بالأمس عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن وزوجته عن حزنهما الشديد لوفاة الأميركية "جوديث وينستون هاغاي" ذات الـ70 عامًا يوم 7 أكتوبر، ويتهم حركة المقاومة الإسلامية حماس، دون أي دليل، بقتلها. ثم تبعته نائبة الرئيس السيدة كامالا هاريس بالتعبير عن المشاعر نفسها، وتوجيه الاتهامات نفسها للحركة.
ولحقت بهما السياسية الأميركية- العنصرية، ذات الأصول الهندية- نيكي هيلي، وختمت تصريحها بالطلب بتحطيم الكل في غزة.
جميل أن يعبّر الرئيس وبقية السياسيين الأميركان عن مشاعرهم الإنسانية حول مقتل امرأة مسنّة مسالمة، بغض النظر عن لونها أو جنسها أو جنسيتها أو دينها، فهذا هو السلوك الطبيعي لأي إنسان متحضر، يحترم القيم الإنسانية وما توافقت عليه البشرية من أنظمة وقوانين طوّرتها بعد حربين عالميتين مدمّرتين: (الأولى والثانية).
لكن السؤال الجوهري هنا: هل هذه المشاعر- التي عبّر عنها الرئيس ونائبته – حقيقية وإنسانية؟ أم هي تصريحات استعمال سياسي انتهازي لحالة إنسانية، في إطار حملة انتخابية محمومة؟ وإذا كانت هذه المشاعر حقيقية في بُعدها الإنساني، فكيف يعبّر الرئيس ونائبته عن هذه المشاعر الإنسانية الراقية، لقتل امرأة أميركية، ولا يتحدث بأي كلمة عن آلاف الأطفال والنساء الذين تم قتلهم بشكل متعمّد على يد الحكومة الصهيونية المتطرفة؟!
فحتى اللحظة، قتلت حكومة الحرب الصهيونية أكثر من 25 ألف مواطن فلسطيني، أكثرُ من 70% منهم من الأطفال والنساء، بل إنها قتلت الأطفال والنساء والرجال النازحين والمرضى والطواقم الصحية، حتى الرضع في الحضانات، بشكل متعمد وعلى الهواء مباشرة في المستشفيات؛ بحجج مفبركة لم يثبت أي من صحتها، بل فشلت في تقديم أي دليل على ذلك، رغم تدميرها المستشفيات وسيطرتها الكاملة عليها.
كل يوم- على مدار 84 يومًا من العدوان الفاشي على شعبنا- يمكن أن نستحضر عشرات القصص المروّعة لقتل الأطفال والنساء والرجال، وهؤلاء ليسوا أرقامًا، ولكنّهم أشخاصٌ لهم حياتهم الخاصة ومحبوهم وأحلامهم وآمالهم.
مواقف مخزيةهل الرئيس ليس لديه أي معلومات حول ما يجري من مجازر وتطهير عرقي وإبادة جماعية في غزة؟ ألا يعرف عن ريم، وألما، وحسن، ومحمد، وعماد، وغيرهم من أطفال غزة الذين قتلهم نتنياهو وحكومته بمساعدة ومشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية؟ أعتقد بل أجزم أن رئيس الولايات المتحدة- من موقعه، وبما يملك من أجهزة استخباراتية وإعلامية – يعرف التفاصيل الدقيقة لما يحدث على مدار الساعة من إبادة جماعية وتطهير عِرقي للفلسطينيين في غزة.
فإذا كان الرئيس يملك هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة، فما السرّ في عدم تعبيره عن "مشاعره الإنسانية"؛ لإظهار التعاطف مع هؤلاء الأطفال والنساء في غزة؟! من وجهة نظري، إن لهذا السلوك سببين؛ الأول: قريب وتكتيكي، والثاني: بعيد وعميق وإستراتيجي.
أما الأول؛ فأعتقد أن هذه التصريحات، تأتي في إطار حملته الانتخابية الرئاسية، وحرصه على إرضاء اللوبي الصهيوني والداعمين له من يهود الولايات المتحدة.
وأما الثاني؛ فهو تعبير صريح عن مكنونات عميقة لدى الرئيس وفريقه حول معايير تقييمهم للبشر، فمن الواضح أن العقلية التي قادت لتأسيس الولايات المتحدة – والتي تؤمن بتفوق العِرق الأبيض على بقية الأعراق، ما سمح لهم بإبادة الشعوب الأصلية وبناء الدولة على أكتاف السود الذين أحضروهم من القارة الأفريقية، حيث اختلطت مباني ومؤسسات الدولة بعَرقهم ودمائهم وأشلائهم- هي ذاتها التي تصمت عندما يباد شعب بأكمله في غزة، فهو لا قيمة انتخابية له، ولونه ليس أبيضَ وعيونه ليست خضراء.
إذًا، نحن أمام موقف شخصي مبنيّ على الانتهازية التكتيكية والعنصرية العميقة، مما يفسّر لنا السبب في تجاهل الرئيس وطاقمه كل هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء من الفلسطينيين قبل وبعد أحداث 7 أكتوبر، ولا نتوقع أي تغيير لهذا الموقف الإنساني المخزي. للأسف الشديد، فإن موقف الرئيس ونائبته ليس موقفًا منفردًا أو شاذًا في سياق متابعتنا تعاطيَ الغرب عمومًا مع المأساة الفلسطينية على مدار 75 عامًا، وخاصة على المستوى السياسي الرسمي، والإعلامي الرئيسي.
قيم عنصرية فاسدةفالغرب- عمومًا- ارتكب الكثير من المجازر تجاه شعوب أخرى، بما فيها تجاه اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وجذور كل هذه المجازر وجرائم الحرب ترتكز في جوهرها على القيم العنصرية التي يحملها الغرب تجاه الآخرين.
مؤسف أن تكون قيادة القوى العظمى اليوم- بما تملك من مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية- تحمل هذه القيم العنصرية، رغم كل التجارب المروعة للبشرية بسبب هذه القيم الفاسدة.
آن الأوان للولايات المتحدة والغرب، من ناحية، أن يعيدوا تقييم مواقفهم من هذه القيم العنصرية، وتداعيات ذلك على مسيرة البشرية، ومن ناحية ثانية، تجاه الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، فالسياسات الأميركية المنحازة بشكل فاضح لصالح المواقف الصهيونية، هي السبب الأساس في كل ما تعانيه المنطقة من مآسٍ واضطرابات، وانعدام الأمن والاستقرار.
لو التزمت الإدارة الأميركية من البداية بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في حل الصراع؛ لنَعِم الجميع بالأمن والاستقرار منذ عقود، ولحافظنا على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء الذين قُتلوا على مدار العقود الماضية.
وأخيرًا، أُهدي هذه الآية الكريمة للرئيس الأميركي وإدارته، لعله يعيد النظر في موقفه من الصراع، خصوصًا، ومن العلاقة بين البشر عمومًا: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ}.[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ١٣]
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأطفال والنساء على مدار فی غزة
إقرأ أيضاً:
شهادات نازحين من ولاية الجزيرة السودانية لمكتب الأمم المتحدة: اضطررنا للفرار بسبب القتل والاغتصاب والنهب
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن العنف المسلح والهجمات في ولاية الجزيرة في السودان، تبرز وحشية الحرب المستمرة منذ نحو 19 شهرا في ظل تقارير عن اغتصابات جماعية وأعمال قتل ونهب واسعة النطاق، خلال أقل من أسبوعين دفعت الأعمال القتالية في ولاية الجزيرة أكثر من 135 ألف شخص إلى الفرار من ديارهم، نزح غالبيتهم العظمى إلى ولايتي القضارف وكسلا المجاورتين.
السيد (70 عاما) اضطر إلى النزوح من ولاية الجزيرة، في السودان، بسبب تصاعد أعمال العنف.
OCHA
زار أعضاء مكتب الأمم المتحدة مواقع إيواء النازحين الجدد - حيث يقدم لهم عاملو الإغاثة المساعدات الضرورية - وتحدثوا معهم عما شهدوه.
السيد، نازح في السبعين من عمره، قال إن أولاده حملوه في رحلة النزوح بسبب إعاقته التي تمنعه من الحركة. وأضاف: "الشيء الذي دفعني للمغادرة هو الانتهاكات التي عشناها وهدم البيوت والسرقات والاغتصابات. الوضع كان سيئا جدا جدا. لقد حُملت على أكتاف أولادي 40 ساعة وأنا على هذا المقعد المتحرك".
وأشار إلى العدد الكبير من الأشخاص الذين يقفون حوله، وقال إنهم جميعا جاءوا من الجزيرة سيرا على الأقدام وإن بعضهم سار 3 أيام أو 10 أيام وإن بعض الناس لقوا حتفهم أثناء النزوح بسبب التعب والعطش.
السيدة نضال، البالغة من العمر 35 عاما، قالت إن كل الناس يشعرون بالإنهاك ويحتاجون إلى دعم خارجي كبير: "نحتاج إلى أسرّة. ينام الناس على الأرض وبعضهم مريض لا يتحمل هذا الوضع. ونريد ملابس، بعضنا خرج من داره بالملابس التي كنا نرتديها وبدون أي شيء آخر. نحتاج إلى البطاطين أيضا".
وعما شهدته من الهجمات التي تعرضت لها منطقتها، قالت السيدة نضال: "أي بيت في الجزيرة هجموا عليه. أخذوا ملابس الفقراء من الخزانات وارتدوها، وسرقوا الحلويات التي كانت النساء تبيعها لتطعم أطفالها".
السيدة نضال (35 عاما) اضطرت إلى النزوح من ولاية الجزيرة، في السودان، بسبب تصاعد أعمال العنف.
OCHA السيدة نضال (35 عاما) اضطرت إلى النزوح من ولاية الجزيرة، في السودان، بسبب تصاعد أعمال العنف.
شخص آخر مسن في الثانية والستين من العمر تحدث عن المشاكل الكثيرة التي يواجهها النازحون مثله: "نعاني من الجوع والعطش. الأطفال هم أكثر من عانوا والنساء أصبحن مريضات أيضا. لقد فقدنا الكثير من الأرواح وإلى الآن لا يزال الكثيرون مفقودين لم نعثر عليهم".
أدمور توندلانا نائب رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في السودان شدد على أهمية وقف إطلاق النار وأن يعود شعب السودان إلى حياتهم الطبيعية، "فلنبن السودان مرة أخرى، هناك الكثير من الأطفال الذين تضرر تعليمهم. إنه جيل سنفقده. الكثير من جوانب الحياة قد تأثر ونحتاج إلى العودة إلى الحياة الطبيعية".
لوكوجو بيتر رئيس مكتب الأوتشا في كسلا قال إن العام المنصرم شهد 3 موجات نزوح من الجزيرة وسنار، ليزيد العدد في شرق السودان بنحو ثلاث مرات. ووشدد على الحاجة العاجلة لأن تساعد الوكالات الإنسانية والسلطات الحكومية من نزحوا إلى شرق السودان بالمأوى والماء والرعاية الصحية.
منذ بدء الصراع في السودان، نزح نحو 11.5 مليون شخص سواء داخل البلاد أو عبر الحدود.