تكاليف الزواج في مصر.. بُعبع يٌهدد الأسرة

تضاعفت أسعار ومتطلبات الزواج خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت، وتتزايد تكاليفه بشكل مستمر، وذلك في ظل غلاء المعيشة والحياة وارتفاع أسعار السلع مختلف السلع والمنتجات، الأمر الذي أضاف على الشباب عبئًا جديدًا على أكتافهم.

اقرأ أيضًا.. 

وأصبح حلم الزواج وتكوين الأسرة لشباب وأبناء الطبقة المتوسطة لمن استطاع إليه سبيلًا، خاصة مع عدم تماشي هذا الارتفاع مع الوضع المادي ومستوى الدخل لهم أو عدم توفر العمل للبعض من الأساس، وأعدت جريدة الوفد هذا الملف للوقوف على تكلفة الزواج في مصر، وما يتحمله الشباب والأهالي من أعباء.

فعملية الزواج في مصر تمر بمراحل متعددة بداية من الخطوبة والشبكة وتوفير مسكن وتجهيزه بالأثاث والمطبخ وأدواته والأجهزة الكهربائية، وصولًا إلى الفرح نفسه ومتطلباته، واعتمدت الوفد، في هذا الملف على عدة حالات من أبناء الطبقة المتوسطة تزوجوا في  فترات وحقب زمنية مختلفة، وعدد من الاحصائيات الرسمية والأرقام عن تكاليف الزواج وتأثيره على المجتمع والأفراد، من خلال بعض المتخصصين. 

 

متطلبات الزواج كثيرة ودخل الشباب محدود

مجرد  التفكير في الخطوبة ومن بعدها الزواج أمر صعب للغاية، بهذه الكلمات يبدأ المهندس محمود جمال، شاب مُقبل على الزواج، حديثه لجريدة الوفد، فالخطوبة تحتاج  إلى أساسيات بسيطة ولكنها مكلفة جدًا بالنسبة للشاب الذي يعتمد على نفسه دون مساعدة من أحد. 

ويتابع، الشبكة والذهب في ظل ارتفاع سعر الجرام منه، فأقل مبلغ يحتاجه الشاب حاليًا أكثر من 60 ألف جنيه، وهو مبلغ كبير بالنسبة لدخل الشباب في مصر، فالشاب الذي يعمل بمرتب جيد نسبيًا يمكنه توفير هذا المبلغ في 7 أشهر على الأقل "تخيلي نص سنه تروح من عمرك عشان تخطب بس".

أرقام فلكية للزواج تحتاج إلى ثروة

وتأتي فيما بعد مرحلة تكوين عش الزوجية، وهي مرحلة بمثابة الكابوس لمحمود وغيره من الشباب، فالشقة  من وجهة نظره تحتاج إلى ثروة لشرائها أو بنائها، فبناء وتشطيب شقة في الريف فقط مثلًا يحتاج إلى 700 ألف جنيه، وفي المدينة يصل سعر الشقة لمليون جنيه وأكثر، مؤكدًا أن هذا الأرقام بالنسبة لشاب في مقتبل وبداية حياته رقم فلكي "عاوز 20 سنة شغل". 

دخل محدود للشباب 

بعدها يدخل الشاب للمرحلة النهائية للزواج وهي الفرح، ويُعدد محمود متطلبات هذه المرحلة وتكاليفها، وهي جهاز العروسين وقاعة الفرح والميك آب للعروسة والفستان والتصوير وغيرهم، ومصاريف كل هذا فوق طاقة أي شاب، وهو ما يجعل فكرة الزواج مستبعدة لشاب يعمل في مصر بهذه الأجور المتدنية. 

ويبلغ متوسط دخل الفرد في مصر بشكل عام حوالي 20.271 ألف جنيها سنويًا، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وفي الريف يصل متوسط دخل الفرد إلى 17.059 ألف جنيها، بينما يبلغ في المدينة متوسط دخل الفرد نحو 14.330 ألف جنيها.

انخفاض حالات الزواج لثُمن ما كانت عليه

تقول الدكتورة وصال سعدة، مأذون، إن ارتفاع تكاليف الزواج قلل بشكل كبير حالات الزواج، بسبب مصاريفه الكثيرة وكثرة أعبائه، وحدث فيها انخفاض شديد بالفعل بالنسبة لما كانت عليه في السابق، موضحة أنه في السابق كان هناك من 400 إلى 450 عقد زواج في السنة لكل مأذون في منطقته، أما الآن فأصبح أقل من 80 عقد قران في السنةلكل مأذون في منطقته، فالأعداد الحالية للمتزوجين قد تكون ثُمن الأعداد التي كانت تتزوج في السابق. 

وتبين سعدة في تصريحات خاصة لجريدة الوفد، أن انخفاض حالات الزواج في الريف بات أكبر وأصبحت منخفضة مثل المدن تمامًا، على عكس السابق حيث كان فيه حالات زواج مستمر، وذلك بسبب الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلد وارتفاع الأسعار المستمر، كما أن التجهيزات في الريف تكون فيها نوع من المبالغة في بعض الأحيان، أما بالنسبة للمدينة فانخفاض الزواج فيها لا يزال مستمر. 

انخفاض حالات الزواج 38% نسبة العنوسة في الحضر

وفي 2022، أصبحت العنوسة في مصر في تزايد مستمر، وفقًا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فيوجد قرابة الـ 11 مليون فتاة و2.5 مليون شاب يتجاوز أعمارهم الـ 35 عاما ولم يتزوجوا حتى الآن.

ويأتي الحضر المركز الأول في ارتفاع نسبة العنوسة التي تصل إلي 38%، أما المحافظات الحدودية تحتل المركز الثاني التي سجلت نسبة 30%، يليها محافظات الوجه البحري التي وصلت إلي 27.8%، بينما سجلت محافظات الوجه القبلي نحو 25%، ويُشار إلى أن هذه النسب في تزايد مستمر بشكل سنوي.

رسوم توثيق الزواج والشهادة الصحية 

ومن التكاليف التي يتحملها الشباب  أيضًا للزواج هي رسوم توثيقه كما حددها القانون المصري، وتبلغ رسوم العقد بدون مؤخر 600 جنيه، و3%من المؤخر إذا كان أقل من 5000 جنيه، بالإضافة إلى 600 جنيه رسم التوثيق، و4% من المؤخر إذا كان أقل من 10 آلاف جنيه، بالإضافة إلى 600 جنيه رسم التوثيق، و 5% من المؤخر إذا كان أكثر من 10 آلاف جنيه، بالإضافة إلى 600 جنيه رسم التوثيق، 600 جنيه لمصاريف المراجعة.

ويُضاف إلى ذلك نسبة المأذون من عقود الزواج التي يقوم بتوثيقها، وتحددها وزارة العدل وفقا للمهر والمؤخر، وليست مرتبطة بنسبة محددة في القانون، فمثلًا إذا كان المؤخر 10 آلاف جنيه سيحصل المأذون على مبلغ بين الـ 1500 لـ 1700 جنيه، بحسب جمعية المأذونين الشرعيين، في تصريحات سابقة.

توثيق الزواج في مصر 

كما أصبح الفحص الطبي شرط أساسي للمقبلين على الزواج، تطبيقًا للقرار رقم 6927 لسنة 2008 الصادر عن وزارة العدل، بأن تكون الشهادة الصحية للزواج الزامية على أي شخص مقبل على الزواج من قبل الطرفين، وتبلغ رسوم استخراج الشهادة الصحية للزواج 220 جنيها شاملة التحاليل ومصروفات طباعة الشهادة.

929.4 ألف حالة زواج في 2022

يذكر الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أنه منذ أربعينيات القرن الماضي وهناك أزمة في الإسكان ونقص في الوحدات السكنية، وهي حجر الأساس لإتمام أي زيجة، ومع ارتفاع أسعار الوحدات وارتفاع الأسعار والتكاليف الخاصة بالزواج بشكل عام، فهناك عدة عوائق يواجهه الشباب. 

ويواصل صادق حديثه لجريدة الوفد، بالفعل كان هناك تأخر في سن الزواج في مصر، لأسباب كثيرة مثل التعليم وغياب التوظيف ومحاولة الشباب لتكوين أنفسهم، وازداد هذا الأمر مع التكلفة الموجودة حاليًا، ولا شك أن لذلك تأثيراته السيئة على المجتمع، حيث يزيد من حقد الشباب على غيرهم وسخطهم على الناس والمجتمع، وهو ما يتسبب له فيما بعد لمشاكل نفسية، تكون نتائجها الاجتماعية سيئة. 

وبلغت معدلات الزواج بين الشباب المصري، خلال الفترة من 2009 حتى 2021، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كالتالي: في 2009، وصل معدل الزواج أقل من 10 حالات زواج لكل ألف نسمة، وفي 2010 حتى 2012، أصبح المعدل أكثر من 11 حالة زواج لكل ألف نسمة، وفي 2013، تراجع معدل الزواج لأقل من 11 حالة زواج لكل ألف نسمة، ثم ارتفع لـ 11 حالة في 2014.

وفي 2015 و2016، تراجع معدل الزواج ليصبح بين 10 و11 حالة زواج لكل ألف نسمة، ومن 2017 حتى 2019، استمر تراجع نسب الزواج بين المصريين لتتراوح بين 9 و10 حالات زواج لكل ألف نسمة، وفي 2020، انخفض معدل الزواج في مصر لأقل من 9 حالات سنويا لكل ألف نسمة واستمر التراجع في 2021.

 وبلغت عقود الزواج وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة عن عام2021، 880,041 حالة زواج.

وفي أغسطس الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تسجيل ارتفاع حالات الزواج في مصر لتصل إلى 929.4 ألف حالة زواج عام 2022، وبلغ متوسط عدد حالات الزواج في الشهر 77.5  ألف حالة عام 2022، وفي اليوم 2546 حالة، وفي الساعة 106 حالة، وفي الدقيقة 1.8 حالة، وحالة زواج كل 34 ثانية.

ربع مليون جنيه أقل سعر للشقة 

تغييرات ملحوظة شهدها سوق العقارات من زيادة في الأسعار في الفترة الأخيرة، بسبب زيادة مواد البناء في الفترات الأخيرة، فسجلت أسعار شقق الإسكان الاجتماعي في الطرح السابق لمحدودي الدخل الـ90 مترا 310 آلاف جنيه والشقة الـ75 مترا سجلت 245 ألف جنيه.

أما بالنسبة للإسكان المتوسط، فتبدأ سعر الوحدة في مشروع سكن مصر من 451  ألف جنيه حتى 850 ألف جنيه، وفي مشروع دار مصر يتراوح سعر الوحدة بين 700 ألف جنيه وحتى مليون و400 ألف جنيه، بينما تبدأ الأسعار في مشروع جنة من 800 ألف جنيه وحتى مليون و900 ألف جنيه.

شقق الإسكان الاجتماعيتكلفة الزواج في السبعينات أقل من 3 الآف جنيه

في السبعينات من القرن الماضي كانت تكاليف الزواج ومتطلباته تختلف كليًا عما هو عليه الآن، فتقول سهير السيد، - تزوجت في عام 1976- ، إن وقت زواجها لم تكن تُقام الأفراح في القاعات بل كانت في المنزل بشكل بسيط للغاية، ووقتها كان جرام الذهب بحوالي 90 قرش.

وتضيف سهير في حديثها لجريدة الوفد، أن جهاز العريس وأثاث الشقة كان بمبلغ 1500 جنيه، بينما كانت تكلفة الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ بمبلغ 500 جنيه، وكان الكوافير بنحو 50 جنيه، ولم يكن الجميع يذهب إليه في الفرح وقتها كما هو الحال الآن، كما كان فستان زفافها تفصيل. 

وفي عام 1977 حررت مصر سعر الجنيه للمرة الأولى، عندما سمح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء الاقتراض من الغرب التي أطلق عليها فيما بعد بـديون نادي باريس، وبعدها تحرك سعر الدولار رسميًا من من 1.25 جنيه إلى نحو 2.5 جنيه.

صورة أرشيفية لعروض للمقبلين على الزواج زمانتكلفة الزواج في 2004  بسعر الثلاجة الآن 

وفي عام 2003، لجأت الحكومة برئاسة عاطف عبيد إلى التعويم وتحرير سعر صرف الجنيه، ووقتها ارتفع سعر الدولار بعد قرار التعويم من 3.40 جنيه إلى 5.5 جنيه، ثم اقترب من الـ 7 جنيهات، وفي الأخير استقر عند 6.20 جنيه.

وتقول ولاء يوسف، - تزوجت عام  2004- ، إن وقت زواجها كان جهاز العريس بما يشمله من "أنتريه وسفرة وغرفة للنوم" عمولة تكلفته 10 الآف جنيه، وكان جرام الذهب وقتها بسعر 59 جنيه بالمصنعية، وبلغ سعر شبكتها الـ 85 جرام ذهب مبلغ 4500 جنيه فقط. 

وبالنسبة  لجهاز العروسة الذي يشمل كل الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ وبعض الاضافات والكماليات الآخرى لمنزل الزوجية، تتابع ولاء في حديثها لجريدة الوفد، تكلف وقتها  17 ألف جنيه، فمثلًا كان البوتوجاز في العام 2004 سعره 900 جنيه أما الآن يتجاوز الـ 15 ألف جنيه، أما بالنسبة لفستان فرحها لم يكن إيجارواشترته بمبلغ 600 جنيه، والميك آب كان سعره أقل من 300 جنيه. 

تكلفة الزواج في عام الثورة

وفي عام الثورة 2011، تزوجت ياسمين السيد، بشبكة 96 جرام بـ 20 ألف جنيه، كما تكلف زوجها لأثاث الشقة وفرشها بـ 5 غرف مبلغ 36 ألف جنيه، مضيفة في حديثها لجريدة الوفد،  أما بالنسبة للمطبخ وأدواته والأجهزة الكهربائية فكان سعرهم نحو 30 ألف جنيه، أما سعر ايجار فستان الحنة والفرح والكوافير لليومين بمبلغ 2000 جنيه. 

أجهزة كهربائية يتم شرائها عند الزواج في مصرأسعار جهاز العروسين والشبكة قبل تعويم 2016

تزوجت فاطمة نافع في عام 2015، ووقتها كان أثاث الشقة بمبلغ 40 ألف جنيه، وهو عبارة عن غرفة نوم كبيرة وغرفة للأطفال وركنة وسفرة وصالون، بينما بلغ سعر أدوات المطبخ والأجهزة الكهربائية 60 ألف جنيه، وشبكتها كانت 25 ألف جنيه، وكان سعر جرام الذهب آنذاك بمصنعيته نحو 280 جنيه. 

وعن الفرح وتجهيزاته، تقول فاطمة لجريدة الوفد، إن فستان زفافها كان إيجاره ألف جنيه، والميكيب في الحنة والفرح بنحو 1500 جنيه، والتصوير بمبلغ 2500، أما عن حجز القاعة نفسها فكانت أقل من 5000 الآف جنيه. 

وفي نوفمبر2016، أعلن البنك المركزي تعويم الجنيه، وسجل بعدها مباشرة الدولار 19.60 جنيه، لكنه عاد للتراجع فيما بعد، ليصل الدولار آنذاك عند الشراء بأعلى سعر إلى 14.50 وأقل سعر عند 13.5 جنيه.

تتجاوز المليون جنيه.. تكلفة الزواج بعد التعويم الأخير 

وخلال يوليو الماضي، تزوجت خلود جمال، التي تحدثت لجريدة الوفد، عن تكلفة زواجها الذي بلغ الإجمالي له أكثر من 600 ألف جنيه، بدون سعر الشقة نفسها، وبإضافة سعر الشقة ستتجاوز التكلفة المليون جنيه بكثير. 

وتوضح خلود، أن فرش مسكن الزوجية بالأثاث واحتياجاته نحو 200 ألف جنيه، بينما كان سعر المطبخ وأدواته والسجاد 250 ألف جنيه، بالإضافة إلى مصاريف ليلة الزفات المتمثلة في حجز القاعة وإيجار فستان "الفرح والميك آب والتصوير"، التي تتجاوز سعرها الـ 35 ألف جنيه، كما أن أقل حجز للقاعة هو الـ 15 ألف جنيه.

أما شبكة شبكة خلود فكانت 150 جرام من الذهب بسعر 160 ألف جنيه، مشيرة إلى ارتفاع الأسعار المتزايد وتغيره في كل يوم :"عند زواجي اشتريت الثلاجة بـ 23 ألف جنيه أما الآن فسعرها في السوق وحدها أكثر من 50 ألف جنيه". 

تكلفة الزواج تتخطى المليون جنيه 

وفي مارس من العام الماضي، جاء قرار تعويم الجنيه، وترتب عليه زيادة في جميع أسعار السلع والمنتجات والأجهزة، واستمرت الزيادة بعد تعويم الجنيه مُجددًا في أكتوبر 2022، ثم رفع سعر صرف الدولار بقرار من البنك المركزي في يناير الماضي، من مستويات 24.7 جنيه للدولار إلى مستويات 32 جنيهاً للدولار.

ويوضح نادي نجيب، سكرتير شعبة الذهب بالغرفة التجارية سابقًا، أن أقل سعر للشبكة في مصر في الوقت الحالي في حدود 20 إلى 30 ألف جنيه، وهي عبارة عن دبلة ومحبس فقط، أما إذا كانت الشبكة متوسطة فتتجاوز الـ 70 ألف جنيه، مشيرًا إلى عدد المقبلين على شراء شبكة في الفترة الأخيرة بسيط للغاية مع ارتفاع سعر الجرام منه، فمتوسط  سعره حاليًا هو 2200 لعيار 21، والبعض أصبح يلجأ لبدائل للذهب مثل الفضة أو الذهب الصيني أو شراء أثاث في البيت. 

 

 

المصدر: بوابة الوفد