهميتها.
ولكن، في أجزاء من دول الخليج العربية بدأنا نشهد اهتماما متزايدا بالتراث الذي حصل على حقه من الرعاية والصون.
ظلت المواقع الطبيعية والتاريخية لعقود من الزمن دون رعاية ولا منحها أولوية في الشرق الأوسط، خاصة في بعض الدول التي عانت من عدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني، وفي ظل تلك الأوضاع من البديهي ألا تشهد تلك المواقع الأثرية اهتماما، بل تعرضت للإهمال والتدمير، بل حتى نهبها على خلفية الصراعات.
ومن بين 1199 موقعا تم إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يوجد اليوم 93 موقعا فقط، ما يعادل 8%، في الدول العربية بشكل عام، ما يعد أدنى مستوى على مستوى العالم.
ويعود جزء من سبب هذا الوضع إلى «البيروقراطية»؛ لأن الأمر يتطلب الكثير من الإجراءات والأوراق والوثائق الثبوتية وذلك لأجل إضافة الموقع التراثي إلى قائمة اليونسكو العالمية، وعليه لا يتم التعرف على الكثير من المواقع المهمة أبدا؛ لأن عدم كفاية الأدلة والمعلومات يجعل التحقق أمرا مستحيلا.
وإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة السياسية للبلاد تعلب دورا مهما في الحفاظ على الثقافة والتراث، وهذا التوجه موجود في دول الخليج العربية، ففي السنوات الأخيرة بذلت دول الخليج جهودا جبارة من أجل الدفع في مساعي الحفاظ على الأماكن التراثية والتقاليد للاعتراف بها على مستوى العالم.
ومن جهود تلك المساعي إشهار الاحتفالات السنوية المتعلقة بالتراث الوطني، وعلى سبيل المثال مهرجان القهوة في المملكة العربية السعودية، ومعارض الحرف اليدوية في كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي تقام بعضها في الخارج، في سبيل تسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الثقافة الإقليمية خارج حدود الوطن. مؤخرا تم الاحتفال بحدث مهم بالنسبة للمساعي الخليجية في حفظ التراث، وتحديدا في شهر سبتمبر، يتمثل هذا الاحتفال بتسجيل المملكة العربية السعودية أول بقعة بها للتراث الطبيعي في اليونسكو، وهي «محمية عروق بني معارض» - ومحمية عروق بني معارض تقع في الربع الخالي- أكبر صحراء في العالم تقع في منطقة نجران في السعودية، تم تسجيلها في 20 سبتمبر 2023 في قائمة اليونسكو للتراث العالمي- وقال حينها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي: «إن إدراج محمية عروق بني معارض على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو كأول موقع طبيعي في المملكة العربية السعودية سيسهم في إبراز أهمية التراث الطبيعي على نطاق أوسع عالميا، ويعكس كذلك أهمية المحمية الكبيرة».
تقع منطقة «عروق بني معارض» المحمية في الجزء الغربي من صحراء الربع الخالي، وهي أكبر مساحة تحل فيها الرمال التي تحملها الرياح على وجه الأرض، وتضم الكثير من المناظر الطبيعية الصحراوية التي تحتضن الحياة البرية منها الصقر العربي وغزلان الرمل العربية. وإضافة إلى هذا الإنجاز، فقد سجلت كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية طبق الهريس التقليدي إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ويعد الهريس واحدا من أشهر الأطباق الخليجية الذي يصنع من القمح واللحم والسمن، وورد ذكره في القصص الشعبية والشعر كذلك. إن تأمين الموروثات في قائمة اليونسكو يعتبر أمرا مهما للغاية لأسباب كثيرة، منها أنه يمثل اعترافا دوليا، ما يعني أن هناك نشاطا سياحيا سيتزايد، كما أن التسجيل في القائمة يعني أن هناك دعما له من صندوق التراث العالمي، كما أنه يساهم في إعادة إعمار المواقع وتأهيلها، اليوم هناك العديد من المواقع المسجلة في اليونسكو تتلقى الدعم فقط من الصندوق، ومنها مواقع في العراق وفي سوريا على سبيل المثال.
ولكن إدراج المواقع في قائمة اليونسكو لا يضمن إحاطة تلك المواقع بالحماية الأمنية، وهذا ما حدث على سبيل المثال في «مدينة الموتى» في القاهرة، التي أدرجت في القائمة عام 1979 باعتبارها من أقدم المدن الإسلامية في العالم، ولكنها تتعرض لهدم المعالم بسبب التوسع العمراني، وطالبت مصر مرارا بمراجعة الحدود الجغرافية لمحافظة القاهرة حتى تتمكن من التوسع العمراني على حساب «مدينة الموتى» وما زال الموضوع قيد المناقشات الحادة.
ما تعتمد عليه مصر في عملية التوسع العمراني أعتقد انه يتسم بقصر النظر بشدة؛ لأن الأمم يجب أن تُجسد قصصها التراثية المادية وغير المادية، ويجب أن تحمي تلك الموروثات، تلك هي القاعدة الأساسية، وليس استثناء تلك المواقع.
الكثير مدرك للتوسع العمراني، بالمقابل الكثير كذلك يدرك أهمية حفظ التراث، لذلك نرى تسارع عمليات إعادة التحف والمقتنيات الأثرية إلى مواطنها الأصلية بعدما تم نقلها، ومطالبات كثير بإعادة المنهوبات من الدول الأفريقية والعربية، وإنه لمن المؤكد أن هناك المزيد من العمل لتحقيق ذلك، فقد أدت سرقات التحف إلى بيعها في المزادات العالمية بملايين الدولارات لهواة جمع التحف من الأفراد وكذلك بعض المؤسسات الخاصة، ومن الأمثلة الفظيعة على سبيل المثال عمود تذكاري يسمى «طوطم»، منحوت في عام 1929 يدويا، وقد سُرق من مجمع للسكان الأصليين الكنديين، وتم بيعه إلى المتحف الملكي الأسكتلندي «متحف أسكوتلندا الوطني»، وفي ظلت مساعي حفظ الحقوق عادت تلك القطعة الأثرية إلى ملاكها الحقيقيين في كولومبيا، ولكن، لا تزال العديد من القطع المنهوبة الأثرية في حوزة اللصوص.
إن الحفاظ على التراث والثقافة والسعي لتوثيقها بجميع أشكالها يحتاج إلى أبطال حقيقيين على المستوى الفردي والحكومي، ومن غير هذه المساعي سوف تختفي التحف والثقافات مع مرور الوقت.
بالنسبة لكثير من الموروثات والتراث، تكون الأسطورة هي كل ما تبقى منها، ومما يقال أن مدينة «أوبار» المفقودة، والتي تسمى أيضا «إرم ذات العماد»، كانت مدينة شاهقة الارتفاع منذ آلاف السنين، تشتهر بالمجوهرات والذهب خصوصا والبخور، وفيها ثروات هائلة، وقد ورد ذكر هذه المدينة في القرآن الكريم، كما سُردت تفاصيلها في الحكايات العالمية «ألف ليلة وليلة»، ومما يقال عنها أن الله -جل جلاله- دمَّر المدينة بالريح العاتية التي غطتها بالرمال، فهي مدينة مدفونة بالرمال.
في هذا الزمن تم الكشف عن أجزاء من مدينة «أوبار» في مواقع مختلفة، أشهرها سلطنة عمان وأجزاء من صحراء الربع الخالي، ولكن اليوم لا تزال أجزاء شاسعة من مدينة أوبار مدفونة تحت الرمال، لا نزال نسمع عن أساطيرها، بينما هي غائبة في رمال الزمن، ولا ينبغي أن يعاني تراثنا الموجود اليوم من نفس المصير.
ريم تينا الغزال رئيسة تحرير «إثراء» وناشطة بيئية
نقلا عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قائمة الیونسکو العربیة السعودیة على سبیل المثال عروق بنی معارض الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
حزب الحرية المصري: القمة العربية أعلنت الموقف العربي الرافض لتهجير الفلسطينيين
ثمن حزب الحرية المصري، كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالقمة العربية غير العادية لبحث تطورات القضية الفلسطينية، مؤكدا أن جميع التوصيات جاءت انتصارا لحقوق الشعب الفلسطيني، وأكدت على وحدة الصف العربي في الدفاع عن القضية الفلسطينية وعودة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية ورفض التهجير وقتل القضية بشكل جماعي وقاطع أمام العالم أجمع مخاطبًا ضمير الإنسانية للشعوب لإنهاء أزمة القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
قال النائب احمد مهنى، نائب رئيس حزب الحرية المصري والأمين العام وعضو مجلس النواب، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكدت على موقف مصر الثابت تجاه القضية، وسعيها منذ اليوم الأول إلى الوصول إلى وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن هذه القمة تضع المجتمع الدولي في حرج أمام صمتهم تجاه الانتهاكات التي تحدث في غزة، خاصة وأن الأمر لم يعد دولة رافضة ولكنها أمة عربية توحدت على رآي واحد رافض للقتل والتهجير والتجويع للشعب الفلسطيني.
رسائل للعالموأكد النائب أحمد مهني، أن كلمة الرئيس شملت أيضا، رسائل عدة للعالم حول أزمة القضية الفلسطينية، مبرزا دور مصر التاريخي والسياسي تجاه دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والضغط المستمر من أجل إنهاء الحرب في القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية رغم تعنت إسرائيل في منعها من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني.
وأضاف مهني، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكدت على موقف مصر الثابت تجاه القضية، وسعيها منذ اليوم الأول إلى الوصول إلى وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن هذه القمة تضع المجتمع الدولي في حرج أمام صمتهم تجاه الانتهاكات التي تحدث في غزة، خاصة وأن الأمر لم يعد دولة رافضة ولكنها أمة عربية توحدت على رآي واحد رافض للقتل والتهجير والتجويع للشعب الفلسطيني.