الجزيرة:
2024-12-18@16:00:57 GMT

بايدن والإنسانية الانتقائية

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

بايدن والإنسانية الانتقائية

بالأمس عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن وزوجته عن حزنهما الشديد لوفاة الأميركية "جوديث وينستون هاغاي" ذات الـ70 عامًا يوم 7 أكتوبر، ويتهم حركة المقاومة الإسلامية حماس، دون أي دليل، بقتلها. ثم تبعته نائبة الرئيس السيدة كامالا هاريس بالتعبير عن المشاعر نفسها، وتوجيه الاتهامات نفسها للحركة.

ولحقت بهما السياسية الأميركية- العنصرية، ذات الأصول الهندية- نيكي هيلي، وختمت تصريحها بالطلب بتحطيم الكل في غزة.

انتهازية سياسية

جميل أن يعبّر الرئيس وبقية السياسيين الأميركان عن مشاعرهم الإنسانية حول مقتل امرأة مسنّة مسالمة، بغض النظر عن لونها أو جنسها أو جنسيتها أو دينها، فهذا هو السلوك الطبيعي لأي إنسان متحضر، يحترم القيم الإنسانية وما توافقت عليه البشرية من أنظمة وقوانين طوّرتها بعد حربين عالميتين مدمّرتين: (الأولى والثانية).

لكن السؤال الجوهري هنا: هل هذه المشاعر- التي عبّر عنها الرئيس ونائبته – حقيقية وإنسانية؟ أم هي تصريحات استعمال سياسي انتهازي لحالة إنسانية، في إطار حملة انتخابية محمومة؟ وإذا كانت هذه المشاعر حقيقية في بُعدها الإنساني، فكيف يعبّر الرئيس ونائبته عن هذه المشاعر الإنسانية الراقية، لقتل امرأة أميركية، ولا يتحدث بأي كلمة عن آلاف الأطفال والنساء الذين تم قتلهم بشكل متعمّد على يد الحكومة الصهيونية المتطرفة؟!

فحتى اللحظة، قتلت حكومة الحرب الصهيونية أكثر من 25 ألف مواطن فلسطيني، أكثرُ من 70% منهم من الأطفال والنساء، بل إنها قتلت الأطفال والنساء والرجال النازحين والمرضى والطواقم الصحية، حتى الرضع في الحضانات، بشكل متعمد وعلى الهواء مباشرة في المستشفيات؛ بحجج مفبركة لم يثبت أي من صحتها، بل فشلت في تقديم أي دليل على ذلك، رغم تدميرها المستشفيات وسيطرتها الكاملة عليها.

كل يوم- على مدار 84 يومًا من العدوان الفاشي على شعبنا- يمكن أن نستحضر عشرات القصص المروّعة لقتل الأطفال والنساء والرجال، وهؤلاء ليسوا أرقامًا، ولكنّهم أشخاصٌ لهم حياتهم الخاصة ومحبوهم وأحلامهم وآمالهم.

مواقف مخزية

هل الرئيس ليس لديه أي معلومات حول ما يجري من مجازر وتطهير عرقي وإبادة جماعية في غزة؟ ألا يعرف عن ريم، وألما، وحسن، ومحمد، وعماد، وغيرهم من أطفال غزة الذين قتلهم نتنياهو وحكومته بمساعدة ومشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية؟ أعتقد بل أجزم أن رئيس الولايات المتحدة- من موقعه، وبما يملك من أجهزة استخباراتية وإعلامية – يعرف التفاصيل الدقيقة لما يحدث على مدار الساعة من إبادة جماعية وتطهير عِرقي للفلسطينيين في غزة.

فإذا كان الرئيس يملك هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة، فما السرّ في عدم تعبيره عن "مشاعره الإنسانية"؛ لإظهار التعاطف مع هؤلاء الأطفال والنساء في غزة؟! من وجهة نظري، إن لهذا السلوك سببين؛ الأول: قريب وتكتيكي، والثاني: بعيد وعميق وإستراتيجي.

أما الأول؛ فأعتقد أن هذه التصريحات، تأتي في إطار حملته الانتخابية الرئاسية، وحرصه على إرضاء اللوبي الصهيوني والداعمين له من يهود الولايات المتحدة.

وأما الثاني؛ فهو تعبير صريح عن مكنونات عميقة لدى الرئيس وفريقه حول معايير تقييمهم للبشر، فمن الواضح أن العقلية التي قادت لتأسيس الولايات المتحدة – والتي تؤمن بتفوق العِرق الأبيض على بقية الأعراق، ما سمح لهم بإبادة الشعوب الأصلية وبناء الدولة على أكتاف السود الذين أحضروهم من القارة الأفريقية، حيث اختلطت مباني ومؤسسات الدولة بعَرقهم ودمائهم وأشلائهم- هي ذاتها التي تصمت عندما يباد شعب بأكمله في غزة، فهو لا قيمة انتخابية له، ولونه ليس أبيضَ وعيونه ليست خضراء.

إذًا، نحن أمام موقف شخصي مبنيّ على الانتهازية التكتيكية والعنصرية العميقة، مما يفسّر لنا السبب في تجاهل الرئيس وطاقمه كل هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء من الفلسطينيين قبل وبعد أحداث 7 أكتوبر، ولا نتوقع أي تغيير لهذا الموقف الإنساني المخزي. للأسف الشديد، فإن موقف الرئيس ونائبته ليس موقفًا منفردًا أو شاذًا في سياق متابعتنا تعاطيَ الغرب عمومًا مع المأساة الفلسطينية على مدار 75 عامًا، وخاصة على المستوى السياسي الرسمي، والإعلامي الرئيسي.

قيم عنصرية فاسدة

فالغرب- عمومًا- ارتكب الكثير من المجازر تجاه شعوب أخرى، بما فيها تجاه اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وجذور كل هذه المجازر وجرائم الحرب ترتكز في جوهرها على القيم العنصرية التي يحملها الغرب تجاه الآخرين.

مؤسف أن تكون قيادة القوى العظمى اليوم- بما تملك من مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية- تحمل هذه القيم العنصرية، رغم كل التجارب المروعة للبشرية بسبب هذه القيم الفاسدة.

آن الأوان للولايات المتحدة والغرب، من ناحية، أن يعيدوا تقييم مواقفهم من هذه القيم العنصرية، وتداعيات ذلك على مسيرة البشرية، ومن ناحية ثانية، تجاه الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، فالسياسات الأميركية المنحازة بشكل فاضح لصالح المواقف الصهيونية، هي السبب الأساس في كل ما تعانيه المنطقة من مآسٍ واضطرابات، وانعدام الأمن والاستقرار.

لو التزمت الإدارة الأميركية من البداية بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في حل الصراع؛ لنَعِم الجميع بالأمن والاستقرار منذ عقود، ولحافظنا على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء الذين قُتلوا على مدار العقود الماضية.

وأخيرًا، أُهدي هذه الآية الكريمة للرئيس الأميركي وإدارته، لعله يعيد النظر في موقفه من الصراع، خصوصًا، ومن العلاقة بين البشر عمومًا: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ}.[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ١٣]

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأطفال والنساء على مدار فی غزة

إقرأ أيضاً:

3 أشهر مهلة لشركات التواصل الاجتماعي لتحسين السلامة أو مواجهة غرامات ضخمة

تواجه منصات التواصل الاجتماعي والخدمات الأخرى عبر الإنترنت العاملة في المملكة المتحدة لوائح جديدة.

 أصدرت Ofcom، الهيئة التنظيمية لخدمات الاتصالات في المملكة المتحدة، أكثر من 40 إجراءً للسلامة يجب على المنظمات المعنية تنفيذها بحلول منتصف مارس 2025. 

تتبع الإرشادات الجديدة إقرار قانون السلامة عبر الإنترنت العام الماضي، والذي ينفذ حماية جديدة للأطفال والبالغين عبر الإنترنت.

 يتضمن دور Ofcom تقديم أكواد الامتثال والإرشادات للشركات ذات الصلة.

قدمت Ofcom تدابير جديدة لمعالجة مجالات مثل الاحتيال والاعتدال ومواد الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSAM).

 يجب أن تتخذ الخدمات عبر الإنترنت خطوات مثل ترشيح شخص كبير مسؤول عن الامتثال لواجباتها فيما يتعلق بالمحتوى غير القانوني والشكاوى والإبلاغ. 

يجب تدريب فرق الاعتدال "بشكل مناسب" وأن يكون لديها موارد كافية لإزالة المحتوى غير القانوني بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات ذات الصلة، مثل منصات التواصل الاجتماعي، تحسين خوارزمياتها للحد من انتشار المحتوى غير القانوني.

تتضمن ممارسات السلامة المطلوبة من الهيئة التنظيمية لمكافحة مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال إخفاء ملفات تعريف الأطفال ومواقعهم، وعدم السماح للحسابات العشوائية بإرسال رسائل إلى الأطفال واستخدام مطابقة التجزئة واكتشاف عناوين URL للعثور بسرعة على مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال وإيقافها.

استشارت Ofcom صناعة التكنولوجيا والمؤسسات الخيرية والآباء، من بين كيانات أخرى، كما استمعت إلى الأطفال حول تجاربهم المروعة في تلقي رسائل مفترسة عبر الإنترنت وآراءهم حول اللوائح الجديدة. 

صرحت Ofcom في بيانها: "بصفتنا هيئة تنظيمية قائمة على الأدلة، تم النظر بعناية في كل استجابة، جنبًا إلى جنب مع الأبحاث والتحليلات المتطورة، وقد عززنا بعض مجالات القواعد منذ استشارتنا الأولية". "النتيجة هي مجموعة من التدابير - والتي لا يتم استخدام العديد منها حاليًا من قبل أكبر المنصات وأكثرها خطورة - والتي من شأنها تحسين السلامة بشكل كبير لجميع المستخدمين، وخاصة الأطفال".

يشمل قانون السلامة عبر الإنترنت "المنظمات الكبيرة والصغيرة، من الشركات الكبيرة والمجهزة جيدًا إلى" الشركات الصغيرة جدًا ". كما تنطبق على الأفراد الذين يديرون خدمة عبر الإنترنت"، كما ذكرت Ofcom. لكن الأمر يصبح غامضًا بعض الشيء، حيث أضافت Ofcom أن الشركة يجب أن يكون لديها "عدد كبير" من المستخدمين في المملكة المتحدة أو أن تكون المملكة المتحدة سوقًا مستهدفة. يغطي القانون "الخدمات من مستخدم إلى مستخدم"، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب عبر الإنترنت ومواقع المواعدة. كما يؤثر على "خدمات البحث" والشركات عبر الإنترنت التي تعرض محتوى إباحي.

تتمتع Ofcom بسلطة تغريم المواقع غير الممتثلة بمبلغ 18 مليون جنيه إسترليني (22.7 مليون دولار) أو 10 في المائة من إيراداتها العالمية المؤهلة، إذا كان الرقم أعلى. في "الحالات الخطيرة للغاية"، يمكن لـ Ofcom طلب أمر من المحكمة لمنع وجود الموقع في المملكة المتحدة. تخطط Ofcom لإصدار إرشادات إضافية خلال النصف الأول من عام 2025.

مقالات مشابهة

  • خبيران أميركيان: هذا ثمن رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الأميركية
  • جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء جديدة لسكان مخيم البريج وسط قطاع غزة
  • إذاعة الاحتلال: إسرائيليون يجتازون الحدود مع لبنان ويقيمون خيامًا للمطالبة بالاستيطان
  • بلومبيرغ: رسوم ترامب الجمركية ستحدث ألما كبيرا لشركات السيارات الأميركية
  • جهود مصرية قطرية مكثفة مع جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق تهدئة فى غزة
  • 15 شهيدا بمجزرة جديدة للاحتلال بعد قصف منزل في بيت لاهيا
  • محمد فراج: ترامب وإدارة بايدن نهج متشابه تجاه القضية الفلسطينية
  • 3 أشهر مهلة لشركات التواصل الاجتماعي لتحسين السلامة أو مواجهة غرامات ضخمة
  • الأونروا: نقص حليب الأطفال في غزة يعرض حياة أكثر من 8500 رضيع للخطر
  • ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 45,028 شهيداً غالبيتهم من الأطفال والنساء