في ذكرى رحيل صدام حسين .. ماذا فعل لحظة اعدامه؟
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
في يوم 30 ديسمبر 2022، نحيي الذكرى السادسة عشر لرحيل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي تم إعدامه في هذا اليوم من عام 2006.
ونستعرض أبرز المعلومات عن الرئيس الخامس للعراق، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في الفترة بين 1975 و1979.
نشأة صدام حسينولد صدام حسين في 28 أبريل 1937 في قرية العوجة بالقرب من مدينة تكريت.
صدام حسين هو الرئيس الخامس للعراق، حيث تولى رئاسة البلاد في الفترة بين عامي 1979 و2003. خلف الرئيس أحمد حسن البكر وكان قبل ذلك نائبًا لرئيس الجمهورية في الفترة بين عامي 1975 و1979.
شغل صدام منصب الأمين العام لحزب البعث في عام 1968، وسرعان ما أصبح عضوًا في القيادة الحزبية. شارك في انقلاب سلمي بقيادة أحمد حسن البكر للإطاحة بعبد الرحمن عارف، حيث أصبح أحمد حسن البكر الرئيس وصدام نائبًا له. ومع ذلك، كان صدام هو القوة الأكبر داخل الحزب، وأصبح صاحب النفوذ الأقوى في الحزب في عام 1969.
قام صدام بتأسيس جهاز المخابرات العراقي وعيّن أشخاصًا يثق بهم في المناصب الأمنية الرفيعة. استقال أحمد حسن البكر في 16 يوليو 1979، وأصبح صدام رئيسًا جديدًا للعراق. بعد الثورة الإسلامية في إيران وصعود الخميني للسلطة، اندلعت حرب عراقية إيرانية استمرت لعدة سنوات على ضفاف نهرالذي بدأ في سبتمبر 1980 واستمر حتى أغسطس 1988. وقد أدى هذا الصراع إلى دمار هائل وخسائر بشرية كبيرة.
في عام 1990، غزت العراق دولة الكويت، مما أدى إلى اندلاع الحرب الخليجية الثانية. تم تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت، وبعد حملة عسكرية استمرت لمدة شهور، تم طرد القوات العراقية من الكويت في فبراير 1991.
بعد الحرب، فرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق، وتسببت هذه العقوبات في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وأثرت بشكل كبير على حياة الشعب العراقي.
سقوط نظام صدام حسينفي عام 2003، غزت القوات الأمريكية وحلفاؤها العراق بذريعة وجود أسلحة دمار شامل تملكها العراق، والتي لم يتم العثور عليها فيما بعد. سرعان ما انهار نظام صدام حسين، وتم اعتقاله في ديسمبر 2003.
ونُفذ حكم الإعدام على الرئيس العراقي صدام حسين في يوم السبت فجر عيد الأضحى العاشر من ذي الحجة عام 1427 للهجرة المصادف 30 ديسمبر عام 2006 بعد إدانته من قبل محكمة شكلها الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وذلك بعد ربع قرن من قيادة البلاد.
ونُفذ الحكم، بعد أن سلم حرس القوات الأميركية صدام حسين إلى الحكومة العراقية تلافياً لجدل قانوني في الولايات المتحدة التي أعتبرته أسير حرب.
واستنكر المراقبون من جميع الاتجاهات والانتماءات السياسية هذا الاستعجال المستغرب لتنفيذ حكم الإعدام الذي لم يبد خلاله في لحظة التنفيذ على صدام الخوف أو التوتر كما لم يقاوم أو يتصدى للرجال الملثمين الذين يقتادونه إلى حبل المشنقة مرددا الشهادتين.
وأكد حراس أميركيون حسب شهادتهم، أن صدام حسين كان متماسكاً وجباراً على خلاف ما يتطلبه الموقف وهو مقدم على حكم الإعدام، مشيرين إلى أنه أخاف جلاديه وأبهرهم بصموده وذلك ما نقلته عدسات الفضائيات وبيين أن الرجل لم يكن خائفاً أو مرتبكاً.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صدام حسين الرئيس العراقي حكومة العراق أسلحة الدمار الشامل
إقرأ أيضاً:
بلاد لا تشبه الأحلام لبشير البكر.. سيرة المنفى السوري
يفاجئك الشاعر والصحفي السوري بشير البكر في كتابه الجديد، أن تكتب سردا بعين الشعر. يتحدث الراوي بلغة الشاعر، والحياة من الدفة إلى الدفة الأخرى تشبه حلما عمره نحو خمسين عاما أو أكثر.
كتاب "بلاد لا تشبه الأحلام" – الصادر مؤخرا عن دار نوفل/ هاشيت أنطوان في بيروت- ليس رواية بالمعنى الكلاسيكي، ولا سيرة ذاتية مكتملة، بل نصّ يمزج بين السيرة والتأمل السياسي والمعرفي واللغة الشعرية. إنه سرد مشظّى، يكتبه صاحبه بضمير المتكلم، فيما يظلّ يتنقل بين المدن والمنفى، بين الحسكة وبيروت وبراغ وعواصم الغرب وأساطير الجزيرة السورية، ومن خلالها إلى فضاء وجودي تتنازعه الأسئلة الحارقة: من نحن؟ وأين صرنا؟ ولماذا لا نعود؟
يقدم كتاب "بلاد لا تشبه الأحلام" تجربة فريدة تتحدى التصنيفات الأدبية الجاهزة. فبصوت الراوي المتماهي مع الكاتب، ننخرط في رحلة شخصية عبر محطات حقيقية، من الحسكة إلى بيروت وبراغ ثم قبرص وباريس وسواحل الخليج العربي، لكن هذا البعد السيري يتداخل ببراعة مع تقنيات روائية، ليطرح سؤالًا جوهريًا عن طبيعة النص: هل هو سيرة ذاتية متخفية، أم عمل إبداعي حر يتجاوز القيود؟ ينجح البكر في خلق مساحة رمادية آسرة، حيث تتلاشى الحدود بين الواقعي والمتخيل، ربما لأن تجربة المنفى والذاكرة نفسها تتسم بهذا التشظي وعدم اليقين.
إعلانهذا الغموض يُعززه البناء الشذري للكتاب، حيث تتناثر المقاطع وتتنقل بين الأمكنة والأزمنة والتأملات دون تسلسل خطي تقليدي. هذا الخيار الجمالي يبدو متوافقًا مع طبيعة الذاكرة الانتقائية والمتقلبة، ومع تجربة المنفى التي غالبًا ما تتميز بالانقطاع والتشظي. هل كان هذا التقطيع قرارًا فنيًا واعيًا، أم أنه انعكاس لتشظي التجربة نفسها؟ ربما كان كلا الأمرين صحيحًا، فالشكل الشذري يمنح الكاتب حرية التنقل بين اللحظات الحاسمة والتأملات العميقة، ويخلق لدى القارئ إحساسًا بالبحث والتنقيب في ثنايا الذاكرة.
تتجلى في هذا الكتاب رعوية سحرية فريدة، حيث الطبيعة ليست مجرد خلفية بل كائن حي يتنفس ويتكلم. الجبال تتحول إلى أشقاء، والذئاب إلى كائنات متجولة بين التوحش والإنسانية، والأمكنة إلى أرواح تصاحب البطل في ترحاله. هذه الرعوية ليست نوستالجيا بل إعادة تخليق للمكان بوصفه حكاية متحولة، يُكتب فيها الجغرافي بوصفه شعريًّا، وتُصبح الأرض لغة، والبرية مأوىً رمزيًا يعوّض غياب الوطن.
منذ افتتاحية الكتاب التي تبدأ بخرافة الأشقاء الثلاثة الذين تحولوا إلى جبال، يستخدم البكر رمزية مدهشة تضع الجغرافيا في قلب الصراع الإنساني، ويُخرج الخرافة من دائرة التراث الجامد لتصبح مفتاحًا لفهم الانقسام والخذلان والسكوت العربي. ثم تتوالى فصول الكتاب بوصفها مقاطع شعرية وسردية مملوءة بالحنين والقسوة: الذئب الذي أُعدم في دمشق، دفتر العائلة الضائع، شيلان الكردية التي لم تكتمل رحلتها، بيروت التي تأكل ذاتها، والموت الثالث الذي لا عودة منه.
تبرز لحظات تاريخية مفصلية في ثنايا هذا السرد المتناثر، ولعل مشهد "عودة الأخ الضائع" يمثل ذروة مؤلمة. فمن خلال وصف قاسي لعائد من حرب حزيران، يكشف البكر عن هشاشة الجيش السوري والتراخي المتواطئ الذي سبق سقوط الجولان. هذا المشهد، الذي يجعل الهزيمة تبدو قدرًا محتومًا، يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الهزيمة: هل كانت عسكرية فحسب، أم أنها حملت في طياتها هزيمة أخلاقية أعمق؟ بعد مرور سنوات طويلة، يظل هذا الفصل بمثابة الجرح الأول في ذاكرة المنفى السوري، ويثير لدى القارئ تساؤلات حول الثمن الباهظ الذي دفعته سوريا في سبيل وصول حافظ الأسد إلى السلطة، وهو تلميح يتردد صداه بين سطور الكتاب.
إعلانتمتد رؤية البكر النقدية لتشمل مناطق سورية أخرى، ففي فصل "عيسى والشيخ مسلط"، يرسم صورة قاتمة للجزيرة السورية، منطقة تعاني من التهميش والصراعات الداخلية والاستغلال. هذه الصورة المأساوية تدفعنا للتساؤل عما إذا كانت هذه النهاية المنطقية لمسار طويل من الإهمال، أم أنها شكل جديد من الاستعمار يتستر بشعارات زائفة. وفي هذا السياق، يطرح الكتاب سؤالًا حول دور الروحانية القديمة، التي يمثلها الشيخ الصوفي، في مواجهة هذا الواقع المتفجر.
يُضيء الكتاب أيضًا على تجربة المنفي من زاوية إنسانية عميقة، ففي الفصل الذي يسبق "عيسى والشيخ مسلط"، يصبح فقدان "دفتر العائلة" رمزًا لفقدان الهوية والانتماء. في عالم المنفى، تصبح الوثائق الرسمية بديلًا هشًا عن الشعور الحقيقي بالوطن، ويتحول دفتر العائلة من مجرد ورقة ثبوتية إلى رمز للذات المفقودة أو المقيدة.
يتناول البكر في فصل "من أجل حفنة من الدولارات" موضوعًا بالغ الأهمية وهو العلاقة المعقدة بين السلطة السورية والبنية العشائرية. يرصد الكتاب كيف استغل النظام هذه البنية التقليدية لإدارة الحكم وتوزيع الموارد، وكيف صعد أبناء شيوخ العشائر إلى مراتب النفوذ من خلال علاقاتهم بالمؤسسة الأمنية. يثير هذا الفصل تساؤلات حول الدور الذي لعبته البنية العشائرية في تكييف السلطة مع الهامش بدلًا من مواجهته، وما إذا كان هذا التحالف بين القبيلة والسلطة أحد أوجه تثبيت الاستبداد في سوريا. اليوم، تظل هذه العلاقة بين التركيبة العشائرية وآليات السلطة قائمة، ويبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كان النظام قد أعاد هندسة البنية الاجتماعية عمدًا لضمان استمراره، أم أنه ببساطة استثمر هشاشتها.
في مقاطع أخرى، يرصد الكتاب تحولًا رمزيًا عميقًا في مكانة القبيلة، فمن كيان يملك القوة ويحمي أفراده، تتحول إلى كيان منزوع السلاح والهيبة بعد صعود الدولة القومية. يصبح الحذاء الفاخر أكثر قيمة من البندقية، وهو تعبير رمزي عن تآكل قيم الرجولة والكرامة المرتبطة بالسلاح في مجتمعات تقليدية. يدفعنا هذا التحول للتساؤل عما إذا كان هذا التعرّي الرمزي للقبيلة استراتيجية متعمدة لخلق مجتمع بلا حواضن تقليدية، وكيف يمكن قراءة هذا التآكل في سياق المجتمعات المعاصرة.
إعلانيُظهر البكر براعة في الربط بين عوالم مختلفة، ففي فصل "قصاص الأثر"، يقيم توازيًا خفيًا بين تتبع الأثر في الصحراء وتتبعه في الكتب والأفكار. من خلال شخصية أخيه فرحان، الذي كان قصاص أثر للكلمات والمعاني، يقترح الكتاب نوعًا آخر من البداوة الفكرية التي تتجاوز حدود المكان المادي.
يتأمل الكتاب أيضًا في مفهوم الموت، ففي فصل "الموت الثالث"، لا يُنظر إلى الفناء باعتباره نهاية بيولوجية فحسب، بل كتجربة وجودية يصعب الإمساك بها. يطرح البكر سؤالًا حول هذا الحد الأبيض الفاصل بين الحياة والمحو، ويتساءل عما إذا كانت الكتابة، بهذا المعنى، هي شكل من أشكال النجاة من هذا الموت الثالث، أم مجرد محاولة لتأجيله.
يغوص الكتاب في عوالم حسية غنية في فصل "سامية، رائحة زهر الليمون"، حيث تحضر الروائح والأصوات والمشاعر بقوة. تظهر شخصية سامية كرمز للوطن المفقود أو الجمال الذي يُفتقد دائمًا، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الفصل وداعًا شخصيًا لعالم لم يعد موجودًا، وما إذا كانت سامية تمثل امرأة بعينها أم رمزية أوسع لحالة وجودية معلقة بين العشق والمنفى.
يختتم البكر كتابه بفصل مؤثر بعنوان "نقطة على السطر"، حيث يتردد نداء بدوي في فضاء فارغ يشبه الصحراء بعد العاصفة. لا يظهر في الختام بطل أو حكاية مكتملة، بل حفيف الريح وسلك البرق المقطوع، تاركًا القارئ مع إحساس بالصمت والانتظار، وثمة سؤال يرن في وجدان القارئ: هل أراد البكر بهذا الختام تأبينًا شعريًا لفكرة الوطن، أم مرثية للذات التائهة في المنفى؟ وهل يعكس هذا الصمت اعترافًا بعدم جدوى الكلمات، أم انتظارًا لرسالة لم تصل بعد؟
مساءلة الذات والهويةيمكن القول إن كتاب "بلاد لا تشبه الأحلام" ليس مجرد سيرة ذاتية أو رواية، بل هو عمل أدبي نقدي مشوق يجمع بينهما ليقدم رؤية عميقة ومتشظية للذاكرة والمنفى السوري. من خلال أسلوبه الشذري ولغته الشاعرية، يدعو بشير البكر القارئ إلى رحلة تأمل في التاريخ والسياسة والمجتمع، وإلى مساءلة الذات والهوية في عالم مضطرب ومتغير. إنه كتاب يترك أثرًا عميقًا في النفس، ويدفع إلى التفكير مليًا في معنى الوطن والمنفى والذاكرة.
ما يميز هذا العمل أيضًا هو اشتغاله العميق على الرمز: السلاح، الحذاء، البرق، دفتر العائلة، الجبال، الذئب… كلها رموز تتكرر وتتحول وتتقاطع مع شخصيات واقعية أو مستدعاة، لتصنع عالمًا رمزيًا كاملًا بلا حاجة إلى حبكة تقليدية. كما أن حضور الشخصيات الهامشية – من شيلان إلى سامية، ومن فرحان إلى الشيخ مسلط – يضفي على النص بعدًا إنسانيًا كثيفًا، حيث لا وجود لأبطال، بل لشهود، ووجوه، وأصوات ضائعة في العراء.
إعلانوفي خلفية كل فصل، تتكرر الأسئلة الجوهرية التي يطرحها النص على القارئ: هل لا تزال الكتابة ممكنة بعد كل هذا الانكسار؟ وهل المنفى خلاص أم محو؟ وهل يمكن لبدويّ أن يحمل ذاكرة الكتب بدل أثر الأقدام؟
"بلاد لا تشبه الأحلام" هو كتاب مكتوب من الداخل، لا يطلب إعجابًا بل إصغاءً. وهو واحد من أبرز النصوص السورية المعاصرة التي تجاوزت رثاء الوطن إلى تفكيك معناه، وتجاوزت الحنين إلى تشريح جذوره. نصّ يستحق أن يُقرأ أكثر من مرة، لا بحثًا عن قصة، بل استعادةً لما ضاع من صوتنا ونحن نركض خلف الحدود.
سيرة وطن يتفكك بين الأصابعفي "بلاد لا تشبه الأحلام"، لا يقدّم بشير البكر سيرة ذاتية بقدر ما يشهر وجعه الشخصي على هيئة مرآة للخراب العام. إنها ليست مذكرات شاعر أو صحافي فقط، بل هي سيرة وطن، وسردية جيل، وبيان عن حطام الأفكار.
اللغة هنا ليست زينة أو سلعة، بل لغم مضمر. تأتي الجمل مثل قذائف مرتّبة بعناية، فتمضي بك من دفء الطفولة إلى برد المنافي، من ظلال الزيتون إلى صقيع الشمال. يتنقّل الكاتب في المكان، لكنه في الجوهر لا يبرح خيمته الأولى: خيمة السؤال. مَن نحن؟ كيف تحوّلنا من أبناء الحلم القومي الكبير إلى حُطام على أرصفة أوروبا؟
لا يكتب البكر بلغة الاستعراض، بل بلغة الانكشاف. يجيد الإصغاء لذاكرته الشخصية كما يصغي المؤرّخ إلى وقع الحدث، لكنه لا يركن إلى الوثيقة الجامدة، بل يُشعل فيها نار الحكي. هكذا، تتحول التجربة إلى نصٍّ حي، تشتبك فيه التفاصيل الصغيرة مع أسئلة التاريخ الكبرى.
سيرة البكر لا تقتصر على الأماكن التي أقام فيها، بل تشمل الأماكن التي قاوم فيها فكرًا، أو جادل فيها صديقًا، أو خسر فيها وطناً. الحسكة ليست مجرد مدينة للولادة، بل نصّ أوليّ للحب والسياسة معًا. دمشق ليست عاصمة، بل مشهد سقوط مدوٍّ. باريس ليست منفى فقط، بل مختبر روحي لرجل يدوّن شهادته قبل أن يتبخر الزمن.
إعلانثمة حزن ناعم يسري في الكتاب، لكنه ليس الحزن الذي يُبكِي، بل الحزن الذي يُفكِّر. كأن الكاتب يجرّ قارئه إلى الحافة كي يريه المشهد من أعلى، ثم يهمس له: "أنظر جيدًا.. هذا ما فعلته بنا الأحلام حين لم نحسن حمايتها".
لا يقدّم البكر بطلًا روائيًا ولا سردًا انتصاريًا. بطله الوحيد هو الوعي، وسرده سرد خاسر، لكنه لا يخجل من الخسارة. إنه يكتب عن زمن تآكل، وتآكل معه الحلم، واللغة، والمدينة.
يذكّرنا هذا الكتاب أن السيرة، إذا كُتبت بصدق، تصبح عملاً فكريًا، لا مجرد رصف للذكريات. وأن الحنين، حين يصفّي نفسه من السموم، يتحول إلى نقدٍ مرّ، لكنه ضروري. تمامًا كما تفعل القهوة: تسقيك مرارتها، لكنها توقظك.