مراجعة نقدية لمفهوم المعرفة من زاوية اجتماعية.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
الكتاب: المعرفة.. هل المعرفة قوة؟
المؤلفان: ماريان أدولف/ نيقو شتير
المترجم: سعود المولى
الناشر: دار جامعة حمد بن خليفة للنشر
يتناول الباحثان الألمانيان ماريان أدولف، أستاذ ثقافة الإعلام، ونيقو شتير، أستاذ الدراسات الثقافية، في هذا الكتاب موضوع المعرفة من منظور سوسيولوجي، في محاولة لاستكشاف الطرق المتعددة التي تتداخل فيها المعرفة في نسيج المجتمع الحديث.
الكتاب في نسخته الأنجليزية أضاف إليه الباحثان خمسة فصول جديدة لم تحتويها النسخة الأصلية الألمانية حول الفكرة المزعومة عن اللامعرفة، وتوكيد ظاهرة المعرفة الكونية ، وخواطر حول العوالم الرقمية والمعرفة/المعلومات، ومناقشة حول سعر المعرفة، وتعليقات حول معرفة الأقوياء. ويقرر الباحثان ابتداء أن التعريف السوسيولوجي للمعرفة بوصفها شكلا من "الوعي الجمعي" والقدرة على الفعل، هو التعريف الذي لايزال سائدا بتعارض حاد مع التصور الفلسفي واليومي العادي للمعرفة، باعتبار أن غايتها الوقائع أو المعلومة أو الخبر الموثق.
ويؤكدان على وصف المعرفة باعتبارها قدرة معممة للفعل في العالم، أي نموذجا يقاس عليه الواقع، أو أنها القدرة على تشغيل شيء ما وتحريكه، أو القدرة على الفعل. وهي قدرة تتزايد أهميتها كثيرا في المجتمعات الحديثة. ويقولان أنه مع الاعتراف بأن المعرفة هي نتاج الماضي وعامل يحدد المستقبل، فإن التمسك بالتصور الذي يحددها بالقدرة على الفعل يهدف إلى توكيد أهمية الدور الاجتماعي للمعرفة. وفي هذا السياق يتوقف الباحثان عند بعض الكتابات التي نفت أصلا إمكانية الفحص السوسيولوجي للمعرفة، أو شكلت خطوات أولى باتجاه هذا التحليل السوسيولوجي، وهي كتابات لماكس فيبر، وكارل ماركس، وماكس شيلر، وكارل مانهايم، وجورج زيمل.
المعرفة والمعلومات
يقول الباحثان إن المعرفة تمكننا من إطلاق حركة شيء ما وتشغيله، أو منع شيء ما من الحدوث، وتعريف مصطلح المعرفة بهذا الشكل يستند إلى ملاحظة فرانسيس بيكون بأن المعرفة سلطة/قوة. حيث يرى بيكون أن "المعرفة البشرية والسلطة/ القوة البشرية تلتقيان في كيان واحد؛ إذ حيثما لا يمكن معرفة السبب لا يمكن حدوث تأثير. ولكي تأمر الطبيعة عليك إطاعتها، وما يكون في التأمل سببا يصير في العمل قاعدة". فتكتسب المعرفة امتيازا بسبب قابليتها الظاهرة على تغيير الواقع.
ومن جهة أخرى يلفتان إلى الجهود التي بذلت بين الحين والآخر من قبل باحثين للتمييز بين المعلومات والمعرفة. فالمعرفة تحيل إلى مخزون من التجربة وليس إلى دفق المعلومات، فهي تتعلق بالمعلومات كما يتعلق رأس المال أو الممتلكات بالدخل. . ولا يجوز النظر إليها بوصفها مجرد تراكم للمعلومات. هي الإدراك والدراية . وهي تتطلب أن ينجز الشيء ضمن سياق ذي معنى يتجاوز كونه الوضع الذي يحصل الفعل والنشاط فيه، إنها قيادة وسلوك. وصحيح أن المعلومات تستلزم مهارات إدراكية متطورة، إلا أنها تضع القليل من المتطلبات الفكرية الثقافية على مستخدميها المحتملين.
يناقش الباحثان أيضا وظائف المعرفة الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تكون قوى محررة للمجتمعات، أو قد تزيد من لحمة القبضة الحديدية التي تملكها الهيئات والسلطات في المجتمعات الحديثة، وكيف نظر إلى هذه الوظائف عدد من المفكرين، خاصة العلاقة بين السلطة والمعرفة. فيفصلان أكثر في الأسباب الممكنة لقوة / سلطة المعرفة، خاصة المعرفة العلميةالاجتماعية.ويشير الباحثان إلى خلط شائع بين المعرفة والأقوياء في المجتمع. فيقدمان فحصا نقديا للارتباط النموذجي بين القوة والمعرفة في الكثير من النظريات السوسيولوجية، حيث تندر الملاحظات عن المعرفة لدى الضعفاء. فيناقشان دراسة روبرت ميتشلز الكلاسيكية عن الاتجاهات الأوليغارشية في المنظمات الكبيرة الرسمية والتي تنزع بشكل علني وتناضل من أجل أهداف ديمقراطية. ثم يناقشات الرابطة المحتومة ظاهريا بين المعرفة والسلطة / القوة في أعمال ميشال فوكو من خلال النظر في ملاحظات منتقدي أعماله.
ويرى أدولف وشتير أن ثمة قضيتان مهمتان يجب تسليط الضوء عليهما جوابا على الافتراض الشائع بأن المعرفة يقودها بصورة ثابتة الأقوياء في المجتمع. أولا: لماذا الأقوياء سياسيا هم الذين يستحوذون على المعرفة وليس الضعفاء؟ ثانيا: لماذا تكون هذه المعرفة قوية وفاعلة جدا على الرغم من أنها لا تمثل الواقع؟ ويجيبان عن السؤال الأول بالقول أن الأمر يستلزم قوة/سلطة لكي يتحقق احتكار المعرفة واستخدامها بفاعلية. وكلفت هذه الصفقة لتحصيل المعرفة، وبغض النظر عن الموارد المطلوبة لاستخدامها هي ببساطة عالية جدا، بحيث يصعب على الناس من الضعفاء الوصول إليها وهم غير قادرين على تحمل ثمار المعرفة.
والجواب عن السؤال الثاني عن الشروط المحققة لقوة المعرفةفيحيل إلى نمط من الحجة ذي صلة، يدل على أن المعنى الاجتماعي الخصوصي للاكتشافات العلمية هو وظيفة للصدقية الفريدة والموضوعية، ولحقيقة تجانس مطلوبات المعرفة التي لا جدال حولها داخل جماعة العلماء. باختصار كما يقول أدولف وشتير،المسألة تتعلق بعملية المعرفة العلمية.
ويضيفان مستدركان أنه مع ذلك فإن الاختلافات بين المعرفة اليومية والاكتشافات العلمية ليست ضخمة بقدر ما يعتقد البعض غالبا، والاكتشافات العلمية هي نفسها أساسا مصادقات متنازع عليها في أغلب الأحيان. وتطور وتفسير هذه الاكتشافات يتأثر بأحكام سياسية غير علمية.. باختصار فإن المعرفة العلمية هشة، ويمكن وصف هذه الهشاشة من وجهة نظر الحوكمة الديمقراطية بأنها واحدة من فضائل مطلوبات المعرفة العلمية. وفي كل الأحوال صار واضحا أنه مهما كانت الظروف مسؤولة عن قوة المعرفة، فإن قيودا اجتماعية مختلفة تؤثر في عملية انتشار المعرفة في المجتمع، وتعرقل أو تساعد في تحقق الدور الذي تؤديه المعرفة في بلد ديمقراطي.
ظاهرة مزعومة
في مناقشة مفهوم "اللامعرفة" التي يصفها الباحثان، ابتداء، بالظاهرة المزعومة، يستشهدان بجملة وردت عند عالم الاقتصاد جوزيف ستيغلتز في حديثه عن "اليد الخفية" التي يقال أنها تعمل عملها في الأسواق: لماذا هذه اليد الخفية خفية؟ لأنها غير موجودة. لماذا اللامعرفة صعبة الإدراك؟ لأنه لا يوجد شيء هو اللامعرفة. يقول الباحثان أدولف وشتير إنه قد يبدو بدهيا أنه لا يمكن أن يوجد شيء اسمه لا معرفة، وهو تصريح يوافق عليه منظرون كبار. لكن حتى هؤلاء المنظرين، مثل سيغموند فرويد، وفريدريك أوغست فون هايك، سبق لهم الاندهاش بالظاهرة المسماة اللامعرفة، حتى أنهم غالطوا تصريحاتهم نفسها، على الرغم من كل البناءات المنطقية التي قامت عليها.
ويضيفان إن الفرق بين المعرفة واللامعرفة هو انفصام ثنائي أوروبي قديم يرجع إلى الثقافات ما قبل الحديثة. حيث نرى التراث ظاهرا بالأخص في تنسيب أشخاص أو مجموعات إلى واحد من هذين الصنفين. فالأشخاص الذين لا يعرفون، أو طبقة/فئة الذين لا يعرفون، ليسوا فقط تابعين، من دون دفاع، لسلطة معرفة الآخرين عن الشروط القائمة، ولكنهم أيضا يوصمون بأنهم طبقة اجتماعية متخلفة تعيسة. وخلاصة موقف شتير وأدولف هو رفض هذا الانفصام الثنائي الزائف بين المعرفة واللامعرفة. فثمة ،فقط، معرفة تنقص أو تزيد، ثمة عارفون يعرفون شيئا، وعارفون يعرفون شيئا آخر مختلفا. فالمرء يكون لديه معرفة أكثر في ظروف ما، ومعرفة أقل في ظروف أخرى. فيمكن أن يعرف المرء الشيء الكثير عن الإجراءات الضريبية ولا يعرف أي شيء عن لعبة الغولف. والأسئلة التي يجب أن تكون مثيرة للاهتمام حقا هي تلك المتعلقة بالآثار والنتائج الواقعة على المجتمع بسبب توزيع المعرفة.
في سياق متصل وفي فصل آخر من فصول الكتاب خصص لمناقشة مصطلح "المعرفة الكونية" يصل الباحثان إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن أن يوجد شيء اسمه التوزيع المتساوي للمعرفة، وذلك على الرغم من السيرورات المجتمعية التي قد تشير إلى هذا الاتجاه، أو التي تفسر على أنها عوامل عولمة، ولا يمكن أن يوجد توزيع أفقي أو عامودي للمعرفة متساو عالميا في مجتمعات ذات تقسيم شديد التطور للعمل، أو بسبب واقع ديمغرافي تتفاعل فيه الكثير من العناصر الداخلة والخارجة من المجتمع وإليه.وبالتالي لا يمكن تقديم جواب نهائي عن الأسئلة المطروحة حول الوجود الراهن أو المحتمل مستقبلا لمعرفة معولمة.
إلى ذلك يناقش الباحثان أيضا وظائف المعرفة الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تكون قوى محررة للمجتمعات، أو قد تزيد من لحمة القبضة الحديدية التي تملكها الهيئات والسلطات في المجتمعات الحديثة، وكيف نظر إلى هذه الوظائف عدد من المفكرين، خاصة العلاقة بين السلطة والمعرفة. فيفصلان أكثر في الأسباب الممكنة لقوة / سلطة المعرفة، خاصة المعرفة العلميةالاجتماعية.
ويحاول الباحثان توضيح العلاقات البينية المهمة بين النظرية والفعل، ومن ثم تبيان قوة الأفكار، بالرجوع إلى أبحاث علمية اجتماعية ذات تأثير هائل، وذات نتائج علمية كبيرة، مثل نظرية جون ماينارد كينز العامة التي ظهرت في العام 1936، بعد سنوات قليلة من مبحث هوكهايمر ونظرية ماكس فيبر عن البيروقراطية الحديثة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشر قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعرفة العلمیة بین المعرفة فی المجتمع المعرفة فی یمکن أن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
تسبب بمقتل العشرات.. مرض غامض يثير رعباً في كندا
طالبت رئيسة وزراء مقاطعة نيو برونزويك سوزان هولت، وكالة الصحة العامة الكندية، بالتدخل العاجل بعد انتشار مرض دماغي غامض أصاب المئات في المقاطعة جنوب شرقي كندا.
وأكّدت هولت، ضرورة تدخل العلماء من الحكومة الفيدرالية وإجراء تحقيق عاجل، وأضافت: “نحن بحاجة إلى إجراء تحقيق شامل حول ما يجعل الناس مرضى.. لأننا لا نعرف الآن، ليس فقط أننا لا نعرف كيفية تحديده وتشخيصه وعلاجه، ولا نعرف ما الذي يسببه”.
وذكرت وسائل إعلام أن “المعاهد الكندية لأبحاث الصحة عرضت على حكومة “هيغز” السابقة 5 ملايين دولار للمساعدة في التحقيق في الأسباب المحتملة لما يطلق عليه الناس مرضا تنكسيا عصبيا غير نمطي، بالإضافة إلى الموارد والخبرة”.
وأشارت هولت، “إلى أن “ترودو” أكد لها أن العرض لا يزال على الطاولة، وقالت: “يتعين علينا معرفة ما الذي يجعل الناس مرضى، ونحن بحاجة إلى إجراء تحقيق علمي كامل ومفتوح في هذا الأمر”.
وتابعت: “عدم القدرة على تفسير هذا المرض وعدم معرفة سببه، وما سيحدث بعد ذلك، وما هو مسار العلاج أمر مؤلم للغاية، معرفة أنه مرض لا يبدو أنه قابل للعلاج وأن الأشخاص من حولك ماتوا بسبب هذا المرض أمر مرعب، لذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا لإلقاء الضوء على هذا وإيجاد طريقة لوقف ما يجعل الناس مرضى”.
وأوضحت هولت، “أن نحو 400 شخص في نيو برونزويك أبلغوا عن أعراض مماثلة”، مشيرة إلى “أن 40 شخصا مصابين بالمرض في مقاطعتها ماتوا بالفعل”.
ووفق صحيفة “ناشيونال بوست”، فقد رأى طبيب الأعصاب في نيو برونزويك، أليير ماريريو، “مئات المرضى في السنوات الأخيرة الذين يعانون من أعراض لا يمكن تفسيرها للتدهور العصبي، وتشمل هذه الأعراض القلق وصعوبة النوم، فضلا عن الأعراض الأكثر حدة بما في ذلك آلام الأطراف وصعوبة التوازن، وارتطام الأسنان، وتشنجات العضلات العنيفة، ومشاكل الرؤية والهلوسة. وكان العديد منهم تحت سن 45 عاما”.
وقال ماريرور، “إنه وجد مستويات عالية من المبيدات الحشرية في دم مرضاه، مما يجعله يشتبه في أن مرضهم ناجم عن شيء في البيئة”.
يذكر أنه “بدأت هذه الأعراض تظهر لأول مرة في عام 2015 في مجموعة صغيرة من المرضى، قبل أن تنتشر أكثر وتصل لأكثر من 200 شخص، وخلال عام 2022، تمر رصد إصابة 147 شخصا بهذا المرض تتراوح أعمارهم بين 17 و 80 عاما”.
وكشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية “أنه منذ 2021، جرى تسجيل 9 وفيات تُعزى إلى المرض الغامض، وتوصل تحقيق حكومي سابق توصل إلى أن “السموم البيئية قد تكون وراء هذا المرض”. وأغلق التحقيق بشكل مفاجئ عام “2021.
ووفق نشطاء، “قد يكون الاضطراب مرتبطا باستخدام المبيدات الحشرية في المقاطعة الريفية، يتعلق الأمر بـ”الغليفوسات”، وهو مبيد أعشاب ضارة مستخدم على نطاق واسع، وخصوصا الأعشاب عريضة الأوراق والتي تنافس المحاصيل الزراعية”.