في سابقة بالممارسة السياسية في السودان، أمهل والي ولاية نهر النيل، المعارضة السياسية الممثلة في «الحرية والتغيير»، ومن سمّاهم «الخونة، والطابور الخامس» 72 ساعة لمغادرة ولايته، وسط تحشيد وتوتر تشهده الولايات الشمالية تحسباً لهجوم متوقَّع من قوات «الدعم السريع».

وفي خطاب أمام حشد شعبي مسلح في مقر الفرقة الثالثة مشاة بمدينة شندي (شمال) حذّر والي ولاية نهر النيل المكلف، محمد البدوي، من سمّاهم «القحاتة (المعارضة السياسية) والخونة والعملاء والطابور الخامس، أو المتعاونين مع المتمردين»، بمغادر الولاية في ظرف 3 أيام.



وتعبير «قحاتي» مصطلح يستخدمه أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، للنَّيل من تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» واختصاره «قحت»، وهو التحالف الذي قاد الثورة الشعبية التي أطاحت حكم الإسلاميين في السودان في ديسمبر (كانون الأول) 2018.

وتقف جماعات «الإخوان المسلمين» وراء الدعوات للتحشيد القَبليّ والجهويّ الذي تشهده الولايات الشمالية على وجه الخصوص.

وفي الوقت ذاته شنت الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني حملات دهم واعتقال، ألقت خلالها القبض على عدد من نشطاء المجتمع المدني، والعاملين في المجال الإنساني وكوادر الأحزاب السياسية وغرف الطوارئ والصحافيين الفاعلين والرافضين لاستمرار الحرب، في عدد من مدن البلاد، وعلى وجه الخصوص في ولايات «النيل الأزرق، وسنار، ونهر النيل، وكسلا، والشمالية».

من جهة أخرى، شن الطيران الحربي للجيش السوداني غارات جوية على مدينة نيالا جنوب دارفور، أدت إلى مقتل وجرح العشرات، باستخدام البراميل المتفجرة.
أديس ابابا: الشرق الأوسط  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

المفارقات في المشهد السوداني!

تدخل الحرب السودانية عامها الثالث بلا أفقٍ لا في وقفٍ لإطلاق النار أو أملٍ في قبول التفاوض، بينما يسقط العشرات من المدنيين يوميًّا ضحايا لهذه الحرب ويعاني من الجوع ثلاثة أرباع الشعب السوداني طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

لماذا وصل السودان إلى هنا؟ لماذا يفقد الناس حيواتهم وبيوتهم؟ هل يبرّر الصراع على السلطة محليًّا، وتناقض المصالح الإقليمية، هذا الثمن الفادح؟.

يبدو أنّ هناك حساباتٍ خاطئةً من الجميع في هذه الأزمة ترشّحها للاستمرار لعددٍ من السنوات القادمة، في ضوء حالة الانشغال الدولي بأزمتَيْ أوكرانيا وغزّة وترتيب الأوضاع مع إيران فيما يخصّ مستقبل مشروعها النووي.

الخطأ المركزي، في تقديري، يأتي من جانب معسكر الإسلام السياسي السوداني بقسمَيْه البراغماتي في حزب المؤتمر الوطني والإيديولوجي في الجبهة القومية الإسلامية، إذ لا ينتبه بالقدر الكافي لطبيعة الموقف الإقليمي والدولي من "الإخوان المسلمين"، ذلك أنّ النموذج السوري لم يمرّْ إلّا بإسنادٍ أساسيّ من تركيا بما تملكه من حدودٍ مشتركةٍ أتاحت لها مثل هذا الدور، بينما نموذج "حماس" تمّ الاتفاق الإقليمي والدولي على إخراجه من غزّة بغضّ النظر عن اتفاقنا مع هذا التوجّه من عدمِه، حيث لم يُثمِّن الإقليم العربي الدور المقاوِم ضدّ إسرائيل لكلّ من "حماس" و"حزب الله"، كما ما زالت الولايات المتحددة متحفّظةً على المسار السوري حتّى اللحظة الرّاهنة.

في ضوء هذه الديناميّات، يكون من الخطأ اعتبار أنّ نصر الجيش السوداني مؤخّرًا وقدرته على السيطرة على مناطق واسعة من شرق البلاد والعاصمة السياسية الخرطوم، يمكن أن ينسحبَ على الوزن السياسي لحُلفاء الجيش سواء من الميليشيات التابعة لمعسكر الإسلام السياسي أو الفصائل "الدارفورية" التابعة له، ذلك أنّ للجيش داعمين إقليميين ضدّ هذا الاتجاه، كما أنّه لن يعطي "الدعم السريع" والداعمين له مصداقيةً لمقولة الأخير الشهيرة بأنّ الجيش وقياداته هم انعكاس لإرادة المُعسكر الإسلامي. صحيح أنّ قيادة الجيش قد مارست تعديلًا للوثيقة الدستورية بشطب الشركاء المدنيين من القوى السياسية الموقِّعة على الوثيقة في أغسطس/آب 2019، إلا أنّ هذا الأداء كان بدفعٍ مباشرٍ من حلفاء الجيش على اعتبار أنّ الحكْم العسكري هو الضّامن لاستمرارهم السياسي.

ولكن مع الضّغوط الدولية الراهنة، واتجاه حكومة بورتسودان لرفع دعوى ضد الداعمين الإقليميين لـ"الدعم السريع" أمام محكمة العدل الدولية، سيكون العامل الدولي أكثر تأثيرًا في المعادلات الداخلية.

في هذا السياق، يكون من الخطأ الإستراتيجي لحلفاء الجيش الرّهان على قيادة المعادلة السياسية السودانية على الرَّغم من الضعف النسبي لباقي الأطراف السياسية السودانية في هذه المرحلة، ويكون عليهم بالتالي التأقلم مع هذا المُعطى وتأثيره من حيث التوجّه لوقف الحرب من ناحية، والدفع نحو الحكْم المدني من ناحية أخرى.

أمّا المدنيون في كلّ من "صمود" و"تأسيس"، فلكلٍّ منهما نصيب من الأخطاء في الحسابات، ذلك أنّ "تأسيس" بخروجها عن التحالف الأمّ، لم تحقّق أهدافًا في التأثير في الأداء العسكري ضدّ المدنيين، والذي تمّ إدانته دوليًا، بل إن استمرار هذا الأداء على هذا النّحو الهمجي الذي يحرم الشعب السوداني من مقدّراته اللوجستيّة، ويُدان بالإبادة الجماعية على المستوى الدولي قد وَصم هذا الفريق بالإدانة السياسية واللاأخلاقية خصوصًا أنّ بعض رموزِه القانونية قد وقف ضدّ بلاده في لاهاي.

أمّا تحالف "صمود" الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك، فيبدو أن أدواته ما زالت قاصرة، ورهانه على وقف الحرب عبر الفاعل الدولي بشكلٍ أساسيّ يضعفه على الصعيد المحلي، كما أنّه لم يصرّْ على الدفع نحو خيار المائدة المستديرة بين الأطراف السياسية بالزّخم المطلوب حتّى يتمّ وقف الحرب فعلًا.

وعلى الصعيد العسكري، فإنّه من الخطأ الأساسي اعتبار أنّ الحل العسكري وإبادة الطرف الآخر سوف يكون ناجزًا في حلّ الأزمة السودانية، ذلك أنّ استمرار الحرب يُعمّق انقسامات النسيج الاجتماعي السوداني بما يُعدّ تهديدًا وجوديًا للدولة السودانية في هذه المرحلة، حيث لن تتوقف نظرية "الدومينو" في تقسيم السودان عند محطة دارفور كما يتوقع البعض، ولكنها سوف تستمرّ لتنال من شرق السودان أيضًا على المستوى المتوسط، ليتقزّم السودان أو حتّى يساهم استمرار الحرب الراهنة في تدشين النموذج الصومالي في السودان، بكلّ معطياته في انهيار الدولة وتصاعد التهديدات الأمنية نتيجة تمدّد التنظيمات المتطرّفة.

(خاص "عروبة 22")

   

مقالات مشابهة

  • المفارقات في المشهد السوداني!
  • مجموعة منشقة من صندل تكشف أسباب وقوفها مع الجيش السوداني 
  • الجيش الإسرائيلي يقتل نائب قائد الوحدة 4400 بحزب الله
  • كهرباء السودان تعلن عودة التيار إلى الخرطوم وتكشف أسباب تأخرها في نهر النيل والبحر الأحمر
  • آثار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مستشفى الخرطوم – فيديو
  • توتر في الشمالية ونذر مواجهة مسلحة بين مكون قبلي وقوات متحالفة مع الجيش بسبب الذهب
  • قصة حرب السودان .. دماء في مجاري النيل
  • مع تقدم الجيش في كردفان ووضع نيالا تحت التهديد ستبدأ المليشيا في فقدان أعصابها
  • الجيش الإسرائيلي يقتل قياديًا في حزب الله
  • القوات المشتركة تتمسك بموقفها من الجيش السوداني