جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-07@06:37:48 GMT

الصداقة التي لا تموت

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

الصداقة التي لا تموت

 

حمد الحضرمي **

تسهم الصداقة بدور مهم في حياة الناس، لما للصديق من أهمية بالغة في علاقته ومواقفه مع أصدقائه، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإخوان الصدق زينة في الرخاء وعصمة في نوائب الحياة، ورؤيتهم تفرح القلب وتزيل الهم، وبهم تذلل الصعاب وتخفف المشاق وتهون الشدائد. والإنسان في كل مراحل حياته تكون الألفة مطلبًا ملازمًا له ليعيش في سعادة وسرور، فيتخذ أخًا له صديقًا يشاركه أفراحه وأحزانه، فالصديق الصالح له أكبر الأثر في التأثير على صديقه في الالتزام بالطاعات وترك المعصيات، والوقوف بجانبه وقت العثرات، وجبر كسره وقت الإنكسار، والدفاع عنه في غيابه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "عليكم بإخوان الصفاء، فإنهم زينة في الرخاء وعصمة في البلاء". ولذلك حثَّ الإسلام على الصداقة النقية ورغب المؤمنين في إخلاصها لله وإبقائها لوجهه، وجعل لها الأجر والفضل العظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي، يوم لا ظل إلا ظلي". فالصداقة كانت وما زالت سببًا لجلاء الأحزان، وعونًا وقت المحن والشدائد، والصديق تجده دائمًا منك قريب، يشعر بهمومك وقلقك ومخاوفك، لأنه بك متجانس متألف، فبالتجانس الأرواح متعارفة، وبفقد التجانس الأرواح متناكرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" وقيل في منثور الحكم: "الأضداد لا تتفق، والأشكال لا تفترق".

الصداقة أولها التجانس بين شخصين، ثم المواصلة لوجود توافق بينهما، ويأتي بعدها الانبساط، ويحدث بعدها المصافاة لخلوص النية بينهما، ومن هذه المصافاة تنتج الثقة التي توصل إلى المودة، ومن المودة تكون المحبة، وقد قيل: "الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك". فما أعظمها من صداقة عندما تكون صادقة، تجمع بينهما الألفة والمحبة والعمل الصالح، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله ناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله"، قالوا: يا رسول الله، فأخبرنا من هم: قال: "هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".

وإذا وفقك الله بوجود صديق أمين، صاحب دين متين، ورأي سديد، وقلب رحيم، وأخلاق كريمة، ومواقف نبيلة، فحافظ عليه وعمِّق علاقتك به؛ لأنه سيكون لك السند والعزوة في المصائب، وركنًا حصينًا في الشدائد، والمؤنس عند الهموم والكروب، وسيكون معك في الحلوة والمرة، ولن يؤذيك، ولن يجرحك، ولن يضايقك، ولن يظلمك، فلا تصاحب إلا مؤمنًا صديقًا لك محبًا، كي تعيش طوال حياتك في سعادة وسرور وأمن وأمان وسلام. وحتى تدوم الصداق يتوجب أن تكون على قاعدة صلبة من المبادئ والقيم والأخلاق، والحرص على الاحترام والتقدير والاعتناء والاهتمام بأمور الصديق، والحرص عليه في غيابه وحضوره، والإخلاص في المودة والنصح للصديق في الخطأ والزلة، ومساعدته ومواساته في أشجانه وأحزانه، والحرص على ذكر محاسنه، ونشر فضائله، والعفو عن زلاته وستر هفواته وحفظ أسراره، وتفقد أحواله.

ومن أعظم دواعي بقاء الصداقة، أن تكون هذه المبادئ والقيم والأخلاق متبادلة بين الصديقين بلا تكلف ولا تصنع، كلها ألفة وصفاء وود ووئام ومحبة وسلام، حتى تدوم الصداقة وتزداد بينهما الألفة والمحبة. وصدق الشاعر أبو العتاهية عندما قال:

صديقي من يقاسمني همومي // ويرمي بالعداوة من رماني

ويحفظني إذا ما غبت عنه // وأرجوه لنائبة الزمان

ونصيحتي إلى الأبناء والبنات الطلبة منهم والطالبات في المدارس والكليات والجامعات والموظفين والموظفات، الحرص كل الحرص على اختيار الصديق المناسب، لأن الصديق يؤثر على صديقه تأثيرًا كبيرًا في الإصلاح أو الإفساد ويقال: الصاحب ساحب وخاصة في سن المراهقة، حيث يكون الشاب قد اختلط بالزملاء في الحارة والمدرسة والنادي، فاختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن قرناء السوء، حتى لا يخسر نفسه وتخسره أسرته ومجتمعه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

فعليكم أيها الشباب والشابات اختيار الأصدقاء الصالحين، أصحاب الخلق الكريم، والأدب الرفيع، والعادات الفاضلة، أصحاب العقول الكبيرة والنفوس السليمة، وتجنب أصحاب العقول الصغيرة والنفوس المريضة، وخلطاء الشر ورفقاء السوء، حتى لا تقعوا في شباك ضلالهم وانحرافهم، وقد بينت الكثير من الدراسات أن معظم مرتكبي الجرائم والانحرافات يرتبطون بأصدقاء سوء منحرفين، وتكون النتيجة وقوع الشباب من الجنسين في المشاكل والجرائم، كتعاطي الخمور والمخدرات، والانحرافات الأخلاقية بشتى أنواعها وأشكالها، أم الصديق الصالح فهو كالشمعة ينير دربك بالصدق والوفاء، ويمنحك والثقة والطمأنينة.

ولأننا في زمن صعب كثر فيه الكذب والنفاق والمكر والخداع والتضليل والنصب والتحايل وأصحاب المصالح الشخصية، وأصحاب الأهواء والاغواء، فتجنبوا هؤلاء وابتعدوا عن مصاحبة الأحمق فمصاحبته كمصاحبة الأفعى، لا تدري متى تؤذيك، وتجنبوا مصاحبة من تصدأ عقله وقلبه بفكر أو ثقافة أو فن بعيدًا كل البعد عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا الإسلامية الحميدة. وكونوا على حذر وفي يقظة ودراية، وبثقة عالية بأنفسكم، لأنكم أصحاب عزة وكرامة، فلا تصاحبوا إلا الأخيار المتقين، لأن مثل هذه الصداقة هي التي لا تموت.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكم زيارة القبور والأضرحة في الإسلام.. أمين الفتوى يجيب

قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن زيارة القبور أمر مستحب شرعًا؛ فعن بُرَيْدَةَ الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإن في زيارتها تذكرة».

أحسن دعاء للميت .. ردده الآن يجعل قبره روضة من رياض الجنةحكم زيارة القبور للرجال والنساء يوم العيد.. الإجابة من الأزهر ودار الإفتاءحكم زيارة القبور والأضرحة

وأضاف أمين الفتوى، في منشور له عن حكم زيارة القبور والأضرحة، أن أَوْلى القبور بالزيارة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبور آل البيت الطاهرين، وفـي زيـارتهم ومودتهم برٌّ وصلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23].

وأشار إلى أن الصلة لا تنقطع بالموت، بل إنَّ زيارة قبورهم هي جزء من الصلة التي رغب فيها الشرع الشريف.

واستشهد بحديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدًا»، معناه: أي السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان.

وأوضح أن زيارة آل البيت والصالحين والدعاء عند أضرحتهم أَرْجَى للاستجابة والقبول عند الله، فهي مواضع بركة ورحمة وروضة من رياض الجنة، والقول بأَنَّ زيارة أضرحة وقبور الصالحين بدعة وشرك قول باطل لا دليل عليه، فإن فعل الصحابة والسلف وعلماء الأمة يدل على جواز زيارة أضرحة وقبور الصالحين والدعاء عندها.

التبرك بآل البيت

وأكد الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن التبرك بآل البيت وزيارة أضرحتهم أمرٌ محبب في الثقافة الإسلامية والمصرية، وهو مظهر من مظاهر المودة لآل البيت التي أمر بها الله تعالى في قوله: "قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريح: "رمضان يحب الزيارة، يحب أن يزور الناس بعضهم بعضًا، وأولى الناس بالزيارة، كما علمنا سيدنا أبو بكر الصديق أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، هم آل بيت رسول الله ﷺ، مصداقًا لقول الله تعالى: "قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".

وتابع: "نجد أن زيارة آل البيت أصبحت من شخصية الإنسان المصري، حتى إنه يكاد لا يمكن أن يمر رمضان دون أن يكون قد زار آل البيت أو بعضهم، فيذهب إلى سيدنا الحسين، وستنا زينب، وستنا نفيسة، وبعد الزيارة ربما يخرج ليفسح العيال أو يأكل معهم شيئًا وهكذا، فهذه أصبحت مظهرًا من مظاهر رمضان عندنا هنا في مصر".

مقالات مشابهة

  • حكم زيارة القبور والأضرحة في الإسلام.. أمين الفتوى يجيب
  • طاعات بعد رمضان.. عبادات احرص عليها في هذه الأيام
  • هل التوسل بالنبي في الدعاء حرام شرعا؟.. الإفتاء توضح
  • كلمات قالها النبي.. أفضل دعاء لمن يشتكي من عدم القدرة على النوم
  • حكم جمع نية صيام الإثنين والخميس مع الست من شوال.. الإفتاء توضح
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • كيف تكون مسرورا؟.. علي جمعة يصحح مفاهيم خاطئة عن السعادة
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
  • حكم التجارة في المفرقعات واستعمالها.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم.. الإفتاء توضح