الحرب تعيد الرسائل الورقية كوسيلة اتصال معتمدة في السودان
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
الخرطوم- مع انقطاع وتذبذب خدمات الاتصال في السودان منذ الحرب التي اندلعت في أبريل/نسيان الماضي، تلجأ آمنة موسى إلى الرسائل الورقية عن طريق الحافلات السفرية ومكاتب الترحيل، للاطمئنان على أسرتها في نيالا عاصمة جنوب دارفور.
آمنة لم تكن استثناء، يقول الصحفي عيسى دفع الله للجزيرة نت "وأنا في نيالا كانت معظم الرسائل بين الصحفيين لنقل الأخبار بخط اليد، فكنت أسأل عن سير العمليات العسكرية والوضع الصحي، وقد وفرت لي الرسائل الورقية معلومات وتفاصيل دقيقة غائبة عن الإعلام.
وأدت حرب أبريل/نيسان المنصرم، إلى تراجع ملحوظ في مستوى جودة الخدمات ورقعة التغطية الشبكية، كما تضررت الأعمال التجارية للشركات بصورة واسعة.
وتعمل في السودان 3 شركات لتقديم خدمات الهاتف المحمول: Zain (إحدى الاستثمارات الكويتية في السودان)، وMTN وSudani بالإضافة لشركتي: كنار التي تقدم خدمات الإنترنت، وشركة سوداتل.
وشهد الأسبوع الأول من الحرب خروج 3 من شبكات الاتصالات العاملة في السودان من الخدمة، مما أثر في القدرة على الاتصال بين المشتركين، الذين يقدر عددهم بـ35 مليون مشترك.
ويعاني عدد من السودانيين من صعوبة التواصل مع ذويهم العالقين في مناطق الاشتباكات، ويلجأ بعضهم للتنقل عبر الدواب أو سيرا على الأقدام لمدة لا تقل عن ساعتين للتواصل، وظلت الرسائل الورقية وسيلة لنقل أخبار الأُسر بين مدن إقليم دارفور في ظل الانقطاع التام لشركات الاتصال في بعض مدن الإقليم.
كما أثر انقطاع وتذبذب خدمات الاتصال في عدد من القطاعات، كالقطاع المصرفي، والإعلامي.
مشتركينا الأعزاء،
نظراً لبعض الأعطال الفنية التي أدت لخلل في نظام التشغيل، توقفت بعض الخدمات التشغيلية بالشبكة، و نعمل على إصلاحها في أقرب وقت ممكن.
شاكرين لكم حسن تفهمكم و صبركم.
تواصلكم دائماً أولويتنا pic.twitter.com/3Hf6X5t8c0
— SUDANI (@Sudani_sd) December 15, 2023
أضرار وخسائراعتمد مستخدمو الهاتف السيار على شبكة زين Zain للاتصالات التي ظلت تعمل وحيدة بعد خروج كل من شركات: سوداني وMTN وشركتي كنار وسوداتل عن خدمة الإنترنت في السودان.
وقال مصدر بقطاع الاتصالات للجزيرة نت "إن ذلك أدى إلى وضع إمكانات زين التقنية تحت ضغط كبير؛ بسبب توافد الآلاف للاستفادة من خدمات الشركة".
وأدت عمليات التخريب والنهب التي شملت المخازن الرئيسة للشركات لفقدان كميات كبيرة من قطع الغيار، ليتراجع مستوى جودة الخدمة في بعض المناطق.
وقال المصدر، إن "صعوبة تنقل فرق عمل الصيانة للمحطات، وتزويدها بالوقود والصعوبات التي تواجهها في ظل تذبذب خدمة الكهرباء، أدت إلى فقدان شركة Zain الاستفادة من نسبة كبيرة من البنية التحتية الكلية لأبراجها ولتغطيتها، خاصة في ولايات الخرطوم ودارفور، مما تسبب في تراجع حركة مرور البيانات والمحادثات الصوتية"، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى تراجع كبير في الدخل العام للشركة.
الخدمات المصرفيةوحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، كانت سوداني أكثر الشركات تضررا نتيجة الحرب، حيث أصاب الضرر عدد من فروعها خاصة في حي الخرطوم 2، وأثر ذلك في الشهور الأولى للحرب بشكل كلي على التطبيقات البنكية، لارتباط القطاع المصرفي بقطاع الاتصالات من حيث الربط الشبكي والخدمات.
وقال مصدر للجزيرة نت، إن الضرر الذي أصاب المقسمات الرئيسة لشبكات الاتصالات، والأضرار التي لحقت بها لا يمكن إصلاحها إلا بعد الحرب.
من جهته قال مهندس بشركة (سوداني Sudani) للجزيرة نت، إن "أكثر المناطق تضررا في تغطية خدمات الشركة إقليم دارفور وولاية الخرطوم التي تقلصت بنسبة كبيرة".
وإثر تداعيات حرب السودان التي مضى عليها 9 أشهر، تعرضت الشركات العاملة في قطاع الاتصالات والتقنية، لخسارة في أصولها؛ بسبب تخريب واحتلال المقار والمحطات، وتخريب ونهب المستودعات الرئيسة، التي تحوي معدات وأجهزة وقطع غيار زيادة سِعات الشبكة.
وأوضح مصدر الجزيرة نت أن هذه الخسائر تعني أن مشروعات زيادة السعات التي كانت قد شرعت فيها شركتا Zain وSudani قد توقفت بسبب خسائر الحرب.
وفي الوقت الذي تستحوذ فيه Zain على نسبة 50% من الحصة السوقية للهاتف المحمول في السودان، تستحوذ شركة MTN وهي استثمار جنوب أفريقي على نسبة 26%، وشركة سوداتل عبر مشغلها (سوداني Sudani) على نسبة 24%.
أكثر القطاعات تضرراوقال مهندس اتصالات -طلب عدم ذكر اسمه-، إن قطاع الاتصالات من أكثر القطاعات التي تضررت جراء الحرب في السودان.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه بالنسبة لولايات السودان كانت المشكلة الرئيسة حركة النزوح الكبيرة من ولاية الخرطوم لبقية ولايات السودان، فأصبحت الكثافة السكانية لا تتناسب مع البنى التحتية لمعظم الولايات، مشيرا إلى أن الحل المبدئي كان توسعة معظم شبكات الولايات لاستيعاب الكثافة السكانية الكبيرة، وما زال العمل جاريا لمحاولة تحسين تغطية الشبكة (مكالمات– إنترنت).
وحول نسبة تقلص تغطية خدمات شركات الاتصال جراء الحرب، قال مهندس الاتصالات، إن "التغطية موجودة في معظم ولايات السودان حتى في مناطق النزاع المباشر، لكن تأثرت جودة المكالمات والإنترنت بنسبة كبيرة يصعب جدا قياسها"، وأوضح إذا كانت جودة المكالمات والإنترنت 8 من 10 قبل الحرب، فإنها بعد الحرب وحركة النزوح قد تكون أقل من 4 من 10.
توقفت خدمات شبكات الاتصالات (سوداني- أم تي أن- زين ) في مدينة الفاشر للاسبوع الثاني على التوالي عاشت خلالها المدينة عزلة تامة عن التواصل مع بقية مدن السودان والعالم .
فقد توقفت خدمات شركتي (سوداني) ، و(أم تي أن) منذ يوم ١٤ ديسمبر بينما توقفت خدمات شركة زين يوم الاربعاء ٢٠ ديسمبر… pic.twitter.com/qQSFp1k8gm
— هاشتاق السودان ???????? (@hash_sudan) December 27, 2023
تعطل الخدمات الأساسيةمن جهته قال الخبير الاقتصادي عمر محجوب الحسين، إن "انزلاق السودان في الصراع المسلح منذ 15 أبريل/نيسان الفائت، أدى إلى تعطل الخدمات الأساسية، بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية".
وفي الوقت الذي لم تُشِر فيه معظم أدوات قياس الإنترنت إلى حدوث انقطاع كلي، يقول عمر محجوب للجزيرة نت "إن شركة Cloudflare التي تقيّم أداء وسرعة مواقع الويب، أكدت انخفاضا في حركة المرور على الإنترنت في السودان منذ 15 بريل/نيسان الماضي، ولم يحقق استعادة خدمات شركات الاتصال في تمكين الوصول إليها".
وحسب منظمة Netblocks (منظمة لقياس الإنترنت)، انهارت خدمات شركة كنار للاتصالات وسط الصراع.
وينبه عمر محجوب إلى أن ضعف معدل انتشار الإنترنت في السودان -الذي يبلغ 28.4%- قلّل من الكلفة الاقتصادية لانقطاع الخدمات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاتصال فی فی السودان للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
مواقف الإمارات ومحنة السودان
منذ تفجر الصراع الدامي في السودان، كان لدولة الإمارات مواقفها الواضحة والصريحة، التي لا تحتمل التشويه وتزييف الحقائق، والشاهد على ذلك دعواتها المتكررة إلى نبذ العنف، وحقن دماء أبناء البلد الواحد، والعمل مع الشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي لإيجاد حل سلمي، فيما لم تتوقف أذرعها الإنسانية عن تقديم المساعدات الإغاثية لتخفيف تداعيات الحرب المدمرة على الشرائح المتضررة، ولا سيما ملايين المهجرين والنازحين، وأغلبهم نساء وأطفال ومرضى.
هذه الحرب الملعونة، كانت قاسية على الشعب السوداني الشقيق، وشهدت فظائع وجرائم حرب ارتكبها طرفا النزاع، القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، وكثير من هذه الجرائم والانتهاكات مرتبط بالقوات المسلحة، وهي فظائع تستوجب المساءلة ضمن أطر القانون الدولي، وندّدت دولة الإمارات بهذه التجاوزات، وحثت على حماية المدنيين ومحاسبة الذين أجرموا من أي جهة كانت، وذلك ضمن موقفها المحايد والمساند لتطلعات الشعب السوداني في الأمن والسلام، وفي مستقبل لا يكون فيه دور للطرفين المتحاربين اللذين جلبا على السودان أسوأ حرب تكاد تنسف وجود هذا البلد العربي، وتلقي به في مهاوي التجزئة، والتقسيم والحروب الأهلية.
من المؤسف أن مواقف دولة الإمارات لم ترُقْ إلى بعض الأطراف، وخصوصاً القوات المسلحة السودانية، التي ما فتئت تناور وتصطنع المعارك الوهمية، لصرف الانتباه عن دورها ومسؤوليتها عن الفظائع واسعة النطاق في هذه الحرب. وبدل تحمل المسؤولية والاعتراف بالأخطاء، تحاول أن تتنصل من كل ذلك، ولم تجد من سبيل إلا إطلاق ادعاءات حاقدة ضد دولة الإمارات دون أي سند واقعي أو قانوني، ومحاولة استغلال بعض المنابر الدولية للترويج لاتهامات زائفة تحاول عبثاً تشويه دور الإمارات، وعلاقتها التاريخية بالشعب السوداني، الذي يعيش عدد كبير من أبنائه معززين مكرّمين داخل الدولة وكأنهم في بلدهم الأم.
ما تريده دولة الإمارات وتأمله صدقاً، أن تنتهي هذه الحرب الخبيثة، من أجل حماية ما تبقى من موارد للسودان والتصدي للكارثة الإنسانية الهائلة، وهذه المهمة لن تكون سهلة في ظل تعقيدات المشهد الداخلي، وتفكك المؤسسات وضعف الوحدة الوطنية، التي تضررت كثيراً بفعل الصراع العبثي على السلطة. وإعادة البناء والنهوض الناجحة تتطلب قوى سياسة مدنية مسؤولة تعبر عن تطلعات السودانيين، ولم تتورط في سفك دماء الأبرياء سعياً إلى تحقيق مصالح ضيقة.
كما تتطلب أيضاً توافقاً إقليمياً ودولياً، من شروطه الالتزام بالحوار والحل السلمي نهجاً لإنهاء الأزمات، واحترام حقوق الإنسان، ومحاسبة كل من ساهم في جرائم القتل الجماعي للسكان، هذه الشروط ضرورية وحاسمة في إعادة بناء الدول التي تمر بحروب أهلية مريرة.
مستقبل السودان لا يأتي معلباً من الخارج، بل يصنعه أبناؤه إذا توفرت لهم الإرادة، وتوافقوا على حسن إدارة بلد كبير وواسع الخيرات، كان إلى وقت قريب يوصف بسلة غذاء العالم العربي، ولكنه اليوم تعصف به المجاعات، ويعاني الملايين من أبنائه من سوء تغذية، وأمراض ذات علاقة بنقص الغذاء. ومن هنا يكون الدرس والعبرة، والسودان عليه أن ينهض وينفض عنه غبار الحرب ويتحرّر من ميليشيات النهب والفساد، ويطوي صفحات الصراعات الدامية والأنظمة العسكرية إلى غير رجعة.