تقدم ملحوظ في أداء الاقتصاد العُماني لعام 2023 وسط مؤشرات إيجابية ومطمئنة
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
العُمانية: أشارت وزارة الاقتصاد ضمن الحصاد الاقتصادي لعام 2023م إلى أن سلطنة عُمان شهدت خلال هذا العام العديد من التطورات والإنجازات التي كان لها الأثر الإيجابي في الارتقاء بأداء الاقتصاد العُماني، وتحسين مستوى معيشة المواطن، وضمان استدامة توفير سبل العيش الكريم له، وبما ينسجم مع الأولويات الوطنية وأهداف خطة التنمية الخمسية العاشرة والتوجهات الاستراتيجية لـ «رؤية عُمان 2040».
وقال سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي وكيل وزارة الاقتصاد: إنّ العام الجاري يختتم أعماله بتحسن نوعي في أداء الاقتصاد العُماني والمؤشرات الاقتصادية إيجابية ومطمئنة، وتؤكد نجاح السياسات الاقتصادية والمالية المتخذة، وهناك توقعات بمواصلة الاقتصاد العُماني لتحقيق المزيد من النمو في عام 2024م من خلال مواصلة انتهاج سياسات اقتصادية مرنة تستجيب للمتغيرات العالمية واستمرار تبني سياسات اقتصادية محفزة والعمل على التحسين المستمر في الإجراءات والتشريعات الاقتصادية المختلفة.
وأضاف سعادته: إن هناك تقدما ملحوظا في أداء الاقتصاد العُماني لعام 2023م الذي يتضح في أداء المالية العامة للدولة، والتحسن في التصنيف الائتماني إلى جانب مؤشرات النمو الإيجابية والمؤشرات الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالمؤشراتِ الاقتصادية أشار سعادته إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 2 بالمائة ليصل إلى نحو 26.4 مليار ريال عُماني حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023م مقارنة بنحو 25.9 مليار ريال عُماني خلال الفترة نفسها من عام 2022م، بالرغم من تراجع إنتاج النفط بنسبة 0.9 بالمائة.
وبين سعادته أنه على مستوى الأنشطة الاقتصادية، فقد ارتفعت القيمة المضافة للأنشطة النفطية بالأسعار الثابتة بنسبة بلغت 0.5 بالمائة لتشكل ما نسبته 34.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023م، في حين نمت القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية بوتيرة أعلى وبنسبة بلغت 2.7 بالمائة مشكلة ما نسبته 68.8 بالمائة.
وأرجع سعادته هذا إلى الارتفاع في القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية نتيجة لنمو معظم الأنشطة الاقتصادية التي تراوحت معدلات نموها بين 26.8 بالمائة لنشاط الاتصالات والمعلومات، و0.6 بالمائة لأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، وفي المقابل سجل نشاط الإنشاءات ونشاط الصناعات التحويلية والأنشطة المالية وأنشطة التأمين تراجعًا بنسبة 5 بالمائة و2.6 بالمائة و9 بالمائة على التوالي.
وحول المستوى العام للأسعار، أكد سعادة الدكتور وكيل وزارة الاقتصاد أن الإجراءات الحكومية الاستباقية في عام 2023م أسهمت في حماية الاقتصاد العُماني من التضخم والمحافظة عليه في حدود آمنة، حيث تمكنت سلطنة عُمان من الحفاظ على معدلات التضخّم وِفق مؤشّر أسعار المستهلك ضمن الحدود المقبولة والآمنة وبما يضمن تفادي الانعكاسات السلبية على مستوى معيشة المواطنين، حيث بلغ معدل التضخّم نحو 1.03 بالمائة خلال الفترة (يناير- نوفمبر) من عام 2023م مقارنة مع 2.9 بالمائة خلال الفترة ذاتها من عام 2022م. مشيرا إلى أن معدلات التضخّم الشهرية اتجهـت نحو الانخفاض منذ بداية عام 2022م، حيث تراجعت من 4.4 بالمائة في يناير 2022م إلى نحو 0.6 بالمائة في نوفمبر 2023م، ويعزى ذلك إلى التدابير والسياسات الحكومية المتخذة للتخفيف من حدة التضخـم، أهمها تثبيت أسعار الوقود وفقا لأسعار شهر أكتوبر2021م ودعم المواد الغذائية الأساسية إلى جانب انخفاضِ مستوى الأسعار العالمية وخاصة للسلع الغذائية.
وعلى صعيد أداء المالية العامة، أكد سعادته مواصلة تحسن الوضع المالي خلال عام 2023م، على الرغم من انخفاض الإيرادات العامة بنسبة ملموسة بلغت 17.4 بالمائة لتصل إلى نحو 9.8 مليار ريال عُماني حتى شهر أكتوبر 2023م جراء انخفاض متوسط أسعار النفط ليبلغ 81 دولارا أمريكيا للبرميل، وانخفاض الإنفاق العام بنسبة 15.8 بالمائة، ليبلغ نحو 9 مليارات ريال عُماني نتيجة لمواصلة تنفيذ إجراءات الضبط المالي، ما أدى إلى تحقيق الميزانية العامة للدولة فائضا ماليا مقداره 830 مليون ريال عُماني مقابل فائض مالي مقداره 1.21 مليار ريال عُماني في الفترة ذاتها من عام 2022م.
وأوضح سعادته أن تحسن أداء الميزانية العامة إلى جانب تحسين إدارة المحفظة الإقراضية أدى إلى انخفاض إجمالي الدين العام لسلطنة عُمان بنحو 1.3 مليار ريالٍ عُماني أي ما نسبته 7.4 بالمائة عن مستواه في نهاية عام 2022م، ليبلغ نحو 16.3 مليار ريال عُماني في نهاية شهر أكتوبر 2023م.
وأشار سعادته إلى تحسن التقييم الائتماني لسلطنة عُمان من قبل مؤسسات التقييم الدولية الرئيسية التي أصدرت تقييمها في عام 2023م حول سلطنة عُمان، حيث رفعت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني لسلطنة عُمان في سبتمبر 2023م إلى BB+ مـع نظـرة مسـتقبلية مسـتقرة، كما رفعت وكالة «ستاندرد اند بورز» التصنيف الائتماني للسلطنة في سبتمبر 2023م إلى BB+ مـع نظرة مستقبلية مسـتقرة أيضا، وكذلك رفعت وكالة «موديز» تصنيفها الائتماني في مايو 2023م إلى Ba2 مع الإبقاء على نظرتها المستقبلية الإيجابية، وذلك نتيجة لتحسن مؤشّرات أداء المالية العامة ومواصلة تنفيذ إجراءات ومبادرات الضبط المالي وانخفاض مخاطر الديْن العام.
وأكد سعادته أن التحسن في التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان سينعكس إيجابا على تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار واستقطاب أكبر عدد من الاستثمارات الخارجية النوعية، وتحسين صورة الاقتصاد العُماني لدى المنظمات الدولية التي يعتمد على بياناتها المستثمرون لاتخاذ قرار الاستثمار في بلد معين من عدمه.
وأشار سعادته إلى أن خطة التنمية الخمسية العاشرة بعد مضي 3 سنوات من تنفيذها تسير وفق الخط الزمني المرسوم لها، وتسرّع في تحقيق مستهدفات «رؤية عُمان 2040»، موضحا أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغ 31.4 مليار ريال عُماني حتى الربع الثالث من عام 2023م أي يتجاوز المستهدف والمقدر ضمن الخطة بـ 30.1 مليار ريالٍ عُماني، كما بلغ معدل النمو للأنشطة غير النفطية 2.7 بالمائة وهي نسبة قريبة من المخطط 3 بالمائة.
وأكد سعادته أن «معدل التضخم مطمئن ولا يزال في الحدود الآمنة والمعقولة، فقد بلغ معدل التضخم 1.03 بالمائة حتى نوفمبر 2023م، في حين أن المخطط له وفقا لخطة هذا العام أن يبلغ 3.4 بالمائة».
وحول الموقف التنفيذي للبرامج الاستراتيجية لخطة التنمية الخمسية العاشرة، أوضح سعادته أنه جار تنفيذ 85 بالمائة من البرامج أي ما يعادل 367 من 430 برنامجا استراتيجيا.
وبالنسبة لقطاعات التنويع الاقتصادي في الخطة، بيّن سعادته أنّ قطاعات الزراعة والسياحة والتعدين حققت معدلات نموّ تجاوزت المخطط لهذا العام وهي على التوالي 1.4 بالمائة و1.8 بالمائة و0.7 بالمائة مقارنة بالمخطط 1.2 بالمائة وواحد بالمائة و0.6 بالمائة، في حين أنّ الصناعات التحويلية وقطاع النقل والخدمات اللوجستية لا تزال نسبة نموّهما بعيدة عن المخطط لعام 2023م، أما قطاعا التعليم والثروة السمكية فقد بلغت نموّها بالترتيب 0.9 بالمائة مقارنة بالمخطط واحد بالمائة، و4.8 بالمائة مقارنة بالمخطط 4.9 بالمائة.
وعن البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي، قال سعادته: إنه من خلال عمل البرنامج في المرحلة الأولى واعتمادًا على الأدوات الاستراتيجية، خرج البرنامج بحزمةٍ من السياسات المقترحة والمبادرات التنفيذية للمساهمة في حلحلة التحديات وتعزيز القاعدة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية بالتركيز على العلاقات التشابكية بين القطاعات المحددة، وهي: التجمع الاقتصادي المتكامل في محافظة الداخلية، والتجمع الاقتصادي المتكامل بمنطقة شليم، والتجمع الاقتصادي المتكامل بمنطقة النّجد، إضافة إلى التجمع الاقتصادي لسلسلة التبريد في الدقم، والتجمع الاقتصادي المتكامل في منطقة صحار.
وأكد سعادته أن البرنامج انتهى من تحليل سلاسل القيمة للتجمعات الاقتصادية الخمسة المرتبطة بقطاعات التنويع الاقتصادي بالتعاون مع أكاديمية الابتكار الصناعي، حيث تم رصد أبرز التحديات والفرص المتعلقة بها، والفرص الاستثمارية المتعلقة بهذه التجمعات وتأطير الأبرز منها والممكنات، مبينًا أن البرنامج قام باقتراح الحوكمة المناسبة لهذه التجمعات، وأجرى عددًا من الزيارات الميدانية للمواقع المقترحة لهذه التجمعات للالتقاء بشكل مباشر بالجهات ذات العلاقة ومعرفة الجهود القائمة وسير الأعمال بالإضافة إلى التنسيق مع الجهات المنفذة والمساندة لهذه المخرجات والعمل معها على وضع خطط أولية للتنفيذ، وسيقوم البرنامج بعد اعتماد هذه المخرجات من مجلس الوزراء بشكلها النهائي بإعداد مؤشرات لقياس الأداء ومتابعة التنفيذ لهذه المخرجات وسيتولى البرنامج دور التقييم والمتابعة وتتولى الجهة المنفذة تطوير وتنفيذ هذه المخرجات.
ولفت سعادته إلى الجهود الحثيثة التي أولتها الحكومة لقطاع الطاقة المتجددة والوصول إلى اقتصاد أخضر يستجيب للاحتياجات الوطنية وينسجم مع التوجهات العالمية، مؤكدا أن سلطنة عُمان تمضي قدما وبخطى متسارعة في مجال الهيدروجين والطاقة المتجددة، فقد تم مؤخرًا الاتفاق على 6 مشاريع هيدروجينية عالمية المستوى في «قمة عُمان للهيدروجين الأخضر»، وبتكلفة تقديرية تبلغ 38 مليار دولار أمريكي في محافظتي الوسطى وظفار، وعند تشغيلها بحلول عام 2030م تستهدف إنتاج نحو مليون طن سنويا من الهيدروجين الأخضر.
كما أكد سعادته أن سلطنة عُمان تأتي في في طليعة الدول في استخدام الطاقة النظيفة، وتمتلك البنية الأساسية لمشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين، إلى جانب وجود حوافز جاذبة للمستثمرين في هذا المجال، ما يؤهلها أن تكون أحد أكبر المنتجين للهيدروجين الأخضر على مستوى العالم بحلول عام 2030م، وتكلّل هذا السعي الجاد بالتوجيهات السامية بإنشاء مركز عُمان للاستدامة لضمان تنفيذ الخطة الوطنية للحياد الصفري.
وقد شهد عام 2023م صدور عدد من القوانين والتشريعات الحاكمة للإطار التشريعي للشأن الاقتصادي بسلطنة عُمان ودعم استمرار زخم النمو الاقتصادي في هذا العام، أبرزها: قانون الحماية الاجتماعية، وقانون العمل، وقانون الدين العام، وقانون السياحة إضافة إلى نظام صندوق الحماية الاجتماعية.
وأكد سعادة الدكتور وكيل وزارة الاقتصاد أنّ هذه القوانين ذات تماس مباشر بالشأن الاقتصادي وهي ببعديها الاقتصادي والاجتماعي تمثل محركا أساسيا في التنمية الاقتصادية، وإيلاء الحكومة هذا الاهتمام بالمنظومة التشريعية يعكس العمل الجاد للوصول إلى تحقيق المستهدفات الوطنية المرتبطة بالمحاور الأربعة في «رؤية عُمان 2040» وهي محور الإنسان والمجتمع، والاقتصاد والتنمية، والبيئة، والحوكمة والأداء المؤسسي.
كما شهد هذا العام افتتاح عدد من المشاريع الكبرى برعاية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهي الأكاديمية السلطانية للإدارة المختصة بإعداد وتطوير الكوادر العُمانية في القطاعين الحكومي والخاص اتساقا مع مسارات الاقتصاد الجديد، ومتحف عُمان عبر الزمان بمحافظة الداخلية كجهة عالمية المستوى، تحفظ الإرث الثقافي وتسلط الضوء على الطابع الفريد لسلطنة عُمان، إضافة إلى تدشين مدينة السُّلطان هيثم التي تعد نموذجا للمدن المستقبلية في سلطنة عُمان ووجهة جاذبة ومعززة للاستثمار.
وأشار سعادته إلى المبادرات والمشاريع الاستراتيجية الأخرى التي يؤمل أن تنعكس إيجابيًا على النشاط الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المواطن، فقد تمّ خلال عام 2023م اتّخاذ عدد من المبادرات والمشاريع أبرزها إنشاء مدينة خزائن الاقتصادية في محافظة جنوب الباطنة، والبدء في إقامة مشروع مدينة رياضية متكاملة تستقطب استضافة البطولات والمسابقات على المستويين الإقليمي والعالمي، وافتتاح مشروع «ربط» الاستراتيجي (المرحلة الأولى) الذي تنفذه الشركة العُمانية لنقل الكهرباء، والإعلان عن إطلاق صندوق عُمان المستقبل في نهاية مايو 2023م وبرأسمال قدره 2 مليار ريال عُماني ضمن إطار المساعي المستمرة لجهاز الاستثمار العُماني نحو تعزيز التنويع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص ودعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة وجذب الاستثمار الأجنبي.
وأكّد سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي وكيل وزارة الاقتصاد على مواصلة الاقتصاد العُماني نموه وتعزيز تنافسيته ويستشرف المستقبل ويواصل مسيرة البناء والتنمية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه- للمضيّ قدما نحو مستقبل أفضل وأرحب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: 2023م إلى
إقرأ أيضاً:
الوجه الجديد لجائزة السلطان قابوس
أعلنت مساء الأربعاء الماضي أفرع الدورة القادمة من جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب التي تحمل رقم 12، والمخصصة هذه المرة للمثقفين العرب، وقد شملت مجالات المؤسسات الثقافية الخاصة عن فرع الثقافة، والنحت عن فرع الفنون، والسِيَر الذاتية عن فرع الآداب، وقد بشرنا سعادة حبيب بن محمد الريامي؛ الأمين العام للجائزة في «المؤتمر الصحفي» في 13 نوفمبر الماضي -(وسأشرح بعد قليل لماذا وضعت «المؤتمر الصحفي» بين علامتَي تنصيص)- بأننا سنشهد في العام القادم «وجهًا جديدًا ورؤية أخرى متطورة جدًّا لجائزة السلطان قابوس»، وسيُعلَن عن ذلك في مؤتمر صحفي يُعقد في فبراير القادم. وقد استبق سعادته أي سؤال حول هذه الرؤية بالقول: «أعلم بأن الإخوة الإعلاميين دائما يقولوا أنت تقول كلام وبعدين ما نشوف منّه شي. لا أنا أعدكم أن هذا العام ستكون أشياء، وأشياء جميلة إن شاء الله، تثري الساحة الفكرية والثقافية والفنية، وتُغنينا عن فتح باب الأسئلة في هذا اللقاء، لذلك أستميحكم عذرا!»
بعد أن أعدتُ مشاهدة هذا التصريح في اليوتيوب سألتُ الذكاء الاصطناعي: ما المقصود بـ«المؤتمر الصحفي؟» فأجابني قبل أن يرتد إليَّ طرْفي: «هو تجمّع إعلامي يعقده شخص أو جهة معينة (مثل مسؤول حكومي أو شركة منظمة أو شخصية عامة) بهدف تقديم معلومات أو تصريحات مهمّة للجمهور عبر وسائل الإعلام. يتميز المؤتمر الصحفي بتوفير فرصة مباشرة للصحفيين لطرح الأسئلة والحصول على إجابات مباشرة من المتحدث أو المتحدثين الرسميين». انتهت الإجابة.
والحال أنه حسب هذه التعريف فإن اللقاء الذي عقده سعادته في نوفمبر الماضي بالصحفيين (وبعضهم جاء من دول عربية شقيقة بدعوة رسمية من مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم لتغطية هذا الحدث الثقافي المهم) لم يكن مؤتمرًا صحفيًّا، وإنما إعلان النتائج من طرف واحد فحسب. ولا أدري لماذا يَمنع مؤتمر صحفي مستقبلي سيُعقد بعد ثلاثة أشهر، الصحفيين والإعلاميين من طرح أسئلتهم في مؤتمر صحفي حاليّ يُعقد اليوم، ولا علاقة له بما سيكون في فبراير. فذلك «المؤتمر (أعني «مؤتمر» نوفمبر») معقود حول نتائج الدورة الحادية عشرة، التي من حق الصحفيين أن يوجهوا أسئلة حولها، سواء إلى لجنة التحكيم التي كانت حاضرة، أو لسعادته شخصيا بصفته مسؤولًا عن الجوانب الإجرائية لهذه المسابقة.
وفي الحقيقة فإن سعادته تجاوز في ذلك اللقاء الحديث عن الجوانب الإجرائية إلى الحديث باسم لجان التحكيم، وقال كلامًا يثير الكثير من الأسئلة، خصوصًا في مجال الشعر. ذلك أننا اعتدنا أن تكون الجائزة المخصصة للعُمانيين جائزة تشجيعية لا تقديرية، أي أنها تُمنح لعمل واحد فقط من أعمال المتقدِّم للمسابقة، لا لمسيرته الثقافية كاملة كما هي الحال في الجائزة المخصصة للعرب. ومن هنا فإن تصريح سعادته- باسم لجنة تحكيم الشعر- فجّر تساؤلات عدة حول عدالة هذا التحكيم، فقد طرح سعادته أحد شروط نيل العمل الشعري الجائزة على هيئة تساؤل: «هل هذا العمل الذي قُدِّم يتكئ على رصيد سابق، سواء كان من حيث وجود منشورات أو دواوين سابقة، وكذلك من حيث ارتباط هذا الشعر بنتاجات أخرى، وأيضًا مدى تقبُّل الذائقة العامة لهذا الشعر، ولا أقصد بالذائقة هنا انحدار المستوى، ولكن أقصد نمطية الشعر ومحتواه وما يمكن أن تدور حوله هذه القصائد التي قُدِّمتْ». انتهى تصريح سعادته الذي يقول ضمنيًّا: إن الموضوع الذي يطرقه الديوان هو الذي يحدد فوزه من عدمه، لا كيف تناول الشاعر هذا الموضوع، وإن أي شاعر تقدم بديوانه للمسابقة لن يفوز مهما كانت القوة الفنية لديوانه ما لم يكن له دواوين سابقة، ولن يفوز إذا كان يكتب قصيدة النثر، مهما كانت قصائده جميلة، لأن «الذائقة العامة» في عُمان على الأقل لا تتقبّل هذا النوع من الشعر. والسؤال الذي كان يمكن أن يطرحه صحفيّ على سعادته لو أنه سمح بالأسئلة: «هل يتم تحكيم المسابقات الأدبية والفكرية حسب «الذائقة العامة» أم حسب «الذائقة الخاصة» التي تمثلها لجنة التحكيم؟، والسؤال الآخر الذي كان ممكنًا أن يسأله صحفي ثان: «هل هذا رأي سعادتك الشخصيّ أم هو رأي لجنة التحكيم؟».
وإذا كان سعد البازعي قد فاز بجائزة السلطان قابوس في النقد لمجمل أعماله النقدية، وفاز بها علي الحجّار لمجمل تجربته الغنائية، وفاز واسيني الأعرج بالجائزة لمجمل تجربته الروائية، أي أن هؤلاء الثلاثة كان لديهم تراكم كبير من الأعمال أهلهم لنيل الجائزة التقديرية، فإن التساؤل هنا حول تخصيص جائزة الآداب للعام القادم حول السير الذاتية، ونحن نعلم أنه لا تراكم في هذا الجنس الكتابي، فالمرء يكتب سيرته مرة واحدة فقط، حتى وإن نُشِرت أحيانًا على أجزاء، وعليه فإنه جنس كتابي يصلح لجائزة تشجيعية على عمل واحد لا لجائزة تقديرية تُمنح لأعمال كثيرة متراكمة. كما أن طرحها بصيغة الجمع «السير الذاتية» وليس «السيرة الذاتية» يطرح تساؤلات أخرى، قد تحتاج إلى توضيحات مستقبلًا أثناء وضع شروط المسابقة.
وإذْ ننتظر بترقّب الوجه الجديد لجائزة السلطان قابوس الذي بشرنا به سعادته، فإنه لا يسعني إلا أن أطرح اقتراحَيْن يمكن أن يصبّا في تطوير الجائزة ويُسهما في صنع هذا الوجه الجديد؛ الأول: أنه آن الأوان لينال المثقف والأديب والفنان العُماني جائزة تقديرية عن مجمل أعماله، أسوة بأخيه العربي، لا تشجيعية عن عمل واحد فقط، وقد أثبت مبدعونا العمانيون في السنوات الماضية أنهم ليسوا فقط قادرين على المنافسة على جوائز عربية ودولية، وإنما أيضًا الفوز بهذه الجوائز. أما الاقتراح الثاني: فهو أن يكون إعلان الفائزين بأفرع الجائزة الثلاثة من قِبَل لجان التحكيم نفسها، كما هي حال مسابقات عربية كثيرة، وأن تتلقى هذه اللجان أسئلة الحاضرين وتجيب عنها، وهذا من شأنه أن ينأى بأمانة الجائزة عن أي تساؤلات قد تثيرها- لا سمح الله- هذه النتائج.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني