من يزر «مركز الندوة الثقافي» ببهلا، يخرج وفي يديه هدية ثقافية خفيفة الحِمل، هي نسخة من مطويات تعريفية، عملت إدارة المركز على نشرها خلال السنوات الماضية، تتضمّن ملخصًا وكتابة مركزة، عن شخصيات ثقافية وفكرية وأدبية وتربوية رائدة، أسهمت بدور فاعل في نمو الحياة، كلٌ حسب تخصصه ومجاله، وكنت كلما جاءتني دعوة لحضور إحدى الفعاليات الثقافية، التي ينظمها المركز في مواسمه المستمرة، أحصل على نسخة من مطوية جديدة، فيها حديث عن شخصية رائدة، أحيانا أكون على معرفة قرائية بها، وفي الغالب لا أعرفها، شخصيات من بهلا ومن خارجها، تم تقديمها بأسلوب علمي مركَّز، خال من الحشو والاستطراد، تضيف للقارئ معرفة عنها، وتدعوه لأنْ يسهب في القراءة عنها من مظانها إن توفرت، خاصة إذا كانت شخصية قيادية أو فقهية، أو شخصية عامة معروفة.

وكنت أرى هذه المطويات سابقا لدى بعض الفنانين التشكيليين، يوزعون على حضور معارضهم الفنية مطويات، فيها نبذ من حياتهم وجانبا من لوحاتهم، ولكن لم أرها من قبل تصدر عن مركز ثقافي أو مكتبة أهلية، بهذا الاشتغال المكثف، كالذي رأيته وقرأته في مطويات مركز الندوة، وهذا كما يعبّر عنه ناصر بن علي الخروصي، رئيس «سبلة بهلا للدراسات والبحوث»، وهي ضمن مكونات مركز الندوة، يقول في حديث معه: إنها رسالة توعوية، التفتت إليها إدارة المركز، فإلى جانب الأنشطة الثقافية التي يقدمها خلال مواسمه، فإن الزائر للمركز لا يخرج صفر اليدين إن صح التعبير، هناك هدية ثقافية رائعة، تنتظره أثناء زيارته للمركز، منها هذه المطويات، فهي تقدَّم هدية للضيوف، وفيها من المعلومات ما تثري ذائقة القارئ وتخدم الباحث، وقد تم الاشتغال عليها ومراجعتها علميا، وتحريرها لغويا قبل الدفع بها للطباعة، المركز لا يصدر عنه كتاب أو مطوية، إلا بعد مراجعته وتقييمه، كما يعبّر بذلك الباحث خميس بن راشد العدوي، رئيس مجلس المؤسسين للمركز، المركز مسؤول عن كل ما يصدر عنه، وتتنوع ثمار المركز للمجتمع من بينها هذه المطويات، والكتب الأخرى التي ينشرها، وفي قائمة الإصدارات مجموعة من العناوين البحثية والكتب الإبداعية.

لاحظت في تلك المطويات، أنها كتبت بأقلام عمانية، لباحثين لهم دور بحثي منشور، وبعضها كتبت بأقلام باحثين مهتمين بكتابة السير الغيرية، مع التركيز على الأدوار التاريخية التي تتمحور حولها تلك الشخصيات، من هذه الأسماء الشيخ أحمد بن سعود السيابي الذي أسهم بكتابة مطوية عن العلامة المغربي البَرَّادي، كما كتب خميس بن راشد العدوي عن ثلاث شخصيات عاشت في بهلا.

ويظهر الباحث خميس بن عبدالله الهميمي كأحد أكثر الأسماء التي كتبت المطويات، له ثماني مطويات ضمن سلسلة من أعلامنا، ومن بين المشاركين اسم من المغاربة، حيث يسهم الدكتور مسعود مزهودي بكتابة أربع مطويات عن أعلام إباضية مغاربة، وأسماء أخرى ظهر لها نتاج منشور في هذا العمل.

20 شخصية كشفت عنها هذه المطويات، تحت عنوان: «سلسلة من أعلامنا»، بدءًا بالشخصيات العمانية الأولى المؤسسة للمذهب الإباضي، كالإمام جابر بن زيد، تناولت حياته ومكانته العلمية، والإمام أبوعبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، والإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي، ثم أئمة عمان الكبار، كالإمام الجلندى بن مسعود، والإمام ناصر بن مرشد اليعربي، والإمام سلطان بن سيف اليعربي الأول، والإمام بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي، والإمام سيف بن سلطان اليعربي الأول.

ولاحظت في هذه السلسلة عدم التزام المركز في نشره لهذه المطويات بنسق تاريخي واحد، ففي الوقت الذي تتواصل فيه السلسلة في الكتابة عن أئمة الإباضية في أعدادها الأولى، تعود أعدادها القادمة إلى إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم الفقيه الصحاري محمد بن محبوب، ثم العلامة هاشم بن غيلان، ثم تعود إلى المنير بن النير، ثم تواصل السلسلة التعريف بأعلام إباضية من المغاربة، كالشيخ الشامخي، وأبي يعقوب الوارجلاني، والشيخ محمد بن يوسف اطفيش، ثم تتناول أعلام الإباضية في السند وخراسان واليمن، ثم أبو العباس الدرجيني ثم تعود إلى شخصيات عمانية، فكل مطوية مستقلة ومختلفة عن سابقتها ولاحقتها.

هناك مطويات أخرى هي برأيي الأكثر وفاء، كتبت عن شخصيات فقهية وتربوية عاشت في بهلا، وحتى الآن قدمت خمس شخصيات فقط، هي برأيي لمسة حانية عليها، شخصيات فقهية وأدبية وتربوية، أسهمت بتخريج أجيال من التلامذة، حملوا من بعدهم مشاعل العلم ومشاغل الكتابة، هي اكتشاف معرفي وإنساني جديد، إذ لأول مرة أسمع عن الشيخ عبدالله بن ناصر الشقصي (ت: 1989م)، وهو بحسب تعريف الباحث خميس العدوي كاتب المطوية، أنه معلم وداعية ومربٍ، ولِد في حارة الفراج بولاية بهلا عام 1942م، ومعظم أهل العلم من تربية يده، وخلال حياته سافر إلى الكويت، وبعد عودته أحيا الحلقات العلمية، وأنشأ مكتبة الغبيراء، وعمل من خلالها على طباعة الكتب، منها «جوهر النظام» للشيخ السالمي، وكتاب «المجموعة القيمة»، وله محاولة في جمع المخطوطات.

كما أبرزت المطويات كل من الشيخ حمد بن سيف البيماني (ت: 1965م)، يصفه كاتب المطوية خميس العدوي أنه مربٍ ومعلم ومصلح اجتماعي، ولِد في حارة الخضراء ببهلا عام 1922م، وسافر مع والده إلى زنجبار عام 1942م، أخذ بقسط وافر من العلم، وكان ينظم الشعر، ووجّه أسئلة نظمية إلى كل من العلامة إبراهيم بن سعيد العبري، والشيخ خلفان بن جميل السيابي، توفي عام 1965م وترك ديوانا من الشعر عنوانه: «درر المعاني من أسئلة البيماني».

ويكتب العدوي مطوية عن جده الشيخ القاضي علي بن ناصر المفرَّجي (ت: 2008م)، ولِد في عام 1918م، ينحدر من أسرة فقه وقضاء ترجع إلى القرن التاسع الهجري، وفي المطوية تفاصيل كثيرة عن حياته الأسرية، مما أثَّر على تكوينه الثقافي وغذَّى وجدانه المعرفي، إذ التحق بمدرسة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي (ت: 1954م)، ودرس على يد الفقهاء خلال النصف الأول من القرن العشرين، كما سافر إلى اليمن للتجارة، وعمل لفترة في صناعة الفخار، وإلى جانب هذه المهن، عمل سنوات طويلة قاضيًا حتى تقاعد في سن متأخر.

ويكتب الشاعر أحمد بن هلال العبري عن شخصيتين هما الإمام أحمد بن عمر بن محمد الربخي، والشيخ عبدالله بن مبارك بن عمر الرُّبخي، جُمعا في مطوية واحدة، قدم عنهما تعريفا، الإمام أحمد الربخي بويع بالإمامة حوالي سنة 895هـ، ظهر في فترة اضطراب سياسي، أما الشيخ عبدالله الربخي فهو من فقهاء القرن 11 الهجري، له قصائد في الحكم والمواعظ، ويمتاز شعره بالسلاسة وخلوه من التعقيد، وقد نسخ بيده مجموعة من الكتب من بينها كتاب: «منهج الطالبين» لخميس بن سعيد الشقصي، نسخه في عام 1632م.

ومن المطويات التعريفية المهمة التي كشفت عن شخصيات يكاد أن تكون غير معروفة للقارئ خارج أسوار بهلا، هو المعلم سيف بن سالم الهميمي (ت: 1984م)، يعرِّف به كاتب المطوية الباحث زكريا الهميمي أنه فقيه ومعلم، ولِد عام 1900م، وبدأ طلبه للعلم على يد الشيخ الشاعر المر بن سالم الحضرمي (ت: 1917م)، في تلك الفترة كان الشيخ ناصر بن حميد العطَّابي واليًا على بهلا، ثم أكمل تعليمه على يد الشيخين: أبوزيد عبدالله الريامي، والقاضي سعود بن سليمان الكندي، وتفقّه المعلم سيف الهميمي في علم المواريث، واشتغل بتدريس النحو في جامع بهلا القديم.

وبلا شك فإن التأثير الثقافي للمثقف لا يتوقف عند موته، فالحياة ماضية، والاشتغال الثقافي المدوَّن باق، وهي أجمل ما يتركه الإنسان من ميراث للأجيال، وأرجو أن يتم جمع هذه المطويات، كما يَجمَع الصائغ نثار الذهب، والاستفادة منها بنشرها في كتاب، يشغل ذهن قارئ ما، في مكان ما، يوما ما، فتبعث حياة جديدة لشخصية ثقافية عاشت بيننا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مرکز الندوة عن شخصیات خمیس بن

إقرأ أيضاً:

شاهد: القبض على مقيم بالسعودية تحرش بطفلة في مكة والتشهير باسمه والكشف عن جنسيته

شاهد: القبض على مقيم بالسعودية تحرش بطفلة في مكة والتشهير باسمه والكشف عن جنسيته

مقالات مشابهة

  • معرض الرياض الدولي للكتاب يناقش دور الصورة في حفظ التراث الثقافي.. صور
  • معرض الرياض الدولي للكتاب يناقش دور الصورة في حفظ التراث الثقافي وأهمية الصور التاريخية
  • «مركز التلقيح الاصطناعي» بكفر الشيخ: مصدر سلالات الأبقار والجاموس عالية الإنتاجية المناسبة للظروف المناخية المصرية
  • شاهد: القبض على مقيم بالسعودية تحرش بطفلة في مكة والتشهير باسمه والكشف عن جنسيته
  • قصف حوثي جنوبي اليمن والكشف عن حصيلته
  • لاعبو مصارعة «القومي للموهبة» بكفر الشيخ يُشاركون بمعسكر المركز الأوليمبي
  • انطلاق أنشطة «بداية جديدة» في مركز شباب أحمد رفعت بكفر الشيخ (صور)
  • رئيس التنمية الثقافية يلتقي مدير المركز الثقافي الصيني لبحث التعاون المشترك
  • إصابة مباشرة لسفينة البحر الأحمر.. والكشف عن نوع السلاح المستخدم
  • في الذكرى الـ 51 للانتصارت المجيدة.. مركز الحوار للدراسات ‏السياسية والإعلامية ينظم ندوة «أكتوبر معركة نصر»‏