قال الدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنى بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، رائد الأمم المتحدة السابع رفيع المستوى المعنى بتغير المناخ، إن العالم يشهد حروباً وصراعات مسلحة لم يألفها منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أدت إلى فقدان أسباب الحياة والمعيشة، كالمأساة التى تعيشها غزة على مدار الساعة.

وأضاف «محيى الدين» فى حواره لـ«الوطن»، أن الاقتصاد المصرى لديه كل الإمكانات التى تدعو إلى التفاؤل، ويستحق استعادة الثقة لاجتذاب ما فاته من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، أو تراجع بعض الاستثمارات، فكل هذا سيعود لطبيعته بعد التوصل إلى اتفاق متوازن مع صندوق النقد الدولى، بالإضافة إلى ما يتم القيام به بشأن استكمال عملية البناء والتنمية، والاستثمارات والتعمير.

مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة: انضمام مصر لتجمع «بريكس» خطوة على الطريق الصحيح

بداية.. كيف ترى انضمام مصر لتجمع بريكس؟ وما العائد عليها من ذلك؟

- الفائدة الأكبر من انضمام مصر للبريكس هو ما تم الإعلان عنه بأن يكون هناك تنسيق بين الدول الخمس المؤسسة للتجمع، وهى الصين، الهند، جنوب أفريقيا، روسيا، والبرازيل، والدول المنضمة حديثاً منها مصر اعتباراً من شهر يناير 2024، على أن يكون التنسيق بين هذه الدول جيداً وفعالاً ومؤثراً لمصالح دول عالم الجنوب عموماً والدول الداخلة فى البريكس تحديداً، خاصة فى المؤسسات المالية الدولية.

وهناك أيضاً موضوع تهتم به دول البريكس كثيراً، وهو ما يرتبط بمستقبل النظام النقدى العالمى، الذى يعنى الاهتمام بمدى عدالة نظم الصرف المتبعة ومدى اتفاقها ومناسبتها لأوضاع البلدان المختلفة، والتنسيق فى السياسات النقدية الدولية، وإمكانية تسوية بعض المعاملات من خلال العملات المحلية، وهناك بعض التجارب الجيدة فى هذا الشأن، وهنا يجب التوضيح أن النظام النقدى العالمى يختلف عن النظام المالى العالمى، فالأخير يهتم بمستقبل المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولى، وصندوق النقد وبنك التنمية الأفريقى ومؤسسات القطاع الخاص.

ووجود مصر ضمن «بريكس» فرصة وخطوة جيدة لإجراء حوارات ونقاشات ثنائية مع دول التجمع، علماً بأن روسيا هى التى سترأس دورة البريكس المقبلة فى عام 2024، مما يخلق حالة من التعاون وزيادة الفرص للتعرف على المجالات المختلفة للتطوير ووضع الاقتصاد والاستثمار فى البشر والاستثمار بشكل جيد فى البنية الأساسية، بالإضافة إلى زيادة فرص التصدير وغيرها من الأمور التى تؤدى إلى تطويرها، ودول «بريكس» المنتظر انضمام مصر إليها بداية من شهر يناير المقبل، تستحوذ على 25% من صادرات العالم، وعدد سكانها يمثل 46% من سكان العالم.

هيمنة الدولار مستمرة.. واستبداله بعملات أخرى يثير المخاوف رغم تأثيره السلبى على البلدان منخفضة الدخل

ماذا عن هيمنة الدولار؟ وما علاقة بريكس بذلك؟

- هيمنة الدولار مستمرة، باعتباره العملة المفضلة للبنوك المركزية بما يجعله اليوم عملة احتياطى دولى بنسبة 60% بعدما كانت 70% فى عام 2000، ورغم انخفاض نسبته فى إجمالى الاحتياطى الدولى، فإنها الأعلى بما يعادل ثلاثة أمثال نصيب اليورو، الذى يمثل 20% من إجمالى الاحتياطى الدولى، فيما زادت حصة الدولار فى تسوية المدفوعات وكعملة لعقود السلع الأساسية والديون الدولية فى فترة أقدمت فيها الولايات المتحدة على إجراءات تضعف تلقائياً ثقة المتعاملين فى عملتها، خاصة بعد ارتفاع معدلات التضخم فيها، والمسيطر أيضاً على هذا أمران، هو حالة الاعتياد على عملة واحدة، وهو أمر أشار إليه أيضاً الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا، فكلما طُرح موضوع استبدال الدولار بعملة بديلة أثار ذلك مخاوف بعض الناس، رغم تأثيره السلبى على تجارة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والأمر الثانى هو النسبية، فأداء الاقتصاد الأمريكى أفضل من منافسيه رغم كل مشكلات الاقتصاد الأمريكى، بخاصة مع زيادة ديونها بما تجاوز 31 تريليون دولار فى بداية العام 2023.

أما عن علاقة تجمع بريكس بمسألة هيمنة الدولار، فإن البريكس يستهدف منافسة الولايات المتحدة والغرب، وكسر هيمنة الدولار الأمريكى، لا سيما فيما يخص التمويل والديون، من خلال طرح بدائل وحلول مختلفة لشغل مساحة أكبر على الساحة الاقتصادية الدولية، وبخاصة فى ظل الخطر الآتى من المشكلات المالية الأمريكية المتصلة بسوء الحوكمة وتبنى سياسة خارجية متشددة تقوم على استخدام العقوبات الاقتصادية سلاحاً دبلوماسياً.

هل تحتاج مصر إلى وزارة استثمار فى الوقت الحالى؟

- وجود وزارة معنية بملف معين هو أمر جيد، فى حالة إذا كانت الدولة ترى أولوية لهذا الملف، علماً بأن الملف فى أحوال كثيرة تقوم بإدارته وزارات أخرى ليس فقط فى مصر، بل نجد أن هناك وزارات أخرى تقوم بنفس المسمى الوظيفى لبعض المهام، من الممكن أن تكون هناك وزارة منفصلة تسمى وزارة الاقتصاد، أو وزارة منفصلة للتجارة، وهذه النماذج توجد فى أكثر من دولة، لكن الشكل التنظيمى فى يد من يقوم بعملية التنسيق، والأهم من ذلك أن وظيفة الاقتصاد يتم الاهتمام بها، وتكون هناك متابعة لوظيفة الاستثمار، لكن إذا كان المسمى يساعد فى تقديم رسالة وتكريس جهود لهذا الملف فمن الممكن ذلك.

كيف ترى مستقبل الاقتصاد المصرى مع بداية عام جديد؟

- مع استقبال عام جديد، أرى أن ممكنات انطلاق الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة متوافرة، وهنا نتحدث عن انطلاق الاقتصاد وليس فقط استقراره، لأن استقراره هو الحد الأدنى والضرورى، باعتبار ما فى الدولة من ممكنات واستقرار أمنى، وقد اختبر هذا وبشدة على مدار الفترة الماضية، واستطاعت مصر أن تثبت متانة وصلابة، ولم يقتصر هذا على حدود مصر فقط، بل كانت مصدراً لدعم واستقرار من حولها من البلدان، ومانعة من التوتر والتدهور من خلال التنسيق الدولى وبحكم مكانتها فى هذا الشأن، بالإضافة إلى تنوع الاقتصاد المصرى والبنية الأساسية التى تم الاستثمار بها فى السنوات الماضية، ووضع الأولويات فى علاج المشكلات الاقتصادية، وجزء منها يدخل فى إطار صندوق النقد الدولى.

ونحن نستبشر خيراً وخصوصاً أنه جرى التأكيد على خلق إطار لكبح التضخم، فى إطار تطورات اقتصادية جديدة، ويجب أن يكون استهداف التضخم بالتنسيق مع المالية العامة، والانضباط المطلوب من عجز الموازنة، وتوجيه الاستثمارات العامة لتشجيع الاستثمارات الخاصة والبناء عليها وزيادة التصدير، واستعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى وهو يستحقها، ليجتذب مرة أخرى ما فاته من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، أو تراجع بعض الاستثمارات، فكل هذا سيعود لطبيعته بعد التوصل إلى اتفاق متوازن مع صندوق النقد الدولى، بالإضافة إلى ما يتم القيام به من استكمال العمل فى عملية البناء والتنمية، والاستثمارات والتعمير، والاهتمام بأولوية نراها الآن فى البنى الأساسية للجامعات، مع الاهتمام الموجه للعملية التعليمية ذاتها والرعاية الصحية، فمصر فى نطاقها الجغرافى ليس أفريقياً وعربياً فقط ولكن فى منطقة البحر المتوسط ينتظرها مستقبل متميز وواعد، والاقتصاد المصرى لديه كل الإمكانات التى تدعو للتفاؤل.

وماذا عن حرب أوكرانيا وتأثيرها على الاقتصاد المصرى؟

- فيما يخص حرب أوكرانيا، نتمنى لها أيضاً التوقف، لأن هناك أبرياء يسقطون من الجانبين، ونهاية أى حرب هى مائدة المفاوضات والسلام، والتأثير الاقتصادى لحرب أوكرانيا قائم مع استمرار الحرب، وتمت الاستعانة بما يمكن لاستيعاب التأثيرات السلبية، مثل التداعيات على الوقود والغذاء مع بداية الحرب فى عام 2022، وجرى استيعاب تلك التداعيات فى العام التالى وتدبير مصادر أخرى للطاقة فى أوروبا، وللوقود والغذاء فى بلدان أخرى مثل مصر، ولكن يجب التحوط ضد التغيرات المفاجئة فى هذا الشأن.

مساندة المبادرة المصرية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واجبة لتحقيق السلام فى المنطقة

كيف ترى المؤشرات الاقتصادية للعام الجديد فى ظل الحروب والنزاعات القائمة؟

- الحروب أدت إلى إهلاك البشر، وهناك دمار وضحايا أبرياء، بغض النظر عن الأثر الاقتصادى لذلك على مستوى العالم، لكن يجب ألا ننسى أن هناك أبرياء من المدنيين على مدار الساعة يسقطون، وهنا أنوه بأن المساندة للمبادرة المصرية ومناشدة الأمين العام للأمم المتحدة واجبة، ولا شك أنه من الممكن مع السلام والاستقرار تختلف الأوضاع من خلال منح تدفقات أكثر للسياحة والاستثمار، لكن الأولوية الآن أهم من المال والاقتصاد، فهناك بشر يضحى بهم وبحياتهم ومستقبلهم، مما يترتب عليه مخاطر تضر بالاقتصاد، وهناك توجيه نفقات وتكلفة تتحملها البلدان خاصة البلدان المجاورة للكارثة التى تعيشها غزة، وتؤثر على قطاعات مثل السياحة، وتحمل تكلفة عالية على النشاط الاقتصادى وزيادة المخاطر، وتهديد لحركة النقل، كل هذا يزول بتحقق السلام والاستقرار الأمنى.

هل الحديث عن إعادة إعمار غزة فى وقته؟

- ما نتمناه الآن بالنسبة لغزة هو السلام والاستقرار الأمنى، ثم يأتى بعد ذلك الحديث عن إعادة إعمار غزة، إذا ما نظرنا إلى الدول التى تعرضت إلى حروب سابقة ودمرت، نجد أن إعادة إعمارها يتطلب الكثير من الوقت، وفى الوقت الحالى الأهم وما يجب السعى إليه وتحقيقه هو السلام والأمن داخل غزة، فعملية إعادة الإعمار تأتى بآمال وفرص عمل وتشغيل ومشاركات فى هذا الأمر.

ماذا عن معدلات النمو الدولية بعد 7 أكتوبر 2023؟

- فيما يخص معدلات النمو الدولى المحدثة، والتى جاءت بعد 7 أكتوبر 2023، أدخلت فى اعتبارها سيناريوهات أخرى، فكان الحديث عن معدلات نمو ما بين 2.5 و3.5%، وهى الأقرب من المستويات الأدنى من الأعلى عالمياً، والدول الأقرب هى الأكثر تأثراً، وبالتالى كلما كان هناك دفع لعمليات السلام وحقن للدماء، تكون الفائدة الكبرى هى إنقاذ الضحايا، بينما الفوائد الأخرى ستكون اقتصادية.

مبادلة الديون

فكرة مبادلة الديون قديمة ومصر لجأت إليها بهدف تحويل بعض الديون إلى استثمارات مباشرة تتم مع عدد كبير من الدول، وقد جرى الحديث عن مبادلة الديون فى شرم الشيخ، ووجود إطار وتنظيم لهذه الفكرة، لتكون هناك مجالات لاستبدال المديونيات بمجالات الاستثمار فى موضوعات التكيف مع العمل المناخى واستثمارات تخفض من الانبعاثات، والأمر المهم فى هذا الشأن هو التحول من الشكل التجريبى إلى مجالات أكثر اتساعاً.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الاقتصاد المصرى التنمية المستدامة بريكس الاقتصاد المصرى هیمنة الدولار بالإضافة إلى انضمام مصر الحدیث عن من خلال

إقرأ أيضاً:

السفير الروسي في القاهرة يكتب: نعرض السلام على الغرب مرة أخرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

إن الأزمة الأوكرانية مستمرة منذ ١١ عاما. لم تبدأ فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، بل قبل ١٠ سنوات. ثم - فى فبراير ٢٠١٤ - حصل انقلاب فى كييف، ونتيجة لذلك توصلت القوات القومية الموالية للنازية إلى السلطة. علاوة على ذلك، كانت تحظى بالمساعدة الفعالة من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التى رعتها حرفيا.
من قبل خطط الغرب لفصل أوكرانيا عن روسيا بالكامل. والواقع أنها أصبحت مستقلة بالفعل منذ عام ١٩٩١ لم يكن كافيا بالنسبة له. لقد تطلع إلى تدمير القرابة العرقية والروحية بين الروس والأوكرانيين تمامًا، وتغيير وعى الأوكرانيين من أجل جعل الأراضى الأوكرانية قاعدة عسكرية لحلف شمال الأطلسى ضد روسيا الاتحادية.
كانت أوكرانيا جزءًا لا يتجزأ من روسيا فى معظم تاريخها، لكنها وقعت تحت الحكم البولندى لعدة قرون. وتعد كييف أحد المركزين الرئيسيين فى سياق ظهور الدولة الروسية الموحدة فى القرن التاسع وكانت عاصمتها العريقة منذ ما يقرب من ٤٠٠ عام. حتى كلمة "أوكرانيا" بنفسها فلم تكن أصليا اسمًا جغرافيًا محددًا، ولكن كانت تعنى الحدود والأراضى النائية على حدودنا الغربية من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. من القرنين السابع عشر والثامن عشر، تسلمت منطقة شاسعة محددة فى المجرى الوسطى من نهر دنيبر هذا الاسم بصفتها إحدى المناطق الروسية حصرا مثل منطقة الفولغا أو جبال الأورال أو سيبيريا.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ موضوع "الأمة الأوكرانية المستقلة" فى الترويج بنشاط من قبل ألمانيا والنمسا، اللتين حاربتا روسيا وحاولتا تنظيم الفوضة الداخلية فى بلدنا. وعندما حدث ذلك فى عام ١٩١٧، تبع الشيوعيون الروس نفس الخط، ولأسباب سياسية أنشأوا فى إطار الاتحاد السوفيتى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية. علاوة على ذلك، فقد أدرجوا فى هذا الكيان من طرفه الشرقى منطقة دونباس الصناعية الروسية من أجل زيادة عدد الطبقة العاملة، والأراضى فى الجنوب على طول البحر الأسود وبحر آزوف التى استولت عليها الإمبراطورية الروسية فى تركيا فى القرن الثامن عشر واستوطنها الفلاحون الروس. وفى عام ١٩٣٩ تم دمج مناطق فى غرب أوكرانيا كانت فى السابق جزءًا من روسيا القديمة وبعد ذلك انضمت الى بولندا وفى عام ١٩٥٤ تمت إضافة شبه جزيرة القرم الروسية. خلال وجود الاتحاد السوفيتى الموحد لم يلعب هذا دورًا كبيرًا، ولكن بعد انهياره تحولت أوكرانيا بهذا التكوين، بشكل غير متوقع بالنسبة للأغلبية الساحقة من سكانها، إلى الدولة ذات سيادة التى لم يسبق لها مثيل.
اعترفت روسيا الاتحادية، على الرغم من خسارة أراضيها، بدولة أوكرانيا فى عام ١٩٩١ وبذلت قصارى جهدها لبناء علاقات حسن الجوار. علاوة على ذلك، دعمت اقتصادها من خلال بيع النفط والغاز بأسعار منخفضة ومنح قروض ميسرة كبيرة، ولم تسددها أوكرانيا عندما وقعت فى فبراير ٢٠١٤ بالكامل تحت تأثير الغرب وفقدت سيادتها فعليًا.
بدأت أوكرانيا تفقد أراضيها فقط بسبب خطأ القيادة القومية التى كانت تتصرف بناءً على أوامر غربية. وكانت شبه جزيرة القرم تظل جزءًا منها لو لم يقم النازيون الجدد بتنظيم انقلاب مسلح، واستولوا على كييف، وأعلنوا عزمهم على حظر اللغة الروسية وإخضاع الروس للاضطهاد، بل وحتى العنف الجسدي. فى تلك الأيام، أقنعت روسيا الرئيس الأوكرانى آنذاك بالموافقة على إجراء انتخابات مبكرة، وأقنعت الولايات المتحدة بعدم التحريض على الانقلاب لكن واشنطن راهنت تحديدا على الاستيلاء على السلطة بالقوة.
وكان من الممكن أن تظل منطقة دونباس أوكرانية أيضًا لو لم يبدأ نظام كييف الجديد فى إعادة كتابة التاريخ، وتمجيد أعوان هتلر الدمويين، ولو لا عدم الوفاء باتفاقيات مينسك التى أبرمتها السلطات الأوكرانية بنفسها مع دونيتسك ولوغانسك فى ٢٠١٤-٢٠١٥ بمشاركة روسيا وألمانيا وفرنسا. فى الآونة الأخيرة، اعترف الزعماء الأوكرانيون والألمان والفرنسيون فى ذلك الوقت علنا أنهم لم يكن يعتزمون الوفاء بالاتفاقيات المتعلقة بمنح للمناطق التى قاومت القوميين الأوكرانيين بحزم أى نوع من الحكم الذاتي، لكنهم أرادوا فقط كسب الوقت وتجميع الإمكانات العسكرية وحل المشكلة لصالح كييف بتشغيل القوة الغاشمة التى كانت تستخدمها بالفعل بشكل مفرط. 
وفى الوقت نفسه، كانت روسيا تقنع دونباس بالبقاء جزءا من أوكرانيا لمدة سبع سنوات. فى فبراير ٢٠٢٢ فقط عندما شنت القوات الأوكرانية قصفا مدفعيا ضخما لعدة أيام على دونيتسك ولوغانسك فى إطار الاستعداد لهجوم جديد ومذبحة للسكان المحليين اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتى دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وبدأت ان تساعدهما. 
علاوة على ذلك، قبل شهرين من بداية هذه الاحداث – فى ديسمبر ٢٠٢١ حاولنا مرة أخرى تشجيع الغرب على مراعاة مصالح أمننا وعدم جر أوكرانيا إلى كتلة الناتو المناهضة لروسيا. لقد رفضت واشنطن وبروكسل عن قبول الاقتراحات بوقاحة، لأنهما كانتا عازمتين بالفعل على تاسيس قواعد عسكرية فى شرق أوكرانيا، بما فى ذلك التى تمتلك بالصواريخ تستطيع ان تصل إلى موسكو وغيرها من المدن الروسية الكبرى.
وحتى بعد اطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة اقترحنا اجراء المفاوضات. وفى مارس ٢٠٢٢ تم الاتفاق بشكل كامل على نص اتفاقية مع وفد كييف قادرة على وقف إراقة الدماء على الفور والحفاظ على منطقتى زابوروجيا وخيرسون، التى سيطرت عليهما القوات الروسية، كجزء من أوكرانيا. وكان من المطلوب من السلطات الأوكرانية أن تتخلى عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى ونزع السلاح وتدمير النازية فى البلد. ولكنه سارع رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون على الفور إلى كييف وطلب بالتنسيق مع الولايات المتحدة من فلاديمير زيلينسكى بمواصلة الحرب وامتثل رئيس نظام كييف أمره ونتيجة لذلك، قتل بالفعل مئات الآلاف من جنوده.
وكما النتيجة لذلك صوت سكان جمهوريتى دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وزابوروجيا وخيرسون فى الاستفتاء الحر والمستقل الذى تم إجرائه فى سبتمبر ٢٠٢٢ بأغلبية ساحقة للاصوات لصالح الانضمام إلى روسيا الاتحادية. وهى الآن مناطق روسية، مثل شبه جزيرة القرم، وهذا القرار لا يخضع للمراجعة.
ولكن، انطلاقا من الرغبة فى الحفاظ على حياة الأوكرانيين، الذين ينتمون إلى العرق الروسى وببساطة يتحدثون لهجة مختلفة من نفس اللغة التى نتكلم بها، أطلق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ١٤ يونيو ٢٠٢٤ مبادرة السلام الجديدة. وفى الواقع، هذا هو الاقتراح الخامس للطرف الروسى منذ عام ٢٠١٤ الذى يهدف إلى ضمان استمرار أوكرانيا فى الوجود كدولة مستقلة وهو موجه إلى سلطاتها والغرب.
وستتوقف عمليات القتال بمجرد موافقة نظام كييف على سحب قواته من كافة الأراضى الروسية والبدء فعليا بهذا الانسحاب والاعتراف بملكية روسيا للمناطق الخمس المذكورة أعلاه وتأكيد موافقته على عدم الانضمام الاوكرانى إلى أى تكتلات عسكرية والتدمير بقات الأسلحة الثقيلة ووقف انتشار الأيديولوجية النازية التى أصبحت جزءا من المناهج الدراسية. ولا بد من مناقشة الظلال الدقيقة فى تنفيذ هذه الشروط فى المفاوضات اللاحقة. وفى موازاة ذلك، يجب على الغرب أن يرفع العقوبات المفروضة علينا.
وأن هذه المبادرة هى سبيل وحيد لحل الصراع. إن الاقتراح الروسى يتماشى مع سياستنا الطويلة الأمد المتمثلة فى حسن الجوار مع أوكرانيا والتعايش السلمى مع الغرب، ولكنه يستند بطبيعة الحال إلى حقائق اليوم. وقد تتغير هذه الشروط فى المستقبل حسب الحقائق على الارض، كما تغيروا بالفعل خلال السنوات العشر الماضية.
إن روسيا جادة فى نية إلى إنهاء المواجهة العسكرية التى أثارها الغرب والتى تخلف تأثيرا سلبيا ليس فقط على المشاركين المباشرين فيها، بل وأيضا على المجتمع الدولى بأسره. ولكننا لا نرجو السلام بل نقترحه. إذا لم يغادر المحتلون الأوكرانيون أرضنا واستمرت الولايات المتحدة وأتباعها فى تزويد كييف بأسلحة فتاكة جديدة وتهديدنا بحرب نووية، فإن القوات المسلحة الروسية ستفى بواجبها فى الدفاع عن الوطن.
وننطلق من أن تعبر دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التى تمثل الأغلبية العالمية، عن موقفها أيضا وستطالب من الغرب، الذى لا تقتل سياساته العدوانية اليوم الروس فحسب، وبل أيضا الفلسطينيين فى قطاع غزة، بالتوقف عن تقويض الاستقرار العالمي. ولا تزال مبادرة السلام الروسية مطروحة على الطاولة.
 

مقالات مشابهة

  • 28 تريليون دولار من الديون.. الاقتصاد الأمريكي "على شفا الكارثة"!
  • السيسي: "الاستثمار المصري الأوروبي" فُرصة للاطلاع على الإمكانات الاستثمارية المتوفرة بمصر
  • السفير الروسي في القاهرة يكتب: نعرض السلام على الغرب مرة أخرى
  • ما وراء البترودولار: مستقبل متعدد الأقطاب لتجارة النفط
  • وزارة المالية تعقب على تقرير معهد التمويل الدولي بشأن الاقتصاد المصري
  • رسالة مفتوحة الى مرتضى الغالى، رشا عوض وفائز سلك ومن لف لفهم
  • محسن محيي الدين يكشف عن أسرار وكواليس مشواره الفني ببرنامج "واحد من الناس" في هذا الموعد
  • متخصص: هناك مؤشرات تبين أن الطفل يعاني من صعوبات التعلم
  • ديربي القناة .. فخر الدين بن يوسف يقود هجوم المصري أمام الإسماعيلي
  • صلاح الدين تعلن إعادة ضخ ماء الشرب لمنطقتي القادسية والديوم