في اليوم التالي لإعلان كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن تنفيذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن أسر أكثر من 200 إسرائيلي، بدأت عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة فعالياتها الضاغطة لتحريرهم.

وعقد "منتدى عائلات المختطفين والمفقودين" في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول أول مؤتمر صحفي لفتح قناة تواصل مع الحكومة الإسرائيلية ومطالبتها بتحرير الأسرى.

وتضمن المؤتمر مطالبة ومناشدة لدول في المنطقة مثل تركيا والسعودية ومصر، للمساهمة في الضغط من أجل تحرير الأسرى في قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين بدأت الاحتجاجات تتوسع وتطال شرائح عديدة من المجتمع الإسرائيلي.

وكان أول نشاط فعلي لمنتدى العائلات على أرض الواقع في 20 أكتوبر/تشرين الأول، وشارك المئات من بينهم شخصيات دينية يهودية وفنية مشهورة في أول مظاهرة مطالبة بتحرير الأسرى، والتي نُظمت في ساحة متحف "تل أبيب" للفنون، التي غيرت العائلات اسمها إلى ساحة "المختطفين والمفقودين"، وأقيمت فيها خيمة اعتصام توافد إليها العشرات.

وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول حضر وفد من "منتدى عائلات المختطفين والمفقودين" جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن الحرب، وتحدّث والد أحد المحتجزين، وعضو في المنتدى، أمام أعضاء مجلس الأمن والأمم المتحدة مطالبا بتحرير أولادهم، وقد تزامن ذلك مع مظاهرات داعمة لأهالي الأسرى الإسرائيليين نظمها نشطاء يهود في الولايات المتحدة.

صفقة تبادل الآن

وبعد مرور 4 أسابيع على بداية الحرب، ومع ازدياد المتضامنين والمشاركين في المظاهرات، نظم المنتدى مظاهرتين في 4 و11 نوفمبر/تشرين الثاني شارك فيهما عشرات الآلاف مطالبين الحكومة الإسرائيلية بصفقة تبادل أسرى تضمن عودة أبنائهم أحياء، واستقطبت المظاهرات عددا من المشاهير والفنانين والسياسيين، وعلى رأسهم رئيس الدولة السابق رؤوفين ريفلين.

أما في 14 من الشهر ذاته، فنظّم منتدى العائلات مظاهرة مشيا على الأقدام، شارك فيها عشرات الآلاف، واستمرت لـ5 أيام، بدأت من ساحة متحف "تل أبيب" للفنون وانتهت عند مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس.

كما اجتمع وفد من منتدى العائلات مع مجلس الحرب الوزاري "الكابينت" أكثر من مرة لمناقشة إمكانية إجراء صفقة تبادل، وذلك بعد انتشار تسريبات صوتية لنتنياهو من جلسة سابقة قال فيها إن القضاء على حركة حماس أهم من تحرير المحتجزين.

وعزا الباحث في الشأن الإسرائيلي، إيهاب جبارين أسباب ازدياد الأعداد المشاركة في الاحتجاجات من العشرات في بداية الحرب إلى عشرات الآلاف بعد أسابيع، إلى انخفاض معدل الجو الانتقامي الذي كان يعيشه المجتمع الإسرائيلي في بداية أيام الحرب.

وتابع جبارين في حديث للجزيرة نت أن بعد فترة من بداية الحرب بدأت أصوات من داخل المعارضة تعلو، تتحدّث عن أهمية المشاركة في هذه الاحتجاجات، خصوصا وأنهم لمسوا استغلال نتنياهو لهذه الحرب ومحاولته إطالتها لحماية نفسه.

حرب نفسية

وتصاعدت وتيرة المظاهرات وحدّتها، مع كل مرة تنشر فيها المقاومة صورا ومشاهد للأسرى الإسرائيليين وهم يطالبون بعودتهم لبيوتهم وبإجراء صفقة تبادل على الفور، ومع تحريرها أسرى "أجانب" بدون مقابل، إذ رأى أهالي الأسرى أنّ ثمة حلا سياسيا يضمن سلامة أبنائهم، غير الحل الرسمي الإسرائيلي الذي يهدف لإعادة الأسرى بقوة الحرب، والذي فشل حتى الآن في تحرير المحتجزين وهم على قيد الحياة.

وتحدّث تقرير نُشر على هيئة البث الإسرائيلية عن الحرب النفسية القاسية التي تمارسها حماس بنشرها تلك المشاهد، وإلى ازدياد حجم الضغط الذي تمارسه على عائلات الأسرى والحكومة الإسرائيلية، وهو ما يتسبب باتساع رقعة المظاهرات وزيادة أعداد المشاركين فيها.

وكانت كتائب القسّام قد أعلنت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول مقتل أحد الأسرى الإسرائيليين، وذلك خلال اشتباكات مع قوات خاصة إسرائيلية حاولت تحريره بعد تنكرها بسيارة إسعاف، بالإضافة إلى مقتل عشرات الأسرى خلال القصف الإسرائيلي.

كما أعلن جيش الاحتلال في 14 من الشهر نفسه، مقتل 3 أسرى برصاص قواته حاولوا الهرب من سجون المقاومة إليه.

ودفع ذلك بالمحلل السياسي الإسرائيلي يوسي ملمان، إلى القول إن "الأسرى الإسرائيليين سيعودون جثثا إن لم تقم حكومتنا بالمبادرة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى"، في حين أشار المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي في خطاباتهم أكثر من مرة، إلى أن حماس تمارس حربا نفسية قاسية وصعبة عند بثّها لمشاهد المحتجزين.

وشكّلت الفيديوهات التي نشرتها كتائب القسام صدمة لأهالي الأسرى وللمجتمع الإسرائيلي، فمثلا، وعلى إثر مقتل الثلاثة برصاص الجيش الإسرائيلي، خرج الآلاف للتظاهر في ساعات متأخرة من اليوم نفسه، أمام مقر وزارة الأمن في تل أبيب لإيقاف الحرب.

كما صعّدت عائلات الأسرى احتجاجاتها من خلال حضور جلسات الكنيست وترديد هتاف "صفقة الآن"، كان آخرها ليل 25 كانون الأول/ ديسمبر، وبالتزامن مع خطاب نتنياهو الذي أكد على استمرار القتال.

ولتخفيف ردود الفعل هذه، سارعت قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي إلى تحذير الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من تناقل هذه المشاهد ومشاهد القتال التي يبثها "الإعلام العسكري" لحركة حماس.

مدى التأثير

ويبقى السؤال المطروح عن مدى تأثير العائلات على قرار وقف الحرب؛ فقد ساهم هذا الضغط الداخلي المستمر إلى نزول الحكومة الإسرائيلية عند مطالب الفصائل في غزة خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والقبول بهدنة إنسانية مؤقتة لإجراء صفقة تبادل أسرى جزئية.

وأثارت هذه الصفقة حفيظة جماهير اليمين الذين وقفوا منذ بداية الحرب ضد وقفها، ويؤيدون على الدوام استمرارها للقضاء على حماس، بغض النظر عن صعوبة القتال والأثمان المدفوعة، وسبّب هذا الاختلاف أجواء متوترة ومشحونة واعتداءات في عدة مدن، اصطدم بها أنصار اليمين مع متظاهرين مطالبين بوقف الحرب وإجراء صفقة تبادل.

وأكثر من ذلك، سادت أجواء مشحونة ومشاجرات كلامية داخل "الكنيست" الإسرائيلي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، خلال جلسة ناقش فيها أعضاء الكنيست مقترح قانون "إعدام الأسرى الفلسطينيين"، حضرها وفد من عائلات الأسرى، حيث عارضوا مقترح القرار واحتجّوا ضده.

وفي سياق مدى تأثير الاحتجاجات على القرار الإسرائيلي، قالت شيرين يونس، الباحثة بالشأن الإسرائيلي للجزيرة نت إن "الاحتجاجات داخل إسرائيل لها أثر محدود، بسبب توليفة الحكومة اليمينية، وحالة الانقسام التي كانت قبل الحرب، وفي حين يتم مهاجمة العائلات من جمهور اليمين؛ يحاول نتنياهو إعلاء صوت عائلات الجنود القتلى التي تدعم استمرار القتال، في محاولة لنزع الشرعية من عائلات المختطفين".

من جهته، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي، وديع عواودة، في حديثه للجزيرة نت: "هناك تأثير واضح لعائلات المحتجزين وخصوصا بعد تبيّن أن التوغل البري لن يعيدهم أحياء"، كما أشار إلى أن "ضغط العائلات سيكون أكثر فاعلية وتأثيرا، وأن الرأي العام يؤثر على موقف الحكومات وحتى قرارها بوقف الحرب".

وأردف عواودة، أنّ الحكومة الإسرائيلية تشعر بالحرج أمام عائلات المحتجزين والعالم، فبعد كل هذا الدعم الأميركي والأوروبي، لم تستطع تحرير أسراها بالقوة.

رأي الشارع

وفي سياق مدى قبول الشارع الإسرائيلي لصفقة تبادل للأسرى، أظهر استطلاع أجراه مركز "دايركت فولس" والقناة "14 الإسرائيلية"، أن 52% من الإسرائيليين أيّدوا صفقة التبادل التي كانت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأن 76% من داعمي أحزاب المعارضة دعموا الصفقة، في حين أيد 30% من داعمي الحكومة اليمينية الحالية إجراء الصفقة.

ويواصل "منتدى عائلات المختطفين والمفقودين" وقوفه أمام نتنياهو الذي يريد إطالة أمد الحرب لأطول وقت ممكن لعلّه يستطيع إنقاذ رقبته من المحاكمة، وأمام جمهور اليمين وقادته الذين يقودون حرب إبادة على غزة.

مع ذلك، يبدو أن الاحتلال ليس أمامه لتحرير أسراه إلا الرضوخ لمطالب المقاومة بالذهاب إلى صفقة شاملة تبيّض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، مع وقفٍ كامل لإطلاق النار.

ورجّح عواودة أنه لن يكون هناك حل إلا باتجاه صفقة شاملة، حتى لو تمكنت إسرائيل من اغتيال قادة في حماس، فهي في حالة صعبة ووضعها مربك، فما تحملته حماس لم تتحمله دول، وسيشعر الإسرائيليون بشعور مشابه لما أصابهم عند انتهاء حرب لبنان الثانية، إنه "إحساس بالمرارة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المختطفین والمفقودین الأسرى الإسرائیلیین الحکومة الإسرائیلیة نوفمبر تشرین الثانی أکتوبر تشرین الأول عائلات المختطفین عائلات الأسرى بدایة الحرب صفقة تبادل أکثر من

إقرأ أيضاً:

وفد حماس بالقاهرة يبحث وقف الحرب عن غزة.. استعداد لهدنة 5 سنوات

أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم السبت، أن وفدها القيادي الذي وصل إلى العاصمة المصرية القاهرة، يجري مباحثات بشأن وقف الحرب عن قطاع غزة، إلى جانب مناقشة قضايا أخرى.

وقال القيادي في حركة حماس باسم نعيم في تصريح نشره عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، إنّ "وفدنا وصل إلى القاهرة للبحث في ملف المفاوضات وقضايا أخرى"، مشددا على أن "ثوابت أي مفاوضات وقف الحرب وانسحاب شامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة".

في غضون ذلك، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر مسؤول في "حماس" أن الحركة مستعدة لعقد صفقة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، تشمل إطلاق سراح الأسرى المتبقين دفعة واحدة وهدنة لمدة خمس سنوات.

وأشار المصدر ذاته إلى أن وفد "حماس" برئاسة خليل الحية التقى ظهر السبت مع مسؤولين مصريين في القاهرة، للبحث في بعض الأفكار ومقترح جديد لوقف إطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى.

وذكر أنه "حتى صباح السبت لم تتلقَ حماس رسميا أي مقترح جديد حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن نوقشت العديد من الأفكار المهمة خلال المباحثات مع الوسطاء خلال الأيام القليلة الماضية".



وتابع: "نأمل أن يتم قبول رؤية حماس بما يضمن وقفا كليا لإطلاق النار والانسحاب الاسرائيلي الكامل وصفقة جادة لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات بشكل فوري وبكميات كافية".

وأصدرت وزارة الصحة الفلسطينية، السبت، تقريرا حول أعداد الشهداء الذين سقطوا في قطاع غزة، جراء استمرار المجازر الوحشية المروعة.

وقالت الوزارة، إن مستشفيات قطاع غزة استقبلت 56 شهيدا، و108 إصابات خلال الـ24 ساعة الماضية، مشيرة إلى أن عددا من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وحول الحصيلة الإجمالية، قالت "الصحة"، إنها ارتفعت إلى 51,495 شهيدا و117,524 إصابة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

من جانبهم، دعا أهالي أسرى الاحتلال المحتجزين في قطاع غزة إلى التظاهر مساء السبت، للمطالبة بإعادة ذويهم إلى منازلهم "دفعة واحدة".

جاء ذلك خلال بيان نشرته عائلات الأسرى المحتجزين بغزة على صفحتهم الرسمية على منصة "إكس"، دعوا خلاله إلى الخروج للتظاهر من أجل الإسراع بالإفراج عن ذويهم.



وأكدت العائلات في بيانهم على ضرورة توصل حكومة بنيامين نتنياهو إلى اتفاق مع حركة "حماس" يقضي بإعادة المحتجزين الإسرائيليين الـ 59 دفعة واحدة.

وشددت العائلات على أنه "من الواجب التوصل لاتفاق يعيد الجميع إلى ديارهم دفعة واحدة، الآن، فالشعب الإسرائيلي يختار إعادة جميع المحتجزين دفعة واحدة، قبل كل شيء"، على حد قولهم.

وأشارت عائلات الأسرى الإسرائيليين أن عشرات الفعاليات والمظاهرات سيتم تنظيمها مساء السبت، في أنحاء واسعة من البلاد، للمطالبة بإعادة المحتجزين إلى منازلهم.

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

وفي 18 مارس/ آذار الماضي، تنصل الاحتلال من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، واستأنف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق.

وتسبب تنصل نتنياهو وحكومته من الاتفاق وعدم إكمال مراحله في إبقاء المحتجزين الإسرائيليين قيد الأسر لدى "حماس"، حيث تشترط الحركة وقف الحرب وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

وبدعم أمريكي، يرتكب الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • تعرف على الأسرى الإسرائيليين الذين قتلوا خلال الحرب
  • بعد فيديو القسام.. عائلات الأسرى الإسرائيليين: الضغط العسكري يقتل أسرانا
  • مصادر: مقترح حماس يتضمن الإفراج عن الأسرى مقابل وقف الحرب وانسحاب كامل من غزة
  • وفد حماس بالقاهرة يبحث وقف الحرب عن غزة.. استعداد لهدنة 5 سنوات
  • أكثر من ثلثي الإسرائيليين يؤيدون “صفقة التبادل” ولو أدت لإنهاء الحرب
  • وفد حماس يصل إلى القاهرة لبحث مقترح صفقة شاملة مع إسرائيل
  • استطلاع: 68% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة مع حماس
  • أكثر من ثلثي الإسرائيليين يؤيدون صفقة التبادل ولو أدت لإنهاء الحرب
  • مسؤول في حماس: الحركة مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن في صفقة لإنهاء حرب غزة
  • محللون إسرائيليون: هذه أسباب تكثيف حماس نشر فيديوهات الأسرى