في ذكراه ٦٨ وقف الحرب و اتقاد جذوة الثورة .. بقلم : تاج السر عثمان
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
١
تهل علينا الذكرى ٦٨ لإعلان استقلال السودان رسميا في 1 / يناير/ ١٩٥٦، والبلاد تشهد حربا لعينة تهدد وحدة وسيادة واستقلال البلاد، فضلا عن الماساة الانسانية التي خلفتها والدمار في البنية التحتية، فقد نزح أكثر من ٧ مليون شخص داخل وخارج البلاد، وقتل أكثر من ١٢ ألف شخص جلهم من المدنيين، مع تزايد المطالبة بوقف الحرب وعدم إطالة أمدها، رفض الدعاوى للتسليح المواطنين حتى لا ننزلق للحرب الأهلية التي تمزق وحدة البلاد، وتهدد أمن المنطقة والأمن الإقليمي والدولي.
٢
لم بكن انتزاع استقلال السودان أمرا سهلا ، بل جاء نتاجا لتراكم نضالي طويل خاضه الشعب السوداني ، فمنذ إعادة احتلال السودان علي يد الاستعمار الاتجليزي – المصري 1898، تم الآتي :
- بدأت المقاومة القبلية ضد المحتل الأجنبي.
- مع تطور الوعي وظهور حركة الصحف والمسرح وقيام نادي الخريجين 1918،وحركة الوعي التي أدخلها الجنود العائدون من الحرب العالمية الأولى ، وقيام تنظيمات الاتحاد السوداني واللواء الأبيض حتى أدي ذلك لانفجار ثورة 1924.
- بعد هزيمة ثورة 1924 أخذت المقاومة أشكالا مختلفة تمثلت في قيام الجمعيات الثقافية والقراءة والمسرح، وظهور الصحافة الوطنية ( مجلة النهضة السودانية ، الفجر. الخ).
- قام اضراب طلاب كلية غردون 1931 احتجاجا علي تخفيض رواتب الخريجين بعد الأزمة الاقتصادية في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي الذي كان أول مقاومة جماهيرية علنية بعد المجازر التي نصبت لثوار ١٩٢٤ ونفيهم حتى الموت.
- بعد ذلك تطورت الحركة الوطنية وقام مؤتمر الخريجين 1938،ومع الحرب العالمية الثانية ، رفع المؤتمر مذكرته الشهير لتطالب بحق تقرير المصير بعد الحرب.
- تطورت الأحداث حتى النهوض الجماهيري الواسع بعد الحرب العالمية الثانية المطالب بالاستقلال وتقرير المصير، حتى قيام الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات بعد الحرب العالمية الثانية، التي وقفت ترياقا في وجه مخطط الاستعمار لفصل الجنوب، وكان مؤتمر جوبا عام 1947م الذي أكد علي وحدة السودان.
- قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري بإحداث إصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي علي جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل : المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943 ، والجمعية التشريعية عام 1948 ، ومحاولات تكوين “لجان العمل” في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها “النقابة” التي توحد العمال والفنيين.
٣
هذا التراكم النضالي أدي في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953 التي كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني ، ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953، مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النشاط الهدام الذي تم إلغائه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30 /3/ 1954، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية التي اتفقت على الاستقلال التام ، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر على سيادتنا. تواصل النضال حتى كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان
وتم تكوين أوسع جبهة من أجل استقلال السودان وبقاءه موحدا، حتى تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م ومانتج عنها من ترتيبات دستورية انتقالية وانتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة داخلية ودولية ودستور انتقالي كفل الحقوق والحريات الأساسية، وتم إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، وإعلان الاستقلال رسميا في أول يناير 1956م، وكان استقلالا حقيقيا بعيدا عن أي احلاف عسكرية وتكتلات دولية.
٤
وبعد الاستقلال كانت القضية الأساسية هي :
- استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية لا الانقلاب عليها.
- انجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي أوالفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت ٥٨ عاما من عمر الاستقلال البالغ ٦٨ اسوأها نظام الانقاذ التي أورث البلد الخراب والدمار، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب حتى تم انفصاله، وانفجار قضايا المناطق المهمشة، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتي بلغت ديون السودان أكثر من ٦٠ مليار دولار.
٥
تواصل التراكم النضالي الجماهيري حتى انفجار ثورة ديسمبر 2018 التي ما زالت جذوتها مشتعلة حتى الآن كما وجود الجماهير في الشارع وفي ساحات الاعتصام ومسيوة ٣٠ يونيو التي تصدت لمجزرة فض الاعتصام التي اكدت علي ضرورة تحقيق أهداف الثورة والقصاص للشهداء ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والابادة الجماعية وضد الانسانية ، والغاء القوانين المقيدة للحريات، واصدار قانون النقابات الذي يؤكد استقلالية الحركة النقابية، وقيام المجلس التشريعي وتكوين المفوضيات ، وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية، وعودة كل المفصولين العسكريين والمدنيين للعمل ، وحل كل المليشيات(دعم سريع، كيزان من، وكتائب الظل والدفاع الشعبي، وجيوش الحركات.الخ)، وقيام جيش قومي مهني موحد ، وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة بعد أن اتضح اكذوبة سلام جوبا الذي تحول لطمع في مناصب محاصصات وسكن في فنادق ، دون اهتمام بجماهير مناطقهم، والاسراع في القصاص من منفذي جرائم الحرب ومجزرة فض الاعتصام وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وتحسين الأوضاع المعيشية ، ووقف سياسة رفع الدعم وشروط صندوق النقد الدولي ، وتفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وتسليم شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والاتصالات والمحاصيل النقدية والماشية للمالية، واصلاح النظام العدلي والقانوني، وخروج البلاد من حلف حرب اليمن وكل الأحلاف العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية ، واستعادة أراضي السودان المحتلة ( الفشقة ودعم كل الجنود السودانيين الذين يقاتلون لاستعادتها ، اضافة لحلايب وشلاتين. الخ).
ليكن الاحتفال بالذكرى ٦٨ لاستقلال السودان من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة واتقاد جذوة الثورة، واستكمال السيادة الوطنية وتحقيق السلام الشامل وتحسين الأحوال المعيشية، وقيام أوسع حراك جماهيري لوقف الحرب ولتحقيق أهداف الثورة.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرب العالمیة
إقرأ أيضاً:
ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
على مدار 15 شهرا، لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تكرار أهدافه من الحرب على قطاع غزة، التي كان في مقدمتها إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى جانب القضاء على حماس، وضع نتنياهو هدفين رئيسيين آخرين، هما استعادة الأسرى بالقوة ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من غزة.
ووفقا لتقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، فقد كان القضاء على حماس عسكريا وسلطويا يعني أن الحركة لن تكون موجودة في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار، في حين كان الهدف الإستراتيجي ألا يصبح القطاع مصدر تهديد للأبد.
وبين هذين الهدفين، كان هدف استعادة الأسرى حاضرا دائما، خاصة أن هؤلاء هم الذين يفترض أن الحرب قد اندلعت من أجلهم بالدرجة الأولى.
تجويع وتدمير واعتقال
ولتحقيق هذه الأهداف، حاصرت إسرائيل القطاع تماما ومنعت دخول الدواء والغذاء والوقود إليه، وألقت على سكانه أطنانا من المتفجرات حتى أحالته جحيما.
وخلال عمليات التدمير الممنهجة، اعتقلت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين من داخل المؤسسات التعليمية أو الطبية أو الخدمية التي دخلتها، ودفعت مليوني إنسان للنزوح مرات عديدة.
إعلانوقتلت إسرائيل -بقرار سياسي- أكثر من 46 ألف إنسان وأخفت ما يصل إلى 10 آلاف آخرين، أملا في تحقيق أهداف نتنياهو وحكومته المتطرفة ومن انضم لمجلس حربه من الساسة الإسرائيليين.
لكن دولة الاحتلال بدأت تستفيق من الصدمة والغضب بعد مرور 8 أشهر من أطول حروبها، فانسحب رئيس الأركان السابق بيني غانتس والقائد السابق في الجيش غادي آيزنكوت من مجلس الحرب بعد أسابيع من الخلافات والتهديدات المتبادلة.
واتهم الرجلان نتنياهو بعدم امتلاك إستراتيجية عسكرية وسياسية لمسار الحرب، وقد نزلا إلى جوار المعارضة في الشارع يطالبونه بالتوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى.
كما توترت علاقات نتنياهو مع حلفائه الغربيين على وقع إيغاله غير المبرر في الدم الفلسطيني دون الوصول إلى أي من أهداف الحرب. وتأزمت علاقته مع واشنطن بعد مراوغته أكثر من مرة في المفاوضات بوضع شروط جديدة.
وقبل ذلك وبعده، لم يستمع نتنياهو لتحذيرات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من احتلال مدينة رفح جنوب القطاع والتوغل في محور فيلادلفيا على الحدود الفلسطينية المصرية.
وقد تجاوز نتنياهو كل ذلك، ولم يترك صورة تشير إلى استمراره في الحرب إلا التقطها، فدخل قطاع غزة مع جنوده وأعلن أنه لن يتراجع عن القتال حتى يحقق أهدافه الثلاثة التي وضعها.
ومع كل توغل في غزة، كانت إسرائيل تخسر مزيدا من الجنود، ومع كل محاولة لتحرير الأسرى كان يقتل عددا منهم.
نتنياهو في محور نتساريم بقطاع غزة (إعلام الجيش الاسرائيلي) فشل في استعادة الأسرىولم تنجح إسرائيل في استعادة أي من أسراها إلا مرة واحدة عندما استعادت 4 من بين 250 أسيرا، وقتلت وأصابت في سبيل ذلك مئات المدنيين الفلسطينيين في مخيم النصيرات بعد 8 أشهر من القتال، ووقفت العملية كلها على حافة الفشل.
ولم يكن كل ذلك كافيا لوقف التظاهر في الشارع الاسرائيلي، حيث أكد المحتشدون مرارا قناعتهم بعدم قدرة نتنياهو على تحقيق أهداف الحرب وتحديدا إعادة الأسرى أحياء دون صفقة مع حماس.
إعلانومع استمرار الحرب، بدأ خصوم نتنياهو السياسيون يتهمونه بالتهرب من عقد صفقة تبادل أسرى، حفاظا على مستقبله السياسي. وقال غانتس وآيزنكوت إن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إن النجاح الوحيد الذي يمكن للحرب تحقيقه هو التوصل لصفقة تعيد الأسرى أحياء. بينما واصل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (استقال احتجاجا على وقف القتال) ووزير المالية بتسلئيل سموترتيش تمسكهما بأن الحرب حققت إنجازات هامة، وأن مواصلتها مهمة جدا لتحقيق بقية الأهداف.
وظل الانقسام السياسي سيد المشهد في إسرائيل حتى منتصف الشهر الجاري عندما تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، بعد مفاوضات مضنية تعثرت شهورا بسبب تعنت نتنياهو.
ومنح الاتفاق أملا في توقف للحرب وانسحاب للقوات الإسرائيلية من القطاع والدفع بمزيد من المساعدات للسكان الذين سمح للنازحين منهم بالعودة إلى ديارهم.
لكن الاتفاق الذي تم إعلانه كان مع حركة حماس التي تعهد نتنياهو باجتثاثها تماما، وقد نص على استعادة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين قدامى في سجون الاحتلال.
وتمثل بنود الاتفاق كل ما تمسكت به المقاومة طوال شهور الحرب، وقالت إنه سيكون السبيل الوحيد لوقف الحرب وإعادة الأسرى.
ويوضح الاتفاق دون لبس أن إسرائيل عقدت صفقة مع حماس في النهاية ولم تسترجع أسراها دون الثمن الذي طلبته الحركة في أول الحرب. وقبل هذا وذاك، لم تسلم المقاومة سلاحها كما كان نتنياهو يريد رغم ما لحق بها من خسارة في العدد والعتاد.