حسين خوجلي: من الكلمات الباقيات التي قالها الكوز البلاتيني الشهيد علي عبد الفتاح (..)
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
حسين خوجلي يكتب:
الوخز بالكلمات
١/ أصدق عبارة عن وصمة اجتياح ود مدني أن قادة لواء الجزيرة كانوا منسحبي أعقاب، وكانت قيادات الدعم السريع أدلة أسلاب لميليشيا الجريمة المنظمة الجديدة والفوضى العملاقة. فعلى الجنرال البرهان البحث عن قائد هذه المليشيا التي كُلفت بتدمير السودان للتفاوض معه، فهو تفاوض أجدى من لقاء جيبوتي المستحيل النتائج والجدوى.
٢/ إن ما سُلب من الجزيرة من سيارات وأموال ومؤن يكفي لتمويل المجهود الحربي للغزاة لأكثر من عامين، وما زال المستشار والخبير العسكري للقيادة العامة يظن أن هذه مجرد ممتلكات للملكية، ويا خسارة هذا الشعب الذي ينال الاذلال ما بين مفردتي الجلابة والملكية.
٣/ صارت إسرائيل بالدمِ الأحمر عظمةً نخرة، وصارت اليمن بالبحر الأحمر دولةً عظمى.
٤/ كتبتُ يوماً هذه العبارة عن الشاعر والوطني والفنان والثوري خليل فرح الذي لم يجد للأسف مكانته بيننا حتى الآن:-
(الشرعية الثورية “شجاعةٌ خائفة”، والدولة المدنية خوفٌ شجاع، و من أذكى وأطرف ما لاقيته من اقتداء لهذا التعريف، النقد اللاذع للوطني الشجاع خليل فرح أفندي وهو يسخر من (الهياج) الثوري داعياً إلى(الهدوء) المدني في أبياته الأشهر:
(مدني) وحشيم ماني الجسور
من أعلى سكان القصور
لا بسبي لا بهجم بثور
لا بشبه الأسد الهصور
وكان عليه الرحمة أشبه أبناء جيله بالأسد الهصور ولكنه تواضع الثوار)
**حاشية:
أجد نفسي معتذراً عن المثالية التي ألبستها بخليل فرح، وأطلب من أهل الجزيرة المغدورة أن يجردونه من مدنيته المثالية التي ما تصدت لحرابة وما قتلت ذبابة، ويهدونه أول كلاش في جيش الشعب بقبة السُّني حين يأوي الغزاة إلى مطرحهم اللعين.
٥/ من الكلمات الباقيات التي قالها الكوز البلاتيني
الشهيد علي عبد الفتاح الذي تعود الاغتراف من بحر المجد والفداء والبيان والشهادة في قيادة جوبا وهي تستعد للانسحاب وهو يستعد لمنازلة دبابات يوغندا، التي حطمها مع إخوته القلائل في الميل أربعين (ليست القضية أنهم يقاتلوننا ونقاتلهم، وليست القضية أن ينتصروا علينا أو ننتصر عليهم فهذه طبيعة الحروب، ولكن القضية كيف سولت لهم أنفسهم ذلك، وكيف رضينا أن نتنازل عن فضيلة الهيبة التي تمنع شرور التطاول والاعتداء)
حسين خوجلي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
على خطى الكواكبي وسليمان الحلبي مشى كثير من أدباء وكتاب سوريا، لم يخشوا سيف السلطة، ولم تلههم الوعود، ولم تردعهم ظلمة السجن ولا قبضة السجان، وواصلوا طريقهم، فلما ضاق عليهم الخناق قفزوا هاربين بجلدهم وعمرهم إلى فضاء أوسع من الحرية.
ولكن طالت سنوات القهر واستطال جحيمها وامتد ليل القهر لعشرات السنين، وانكوى بناره الأهل والأحباب، دون أن يبدو فجر في الأفق. وفي لحظة ما بزغت شمس الحرية وانقشع الظلام والضباب، ولكن عن مآس إنسانية، وأشلاء بشرية، وعيون أطفأها اليأس، وقلوب أمرضها الحزن، وجراحات لا تندمل، ومئات الآلاف من الأرواح زهقت في جحيم التعذيب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حلم على جنبات الشام أم عيد؟ تفاعل الشعر مع انتصار الثورةlist 2 of 2إبراهيم عبد المجيد: الفلسفة والفنون غذاء الكاتب في عصر الذكاء الاصطناعي وهيمنة الصورةend of listهنا فقط، انتبهنا إلى مأساة شعب سجن وعذب وسلخ جلده حيا بدعوى الدفاع عن الوطن. وهنا فقط علمنا كم عاني الكتاب وتعذبوا من أجل أن يكتبوا نص الحرية التي لا تجيء، فكان عذابهم مضاعفا.
زكريا تامر، ولد في دمشق عام 1931، نشأ في حي البحصة بين ساحة المرجة وبوابة الصالحية، وعمِل حدّادا قبل أن يتحوّل إلى حرفة الأدب وكتابة القصة والصحافة، ظل زكريا تامر مخلصا وملتزما لقلمه ومبدئه، وبالرغم من أنه يعيش خارج سوريا في منفى اختياري في بريطانيا، فلم يكن من زمرة المثقفين المتاجرين بالشعارات، وبقي ملتصقا بنقاء حروفه، مثل حدَّاد يعرف كيف ينقي الكلمات بالنار والكير، وعندما اندلعت ثورة شعبه السوري وقف إلى جانب الناس، ورفض محاباة القتلة، وفي لقاء صحفي، سألوه: متى تعود إلى سوريا؟
إعلانقال "ليس مهما أن أبقى في أكسفورد أو أعود إلى دمشق..!!".
وبطول عمره في الكتابة كان كثيرا ما يراهن على الشعب الذي يراه المستبد خاضعا، ولكنه ليس خنوعا، بل صبرا مريرا وهو ينزف كرامته وشرفه ودمه، ويقول تامر للطاغية المستبد: لا تأمن لهذا الشعب، لأنك لا تعرف متى سيكون انفجاره، ولهذا شبه الشعب بالنمر، لأن النمر لا يمكن ترويضه، وفي قصة "النمور في اليوم العاشر" يقول للطاغية: لا يغرك طاعة الشعب وخضوعه ومسايرته لجبروتك، لأنه مهما طال الزمان أو قصر سينتفض ضدك، وبدلا من أن تكون فوق ظهره ستصبح تحت أقدامه.
زكريا تامر كان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد (مواقع التواصل) النمور تأكل الحشائشوكان كثيرا ما يسخر من النظام في كتاباته، وحملت نصوصه غواية العبث بالشرطة ومداهماتها من خلال كتاباته وتحولاته التي كانت تبدعها مخيلته، عندما تدهمه الشرطة وهو جالس مع زوجته لكنها لا تراه لترحل بدون صيد ثمين، وفي كل مرة كان زكريا تامر يسخر منهم كثيرا كما جاء في قصة "سنضحك.. سنضحك كثيرا":
"في يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّي وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّي تحوّلت مشجبا، وتحوّلت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين.
وفي يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أي غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا رجال الشرطة يدهمون البستان بعد دقائق طامحين إلى الإمساك بنا، ولكنهم لم يوفقوا لأنّي تحوّلت غرابًا أسود اللون، دائم النعيب، وتحوّلت زوجتي شجرة خضراء، غزيرة الأغصان. وضحكنا كثيرًا من إخفاقهم،..".
ويعدد لنا تحولاته في المطعم، عندما يتحول سكينا أما زوجته فتتحول لكأس، وفي الشارع يتحول هو لحائط وزوجته لإعلان ملون، وفي المستشفى يتحول هو لرداء أبيض متسخ وزوجته لخزانة خشبية مليئة بالثياب، ويتحول طفلهم لبوق في سيارة إسعاف مسرعة، .. "وضحكنا كثيرًا من بلاهتهم، وسنظلّ نضحك".
إعلانوكان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد، ومن مقولاته الشهيرة: "يحترق الطاغية فيستعيد كل مواطن وجهه الإنساني المفقود منذ عقود، وينبت الياسمين في دماء الشرايين".
عن زكريا تامر، يقول الناقد صبري حافظ إن "قصصه التي خلصها من زيادات الطابع القومي، والطابع القصصي أيضا، يتحدث فيها عن الإنسان العربي، الدمشقي غالبا، وهو يعاني من الفقر المادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى عالم نظيف وهادئ ومليء بالمنطق والعدالة، هذا الإنسان الفقير المحبط الذي تبهظه أثقال هذا الركض اليائس وراء رغيف الخبز اليابس الذي لا يكاد يسد رمقه في شتى أنحاء عالمنا العربي هو بطل زكريا تامر الأثير".
ويتابع حافظ واصفا بطل قصص تامر بأنه "إنسان بسيط يحب الحياة ويريد أن ينفلت من شرائع الموتى، وأن يطرح خلف ظهره كل المواريث القديمة، ولكن دونما جدوى، فالجميع يطاردونه، ويعيش هذا البطل، وهو بطل مضاد بالطبع في عالم يسوده منطق مقلوب، يحاكم بمقتضاها رجاله ويسامون العذاب، وتقطع أوصالهم وتلقى في نهر يشير إلى الصعيد الجغرافي كثيرا إلى نهر بردى، وإلى أنهار 7 هي منابعه الـ7".
ولأن زكريا تامر فنان مبدع، غايته إرهاف وعي الإنسان وإثارة القلاقل، وإقلاق المستنيمين إلى دعة التردي والفساد، وتهديد الطغاة بتذكيرهم دائما بأن نهايتهم بشعة ووشيكة، وهذا ما تفعله كل قصص مختاراته السبعة، بحسب حافظ، "وهمه في بعض مجموعاته هو الكشف عن عسف السلطة السياسية، وتعرية أشكال القمع الاجتماعي والاقتصادي المراوغة وهي تفعل فعلها في الإنسان العربي، وتسومه شتى صنوف العذاب، فإن همه في بعضها الآخر صدمة القارئ لاكتشاف دوره هو كإنسان عادي في إحكام سيطرة هذا القمع عليه، وفي تكريس مواضعات الواقع الشائه، وإحكام قبضة منطق المقلوب على كل ما حوله".
القصة في "النمور في اليوم العاشر" عن الاستبداد والتجهيل والسياسة ولعنتها وسلوكها المنافق وعن الوطن وظلمه وحنين المغترب إليه (الجزيرة) الحياة أحيانا أبشع من الموتومختارات زكريا تامر مثقلة بالكوابيس المرة عبر فانتازيا سوداء قاتمة يرتد فيها الميت إلى الحياة، فيرى أن الحياة أبشع من الموت، وقصصه تمسخ فيها الكائنات حتى تخرج عن طبيعتها التي جبلت عليها، وتستسلم لآيات القهر المراوغ في "النمور في اليوم العاشر" ، ويباع فيه الإنسان والأوطان بأبخس الأثمان "المخزن العربي"، و ترتكب فيه الجرائم لأوهى الأسباب "العشاء الأخير"، بينما تمر أبشع الجرائم بلا عقاب "رجل غاضب" أو تدهم البريء فيه تهمة لا يستطيع ردها "في ليلة من الليالي" ويقبل الجلادون بهمة على أبشع الأعمال وأكثرها وحشية ثم يتذمرون حينما يطلب منهم تنظيف الغرفة في "الجريمة"، وتلاحق التهم أبطال تاريخنا القومي "الذي أحرق السفينة" بينما تستمتع النماذج الشائهة بكل ثمار الحضارة الحديثة (بحسب صبري حافظ).
إعلانوللحلم والأسطورة في أدب زكريا تامر نصيب كبير، لأن الحلم نوع من الخيال التعويضي ذي الصبغة العقلية، يرتق به البطل واقعه المهلهل، وفي قصة "شمس صغيرة" التي تقدم ذروة الالتحام بين الأسطورة الشعبية والواقع المعاش، فيكسب كل منهما الآخر بعدا جديدا.
مجموعة قصصية (مكونة من 11 قصة قصيرة) أصدرها زكريا تامر كثاني إنتاجاته الأدبية سنة 1963 بعنوان "ربيع في الرماد" وهو عنوان إحدى القصص التي تضمنتها المجموعة (الجزيرة)قصص زكريا تامر مشغولة بتفكيك آلية عمل السلطة وأجهزتها الأيديولوجية من الداخل سواء أكانت هذه السلطة مبنية على القوة الغاشمة، أم على الحق الوراثي، أم على الاستبداد المطلق، أم على أجهزة المخابرات، أم على أجهزة الإعلام الحديثة، أم على الانتخابات المزورة لإرادة الجماهير والمتاجرة بها، فإنها في النهاية سلطة غاشمة وعبثية، وسلطة لا تعترف بالحرية وليس لها مشروعية.