عام من الاضطرابات التحويلية.. الشرق الأوسط يواجه تحديات غير مسبوقة
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
مع اقتراب عام 2023 من نهايته، يجد الشرق الأوسط نفسه متورطا في شبكة من الأزمات التي قلبت الديناميكيات الإقليمية رأسا على عقب، متحدية التوقعات المتفائلة التي صدرت في وقت سابق من العام.
ووفقا لتحليل لمجلة الإيكونومست، فإن الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم يكن بمثابة المواجهة الأكثر دموية منذ عام 1948 فحسب، بل أدى أيضاً إلى سلسلة من العواقب التي تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الأراضي المقدسة.
في تأمل مؤثر في العام المضطرب، يسلط تحليل للإيكونومست، الضوء على التحول الجذري من توقعات خفض التصعيد والدبلوماسية في المنطقة إلى الواقع القاسي المتمثل في تصاعد العنف والتوترات الجيوسياسية.
إن العلامات الأولية لاحتمال ذوبان الجليد في العلاقات الإقليمية، بما في ذلك الاتفاق الذي أبرمته السعودية مع إيران في مارس واستعداد جامعة الدول العربية لقبول بشار الأسد من جديد في مايو، قد طغت عليها إراقة الدماء الأخيرة.
وقبل اندلاع الصراع في أكتوبر، كانت إسرائيل تتمتع بعلاقات دافئة مع الدول المجاورة. ومع ذلك، فقد حولت الحرب إسرائيل من شريك إقليمي إلى دولة منبوذة في المنطقة.
المواطنون العرب، الذين كانوا يأملون في تحسين العلاقات، ممتلئون الآن بالغضب، وقد وجد الشحن العالمي نفسه بشكل غير متوقع في مرمى نيران الصراع، مما يؤثر على الاقتصادات وربما يؤثر على السياسة الدولية.
على الرغم من المحاولات الأولية لتهدئة التصعيد، لم تتمكن الدول في المنطقة من منع العنف من جانب الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وقد أدى الصراع إلى تسليط الضوء على القضية القديمة المتمثلة في ضعف الدولة على نطاق واسع في الشرق الأوسط، حيث تمارس جماعات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، نفوذها وتعطيل الاستقرار الإقليمي.
وأصبحت التداعيات الاقتصادية للصراع محسوسة بالفعل، وقد أدت الحرب إلى انخفاض قيمة العملات، والانكماش الاقتصادي. تراجعت السياحة، وهي مصدر مهم للدخل، في جميع أنحاء المنطقة، وتضيف هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر طبقة أخرى من الضغوط الاقتصادية.
لقد أجبر الصراع الولايات المتحدة، على الرغم من المحاولات السابقة للابتعاد عن الشرق الأوسط، على إعادة تأكيد نفوذها في المنطقة.
وتم نشر مجموعتين من حاملات الطائرات وآلاف من القوات، مما يؤكد الأهمية الدائمة للشرق الأوسط في الجغرافيا السياسية العالمية.
وفي الأراضي المقدسة ذاتها، أدت الحرب إلى تعميق الاتجاهات القائمة من التعنت، حيث أفسح التفاؤل بالتوصل إلى تسوية دائمة المجال أمام المواقف الراسخة.
وتشير الاستطلاعات إلى أن كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين يتشددون في مواقفهم، مما يجعل احتمالات حل الدولتين أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
ورغم أن حرب غزة لم تعيد رسم الحدود ولم تطيح بأنظمة كما فعلت الصراعات السابقة، فإنها كشفت عن المشاكل التي ابتليت بها المنطقة دون حل.
ومع نهاية العام، يواجه الشرق الأوسط مستقبلاً معقداً وغير مؤكد، حيث يبحر عبر تداعيات الصراع الذي غيّر كل شيء من نواحٍ عديدة، لكنه عزز رغم ذلك التحديات القديمة التي لا تزال قائمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
الباركود وسياسة الهضم
سعيدة بنت أحمد البرعمية
يمكنني تشبيه غزّة بالباركود؛ فمن خلال المسح الذي تعرضت له انكشف ما كان مستترًا من حقائق وأخبار لم تكن واضحة قبل السابع من أكتوبر لعام 2023م، تم أخيرا بعد 15 شهرًا من بدء معركة طوفان الأقصى، الاتفاق بشكل أو بآخر على وقف إطلاق النار في الوقت الذي لوت فيه غزّة ذراع الحرب الأمريكية وأجبرها صمود البقاء للجلوس على طاولة المفاوضات.
كان بإمكان أمريكا وقف هستيريا الحرب على غزة منذ بدء شرارتها الأولى؛ لكنها وجدت فيها المنفذ الملائم لشن عدوان آخر على الشرق الأوسط كعادتها، فجلبت ما استطاعت من قوة وعتاد وخبث وشيطنة مجلجلة بالموت على الأطفال والنساء في غزّة وبالغت في إشباعهم بالمجاعة والأمراض والإبادة وهضم الأراضي والممتلكات على يد الأرعن بيبي؛ لكنها في المُقابل تعرّت من بقايا الإنسانية والديمقراطية التي كانت ما تزال تخدع بها بعض شعوب العالم خاصة شعبها الأمريكي.
تضع أمريكا لكل مرحلة تمساحها، فبعد الحرب الأخيرة على الشرق الأوسط في مرحلة إدارة بايدن؛ فإنّ المرحلة الآتية تتطلب اختيار تمساح ماهر يمكنها من تسديد فاتورة الحرب ولديه خبرة في طرق الباب الإنساني والتسوّل المجوني في الشرق الأوسط؛ فقد حان إعمار المدن الأمريكية وتسديد فاتورة الحرب، وهذا الدور لا يجيده سوى أبو الجميلة إيڤانكا؛ لذا يتولى ترمب مجددا الرئاسة بالرغم من أنه عاش في وقت ما مرحلة لا نظير لها من النبذ في أمريكا حرم فيها حقه في استحدام منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية، وبالرغم من الحملات الإعلامية التي شُنّت ضده ومسّت بشخصه ومكانته؛ تشاء الأحداث جعله تمساح المرحلة المُقبلة لضخ الأكسجين في رئة أمريكا التي أوشكت أن تتلفها غزة والحرائق الطبيعية في المدن الأمريكية؛ يؤهله لذلك نجاحه في المهمة ذاتها سابقًا أثناء ولايته الأولى بعد الحرب على العراق وأفغانستان؛ فهو الأبرع على الإطلاق في جلب الأموال لأمريكا من الشرق الأوسط عامة والخليج خاصة.
هل هُزمت إسرائيل؟
يرى البعض أنَّ إسرائل لم تُهزم، لأنَّ وقف إطلاق النَّار كان بواسطة الضغط الأمريكي ولخدمة شؤون أمريكية، وأنّ بإمكانها مواصلة الحرب والقضاء على حماس، خاصة وأنّ في الحكومة الإسرائيلية من يُعارض القرار، وذهب آخرون إلى أنّ هدف إسرائيل الرئيسي ليس القضاء على حماس فحسب؛ وإنما توسيع دائرة الحرب والتوغل أكثر في المنطقة بحجة محاربة حماس؛ لذلك أوجدت عداءات واشتباكات أخرى في لبنان وإيران واليمن وسوريا. وهناك من يرى أنّ إسرائيل قد هزمت منذ اليوم الأول للحرب ولولا الدعم الغربي لما استمرت الحرب حتى الآن؛ وأنّ المسؤول الأول والأخير عن الحرب هي أمريكا بدليل استخدامها "الڤيتو" أكثر من مرة وتمويل الحرب والاقتناع بأهمية المفاوضات في هذا الوقت بالذات؛ فالكيان ليس إلا أداة للجرم الأمريكي والقرار بوقف الحرب في هذا الوقت لم يكن لأنَّ أطفال وشعب غزة يستحق الحياة كما أشار بلينكن في خطابه، الأمر الذي يُثير الاستغراب من الصحوة الإنسانية المتأخرة بعد الكثير من الإصرار على الإبادة والتطهير العرقي، وعلى أيّ حال ظلّت حماس القوة القاهرة والكلمة المسموعة واليد العليا ومدرسة الصمود إلى آخر دقيقة في الحرب وما تزال.
وإذا نظرنا للأهداف في هذه الحرب يتجلى المشهد الصهيوني في كون الإبادة الهدف المنشود جرّاء هذه الحرب مهما كلّف الأمر ومهما عارض القيم والإنسانية؛ بينما يتجلى هدف المقاومة في التشبّث بالأرض والعمل على البقاء؛ فكان الثمن باهظًا بطبيعة الحال؛ لكن في المقابل تنتصر حرب السنوار بالرغم من تكاتل القوى عليها؛ لتعيد الدرس الفلسطيني ذاته في فلسفة الوجود واستحقاق البقاء؛ فحين نقول تنتصر حماس؛ فالفعل المضارع يرمز لاستمرار تنفيذ أهداف المقاومة في الصمود والاستحواذ وتحرير كلّ الأراضي المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، نعم آمنّا بفكرة المقاومة وما زلنا نؤمن بقدرتها على التحرير.
كان هدف المقاومة واضحًا وثابتًا وكلما زادت الخسائر يتجذّر المقاتل بأرضه أكثر ويقاتل بشراسه، لم تتقهقر صفوف المقاومة يوما باستسهاد القادة ولا باعتقال ذويهم ولا باستهداف القصف أحيائهم ولا بحجم التآمر والخذلان العربي من حولهم؛ فالغاية كانت أعظم من أن يشاركها عظيم، وهذا ما قهقهر صفوف العدوان والأحزاب أمامها وأسقط شعاراتهم وألحق بهم هزيمة القرن الحادي والعشرين.
على نحو الإبادة كان العالم يستشهد بماحدث في هيروشيما ومحرقة الهولوكوست، وأثبت الحال أنّ غزّة سقط عليها ما يضاعف قنبلة هيروشيما وما يفوق حادثة الهولوكوست، وصمدت صمودا لا يقابله صمود وشجاعة تدرس للشعوب وللمقاتلين في المدارس الحربية؛ وأمّا على مستوى المعارك فكانت معركة ستالينغراد المعركة التاريخية بلا منافس في الشدّة والبأس والفقد، إلى أن فرض السنوار بأس طوفانه؛ فتضاعف صمود طوفان الأقصى وفاق معركة ستالينغراد، واستمر بشدّته إلى أنْ تباكى العدو وانبطح انبطاح المهزوم في مستنقع المفاوضات؛ فسجلت حرب السنوار أولى انتصارات بداية النهاية وتستمر انتصارات الطوفان إلى أنْ نصلي في الأقصى المبارك.