سودانايل:
2024-12-24@13:07:19 GMT

السودان وتساقط أوراق الفكر الذابلة

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

من مقولات المفكر و أستاذ علم الاجتماع السوري برهان غليون في كتابه " مجتمع النخبة" يقول في فقرة (عند تغيير ميزان القوى الاجتماعي و اهتزاز مواقع الطبقة السائدة تأخذ أولويات الأيديولوجية الفردانية ترتيبا جديدا: الحرية السياسية للفرد أهم من الحرية في الملكية. و تطالب الطبقة المعدمة بتوسيع القاعدة الديمقراطية للنظام، الأمر الذي يفترض أحيانا ضرب الحق المقدس في الملكية إذا أصبح يعيق حرية الأفراد و حياتهم.

) معروف أن التغيير في أي مجتمع يهزم قواعد المجتمع الرخوة فيه، و يعمل من أجل تبديلها، أو حتى إعادة صياغتها لكي تتلاءم مع عملية التغيير، و أيضا يشيد قواعد جديدة إذا لزم الأمر لكي تتماشى مع أهداف التغيير. و التغيير ليس عملية إبدال و استيراد مقولات و قواعد من مجتمعات أخرى، بل هي عملية تتطلب الوعي أولا و فهم المطلوب من التغيير، فهو صناعة المجتمع نفسه بالقوى الواعية فيه، و كل مجتمع له خصوصيته و قيمه و ثقافة و اخلاقه التي تشكل عموده الفقري، لكن للأسف أن عقلية النخب السياسية السودانية عجزت أن تفهم إبعاد التغيير، و حصرت ذاتها في السلطة و الصراع من أجل الوصول لها، تناقضات الشعارات هو الذي عقد المشكلة و في نفس الوقت قطع سلطة الحوار بين مكوناته، هي أزمة وعي داخل النخب السياسية و المثقفة قبل أن تكون إزمة مجتمع.
معلوم في علم الاجتماع أو الفكر السياسي أن التغيير يعتمد على الفكرة باعتبارها أهم أدوات التغييرو الفكرة تحتاج إلي إعمال الفكر، الشيء المفقود في كل القوى السياسية، حيث أصبح التغيير شعار معلق في الهواء، و ليس واقعا تعيشه الجماهير، و تشارك في صناعته عبر الممارسات اليومية، إذا كان في الدور التعليمية أو في نوادي الأحياء الثقافية و الرياضية أو حتى في مؤسسات الخدمة المدنية. و حتى أجهزة الإعلام و الصحافة عجزت أن تؤدي دورها الريادي في عملية التثقيف بهدف التغيير، حيث أصبحت جزءا من حالة الإنقسام في المجتمع، لأنها وقعت في شرك الاستقطاب الحاد، و الفرز الدائرة الآن في المجتمع. و كان الأفضل لها أن تكون خارج دائرة الاستقطاب لكي تؤدي وظيف تثقيف ما هو الهدف من التغيير في المجتمع. حتى اليوم و في ظل ازدياد عمق الأزمة التي وصلت للحرب، نجد أن الأهداف غير واضحة عند العديد من القوى السياسية, النخب السياسية لآن قلوبهم معلقة فقط بأهداب السلطة لذلك ينعدم الحوار بينهم.
أن الحرب دائرة الآن بين الجيش و الميليشيا و الحاضنات السياسية هي نتيجة الصراع الدائر من أجل السلطة، و ليس من أجل عملية التحول الديمقراطي، لآن الخطاب السياسي السائد يؤكد ذلك، و تضرر أفراد الشعب من هذه الحرب التي طالت منازلهم و نهبت و سرقت ممتلكاتهم، و حتى مؤسسات الدولة، حرب أدت لتصاعد الأحداث، حيث هاجمت الميليشيا المواطنين في مساكنهم، الأمر الذي فرض شروطا جديدة في المجتمع، أن تستنفر الجماهير ذاتها و تحمل السلاح لكي تحمي مصالحها و ممتلكاتها، هذا التغيير الذي أدى لدخول الشعب في المعادلة ليس كقوى مراقبة، أو أن يكون جزءا من عملية الاستقطاب التي تديرها القوى السياسية إلي جانب أدواتهم الأيديولوجية الأخرى، بل عامل له أهداف من أجل التصدي للقوى التي تشن عليهم حربا في منازله و ممتلكاتهم و اعراضهم. أن دخول الشعب في المعادلة الجديدة سوف يغير توازن القوى في المجتمع، و المعلن الآن ليس فقط المكوث في مناطقهم بهدف الدفاع عنها؛ بل مهاجمة الذين يشنون عليهم الحرب في كل أماكن وجودهم في البلاد.
هذا يعد تحولا كبيرا في الوعي الجماهيري، بالضرورة ترفضه أي قوى سياسية تعلقت أهدافها و قوبها بالسلطة إذا كانت في اليمين أو اليسار، و حتى الذين كانوا يثقفون الناس أن حمل السلاح يعد أعلى مراحل النضال و الوعي الشعبي، الآن اصبحوا يتراجعون عن مقولاتهم التاريخية، لأنهم تثقفوا من الشعارات التي كانت مطروحة في مجتمعات أخرى، أو وجدوها في كتب تحكي عن نضال حركات التحرر في القرن الماضي، و تعاملوا مع الأزمة بين مكونين فقط لا يقبل دخول أي رؤية أخرى، الآن الجماهير فرضت رؤيتها في عدد من الولايات، و هي الرؤية التي سوف تسود، و هي الرؤية التي سوف تفرض شروط جديدة في العمل السياسي، و أيضا سوف تبرز من خلالها قيادات جديدة لها تصورات مغايرة عن التي قادت إلي الأزمة.
حقيقة يجب على البلاد أن تخرج من الصراع الأيديولوجي الذي استمر طويلا، و الذي لم ينتج غير ثقافة سالبة، صراعا عطل العقول و جمد قدرات الشباب الإبداعية و حصرها فقط في إخراج شعارات سالبة تستخدم فقط كفزاعات و اتهامات لبعضهم البعض، صراع لا طائل منه. الغريب في الأمر أن دعاة التغيير و الذين يتحدثون عن الثورة و استمراريتها الآن تراجعوا عن شعاراتهم، بالقول أن الثورة الشعبية المسلحة سوف تؤدي إلي حرب أهلية، رغم أن الجماهير حددت عدوها الذي مارس ضدها عمليات النهب و السرقة و التطهير العرقي و التهجير و غيرها، و تعتبر جميعها ممارسات ضد المجتمع، و طالت حتى مناطق حاضنتها الاجتماعية. أن ثورة الجماهير المسلحة ليست موجهة ضد أي قبيلة أو عشيرة أو مناطقية، بل هي موجهة ضد اؤلئك الذين يزعزعون الأمن في كل مكان. أنها ثورة من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية و العسكرية، و تغيير للثقافة الشمولية السائدة، تغيير سوف يطال مقدسات السياسة التقليدية في البلاد، أنها ثورة من أجل أن تسقط كل أوراق الفكر الذابلة التي لم تورث المجتمع غير الفشل تلو الفشل، و معلوم أن ثورة الاستنفار الجماهيري سوف تحدث تغييرا كبيرا في الساحة السياسية، هو الذي سوف يعبد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد دون أي وصاية من قبل أي قوى سياسية كانت. نسأل الله حسن البصيرة...

zainsalih@hotmail.com
////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المجتمع من أجل

إقرأ أيضاً:

الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي

في عالم تتداخل فيه التكنولوجيا مع تفاصيل الحياة اليومية، أصبحت الطائرات المسيّرة الصينية جزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من الأمريكيين. من الزراعة إلى الإنقاذ، تتجاوز استخداماتها الفعّالة مجرد أدوات طائرة، لكنها تواجه الآن تحديات تشريعية تهدد وجودها في الأسواق الأمريكية.

اعلان

وتمثل الطائرات المسيّرة الصينية مثالًا حيًا على الابتكار التقني الذي غيّر قواعد اللعبة في العديد من المجالات، مثل الزراعة وخدمات الطوارئ. ففي ولاية كارولاينا الشمالية، يعتمد المزارع راسل هيدريك على هذه الطائرات لرش الأسمدة على حقوله بكفاءة وبتكلفة أقل بكثير من المعدات التقليدية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد الكبير يثير قلقًا لدى صناع القرار الأمريكيين الذين يرون فيه خطرًا على الأمن القومي والتنافسية الاقتصادية.

راسل هيدريك يشغل طائرة مسيرة في مزرعته.Allison Joyce

ومع تصاعد المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، تسعى الحكومة الأمريكية إلى تقليص الاعتماد على المنتجات الصينية.

ويأتي هذا التوجه في سياق قيود سابقة فرضتها واشنطن على شركات الاتصالات الصينية والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى توجهات مماثلة في مجالات أخرى كأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.

ولم تكن القوانين الجديدة بعيدة عن هذه المواجهة؛ إذ تضمن قانون الدفاع الذي أقرّه الكونغرس مؤخراً بنوداً تمنع شركتين صينيتين من بيع طائرات مسيّرة جديدة في الولايات المتحدة، إذا تبيّن أنها تشكل خطرًا "غير مقبول" على الأمن القومي الأمريكي. وقد سبق أن مُنعت بعض الوكالات الفيدرالية من شراء هذه الطائرات، مع استثناءات محدودة، بينما فرضت ولايات عدة قيودًا على استخدامها في برامج مدعومة حكوميًا.

ورغم المخاوف الأمنية، هناك أصوات تنتقد هذه الإجراءات، مشيرة إلى تأثيرها السلبي على قطاعات حيوية. ومن بين هذه الأصوات، المزارع هيدريك الذي يؤكد أن الطائرات الأمريكية لا تزال بعيدة عن منافسة نظيراتها الصينية من حيث الأداء والسعر. ويشارك هذا الرأي العديد من الخبراء الذين يرون أن البدائل الأمريكية ليست جاهزة بعد لسد الفجوة، مما قد يضعف قدرات المستخدمين المحليين على تنفيذ مهامهم اليومية بكفاءة.

طائرة مسيرة من طراز DJI التابعة لراسل هيدريك تنشر غطاء المحاصيل في مزرعته.Allison Joyce

وتحتل شركة "DJI" الصينية موقع الصدارة في سوق الطائرات المسيّرة، حيث تُعرف منتجاتها بأسعارها التنافسية وأدائها العالي. تُستخدم هذه الطائرات في تطبيقات متعددة، بدءًا من البحث عن ضحايا الكوارث الطبيعية وصولًا إلى تصوير الأفلام. ورغم ذلك، فإن وجودها المهيمن أثار مخاوف متزايدة، حيث أدرجتها الحكومة الأمريكية في قوائم سوداء بسبب مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وعلاقات مع الجيش الصيني.

Relatedتايوان قلقة من تهديد جديد.. وتؤكد أن "الصين ترسل إلى المنطقة أكبر أسطول بحري منذ عقود"قبل عودة ترامب.. بايدن يدفع لوضع استراتيجيات جديدة للتعامل مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصيندعوات غير مسبوقة: ترامب يدعو زعماء من العالم بينهم الرئيس الصيني لحضور حفل التنصيب

لكن القوانين الجديدة لم تأت دون تحديات؛ فقد تسببت في تعطيل العديد من البرامج الحكومية والخاصة التي تعتمد على الطائرات المسيّرة، مما دفع بعض الولايات مثل فلوريدا إلى تخصيص ميزانيات ضخمة لمساعدة الوكالات المحلية على الانتقال إلى بدائل جديدة. ومع ذلك، وصف خبراء هذه المرحلة بأنها "فوضى عارمة"، حيث واجه المستخدمون صعوبات تتعلق بتعلم أنظمة تشغيل جديدة وإعادة ضبط الشبكات والتطبيقات المستخدمة.

وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الصناعة الأمريكية سد الفجوة وابتكار بدائل قادرة على منافسة المنتجات الصينية؟

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ترامب يهدد أوروبا بعقوبات ورسوم جمركية ويطالب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5% ميتا تواجه غرامات تفوق 251 مليون يورو بعد تسريب بيانات المستخدمين في 2018 دعوات غير مسبوقة: ترامب يدعو زعماء من العالم بينهم الرئيس الصيني لحضور حفل التنصيب ضرائبالصينالولايات المتحدة الأمريكيةالسياسة الصينيةالوارداتزراعةاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إصابة أكثر من 25 إسرائيليًا إثر صاروخ يمني والكنيست يمدد حالة الطوارئ لعام إضافي يعرض الآن Next ترامب والصحة العالمية كلاكيت ثاني مرة.. الرئيس المقبل ينوي الانسحاب من المنظمة فهل يفعلها مجددا؟ يعرض الآن Next طلاق أسماء الأسد.. رحل بشار عن سوريا فهل ترحل عنه زوجته؟ يعرض الآن Next عاجل. وول مارت تبيع قمصانا عليها صورة السنوار وإسرائيل تستشيط غضبا يعرض الآن Next عاجل. 12 قتيلًا على الأقل بإنفجار في مصنع للمتفجرات شمال غرب تركيا اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادبشار الأسددونالد ترامبإسرائيلشرطةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أوروباسورياضحاياأبو محمد الجولاني ماغدبورغنيويوركالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي
  • ما حصل في عملية تغيير العملة هو تخبط من بنك السودان المركزي
  • "أحسن صاحب": منصة الإبداع التي تكسر حواجز الإعاقة
  • السودان واستغلال الفرص
  • هذه أبرز الأحداث التي شهدتها إيران خلال 2024.. بينها عملية اغتيال
  • وزير الزراعة يدحض بالأرقام التقارير التي تروج للمجاعة بالسودان
  • مفاوضات غزة – تفاصيل الملفات التي تم الاتفاق عليها حتى الآن
  • كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • أستاذ في العلوم السياسية يطالب المجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ غزة